"حماس" تحسم موقفها من المقترح الأمريكي الذي يدعمه المغرب    ال"كاف" ينفي تأخير بطولة "كأس إفريقيا" المقامة بالمغرب إلى مطلع 2026    الدار البيضاء سطات- عيد الأضحى.. العرض وفير والأضاحي في صحة جيدة    ولي العهد يترأس حفل تخرج للدفاع والأركان بالقنيطرة    هل يحد قانون العقوبات البديلة من اكتظاظ السجون؟    جريمة "الماحيا" تطيح ب7 أشخاص    دراسة…إرتفاع حرارة الأرض الناجمة عن النشاط البشري إلى "مستوى غير مسبوق"    ماذا قال مدرب منتخب زامبيا عن مواجهة المغرب؟    بورصة البيضاء تنهي التداولات على وقع الأحمر    ولاية أمن تطوان تتفاعل بجدية مع مقطع فيديو يوثق لتبادل الضرب والجرح    انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    يونس البحاري كاتبا إقليميا بتازة    الاتحاد السعودي يوافق على رحيل لاعبه المغربي حمد الله    نصف نهائي كأس العرش يومي 21 و23 يونيو بأكادير    الاضراب يشل المؤسسات الصحية بإقليم الحسيمة للأسبوع الثاني    ترقب في القدس لمسيرة الأعلام الإسرائيلية وبن غفير يهدد بدخول باحات المسجد الأقصى    التكنولوجيا تُعزّز مصداقية امتحانات الباك    دفاع "مومو" يطالب بالكشف عن الخبرة التقنية على هاتف موكله    سائقو سيارات الأجرة يحاصرون حافلات المطار ويمنعونها من نقل المسافرين    مطالب بإنصاف حراس الأمن المدرسي    المخرج عزيز السالمي يترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان الرباط كوميدي    أنتونيو كونتي مدربا جديدا لنابولي الإيطالي    مناهضو التطبيع يواصلون الاحتجاج ضد المجازر في غزة ويستنكرون التضييق وقمع المسيرات    إطلاق نار يستهدف سفارة أمريكا في بيروت    "اتفاق الرباط" يوصي بالاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي    دراسة…حرارة المياه الجوفية ستجعلها غير قابلة للاستهلاك بحلول نهاية القرن    تعزية في وفاة زوجة محمد الحمامي رئيس مقاطعة بني مكادة بطنجة    صديقي يكشف عدد الأغنام المستوردة الموجهة لأداء شعيرة عيد الأضحى    ماركا تُرشح دياز للفوز بالكرة الذهبية الإفريقية    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    إقليم برشيد…أونسا تكشف سبب نفوق رؤوس الأغنام    الأكاديمية فاتحة الطايب تُشرّح واقع الأدب المقارن بجامعة محمد الخامس    "سفر في الوجوه، رواق" للكاتب عزيز الشدادي    توقعات أحوال الطقس غدا الخميس    مبادرة بوزان تحتفي بزي "الحايك" الأصيل    تقصي الحقائق: ماذا يحدث على حدود رفح بين مصر وغزة؟    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الأربعاء    مراكش.. شاب يقتل والده بطريقة بشعة ويلوذ بالفرار    ارتفاع أسعار الذهب بدعم من ضعف الدولار    علماء أمريكيون يقتربون من تطوير لقاح مركب ضد جميع فيروسات الإنفلونزا    23 قتيلا و2726 جريحا حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    قصف مستمر على غزة والجيش الإسرائيلي مستعد "لتحرك قوي" على حدود لبنان    تقرير: 70 في المائة من الأطباء يتمركزون في أربع جهات فقط وطنجة ليست ضمنها    مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير يفتح باب المشاركة في دورته الجديدة    لطيفة رأفت: القفطان المغربي رحلة طويلة عبر الزمن    سلوفينيا تعترف بدولة فلسطين    بطولة رولان غاروس: الايطالي سينر يبلغ نصف النهائي ويضمن صدارة التصنيف العالمي بانسحاب ديوكوفيتش    مجلس النواب الأميركي يصوّت على معاقبة مسؤولي "المحكمة الجنائية الدولية"    خبراء: حساسية الطعام من أكثر الحالات الصحية شيوعا وخطورة في زمن تنوع الاطعمة    فرق محترفة تقدم توصيات مسرحية    الرجاء يتلقى ضربة موجعة قبل موقعة مولودية وجدة    حكم يدين إدريس لشكر بسب صحافيين    "أونسا" يكشف نتائج التحقيق في أسباب نفوق أغنام ببرشيد    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (15)    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    دراسة: القطط بوابة خلفية لانتقال أنفلونزا الطيور إلى البشر    الأمثال العامية بتطوان... (615)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باتريك سيل - "الحياة": لماذا يكره العرب والمسلمون أميركا؟
نشر في مغارب كم يوم 21 - 09 - 2012

بعد أن أطلق المسلمون والعرب موجة عنف معادية للأميركيين في عدد من الدول، إلى جانب قتل السفير الأميركي كريس ستيفنس في مدينة بنغازي، جاء ردّ الفعل الأميركي مملوءاً بالإرباك وبالغضب وبالعطش إلى الانتقام. فتمّ إرسال قوات المارينز لحماية السفارات الأميركية. ويبدو أنّ عدداً قليلاً من الأميركيين يدركون أنّ بلدهم يدفع ثمن السياسات الخاطئة التي تمّ اعتمادها على مدى عقود.
طالما أخرج معظم الأميركيين مشكلة فلسطين من بالهم ومن ضمائرهم، إلا أنّها بقيت حاضرة في ذهن العرب والمسلمين. لا يزال قمع إسرائيل للفلسطينيين على مدى 45 سنة والحصار الوحشي الذي تفرضه على قطاع غزة والاستيلاء المستمر على الأراضي في الضفة الغربية تشكّل مصدر إذلال وغضب كبير. تتحمّل الولايات المتحدّة المسؤولية الرئيسة لأنها أخفقت بعدما دعمت إسرائيل بكلّ الوسائل المتاحة في إقناعها بعقد صفقة عادلة مع الفلسطينيين.
وحاول بعض الرؤساء الأميركيين خرق جدار الأزمة العربية-الإسرائيلية، إلا أنّ السياسات الداخلية المعتمدة وتعنّت القادة الإسرائيليين أحبطت مساعيهم. فأحبط مناحيم بيغن المساعي التي قام بها جيمي كارتر فيما أحبط إسحق شامير كل محاولات جورج بوش الأب. وكاد بيل كلينتون أن يعقد صفقة قبل أن يرحل عن منصبه، غير أنّ مسؤولين موالين لإسرائيل مثل دينيس روس قوّضوا جهوده. وقضت الهزيمة التي ألحقها بنيامين نتانياهو بباراك أوباما على الآمال الكبيرة التي أحياها هذا الأخير والتي تحوّلت إلى خيبة أمل كبيرة. لا يزال النزاع العربي-الإسرائيلي الذي لم يتمّ حلّه يتسبّب بضرر حادّ في الولايات المتحدّة ويهدّد مستقبل إسرائيل على المدى الطويل. لا يمكن أن يحلّ السلام في المنطقة إلا إذا تمّ التوصّل إلى حلّ عادل. لكن، لم يجرؤ أي رئيس على صبّ النفوذ الأميركي في هذه القضية.
لم تخفق الولايات المتحدة فحسب في حلّ النزاع العربي-الإسرائيلي، بل عزّزت هيمنة إسرائيل الإقليمية. ويجب بالتالي اعتبارها متواطئة في الهجمات الكثيرة التي شنّتها ضد الدول المجاورة لها. وتعود جذور هذه السياسية إلى الانتصار الكبير الذي حقّقته إسرائيل عام 1967 والذي اعتبره وزير الخارجية الأميركية هنري كيسنجر حارس مصالح أميركا الإقليمية. تقوم فكرة كيسنجر على إغداق الأموال والأسلحة على إسرائيل بغية إضعاف العرب وإبقاء روسيا خارج المعادلة. وآتت خطته ثمارها عقب حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 وذلك بعد أن حاك مؤامرة لاستبعاد الفلسطينيين من الحلّ الذي اتفق عليه بعد الحرب ولإزالة مصر من الاصطفاف العسكري العربي، الأمر الذي ساهم في إرساء أسس معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية التي أُبرمت عام 1979. وأطلقت حينها إسرائيل شعاراً مفاده أنه «إذا تمّت إزالة عجلة، فلن تسير العربة مرة أخرى».
فضلاً عن ذلك، ضمنت المعاهدة هيمنة إسرائيل على مرّ العقود الثلاثة المقبلة إلى جانب تعريض لبنان وسورية والفلسطينيين لقوة السلطة الإسرائيلية. وشنّت إسرائيل هجوماً على لبنان عام 1982 وقتلت 17 ألف شخص. كما طردت منظمة التحرير الفلسطينية وسعت إلى تحويل لبنان إلى محمية إسرائيلية. أما سورية، فردّت على الهجمات. وتمّ اغتيال الرجل الذي كان من المفترض أن يصبح حليف إسرائيل. فانهار الاتفاق الإسرائيلي-اللبناني الذي أُبرم برعاية أميركية. واستولت إسرائيل على مدينة بيروت وأشرفت على المجزرة الرهيبة التي ارتكبها المسيحيون اليمينيون في مخيّم صبرا وشاتيلا للاجئين الذي يضمّ 800 فلسطيني. واستمرت إسرائيل في احتلال جنوب لبنان على مرّ السنوات ال 18 المقبلة إلى أن أجبرها «حزب الله» الذي تصرّ الولايات المتحدة على اعتباره «حزباً إرهابياً» على الانسحاب عام 2000.
ونادراً ما وقف الأميركيون وسألوا أنفسهم عن سبب الهجوم الذي تعرّضوا له في 11 أيلول (سبتمبر) 2001. لا شكّ في أن مسألة فلسطين كانت السبب. غير أنّ السبب الآخر هو العقاب القاسي الذي أنزلته الولايات المتحدة بالعراق من خلال إخراجها عنوة من الكويت عام 1991 ومن ثمّ من خلال فرض عقوبات قاسية عليها خلال السنوات ال13 التالية، ما أدى إلى مقتل نصف مليون طفل عراقي. أما السبب الرئيس الآخر فهو الطريقة القاسية التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع عشرات آلاف المحاربين العرب القادمين من كل أنحاء المنطقة، علماً أنّ 25 ألف شخص منهم يتحدّرون من اليمن، والذين تمّ تطويعهم وتسليحهم لمحاربة الروس في أفغانستان. وحين انسحب الروس عام 1989، تخلّت واشنطن عن المجاهدين. وتمّ السماح لعدد كبير من «الأفغان العرب» الغاضبين والعدائيين والقاسين جرّاء المعارك التي خاضوها بأن يسرحوا ويمرحوا في المنطقة. فافتعل البعض منهم المشاكل في بلدانهم، فيما انضم آخرون إلى صفوف تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن.
أدّت «الحرب العالمية على الإرهاب» التي أطلقها جورج بوش الابن عقب أحداث الحادي عشر من أيلول إلى سوء استخدام للسلطة الأميركية. وبدلاً من الاستعانة بالشرطة لمطاردة أعضاء تنظيم «القاعدة»، خاضت الولايات المتحدة حرباً في أفغانستان حيث تتسبب لغاية اليوم وبعد مرور 12 سنة على اندلاعها بسقوط ضحايا. ومن ثمّ، سمحت لنفسها بالانقياد وراء خدعة بول وولفوفيتز والمحافظين الجدد الآخرين الموالين لإسرائيل الهادفة إلى غزو العراق الذي اعتبره المحافظون الجدد عقب الحرب التي اندلعت بين إيران والعراق تهديداً محتملاً لجبهة إسرائيل الشرقية. ويقال إنّ 1.4 مليون عراقي قُتل نتيجة احتلال العراق وتدميره إلى جانب 4500 جندي أميركي.
وأطلق هذا الأمر العنان لعسكرة السياسة الخارجية الأميركية ولشنّ حروب وحشية ولتسليم الأراضي التي تمّ الاستيلاء عليها ولفرض تعذيب روتيني ولتوسيع القواعد عبر البحار (بما في ذلك في بعض دول الخليج العربية)، الأمر الذي أدى إلى تضخّم الموازنة العسكرية التي تصل إلى 700 بليون دولار سنوياً.
ويتمّ لغاية اليوم ارتكاب أخطاء فادحة. بدلاً من التحاور مع إيران كما وعد أوباما حين وصل إلى السلطة، شنّ حرباً غير معلنة على الجمهورية الإسلامية، ففرض «عقوبات شالّة» عليها وشنّ هجمات على شبكة الإنترنت لثني إسرائيل على ما يبدو عن جرّ أميركا إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط. وتمّ تفويت فرصة التوصل إلى صفقة مع طهران تكون رابحة للطرفين ومن شأنها السماح لإيران بإنتاج اليورانيوم المنخفض التخصيب لتوليد الكهرباء إلى جانب التخلي عن 20 في المئة من اليورانيوم، لأنّ إسرائيل تصرّ على ضرورة تدمير صناعة إيران النووية بالكامل. لا تحاول الولايات المتحدّة إسقاط النظام الإيراني فحسب، بل النظام السوري أيضاً ومحور طهران-دمشق-«حزب الله» الذي تجرأ على تحدي هيمنة إسرائيل.
وقلبت إسرائيل الطاولة على حليفها القوي. فبدلاً من أن تكون إسرائيل حارسة أميركا، يبدو أنّ الولايات المتحدة تحوّلت إلى حارس لإسرائيل، يهدّد أعداء إسرائيل ويعاقبهم ويشوّه سمعتهم ويشن حروباً عليهم بالنيابة عنها. لا بدّ من أنّ الأميركيين قد نسوا هذه الوقائع، هذا إن كانوا يعرفونها أصلاً، إلا أنّها لم تغب عن بال العرب والإيرانيين.
والأسوأ هو أنّ أوباما سمح بتوسيع نطاق الهجمات التي تشنّها الطائرات الأميركية من دون طيار ضد المناضلين الإسلاميين في أفغانستان وباكستان واليمن وفي كلّ مكان، الأمر الذي يؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين وإلى إثارة غضب السكان المحليين ضد الولايات المتحدّة. ولا عجب في أن يردّ العرب والمسلمون على هذه الهجمات متى استطاعوا، لا سيّما لأنهم يتضرّرون مباشرة من السياسات الأميركية الوحشية.
هل فرضت الولايات المتحدّة الأمن في الشرق الأوسط؟ أم أنها فرضت انعدام الأمن؟ هل تحتاج دول الخليج إلى الأسطول الأميركي الخامس وإلى الطائرات الحربية وإلى آلاف جنود المشاة وإلى السترات الواقية؟ هل يساهم وجود الولايات المتحدة في فرض الاستقرار أم في زعزعته؟ ألم يحن الوقت حتى تنسحب من المنطقة؟ يجب اعتبار إعادة إحياء التيارات الإسلامية التي شكّلت علامة فارقة في «الربيع العربي» بمثابة رفض للتدخّل الغربي وللسيطرة الغربية وإعادة تأكيد الهوية الإسلامية. إنها المرحلة الأخيرة في النضال العربي الطويل من أجل الاستقلال. قد يكون الفيلم المسيء للنبي محمّد الشرارة التي أشعلت غضب العرب والمسلمين، إلا أنه تمكّن من إشعالها بسبب وجود كميات كبيرة من المواد القابلة للاشتعال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.