تحولت التساقطات المطرية الغزيرة التي رافقت انطلاق نهائيات كاس امم افريقيا 2025 بالمغرب من عامل ارباك محتمل الى اختبار تقني ناجح، ابرز جاهزية البنية التحتية الرياضية وقدرة الملاعب الوطنية على استيعاب اقسى الظروف المناخية دون التأثير على سير المباريات. ورغم الامطار الكثيفة التي شهدتها مدن مغربية عدة خلال الايام الماضية، حافظت ارضيات الملاعب على جودتها، خاصة ارضية المركب الرياضي مولاي عبد الله بالرباط، التي بدت في حالة مثالية، دون تجمعات مائية او انزلاقات، ما سمح باستمرار المباريات بنفس الايقاع والجودة الفنية. ويعزى هذا الاداء اللافت الى اعتماد تكنولوجيا متطورة لتدبير ارضيات اللعب، يتقدمها نظام يعرف باسم ساب اير، وهو حل تقني يعمل اسفل العشب، ويقوم على التحكم النشط في حركة الهواء والمياه داخل التربة، بدل الاكتفاء بالتصريف التقليدي. وخلال فترات التساقطات القوية، يشتغل النظام في وضعية شفط المياه، حيث يتم التخلص من الفائض بسرعة كبيرة، تفوق الانظمة الكلاسيكية بعدة مرات، ما يمنع تشبع التربة ويحافظ على تماسك السطح واستقراره. ويعتمد هذا النظام على بنية هندسية متعددة الطبقات، تشمل عشب اللعب، وطبقة رملية عالية النفاذية، ثم شبكة قنوات متصلة بمضخات ومراوح ذكية، الى جانب طبقة من الحصى تضمن تصفية المياه ومنع انسداد القنوات، مع توفير الصلابة اللازمة لتحمل ضغط المباريات. كما تم دمج منظومة لتجميع مياه الامطار واعادة استعمالها لاحقا في سقي العشب والمساحات الخضراء، في مقاربة تعتمد التدبير المستدام للموارد المائية، وتنسجم مع التحديات البيئية التي تواجهها المملكة. ولا يقتصر التطور التقني على نظام الصرف فقط، اذ يتوفر المركب الرياضي مولاي عبد الله على عشب هجين يجمع بين الطبيعي والاصطناعي، ما يمنح الارضية مقاومة اكبر للاهتراء، مع الحفاظ على الخصائص التقنية للعشب الطبيعي. ومع تغير الظروف المناخية، يمكن للنظام الانتقال الى وضعية ضخ الهواء، لتغذية الجذور بالاوكسجين، وضبط حرارة التربة، بما يضمن استمرارية جودة العشب طيلة الموسم. ويمتد اثر هذه التجهيزات الى الجانب الرياضي، حيث تضمن ارضيات اللعب المتوازنة تكافؤ الفرص بين المنتخبات، وتمنع حسم المباريات بعوامل ظرفية مرتبطة بالطقس، ما يعزز مبدأ الاستحقاق الرياضي. وتندرج هذه المقاربة ضمن رؤية اشمل تهدف الى تقديم نسخة متقدمة من كاس امم افريقيا، تعكس قدرة المغرب على تنظيم تظاهرات كبرى وفق معايير دولية، وتضع نموذجا قابلا للتعميم في القارة الافريقية. وتحت الامطار الغزيرة، واصلت المباريات مجرياتها بشكل طبيعي، في وقت ظل فيه نظام ساب اير يشتغل بصمت اسفل العشب، مؤكدا ان الاستثمار في البنية التحتية بات عنصرا حاسما في نجاح البطولات الكبرى.