تتوقف شاحنة نفايات عند إشارة ضوئية على طريق تطوان. وبينما تنتظر الضوء الأخضر، يبدأ سائل داكن بالتسرب من أسفلها، دون أن يبدي السائق أي رد فعل. من داخل سيارة مجاورة، توثق كاميرا هاتف المشهد بوضوح، وتظهر خيطا لزجا يمتد خلف هذه المركبة التابعة لشركة "أرما" وسط حركة السير. تقنيا، تنتج هذه المادة، المعروفة ب"الليكسيفيا"، عن تحلل النفايات العضوية، وتصنف ضمن الملوثات البيئية عالية الخطورة. فهي تحتوي على مركبات كيميائية سامة ومعادن ثقيلة، قادرة على تلويث التربة أو التسرب نحو شبكة الصرف الصحي، وهو ما يضاعف أثرها إذا لم يتحكم فيها تقنيا. ومع ذلك، لم يصدر أي بلاغ رسمي بخصوص الواقعة، كما لم تسجل متابعة فورية من طرف مصالح الجماعة أو الشركة المفوضة. ويتم تدبير قطاع النظافة والتطهير الصلب بمدينة طنجة، ويسند إلى شركتين بموجب صفقتين عموميتين منفصلتين. حيث تتولى شركة "أرما" الخدمة على مستوى دائرتي بني مكادة والسواني، فيما تسهر شركة "ميكومار" على التدبير بمجالي مغوغة والشرف. ووفق المعطيات التقنية المدرجة في التقرير السنوي للمجلس، يقدر متوسط الإنتاج اليومي للنفايات المنزلية على صعيد النفوذ الترابي للجماعة ب 1200 طن. ويمتد سريان العقود التي دخلت حيز التنفيذ منذ 2021، لمدة سبع سنوات، بغلاف مالي إجمالي يصل إلى 860 مليون درهم، موزع على الشركتين حسب مجال التدخل الترابي. ويمثل هذا الغلاف ما يناهز عشرة في المئة من الميزانية السنوية لجماعة طنجة، وهو ما يجعل قطاع النظافة من بين البرامج ذات الكلفة المرتفعة ضمن وثيقة الأداء. وتنص دفاتر التحملات على التزامات تقنية تخص طبيعة الأسطول، ونظام جمع العصارة، وصيانة المركبات، وغسلها بشكل دوري. كما تمنح الجماعة حق التتبع والمراقبة والتوقيع على محاضر التنبيه أو الغرامات عند ثبوت الإخلال بشروط الخدمة. غير أن الواقع الميداني لا يعكس دائما مضامين هذه الالتزامات التعاقدية. فالحوادث من قبيل ما جرى بطريق تطوان تتكرر، في ظل غياب توضيحات رسمية أو تقارير مؤسساتية موجهة للرأي العام. ويرى فاعلون محليون أن ضعف نشر معطيات المراقبة يقوض آليات الشفافية، ويحد من فعالية منظومة التتبع الإداري. كما يحذر مهنيون في قطاع تدبير النفايات من المخاطر المرتبطة بتسرب عصارة النفايات داخل المدار الحضري، سواء من حيث التلوث المباشر أو من خلال تسربها إلى قنوات الصرف أو اختلاطها بمياه الأمطار. وتزداد هذه التخوفات مع غياب نظام تحذير مبكر أو شبكة لقياس الأثر البيئي المرتبط بالعصارة. وبين مقتضيات القانون 28-00 المتعلق بتدبير النفايات، والممارسات اليومية المرصودة على الأرض، تستمر الفجوة قائمة. فرغم وضوح النصوص القانونية ودفاتر التحملات، يبقى التفعيل العملي خاضعا لتقدير المصالح التقنية الجماعية، في غياب رقابة مدنية مؤطرة أو إعلام بيئي منتظم.