في مشهد لا يخلو من الترقب، تواصل شاحنات محملة بمواد البناء عبورها بشكل محدود من التراب المغربي في اتجاه مدينة سبتة الواقعة تحت الاحتلال الإسباني، ضمن مبادرات تجارية معزولة لا تزال تفتقر إلى الاتساق، ولا تشكل إلى الآن مسارا مستقرا أو ذا مردودية شاملة. فمنذ أواخر مارس، تم تنفيذ سبع عمليات استيراد شملت الرمال والحصى، في إطار جدول يومي يُسمح من خلاله بعبور شاحنة واحدة في كل اتجاه، مع بقاء العملية الأخيرة، التي تمت يوم الجمعة 2 ماي، في نطاق الحمولة الاعتيادية (28 طناً). وتراهن شركات بناء داخل يبتة المحتلة، على هذه الشحنات لتقليص كلفة الإنتاج، باعتبار أن أسعارها أقل نسبيا مما هو معروض بالسوق الإسباني. ومع أن هذا النوع من المبادلات يُقدّم محليا في سبتة على أنه خطوة نحو توسيع نطاق التزود من داخل المغرب، إلا أن المعطيات الواقعية لا تزال تحصره في إطار مبادرات تقنية محدودة، تخضع لضوابط مسطرية دقيقة، وتغيب عنها أي مؤشرات على نية توسيعها لتشمل منتجات حيوية أخرى. في المقابل، اصطدمت أولى محاولات استيراد الأسماك، وهي من بين المواد التي أثارت آمالاً كبيرة لدى بعض الفاعلين الاقتصاديين بالمدينة، بواقع تجاري صعب. فبعد عملية واحدة في فبراير، لم تُسجَّل أي حركة جديدة، ما يُرجَّح أن يكون نتيجة ضعف الهوامش الربحية، وتعقيد شروط التبريد والنقل، فضلاً عن غياب شبكة توزيع مستدامة. وتُقدَّم هذه المبادلات، في بعض الأوساط السياسية والإعلامية بالمدينة، ك"بداية لتطبيع اقتصادي مع الداخل المغربي"، في حين تُقابل في الضفة الأخرى بصمت مؤسساتي واحتراز تنظيمي، يعكس تعاملا براغماتيا مع كل حالة عبور على حدة، دون منحها أي صبغة سياسية أو اقتصادية عميقة. وفي غياب اتفاق شامل أو إطار تعاقدي واضح المعالم، يُنظر إلى هذه العمليات، من طرف مراقبين مغاربة، كأنشطة ظرفية لا تخرج عن نطاق الاستجابة المحدودة لحاجيات قطاع بعينه، في زمنية محددة، مع بقاء كل المؤشرات الأخرى في وضع المراقبة والاختبار. وتُعزز هذه القراءة مؤشرات واقعية: فلا حركة تبادلية واضحة، ولا ارتفاع ملحوظ في حجم المبادلات، ولا حتى نية مُعلنة من الرباط في الدفع بهذا المسار، وهو ما يجعل هذا النشاط أقرب إلى "نافذة عبور تقنية" منه إلى شريان اقتصادي له ما يسانده سياسياً أو استراتيجياً. وعلى الرغم من أن الحديث عن "تفعيل الجمارك التجارية" ظل حاضرا في خطابات سابقة لمسؤولي سبتة، فإن حجم المبادلات المحدود، وتكرار الاعتماد على نفس الصنف من السلع، واستمرار غياب التوازن في الصادرات والواردات، كلها عوامل تضعف من سردية "الاختراق الاقتصادي"، وتُبقي الواقع أقرب إلى اختبار ميداني أكثر من كونه تحوّلا استراتيجيا في العلاقة التجارية بين المدينة وباقي التراب المغربي.