محمد إنفي تجار القضية ليسوا سواء؛ فمنهم من له أهداف انتخابية ومآرب أخرى (حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوي)؛ ومنهم من يريد تصفية حساباته مع الدولة من خلال زعزعة استقرار البلاد والمساس بمؤسساتها السيادية ورموزها (جماعة العدل والإحسان واليسار المتطرف رغم ما بينهما من اختلاف فكري وإيديولوجي، بالإضافة إلى العدميين بكل أصنافهم وألوانهم). وتلتقي أهداف هؤلاء مع أهداف التنظيم العالمي للإخوان المجرمين الحالمين بالخلافة (أنظر مقالنا بعنوان "إخوان مسلمون أم إخوان مجرمون؟"، الحوار المتمدن بتاريخ 23 يونيو 2025). وتنضاف إلى هذه الجوقة جماعة مغاربة إيران، الذين يعتبرون أن نظام الملالي المجرم يمثل محور المقاومة؛ بينما، في الواقع، هو من خانها في أول منعرج. لقد غرر بحماس ودفعها إلى ارتكاب "حماقة" 7 أكتوبر 2023 ، ثم تخلى عنها وتركها تواجه وحدها الغطرسة الصهيونية التي حولت غزة إلى خراب وإلى ساحة تمارس فيها الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني الأعزل. من المؤكد أن المتاجرين المغاربة بالقضية الفلسطينية لا يخدمون هذه القضية في شيء، ولا يخدمون مصالح الوطن والمواطنين؛ بل لا يبالون بها، ويخدمون، بوعي أو بدونه، أجندات أجنبية. فالكثير من المشار إليهم في الفقرة أعلاه يلتقون مع أجندة النظام الجزائري المطبع عمليا مع الكيان الصهيوني ويدعي أنه مع فلسطين ظالمة أو مظلومة؛ وهو، في نفس الوقت، يمنع الجزائريين من التعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني حتى في حدوده الدنيا. وكل الفئات المذكورة أعلاه، تخدم أجندة إيران التي تعمل على زعزعة استقرار البلدان السنية وتقويض الأنظمة المستقرة وتدعم الانفصال والإرهاب. وقد نجحت في زعزعة استقرار لبنان وسوريا والعراق واليمن وارتكبت في هذه البلدان مجازر راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء. وفي إطار دعمها للانفصال والإرهاب، فقد سمحت لأفراد من الحرس الثوري الإيراني بالتوجه إلى تندوف؛ وبعث حزب الله اللبناني، الذراع الإيراني في لبنان، أعضاء منه لتدريب ميليشيات البوليساريو على حفر الأنفاق وعلى تنفيذ العمليات الإرهابية. وللتمثيلية الديبلوماسية الإيرانية في الجزائر دور كبير في هذا العمل العدواني ضد الوحدة الترابية المغربية. ومع هذا، نجد من بيننا من صدق، بكل وقاحة وغباء، حسن نصر الله الذي زعم عدم سماعه باسم البوليساريو، وكذَّب السيد بوريطة، الديبلوماسي اللامع الذي يحرق دم أعداء الوطن الداخليين والخارجيين. وحديثهم عن الديبلوماسية البوريطية لدليل على مبلغ الألم الذي يسببه لخونة الوطن. لقد وضع وزير الخارجية المغربي إيران أمام حقيقتها، هي وذراعها اللبناني (حزب الله)، من خلال الحجج الدامغة التي احتواها الملف الذي بسطه أمام المسؤول الإيراني، وأثبت من خلاله مشاركة أعضاء من حزب الله في تكوين وتدريب ميليشيات البوليساريو، مبرزا دور الملحق الثقافي بالسفارة الإيرانيةبالجزائر في تسهيل وصول أعضاء من حزب الله وأفراد من الحرس الثوري إلى تندوف؛ وذلك قبل قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران، لما لم تقم هذه الأخيرة بالخطوات الضرورية في مثل هذه الحالات للحفاظ على العلاقات الثنائية. لا شك أن المتاجرة بالقضية الفلسطينية – سواء عن طريق دغدغة عواطف الجماهير وتأليبهم ضد وطنهم بالكذب والبهتان، مرة باسم المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، ومرة باسم جبهة من الجبهات، ومرة باسم الخلافة وأخرى باسم "الأمة" الإسلامية…- مآل هذه المتاجرة البوار والإفلاس، لأن نية هؤلاء القوم ليست صافية؛ بل تضمر الغدر وتهدف إلى النيل من المؤسسات السيادية. فمتزعمي المظاهرات وخلق الإشاعات وترويجها لاتخاذها ذريعة للهجوم على المؤسسات الاقتصادية الوطنية (الموانئ، نموذجا) مع رفع شعارات معادية للدولة واستعمال العنف ضد الشرطة… لهو دليل على ولائهم للخارج وليس للوطن. ويتساوى في هذا الأمر أبناء إيران والإخوان المحرمون واليسار المتطرف المعادي للوحدة الترابية (أو السيار المخصي، كما يسميه بعض المدونين) والعدميين الذين لا يعجبهم أي شيء في هذا البلد؛ بينما الأغراب ينبهرون بثقافته وعمرانه ومطبخه وأخلاق أهله وحِلمهم وتواضعهم. خلاصة القول، تجار القضية من حركات إسلامية الحالمة بالخلافة وفلول اليسار الراديكالي الحالمين بالثورة، كلهم يلتقون مع إيران في أجندتها التخريبية التي تستهدف الدول المستقرة والآمنة لزعزعتها وتقويض أمنها. والسؤال هو: ماذا قدم المتاجرون بالقضية للشعب الفلسطيني غير الشعارات الجوفاء، سواء تعلق الأمر بالتنظيمات السياسية والجمعيات أو تعلق بالدول، كالجزائروإيران، مثلا؟. مكناس في 22 غست 2025