في ظل السباق المحموم نحو الفوز بالانتخابات المزمع إجراؤها في عام 2026، يعود عزيز أخنوش للعب بورقة الدولة الاجتماعية، حيث أنه وفي تصريح له يوم الأحد 30 نونبر 2025 بمناسبة افتتاح المحطة التاسعة من سلسلة "مسار الإنجازات" بإقليم تاونات، للتأكيد أن حزبه التجمع الوطني للأحرار: "هو الفريق المناسب والأفضل والقادر على التنزيل الأمثل لمفهوم الدولة الاجتماعية بالمغرب" وأنه نزل إلى الميدان لاستكشاف الواقع والإنجازات والتحديات التي ما تزال قائمة، والعمل على محاولة التقرب من المواطنين والإنصات لمطالبهم خاصة أنهم منحوه ثقتهم، بعدما سبق له أن وعدهم بما هو أفضل. إذ رغم الاحتقان الشعبي المتنامي والانتقادات الحادة التي ما انفكت توجه لحكومته، ليس فقط من قبل أحزاب المعارضة أو المركزيات النقابية وغيرها من الهيئات، بل كذلك من طرف جميع المواطنين، مازال أخنوش وقياديو حزبه يصرون على ترديد أسطوانتهم المشروخة في جولاتهم الكثيفة هذه الأيام، والمتمثلة في لازمة: "الإنجازات التاريخية وغير المسبوقة" ولا يكفون عن تعداد ما يعتبرونها منجزات يعترف بها حتى المعارضين والخصوم، إن على مستوى عدد الأسر المستفيدة من برنامج دعم السكن، أو على مستوى الزيادة في الأجور، أو على مستوى إحداث "مدارس الريادة"، وتمكين جميع المغاربة على قدم المساواة من الولوج إلى الرعاية الصحية، أو على مستوى ارتفاع معدل النمو ليلامس 5 في المائة، واقتراب قطاع السياحة من بلوغ حوالي 20 مليون سائحا سنويا… فكيف لنا تصديق تعهدات رئيس الحكومة بتنزيل الدولة الاجتماعية، وهو الذي ظل طيلة الأربع سنوات المنصرمة من ولايته عاجزا عن الوفاء بما قطعه على نفسه من وعود، أن يكون بإمكانه تحقيق ذلك في السنة الأخيرة من عمر حكومته، اللهم إلا إذا كان يطمع فقط في التمديد له لولاية ثانية؟ وأين نحن من ملف التشغيل الذي ادعت حكومته منذ تعيينها بأنه يندرج في قلب أولوياتها، من خلال تعهدها بخلق مليون منصب شغل، وتوجيه سياساتها نحو الشباب والنساء والمناطق الهشة، إذا علمنا أن البطالة بلغت 13,1 في المائة خلال الفصل الثالث من سنة 2025 وفق ما ورد في مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل، وهو ما لم يحدث على مدى ربع قرن من الزمن؟ وهل من المعقول الادعاء باستعداد حزبه للمزيد من الإنجازات، وحكومته مازالت مثقلة بملفات لم تستطع معالجتها إلى الآن، وفي مقدمتها إلى جانب ملف التشغيل ملفات الصحة والتعليم وإعمار منطقة زلزال الحوز وندرة مياه الشرب وغيرها؟ إذ لم يتمكن التحالف الحكومي الثلاثي من تقديم حلول جوهرية لمشاكل المواطنين، تاركا مصيرهم دون حماية بأيدي "الشلاهبية" من المضاربين والسماسرة و"الفراقشية" في قطاع اللحوم الحمراء تحديدا، بالإضافة إلى هيمنة القطاع الخاص على قطاعي الصحة والتعليم، فيما يعيش العالم القروي مختلف أشكال الإقصاء والتهميش وضعف البنية التحتية والحرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة، ولنا من بين أبرز الأمثلة على ذلك: "مسيرة الكرامة" سيرا على الأقدام مئات الكلومترات في يوليوز 2025 بمنطقة آيت بوكماز الجبلية التابعة لإقليم أزيلال… فما لا يمكن تصوره في ظل تراكم الاختلالات، هو أن يكون حزب "الحمامة" بقيادة أخنوش الفريق المؤهل لتنزيل الدولة الاجتماعية، والعالم يشهد أن الاحتجاجات والإضرابات تكاد لا تتوقف يوما في عهد الحكومة الحالية بنسختيها الأولى والثانية، ونذكر منها فقط: احتجاجات كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان التي دامت حوالي سنة، وإضرابات شغيلة التعليم التي شلت الدراسة في مدارس القطاع العمومي لأزيد من ثلاثة شهور وشغيلة الصحة وما ترتب عن ذلك كله من أضرار جسيمة، فضلا عن ظهور حركة "جيل Z" الشبابية، التي نقلت احتجاجاتها السلمية من الفضاء الرقمي إلى الشارع، مطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات في قطاعي الصحة والتعليم، ومكافحة مختلف مظاهر الريع والفساد، وخلق فرص الشغل لجحافل الشباب العاطلين وخاصة ذوي الشهادات العليا… ثم كيف لحزب "الحمامة" أن يكون الفريق الأفضل في قيادة "حكومة المونديال"، وهو الذي لم يجد لتولي مسؤولية أهم قطاعين حيويين الصحة والتعليم، عدا شخصين ما انفكا يثيران الجدل منذ تعيينهما، وخاصة على مستوى تنازع المصالح، حيث تم الكشف عن فضيحة تفويت وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي صفقة أحد الأدوية لزميله محمد سعد برادة وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، الذي أصبح معروفا بعباراته الغريبة مثل "النجوح" بدل "النجاح"، ودعوته الشهيرة لأهل القرى بإرسال أبنائهم إلى "مدارس الريادة" مهما كانت بعيدة، بدعوى توفرها على أساتذة أكفاء وتعليم جيد…؟ ! إننا لا ننكر أن حكومة أخنوش قامت ببعض الإنجازات التي لا يمكن تجاهلها من قبيل استفادة عدد من الأسر من الدعم الاجتماعي المباشر وبرنامج دعم السكن والزيادة في الأجور بالقطاعين العام والخاص، بيد أنها لا ترقى إلى مستوى انتظارات المواطنين، وتعد سيئاتها أكبر بكثير من حسناتها، من حيث القرارات الجائرة مثل تسقيف سن ولوج أسلاك التعليم، إقصاء المتقاعدين وذوي الحقوق من أي زيادة في المعاشات، فشلها في: النهوض بمنظومتي الصحة والتعليم، ضمان العيش الكريم للمواطنين، مواجهة الغلاء الذي ضرب القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، مكافحة الفساد الذي استشرى في عهدها بشكل صارخ، الحد من معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي والفوارق الاجتماعية والمجالية…