يبدو أن هوامش الحركة الاقتصادية داخل سبتةالمحتلة بدأت تضيق، تحت وقع التدابير السيادية التي تباشرها الدولة المغربية في تدبير نقاط العبور، والتي أنهت عمليا نمطا تجاريا ظل قائما لعقود على منطق الامتيازات الرمادية. وقد بدأ هذا الانكماش ينعكس تدريجيا على مؤشرات السوق داخل المدينةالمحتلة، حيث تسجَّل صعوبات في التزود، وتزايد الاعتماد على سلع مغربية خاضعة لتأطير صارم، ما حدّ من قدرة الوسط التجاري داخل المدينةالمحتلة على التحكم في العرض أو ضبط هامش الربح. في الجانب المقابل من المعبر، عبّرت غرفة التجارة التابعة لسلطات الاحتلال، رفقة اتحاد للمهنيين، عن "مخاوف" من تأثيرات اقتصادية قالت إنها تهدد مصالح صغار التجار، في ظل تزايد تدفق المواد الغذائية المغربية نحو سبتة بأسعار وصفوها ب"المرنة وغير المتكافئة". واعتبر البيان المشترك أن السوق الداخلية في الثغر باتت تواجه "منافسة غير عادلة"، دون أن يقترح بدائل مؤسساتية، أو يعترف بطبيعة النظام التنظيمي الذي بات يُدير حركية المعبر. في المقابل، تُمارس الدولة المغربية سيادتها الكاملة على حركة السلع، وتُحدّد طبيعة البضائع، وتوقيت عبورها، وكمياتها، دون تنسيق مع أي جهة داخل المدينةالمحتلة التي تفتقر إلى أي صفة تفاوضية معترف بها من طرف الرباط. وقد تكثّف هذا التوجّه منذ إعادة فتح معبر باب سبتة في ماي 2022، حيث بات التصدير نحو الثغر يتم عبر قنوات رسمية، ومساطر مراقبة جمركية وصحية تُشرف عليها المؤسسات المغربية المختصة، في انسجام تام مع المعايير الوطنية المعتمدة داخل باقي التراب المغربي. فمنذ وقف التهريب غير المهيكل عام 2019، تعمل المملكة على إرساء منظومة مؤسساتية متكاملة لضبط تدفقات السلع، تُنفَّذ عبر مساطر موحدة، وتشمل إنشاء مناطق لوجستية، وتأهيل محيط نقاط العبور، وتوجيه الصادرات وفق منطق سيادي لا يلحظ أي وضع خاص للثغرين المحتلين. في سبتة، لم تُقابل هذه الدينامية بمنظومة موازية، بل تعمّق التفاوت التنظيمي، وتقلّصت قدرة الكيانات الاقتصادية على التأثير في سلاسل الإمداد، في ظل غياب أي اعتراف مغربي بشرعية مؤسسات الاحتلال في صياغة ترتيبات ثنائية. ويرى متابعون أن الصعوبات المسجّلة داخل المدينةالمحتلة لا ترتبط بتدفق السلع المغربية في حد ذاته، بل بانكشاف نموذج اقتصادي ظل يستفيد من ثغرات قانونية لعقود، قبل أن تفرض الرباط منطقها التنظيمي الكامل، وتدرج سبتة ومليلية ضمن رؤية تصديرية خاضعة لشروط السيادة.