تجددت خلال ليلة الثلاثاء – الأربعاء محاولات التسلل نحو سبتةالمحتلة، حين حاول أكثر من 100 شاب، ضمن مجموعات صغيرة، السباحة من السواحل المحاذية لقرية بليونش، باتجاه الشريط الساحلي للثغر، في مشهد يعكس تصاعد الضغط الموسمي الذي تعرفه المنطقة خلال فصل الصيف. وتأتي هذه التطورات بعد 24 ساعة فقط على موجة مماثلة، ما يكرس نمطا من التحركات الليلية التي تتسم بالانتظام والمخاطرة العالية، وتعيد الى الاذهان سيناريوهات سابقة ارتبطت بموجات تسلل جماعي وقعت في ماي 2021 وشتنبر 2024، حين توافد آلاف الشبان المغاربة نحو المدينة الخاضعة للاحتلال، في واحدة من اكثر اللحظات حساسية في العلاقات الثنائية. - إعلان - ويجمع مراقبون على ان سبتة، بقدر ما تشكل نقطة تماس بحري دائم، تظل قبل ذلك فضاء سياديا مغربيا، تمارس عليه اسبانيا سلطة الامر الواقع، دون ان تتوفر لهذه السيطرة مشروعية التاريخ او الجغرافيا. وفي كل مرة تتصاعد فيها محاولات العبور، تجد سلطات الاحتلال نفسها امام مأزق يتجاوز الظاهرة: مأزق شرعية السيطرة، حيث لا يمكن الاستمرار في ادارة مدينة مغربية محتلة باعتبارها نقطة عبور او حاجزا اداريا خارج السيادة. من جهتها، تواصل الدولة المغربية تثبيت موقفها المبدئي ازاء الثغرين المحتلين، رافضة اختزال النقاش في ابعاد امنية او اجتماعية ظرفية، دون المساس بالتزامها في مواجهة شبكات الهجرة السرية، وضبط المجال الساحلي، ومحاربة كل ما قد يمس بالاستقرار الوطني. وفي هذا السياق، تنفذ وحدات البحرية الملكية دوريات منتظمة على امتداد الساحل الرابط بين الفنيدق وتمرابط، وتشمل تدخلات استباقية لمنع عمليات العبور، ضمن مقاربة تجمع بين اليقظة والمشروعية السيادية. لكن رغم المجهودات الميدانية، تظل سبتة نقطة تماس مركبة، يتقاطع فيها ما هو اجتماعي بما هو تاريخي، وما هو انساني بما هو قانوني. فالشباب الذين يغامرون عبر البحر لا يعبرون فقط عن ازمة فرص، بل يصطدمون عند اسوار مدينتهم المحتلة بجدار رمزي لم يسقط بعد. ويجري داخل المغرب النظر الى هذه التوترات المتكررة، لا كمجرد حوادث عبور، بل كمؤشر على واقع استعماري لم يغلق بعد، يراد له ان يستمر في صيغ امنية من طرف واحد. بينما تلتزم الرباط بمقاربة استراتيجية طويلة النفس، لا تفصل بين التعاون الضروري في الملفات العابرة للضفاف، وبين تثبيت الحق التاريخي في استرجاع الاراضي المحتلة، عبر القنوات المؤسساتية. وفي الوقت الذي تطالب فيه سلطات الاحتلال بدعم اضافي من مدريد لمواجهة ما تصفه بتحديات الهجرة، يسجل الموقف المغربي رفضا واضحا لاي توظيف دعائي لهذه الظواهر، او تحميل الرباط مسؤولية اوضاع نشأت بفعل واقع استعماري مزمن. وبينما تتوالى الدوريات من الجانبين، يتضح مع كل موجة جديدة ان الثغور المحتلة، مهما احيطت بالاسلاك والحواجز، تظل متصلة بما لم يحسم بعد في الذاكرة والسيادة.