دعا خبراء في التخطيط الحضري ومسؤولون مؤسساتيون، الاثنين بالمضيق، إلى تسريع وتيرة المصادقة على "مخططات التنمية الترابية المندمجة"، وذلك لاحتواء الضغط العمراني المتزايد الذي تشهده جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، في خطوة تهدف للموائمة بين متطلبات التوسع الديموغرافية والخصوصيات "الجيومورفولوجية" المعقدة لشمال المملكة. وشكلت الندوة العلمية التي نظمها المجلس الجهوي لهيئة المهندسين المعماريين، منصة تقنية لمناقشة آليات الانتقال من "التعمير التنظيمي" الكلاسيكي إلى "تخطيط استراتيجي مرن"، قادر على استيعاب التحولات السريعة في أقاليم تطوان والمضيق-الفنيدق وشفشاون. وتواجه هذه المناطق تحديات مزدوجة تتمثل في ندرة الوعاء العقاري الصالح للبناء بسبب الطبيعة الجبلية الوعرة، والضغط الكبير على الشريط الساحلي الذي يتطلب بنية تحتية مقاومة للتغيرات المناخية. وفي سياق يتسم بتوجه الدولة نحو رقمنة القطاع، ركزت العروض التقنية، التي ساهمت فيها الوكالة الحضرية لتطوان ومجموعة "العمران"، على ضرورة تحديث وثائق التعمير عبر اعتماد أنظمة المعلومات الجغرافية (GIS) لرصد التوسع العشوائي في حينه. وأشار المتدخلون إلى أن المخططات المستقبلية يجب أن تراعي "مؤشرات الكثافة" و"معاملات استغلال الأرض" بشكل يضمن الحفاظ على الموارد الطبيعية، خاصة في المناطق ذات الحساسية البيئية العالية في جبال الريف، حيث يهدد الزحف الاسمنتي استقرار التربة والنظم الإيكولوجية. واعتبرت نسرين علمي، مديرة الوكالة الحضرية لتطوان، أن اللقاء يمثل "محطة مفصلية" لتفعيل المقاربة التشاركية، مؤكدة أن صياغة المخططات الجديدة لم تعد حكراً على الإدارة، بل تستلزم انخراطاً مباشراً للمهندس المعماري كفاعل تقني يقدم حلولا مبتكرة للإشكاليات المجالية. وشددت على أن الهدف هو الخروج بوثائق مرجعية توجه الاستثمار العمومي والخاص نحو مناطق مهيأة ومجهزة، لتفادي تكلفة "إعادة الهيكلة" التي تستنزف ميزانيات الدولة في الأحياء ناقصة التجهيز. من جانبه، ربط إدريس زكران، رئيس الهيئة الجهوية للمهندسين المعماريين، مخرجات الندوة بالسياق السياسي العام، مشيراً إلى أن هذه التحركات تأتي تنزيلاً للتوجيهات الملكية الواردة في خطابي العرش وافتتاح البرلمان لعام 2025. وأوضح زكران أن الرهان الحالي يتجاوز مجرد توفير السكن، ليصل إلى تحقيق "الجودة المعمارية" و"الاستدامة الطاقية" في المشاريع الحضرية، مما يفرض على المهندسين تبني معايير تصميم تراعي التهوية الطبيعية، والعزل الحراري، والاندماج السلس للمباني في محيطها التراثي والطبيعي. وخلصت النقاشات إلى ضرورة تجاوز المقاربات القطاعية الضيقة لصالح رؤية شمولية تدمج البعدين الاقتصادي والاجتماعي في صلب التصميم الحضري، مع التشديد على حماية المناطق الجبلية من التفتت العمراني عبر تشجيع البناء العمودي المنظم بدلاً من التوسع الأفقي المستهلك للمساحات.