حتى في أدغال أفريقيا لن نعثر على تلفزة بئيسة مثل القناة الثانية، التي قررت الاستمرار في نهج نشر التفاهات، و تضبيع المشاهدين. قلنا في مقال سابق أن إصلاح الإعلام السمعي البصري، يتطلب إرادة سياسية حقيقية، تنهي القبضة المخزنية و تؤسس لإعلام حر و ديموقراطي. لقد انتظر المغاربة عملية تحرير التلفزة من الاعتقال، إذ علقوا آمالا كبيرة على دفتر التحملات، الذي تضمن خطة للإصلاح، لكن الأمور صارت عكس ما كان ينتظر المواطنون، إذ أصيب المشاهد بالإحباط، و ظلت دار لقمان على حالها. لقد كانت قبضة المخزن أقوى من تصريحات وزير الاتصال الذي هدد بالاستقالة في حالة عرقلة مشروعه الإصلاحي. لكن بدل أن يستقيل الوزير استقال الإصلاح و الشيء الوحيد الذي أنجزته الحكومة هو إلزام القناة الثانية بنقل صلاة الجمعة. إن الصلاة عبادة يقوم بها المسلم في علاقته بخالقه و هي ليست مجالا للفرجة و المتابعة، فالقناة الثانية مطالبة بنقل هموم المواطنين و معاناة ساكنة المناطق المهمشة. للشعب مطالب أساسية يجب على القناة الثانية أن تهتم بها كالتعليم و الشغل و السكن و الصحة عوض أن تقدم برامج تافهة و مسلسلات رديئة. و كمثال على تفاهة برامج القناة الثانية "برنامج الخيط الأبيض" لمقدمته "نسيمة الحر" التي تعمل جاهدة للصلح بين الأزواج في غياب شروط الصلح. حدث أن صادفت حلقة لهذا البرنامج البئيس فكان المشهد كالتالي: بدأ الزوج يتحدث عن المشاكل التي كانت وراء خلافه و نزاعه مع زوجته و أجملها في ظروفه الاجتماعية الصعبة فهو لا يستطيع تلبية طلبات زوجته الشيء الذي يؤدي إلى شجار بينهما لكن ما أثار انتباهي هو تدخل ضيفة البرنامج و هي بالمناسبة محللة نفسية مخاطبة الزوج المحبط: ألا تعلم بأن أسباب الخلاف بينك و بين زوجتك، أنكما تنطلقان من مرجعيات مختلفة. لو كان هذا الشخص يعرف معنى كلمة مرجعية لما أتى إلى برنامج الخيط الأبيض. أعتقد أن هناك أطراف عديدة تساهم في توسيع مجال اللامعنى. هذه فئة من الناس لا تحتاج إلى برنامج "الخيط الأبيض" بقدر ما تحتاج إلى تنمية اقتصادية و اجتماعية تحفظ للمواطن كرامته، أما تقديم أشخاص في "بلاطو الخيط الأبيض" ليتحدثوا عن مشاكلهم الشخصية أمر فيه الكثير من الإهانة لهذه الفئة الاجتماعية المقهورة على حد تعبير مصطفى حجازي. إنها عملية استخفاف بعقول المشاهدين. هؤلاء أناس بسطاء يحتاجون إلى رعاية الحكومة، أما تقديم برنامج تافه لا يمكن أن يحل مشاكل اجتماعية معقدة. لكن للمسؤولين و جهة نظر مخالفة تتجلى في عرض المسلسلات التركية بالعامية ليقف المشاهد على "غلطة حياته"و هو عنوان المسلسل التركي الذي تعرضه القناة الثانية حاليا. هكذا تستمر القناة الثانية في نشر التفاهات حتى يبتعد الناس عن التفكير في القضايا الأساسية. سيأتي يوم نجد فيه أنفسنا متخلفين حتى عن المزنبيق التي انتصرنا عليها في كرة القدم و قد تتوفر هذه الدولة مستقبلا على تلفزة تكون أحسن بكثير من القناة الثانية. إمضاء محمد المسعودي