قال محمد عبد النباوي رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية إن السياق الوطني والدولي يتسم بدينامية متسارعة تستوجب ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وشفافية التدبير، ومحاربة كافة أشكال الاختلالات التي قد تمس بالمال العام، باعتباره أحد المداخل الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة بمختلف أشكالها وتكريس العدالة الاجتماعية. وشدد عبد النباوي في كلمة له بمناسبة افتتاح السلسلة الوطنية للتكوين المتخصص في الجرائم المالية المنظمة بشراكة مع رئاسة النيابة العامة، اليوم الأربعاء، على أهمية تقوية آليات الرقابة القضائية والإدارية في مجال تدبير الأموال العمومية، لكونه دعامة أساسية لتخليق الحياة العامة وتقوية الحكامة المؤسساتية. معتبرا أن المغرب انخرط في مسار وطني متكامل لمحاربة الفساد المالي، وترسيخ قيم الشفافية والحكامة والمساءلة.
وأشار أن التصدي للفساد اليوم يعد مؤشرا على قوة إرادة مؤسسات الدولة، ومقياسا لمدى ثقة المواطنين في مؤسساتهم، ومحكا حقيقيا لفعالية العدالة الجنائية في حماية المال العام وصون المصلحة العامة، لافتا إلى أن المغرب جعل تحت قيادة الملك محمد السادس من محاربة الفساد ورشا استراتيجيا دائما، لا يرتبط بتقلبات الظرفية بل يتأسس على رؤية ومبادئ راسخة هي قوام دولة الحق والمؤسسات. وأكد أن الجرائم المالية ليست مجرد خروقات قانونية فحسب، بل هي اعتداء على قيم المجتمع وثقته في مؤسساته. لذلك فإن مكافحة الفساد أعقد من أن تتمكن أي جهة بالقيام بها لوحدها، ولكنها تستدعي تظافر جهود السلطات والمواطنين. وأوضح عبد النباوي أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يضع من بين أولوياته الاستراتيجية تعزيز الكفاءة المتخصصة لقضاة الجرائم المالية، عبر التكوين المستمر، وتوحيد الرؤى القضائية، وتطوير منهجيات التحليل المالي والقانوني، واستثمار التكنولوجيا الحديثة في التتبع والتحقيق، تم سنة 2023، مشيرا أنه تم إحداث بنية إدارية متخصصة داخل قطب القضاء الجنائي تُعنى بتتبع أداء أقسام الجرائم المالية وفق مؤشرات دقيقة للنجاعة والفعالية، بما يتيح قياس مردودية العمل القضائي وتحسينه باستمرار. واعتبر أن المعطيات الواقعية تؤكد حجم الجهود المبذولة في هذا المجال؛ فخلال السنة القضائية المنصرمة، بلغ عدد القضايا المسجلة أمام أقسام الجرائم المالية ما مجموعه 436 قضية، في حين بلغ عدد المقررات القضائية الصادرة إلى غاية منتصف سنة 2025 249 حكماً، بنسبة إنجاز تجاوزت 71% داخل الآجال الاسترشادية، وهو رقم يعكس بوضوح دينامية هذه الأقسام وجودة أدائها، رغم تعقيد الملفات وتشابكها. ولفت إلى أن المتابعات القضائية الصادرة في مجال الفساد المالي أسفرت عن صدور أحكام سيفضي تنفيذها إلى استرجاع مبالغ هامة لفائدة الخزينة العامة، حتى يستفيد منها المواطنون وفي مقدمتهم دافعوا الضرائب. وأشاد عبد النباوي بالجهود الجبارة التي يَبذلها المجلس الأعلى للحسابات في تدقيق الحسابات العمومية وإحالة التقارير ذات الصلة، منوها في ذات الوقت بجهود النيابة العامة في تتبع الدعوى العمومية في قضايا الفساد، مؤكدا أن القضاء المالي هو صمام الأمان في منظومة تخليق الحياة العامة، وأن ضمان كفاءته وفعاليته يشكلان مظهراً لنجاح الإصلاح القضائي.