أخنوش: الحكومة تقوم بإصلاح تدريجي ولن يتم إلغاء صندوق المقاصة    أخنوش: تماسك الحكومة وجديتها مكننا من تنزيل الأوراش الاجتماعية الكبرى وبلوغ حصيلة مشرفة    طنجة تحتضن ندوة حول إزالة الكربون من التدفقات اللوجستية بين المغرب و أوروبا    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    تسليط الضوء بالدار البيضاء على مكانة الأطفال المتخلى عنهم والأيتام    نهضة بركان تطرح تذاكر "كأس الكاف"    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    أخنوش: لا وجود لإلغاء صندوق المقاصة .. والحكومة تنفذ عملية إصلاح تدريجية    الخريطة على القميص تثير سعار الجزائر من جديد    بطولة انجلترا لكرة القدم.. مانشستر سيتي يفوز على مضيفه برايتون برباعية    أخنوش يربط الزيادة في ثمن "البوطا" ب"نجاح نظام الدعم المباشر"    أخنوش: نشتغل على 4 ملفات كبرى ونعمل على تحسين دخل المواطنين بالقطاعين العام والخاص    المغرب يستنكر بشدة اقتحام متطرفين المسجد الأقصى    رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي    3 سنوات سجنا لشقيق مسؤول بتنغير في قضية استغلال النفوذ للحصول على صفقات    الأمير مولاي رشيد يترأس مأدبة ملكية على شرف المشاركين بمعرض الفلاحة    نمو حركة النقل الجوي بمطار طنجة الدولي خلال بداية سنة 2024    ''اتصالات المغرب''.. النتيجة الصافية المعدلة لحصة المجموعة وصلات 1,52 مليار درهم فالفصل اللول من 2024    الاتحاد الجزائري يرفض اللعب في المغرب في حالة ارتداء نهضة بركان لقميصه الأصلي    الدفاع المدني في غزة يكشف تفاصيل "مرعبة" عن المقابر الجماعية    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    الأمثال العامية بتطوان... (582)    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصة الكاملة لليلة التفجيرات الإرهابية
نشر في الأحداث المغربية يوم 16 - 05 - 2013

‎لاأحد صدق ماوقع في السادس عشر من ماي 2003. كان الأمر أشبه بكارثة،‮ ‬وسرت أخبارها كما تسري‮ ‬النار في‮ ‬الهشيم‮… انفجار بوسط المدينة‮.. ‬النبأ الذي‮ ‬تداولته الألسن ولم تستوعبه الأسماع،‮ ‬اعتقد البعض أنه لن‮ ‬يخرج عن دائرة انفجار قنينة‮ ‬غاز أو مولد كهربائي،‮ ‬لكن الحقيقة كانت أكبر من ذلك وأشد فزعا‮.‬‬ هرع البيضاويون إلى موقع الحادث.‮ ‬كانت الصدمة أكبر من أن توصف،‮ ‬وبدأت ملامح الكارثة تتشكل‮.. ‬انفجار هنا وأشلاء هناك،‮ ‬وحديث عن مواقع عديدة كانت هدفا لعمليات إرهابية.‮ ‬لم‮ ‬يقو أحد حتى‮ ‬تلك اللحظة على تحديد حقيقتها‮.. ‬هل بالفعل ضرب الإرهاب الأعمى العاصمة الاقتصادية كما نسمع ونرى في‮ ‬جهات أخرى من العالم؟‮ ‬لا أحد كان يستطيع أن‮ ‬يجزم بتلك الحقيقة التي‮ ‬لم تكن‮ ‬يوما صناعة مغربية‮.‬
كيف حولت كتيبة الانتحاريين 16 من ماي إلى يوم «جمعة أسود»
‎كانت الساعات القليلة التي‮ ‬أعقبت الانفجارات أشبه بالكابوس،‮ ‬حيث امتزجت الدموع بالتأوهات،‮ ‬وأصبحت الأقدام عاجزة عن حمل أصحابها ممن كانوا بمواقع الأحداث،‮ ‬في‮ ‬ظل حديث عن جثث وأشلاء شوهدت بأكثر من موقع‮. ووسط حالة الذهول،‮ ‬بدأ البيضاويون‮ ‬يستوعبون شيئا فشيئا حقيقة ماجرى،‮ ‬وبدأت المدينة تحصي‮ ‬ضحاياها‬، مع تدخل رجال الوقاية المدنية وعناصر الأمن الذين لم ينعموا باستكمال احتفائهم بذكرى تأسيس الأمن الوطني‮ . ‬كان الحديث‮ ‬يدور عن وقوع العديد من الانفجارات‮. زاد الخوف من حجم الكارثة،‮ ‬وبدأ البيضاويون‮ ‬يرددون أسماء عدة مواقع‮ ‬أصابها الإرهاب الأعمى. ‬تحدثوا عن فنادق وقنصليات ومطاعم كانت هدفا للعمليات الإرهابية،‮ ‬كما تحدثوا عن عشرات الجثث المنتشرة بمواقع الأحداث،‮ ‬قبل أن تنجلي الحقيقة‮.‬ الأهداف التي‮ ‬أصابها الإرهاب الأعمى خمسة، هي ‬فندق ‬ فرح ‬بشارع ‬الجيش ‬الملكي، ‬ومطعم ‬بوزيتانا قرب ‬القنصلية ‬البلجيكية، والنادي ‬اليهودي، ‬ودار ‬اسبانيا، ‬ومقبرة يهودية بمنطقة ‬بوسبير ‬بالمدينة ‬القديمة‮.‬ عدد القتلى حدد بدوره في‮ ‬حوالي‮ ‬الأربعين وأكثر من مائة مصاب.
‎أشلاء بفندق فرح
‎حوالي الساعة العاشرة ليلا سمع دوي انفجار قوي في بوابة فندق فرح بشارع الجيش الملكي بالدار البيضاء. أشلاء بشرية متناثرة ودمار كبير أصيبت به كل واجهات البهو التي دمرت عن آخرها، ‮و‬بدأت حشود المواطنين تتجمهر حول الفندق‮، فيما تملك الخوف والهلع الكثير ممن حجوا على عجل إلى المكان دون أن يستسيغوا أن الإرهاب قد حط الرحال في بلدهم متحديا بذلك الاستثناء المغربي.‬‎تقدم شخصان إلى باب الفندق‮..‬ كانا يرتديان ملابس رياضية ويحملان حقيبتي‮ ‬ظهر،‮ ‬وكانا‮ ‬يودان الدخول إلى الفندق كسائر الزبناء، لكن حذر الحارس «حسن قريب» مكنه من الشك في‮ ‬هوية الفاعلين‮.. ‬لحظتها دخل الحارس في‮ ‬شجار معهما‮..‬ شجار طبعه العنف الشديد‮.. ‬أحد الإرهابيين أشهر سكينه في‮ ‬وجه الحارس‮ «حسن قريب‮»‬،‮ ‬وأصابه إصابة خطيرة على مستوى البطن‮..‬‬ ‮ورغم ذلك ظل الحارس‮ ‬يقاوم،‮ ‬ليتدخل العامل الثاني‮ «عاطف أحمد‮» ‬في‮ ‬هذا الشجار‬‬،‮‮ مما أدى إلى انفجار القنبلة الأولى‮ ‬مخلفة دويا سمع صوته على بعد مئات الأمتار من الفندق‮. ‬‬‬
‎ الشخصان المجهولان هما الانتحاريان عبد الفتاح بويقضان ومحمد الأسمر، اللذان فجرا نفسيهما أمام باب الفندق بالضغط على زر المتفجرات‮.‬ حينها اهتزت المنطقة المحيطة بالفندق،‮ ‬وأصيب كل الموجودين بالذهول من وقع الصدمة/المفاجأة،‮ ‬واتجهت حشود من المواطنين لمعاينة آثار الدمار الذي‮ ‬خلفه وقع الانفجار‮ ‬غير مصدقين ما وقع،‮ ‬فالفندق الذي‮ ‬أسس منذ حوالي‮ ‬إحدى وعشرين سنة أصبح مجرد شظايا وأشلاء متناثرة بين كل مرافق البهو‮.. ‬دماء على الأرض وجدران مدخل الفندق‮.. ‬الزجاج المكسر والملابس الممزقة والأتربة‮.. ‬جثث متفحمة أمام الباب‮.. ‬هذه كانت حصيلة الانفجار الذي‮ ‬ضرب فندق‮ «‬فرح» ليلة‮ ‬يوم الجمعة، وجعل مرتاديه يعيشون عكس ما يحمله اسمه‮.‬‎في‮ ‬التاسعة وخمسة وثلاثين دقيقة من ليلة الجمعة‮ ‬16‮ ‬ماي،‮ ‬خرج عبد الفتاح بويقضان ومحمد الأسمر وكتيبة من الانتحاريين من منزل محمد العماري‮ ‬بحي‮ ‬المسيرة بعد أن ودعوا بعضهم البعض، واتفقوا على أن موعدهم الجنة‮(!)‬. حينها تلقوا آخر التوجيهات من‮ «أميرهم‮» ‬عبد الفتاح بويقضان،‮ ليتجهوا إلى قلب العاصمة الاقتصادية لتنفيذ مخططهم الدامي‮.‬ توجهت مجموعة محمد مهني،‮ ‬ومجموعة خالد بنموسى،‮ ‬ومجموعة عادل الطايع،‮ ‬وعبد الفتاح بويقضان إلى الأهداف المحددة سلفا لتفجيرها،‮ ‬وكان كل واحد من أفراد المجموعة‮ ‬يحمل حقيبة المتفجرات،‮ ‬وعبوة بلاستيكية‮ ‬يدوية مملوءة هي‮ ‬الأخرى بالمتفجرات،‮ ‬وركبوا سيارة أجرة من حي‮ ‬الفلاح إلى‮ ‬غاية المدينة القديمة‮.‬‬‬
‎استقلت كل مجموعة سيارة أجرة،‮ ‬ونزلت مجموعة عبد الفتاح بويقضان بالقرب من فندق فرح بعد أن سلم هذا الأخير لكل من محمد العمري‮ ‬ومحمد المعروف باسم‮ «‬الأسمر‮»‬،‮ ‬سكينا وقنينة تحتوي‮ ‬على متفجرات وولاعة،‮ ‬وذكرهم بالخطة،‮ ‬التي‮ ‬تقضي‮ ‬بأن‮ ‬يلج محمد العمري‮ ‬إلى داخل الفندق،‮ ‬فيما‮ ‬يعمد الآخرون إلى ذبح الحراس حتى‮ ‬يتمكنوا من دخوله وبعدها سيضغطون على زر المتفجرات،‮ ‬وإذا لم‮ ‬ينفجر الكيس،‮ ‬فالخطة البديلة كانت تقضي‮ ‬بإشعال القنينة بالولاعة التي‮ ‬كانوا‮ ‬يحملونها‮.‬‎توجهت مجموعة عبد الفتاح بويقضان التي‮ ‬تضم كلا من محمد العماري‮ ‬ومحمد الأسمر راجلين،‮ ‬وعكس توقعات عبد الفتاح بويقضان‮ -‬حسب اعترافات محمد العماري‮ ‬أمام هيئة المحكمة‮- ‬فإن مجموعته انسحب منها حسن الطاوسي‮ قبل أن‮ ‬يستقلوا سيارة الأجرة وفر هاربا، لكن ذلك لم‮ ‬يمنع عبد الفتاح بويقضان من‮ ‬المضي لتنفيذ خطته الإرهابية‮. ‬واصلت مجموعة عبد الفتاح بويقضان مسيرها إلى فندق فرح،‮ ‬وعند مدخله أمر عبد الفتاح محمدالعماري‮ ‬بالدخول أولا ليلتحق به رفقة محمد الأسمر بعد أن ذكره عبد الفتاح بويقضان بأن عليه ضرب كل من صادفه في‮ ‬الباب، لكن محمد العماري‮ ‬راوغ‮ ‬الحارس ودخل إلى الفندق بعد انسلاله جريا،‮ ‬ورمى حقيبة المتفجرات أرضا حين سمع انفجارا خلفه،‮ ‬فارتمى أرضا،‮ ‬وأصيب بجروح‮ ‬غاب عن الوعي‮ ‬لثوان‮ ‬معدودة قبل أن‮ ‬يحاول الفرار إذ تبعه بعض المواطنين وتم اعتقاله‮.‬‬
‎‮ ‬كل واجهات البهو دمرت عن آخرها،‮ ‬وأسلم الروح معها العاملان اللذان قطعا الطريق على الانتحاريين، في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬أصيب العامل الثالث بجروح خطيرة أسلم على ‬إثرها الروح بالمستشفى بعد أيام قليلة فقط‮.. ‬وأمام هذا الانفجار اضطر محمد العماري‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬ينوي‮ ‬تفجير القنبلة الثانية،‮ ‬إلى تركها تحت جثث الموتى الثلاث‮.. ‬وفر في‮ ‬اتجاه الرصيف الآخر المقابل للفندق‮.. ‬لكن سرعان ما تعقبه أكثر من عامل ومتطوع لإلقاء القبض عليه‮.‬‎لم‮ ‬يستطع أحد ‬أن‮ ‬يقدر حجم الكارثة التي‮ ‬كانت ستقع إذا ما انفجرت حقيبة الإرهابي‮ ‬الفار محمد العماري‮..‬لأن الجميع انشغل بالجثث متناسين أن قنبلة ثانية لم تنفجر‮.. لقد تطلبت عملية إبطال مفعول القنبلة وقتا طويلا ابتدأ من الواحدة صباحا‮.. ‬وقبل ذلك طلب رجال الدرك الملكي‮ ‬من الجميع إخلاء المكان والابتعاد عن الجهات الأربع للفندق‮.. ما إن أشارت عقارب الساعة‮ ‬إلى الخامسة و50‮ ‬ دقائق صباحا حتى دوى انفجار قوي‮ ‬جدا،‮ ‬ولاحت في‮ ‬السماء سحابة بيضاء ممزوجة برائحة البارود‮.. ‬تنفس الجميع الصعداء‮.. ‬بعد أن تم إبطال القنبلة التي‮ ‬كانت على وشك الانفجار‮.‬‬‬
‎ ضحايا يتساقطون بدار إسبانيا
‎في‮ ‬نفس التوقيت الذي‮ ‬قصدت فيه المجموعة الأولى ‬فندق فرح كانت مجموعة أخرى تتوجه نحو نادي‮ «‬دار اسبانيا‮» ‬تحت إمرة خالد بنموسى‮. ‬انطلق زعيمها والإرهابيون لعروسي‮ ‬محمد‮ ‬ومحمد العرباوي‮ ‬ومحمد حسونة، إلى النادي،‮ ‬بعدما سبق لهم أن حددوا موقعه بدقة متناهية من خلال الزيارات الاستكشافية لشارع‮ «لا فاييت‮» ‬حيث‮ ‬يوجد نادي‮ ‬«لاكازا دي اسبانا»‮.‬‬‎كانت دقائق قليلة كافية للإرهابيين لتفجير أنفسهم داخل النادي،‮ ‬فقد سُمع دوي‮ ‬مهول ب«دار اسبانيا‮»‬،‮ ‬وبسرعة تطايرت أشلاء الضحايا الأبرياء إلى علو وصل إلى‮ ‬20‮ ‬مترا والتصقت بجدران المنازل المحيطة به‮.‬ وبدأت عائلات الضحايا تتجه نحو النادي‮ ‬للبحث عن مصير أقربائها لكنها لم تكن تعثر إلا على جثث مفحمة وأشلاء متناثرة‮.‬
‎كانت الحياة ‮في‮ ‬تلك الليلة عادية‬ داخل‮ النادي،‮ ‬كما أنه كان‮ ‬غاصا بزبنائه ‬الذين ‮وصل عددهم إلى حوالي‮ ‬مئة شخص‮… ‬قبل الانفجار كان المرح والدعابة‮ ‬يملآن المكان بعد أن فاز رئيس النادي‮ ‬في‮ ‬عملية سحب قرعة‮ «‬بنكو‮» ‬حيث قام من مكانه فرحا وسط تعليقات أصدقائه الطريفة،‮ ‬ليسمع دوي‮ ‬الانفجار الأول‮.‬‬‎نفذ الإرهابيون المتجهون إلى‮ «‬دار إسبانيا‮» ‬خطة عبد الفتاح بويقضان بحذافيرها،‮ ‬ولعل ذلك ما‮ ‬يفسر ارتفاع حصلية الضحايا بالنادي،‮ ‬فقد قام الإرهابيون بذبح الحارس المكلف بالحراسة منذ أزيد من أربعين سنة ويدعى‮ «الحاج العربي‮»،‮ ‬وتم العثور بجانبه على السكين الذي‮ ‬يصل طوله إلى‮ ‬82‮ ‬سنتيمترا‮‮ وهو‮ ‬يحمل آثار دماء الحارس‮.‬‬‬‬‬
‎ارتفعت حصيلة ضحايا دار إسبانيا. شهود عيان أكدوا أن الإرهابيين كانوا‮ ‬يعرفون جيدا فضاء دار إسبانيا، بل منهم من تحدث عن كون أحد الأشخاص المجهولين كان‮ ‬يحضر للنادي منذ أسابيع،‮ ‬ويجلس وحيدا قبل أن‮ ‬يغادره،‮ ‬ولم‮ ‬يكن أحد من زبناء النادي‮ ‬يعلم آنذاك أن ذلك الشخص المجهول ليس إلا إرهابيا‮ ‬يخطط لتفجير نفسه بالنادي‮ ‬والفتك بحياة الضحايا الأبرياء‮.‬
‎الرابطة اليهودية والمقبرة اليهودية ربع ساعة قبل العاشرة، الإرهابي‮ ‬رشيد جليل، قد توجه رفقة مجموعته التي‮ ‬تضم كلا من محمد المهني‮ وخالد التائب إلى مقر الرابطة اليهودية،‮ ‬وعند الاقتراب منه سمعوا انفجار مطعم‮ «‬بوزيتانو‮» ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يبعد عن مقر الرابطة اليهودية إلا بأمتار قليلة‮. ‬فأسرع كل من محمد المهني‮ ‬وخالد التائب إلى مقر الرابطة،‮ ‬واقتحما الباب،‮ ‬فشاهد رشيد جليل انفجارهما،‮ ‬وقام بوضع الحقيبة التي‮ ‬تحتوي‮ ‬على المتفجرات والقنبلة اليدوية بين سيارتين وانصرف‮.‬‬
‎وروى رشيد جليل أمام هيئة المحكمة تفاصيل تلك اللحظات قائلا‮: «‬كانت‮ المتفجرات موجودة داخل الحقائب حيث طلبوا مني‮ ‬أن أتوجه رفقة محمد مهني‮ ‬إلى الرابطة اليهودية،‮ ومنحوني‮ ‬قارورة تحتوي‮ ‬على متفجرات وضعتها في‮ ‬جيب معطفي‮ ‬زيادة على سكين،‮ ‬وولاعة وأخبرونا أنه حين تصل العاشرة ليلا سنضغط على زر الكيس لننفجر»، مضيفا «ركبنا سيارة أجرة ونزلنا بالقرب من فندق حياة ريجنسي،‮ ‬وحملنا الكيس على ظهورنا والذي‮ ‬كان‮ ‬يزن حوالي‮ ‬3‮ ‬كلغ،‮ ‬كما جلسنا في‮ ‬إحدى الحدائق لمدة لم تتجاوز دقيقتين في‮ ‬انتظار أن‮ ‬يحين الوقت،‮ ‬ولم أتمكن من الفرار منهم فأحدهم كان بجانبي‮ ‬طوال الوقت،‮ ‬وقبل الوصول إليه بحوالي‮ ‬30‮ مترا‮- ‬حسب الإرهابي‮ ‬رشيد جليل‮- ‬قمت برمي‮ ‬كيس المتفجرات والفرار‮ ‬إلى حي‮ ‬البرنوصي‮ ‬عند أخي‮»، ولأنه لم يعثر عليه‬‬‬ فقد‮‮‮ فرا رفقة عبد الرزاق الرتيوي‮ إلى الواد المالح،‮ ‬وبعده إلى منطقة خالية بالقرب من كاريان طوما وهناك ناما إلى حين إلقاء القبض عليهما‮.‬‬‬‬‬‬‎تطايرت أشلاء جثث‮ ‬الإرهابيين بالقرب من مقر الرابطة، ولحسن الحظ لم‮ ‬يكن‮ ‬يوجد أي‮ ‬أحد في‮ ‬المقر تلك الليلة، لكن روع الانفجار طال باقي‮ ‬السكان المجاورين لها الذين تهشمت واجهات منازلهم الزجاجية من شدة الانفجار‮.‬
‎دقت عقارب الساعة معلنة عن حلول الساعة العاشرة وعشرين دقيقة من مساء ذلك اليوم،‮ ‬فدوى انفجار عنيف آخر بساحة‮ «الميعارا‮» ‬على بعد خمسين مترا من أسوار المقبرة اليهودية القديمة بالمدينة القديمة للعاصمة الاقتصادية‮.‬ اعتقد الجيران للوهلة الأولى أن الأمر ليس إلا انفجارا لقنينة‮ ‬غاز،‮ ‬وتسابقوا كالمعتاد باتجاه مكان الانفجار،‮ ‬قبل أن‮ ‬يصطدموا ببشاعة أشلاء أجساد متناثرة في‮ ‬كل الاتجاهات داخل الساحة،‮ ‬وانهيار واجهة منزل متواضع تقطنه أسرة من خمسة أفراد،‮ ‬سكنهم الرعب من هول المفاجأة،‮ ‬التي‮ ‬لم تكن تخطر ببال أحد من سكان المدينة العتيقة‮. ‬‬‎لم‮ ‬يحترم الإرهابيون حرمة المقابر،‮ ‬بعد أن وجهوا قنابلهم في‮ ‬اتجاه الموتى، ولم‮ ‬يفهم سكان‮ «‬بوسبير‮» ‬دواعي‮ ‬استهداف المنطقة بالذات،‮ ‬لأنها لا يقطنها الأجانب،‮ ‬وليست موقعا استراتيجيا‮… ‬واتجهت تخميناتهم إلى المقبرة القديمة لليهود،‮ ‬فربما كان الإرهابيون‮ ‬يستهدفونها أو أن المعتدين كانوا في‮ ‬حالة فرار بعد وقوع انفجارات مماثلة بأنحاء المدينة‮. ‬
‎تضاربت آراء السكان حول هوية الضحايا مادام لم‮ ‬يتم تحديد هويتهم آنذاك باستثناء أحد الشبان كان‮ ‬يشتغل كبائع للسجائر بالتقسيط،‮ ‬الذي‮ ‬اعتاد على التواجد بالمنطقة،‮ ‬وآخرين كانوا‮ ‬يتسامرون معه، زيادة على منفذ العملية الإجرامية الذي‮ ‬انتحر،‮ ‬فيما أشار آخرون إلى ‬أن المنفذ كان‮ ‬ينوي‮ ‬الفرار أو التوجه إلى المقبرة اليهودية قبل أن‮ ‬يفاجأ بوقوع الانفجار،‮ ‬وظلت أسئلة السكان نفسها عالقة حتى بعد أن أدانت هيئة المحكمة الإرهابيين،‮ ‬فلا أحد من الانتحاريين كشف عن استهداف المقبرة اليهودية بل أصروا خلال استنطاقهم‮ أن الإرهابيين الأربعة عشر قسموا إلى أربع مجموعات توجهت إلى دار اسبانيا،‮ ‬ومطعم بوزيتانو،‮ ‬والرابطة اليهودية وفندق فرح‮.‬‬
‎ أشلاء انتحاريين قرب مطعم«لا بوزيتانو»
‎توجهت المجموعة الثالثة من الانتحاريين إلى مطعم بوزيتانو، وتكونت تلك المجموعة من عادل الطايع ويوسف كوثري‮ ‬لتنفيذ ما اتفق عليه الإرهابيون في‮ مخططهم الدموي. يروي‮ ‬حارس مطعم بوزيتانو‮ «حجوب الهارم‮» ‬تفاصيل تلك الليلة الدامية‮: « ‬كانوا ثلاثة شبان،‮ ‬يلبسون سراويل الجينز،‮ ‬وأقمصة مختلفة الألوان‮… ‬اتجهوا مباشرة عبر شارع مولاي‮ ‬يوسف باتجاه زقاق الفارابي‮ ‬حيث‮ ‬يوجد المطعم،‮ ‬وأمامه مباشرة قنصلية بلجيكا‮».‬‬‬
‎‮ ‬وبحكم عمل حارس المطعم الذي‮ ‬يعرف جل الزبناء والسكان المجاورين للمطعم،‮ ‬فقد دفعه الشك والريبة تجاه الشبان الثلاثة‮ ‬للحيلولة دون رغبتهم في‮ ‬اقتحام المطعم. يضيف‮ ‬عن تلك اللحظات العصيبة‮ «‬كانوا قادمين إلى المطعم،‮ ‬أحدهم‮ ‬يحمل حقيبة على كتفيه‮… ‬استوقفته،‮ ‬وطلبت منهم مغادرة المكان فورا،‮ ‬لكن أحدهم نظر إلي‮ ‬والشرر‮ ‬يتطاير من عينيه‮… ‬ما زلت أتذكر تلك النظرات.. كانت كلها حقدا وتصميما على شيء ما لم أكن أدرك كنهه،‮ ‬لكن ذلك لم‮ ‬يمنعني‮ ‬من القيام بواجبي‮ ‬كحارس،‮ ‬خاصة وأن بالقرب مني‮ ‬كان‮ ‬يتواجد رجال الشرطة‮».‬‎أوقف الحارس الإرهابيين،‮ ‬قبل الاقتراب من المطعم على مسافة مترين تقريبا،‮ ‬وحين دقت الساعة العاشرة و‮ ‬15‮ ‬دقيقة وأمام إصرار الحارس على منعهم من ولوج المطعم انفجرت الحقيبة. حينذاك‮ ‬غاب عن الوعي‮ ‬تماما،‮ ‬ولم‮ ‬يعلم ماذا وقع بالضبط،‮ ‬لقد كان المطعم في‮ ‬تلك الليلة‮ ‬غاصا بزبنائه ولولا شجاعة حارسه لكانت حصيلة الضحايا كبيرة جدا‮.‬
«دار ‬إسبانيا‮» ‬La Casa de Espana، ‬التي‮ ‬كانت إحدى ‬الأهداف ‬المنتقاة ‬‮ ‬ليلة ‬الجمعة ‬السوداء،‮ ‬كانت أكثر المواقع تسجيلا للخسائر البشرية،‮ ‬حيث سجل‮ ‬حوالي ‬16 ‬قتيلا ‬بالدار التي ‬تضم مطعما ‬وناديا ‬اجتماعيا ‬إسبانيا ‬يتردد ‬عليه ‬الإسبان والمغاربة،‮ ‬وذلك بسبب احتضان النادي‮ ‬الذي ‬يسيّره ‬الخواص وتدعمه ‬الدولة ‬الاسبانية، ‬ساعة ‬وقوع ‬الانفجار ‬عدة ‬ ومواطنون مغاربة ‬وإسبان،‬ منهم ‬رجال ‬أعمال ‬ومحامون ‬وإطار ‬بنكي، ‬وقد ‬توفي ‬في ‬نفس الحادث ‬أيضا ‬لاعب ‬سابق ‬من ‬فريق ‬الرجاء ‬البيضاوي.‬ الخسائر المسجلة بباقي‮ ‬المواقع لم تكن بأقل حجما،‮ ‬إذ عرفت ‬باقي ‬المناطق ‬التي ‬وقعت ‬بها ‬الانفجارات ‬سقوط ‬أربعة ‬ضحايا ‬بالنادي‮ ‬اليهودي ‬وثلاثة ‬بفندق ‬فرح ‬وأربعة ‬بالمدينة ‬القديمة ‬قرب ‬المقبرة ‬اليهودية،‮ ‬واثنين ‬بمطعم ‬بوزيتانا ‬بحي ‬القناصل، ‬وقد ‬توفي ‬بعد ‬ذلك ‬بمستشفى ‬ابن ‬رشد ضحايا ‬آخرون ‬متأثرين ‬بجروحهم.‬ تلك اعتداءات حولت حياة البيضاويين إلى جحيم ولولا السياسة الاستباقية للمصالح الأمنية فيما بعد لأزهقت الكثير من الأرواح.
ححيم الروس» و«عشاق الشهادة»..
‎ يوم الأربعاء‮ ‬14‮ ‬ماي‮ ‬اجتمع كل من حسن الطاوسي،‮ ‬وعبد الفتاح بويقضان،‮ ‬ومحمد ‬العماري‮ ‬بمنزل هذا الأخير واستمعوا إلى شريط‮ «‬الرحلة إلى الديارالآخرة‮»‬،‮ ‬للمدعو المرعي،‮ ‬قبل أن‮ ‬يغادر محمد العماري‮ ‬بعد صلاة العصر المنزل من أجل اقتناء بعض الأدوات والمعدات الخاصة بتحضير وتصنيع المتفجرات اليدوية،‮ ‬وبعد ساعة من الزمن عاد محمد العماري‮ ‬ومعه مجموعة من الأرطل‮ وقطع من القصدير التي‮ ‬قام بتقطيعها على شكل دائري‮ ‬وانهمك الثلاثة في‮ ‬إعداد المتفجرات‮، ‬وعمد عبد الفتاح بويقضان إلى إخفاء المتفجرات بمنزل العمري،‮ ‬حيث تم وضعها تحت السرير بعد أن تمكن من صنعها‮.‬‬
‎ومساء‮ ‬يوم الخميس الموالي‮ ‬التحق بمنزل محمد العماري‮ ‬كل من محمد العروسي،‮ ‬التائب،‮ ‬كوثري،‮ ‬عبد الرحيم بلقايد،‮ ‬رشيد جليل،‮ ‬فتناولوا جميعهم وجبة العشاء كما أخبرهم عبد الفتاح بويقضان بأن سعيد عبيد أنهى مهمة تحديد الأهداف التي‮ ‬سيتم ضربها‮. ‬
‎وفي‮ ‬صباح‮ ‬يوم الجمعة الدامي‮ ‬التحق بنفس المنزل محمد حسونة محمد عرباوي،‮ ‬فتناولوا وجبة الفطور كما اغتسلوا الواحد تلو الآخر،‮ ‬وبعدها شاهدوا شريط فيديو‮ ‬يتمحور موضوعه حول‮ «الموت وأهوال القبور‮»‬،‮ ‬ولم‮ ‬يغادر أي‮ ‬من الإرهابيين منزل محمد العماري،‮ ‬وذلك كاحتياط أمني،‮ ‬بأمر من عبد الفتاح بويقضان،‮ ‬تجنبا لإثارة الانتباه،‮ ‬باستثناء محمد العمري‮ ‬الذي‮ ‬أدى صلاة الجمعة بحي‮ ‬مبروكة بناء على تعليمات عبد الحق‮ «‬مول السباط‮»‬،‮ ‬فيما صلى باقي‮ ‬الانتحاريين صلاة الجمعة داخل المنزل،‮ ‬وكان خطيبها عبد الفتاح بويقضان الذي‮ ‬تطرق في‮ ‬خطبته لموضوع الجهاد‮.‬‬
‎في‮ ‬حدود الساعة الثانية والنصف زوالا رجع محمد العمري‮ ‬إلى المنزل،‮ ‬وتابع مع باقي‮ ‬الانتحاريين مشاهدة شريط‮ «عشاق الشهادة‮»،‮ ‬وشريط آخر‮ ‬يحمل عنوان‮ «‬جحيم الروس‮»،‮ ‬قبل أن‮ ‬يحضر لهم‮ ‬الحليب والتمر،‮ ‬إذ كان عدد منهم صائما في‮ ‬ذلك اليوم،‮ ‬كما أحضر قبل صلاة المغرب أكلات خفيفة‮ «‬سندويشات‮»‬،‮ ‬وفي‮ ‬تلك الأثناء اتصل سعيد عبيد بعبد الفتاح هاتفيا وأخبره بأن الأمورعادية،‮ ‬فقام الجميع لصلاة المغرب والعشاء جمعا،‮ ‬ثم قام خالد بنموسى في‮ ‬حدود الساعة السادسة والنصف مساء بحلق ذقون العناصر الإرهابية،‮ ‬وتولى عبد الفتاح ضبط الساعات اليدوية على الساعة العاشرة ليلا وبعد إنزال‮ ‬المتفجرات من سطح منزل محمد العماري‮ ‬قام محمد مهني‮ ‬بإيصال الخيوط الكهربائية بمفتاح تشغيل الكهرباء بالبطاريات ثم وزع العلب بالحقائب،‮ ‬وقام عبد الفتاح بتوزيع السكاكين على الجميع كما وزع العلب البلاستيكية‮ والولاعات‮.‬‬‬‬‬
‎قسم عبد الفتاح العناصر الإرهابية إلى أربع مجموعات وهو‮ ‬يحثهم على ضرورة استعمال السلاح الأبيض في‮ ‬حق أي‮ ‬حارس‮ ‬يمنعهم من‮ ‬ولوج أهدافهم،‮ ‬وفي‮ ‬حالة‮ ‬مقاومة الحراس أرشدهم إلى استعمال القنابل اليدوية،‮ ‬فقامت العناصر الاحتياطية بارتداء ملابس عادية،‮ ‬وخرجوا من منزل محمد العماري،‮ ‬وودعوا بعضهم البعض،‮ ‬وهم‮ ‬يرددون‮ «‬موعدنا في‮ ‬الجنة‮! »‬،‮ ‬وفي‮ ‬نيتهم إزهاق أرواح الأبرياء ‬وجعل مدينة الدارالبيضاء في‮ ‬ذلك اليوم مذهولة من إرهابيين تربصوا بأمنها و استقرارها في‮ ‬غفلة من الجميع‮.‬ وكان ذلك إعلانا عن بداية تنظيم‮ «‬القاعدة‮» ‬الإرهابي‮ ‬في‮ ‬تنفيذ مخططه باستهداف المغرب بعدما ظل هذا الأخير قلعة محصنة ضد الإرهاب‮.‬
هكذا تم إعداد القنابل البشرية
استغرق إعداد الإرهابيين لاستهداف مدينة الدارالبيضاء أزيد من ستة أشهر، عمل خلالها‮ «‬الأمير الوطني‮» ‬للإرهابيين على تشكيل خلايا بكاريان طوما واستقطاب الشبان وسط الأحياء القصديرية قبل الانتقال لصنع المتفجرات وتحويل‮ ‬المدينة في‮ ‬تلك الليلة إلى جحيم دموي‮. ‬
‎كانت أولى خطوات «أمراء» الإرهابيين تحديد موقع وجود الانتحاريين المحتملين،‮ ‬فوقع الاختيار على كاريان طوما الذي‮ ‬يتميز بانتشار الأمية والبطالة بين صفوف شبابه وشبه انعدام للأمن بين‮ «براريكه‮» ‬القصديرية،‮ ‬فبدأت العناصر الأولى من الإرهابيين في‮ ‬عقد عدة اجتماعات بمنازل متعددة وسط أزقة الكاريان،‮ ‬ومنها دكان عبد الرزاق الرتيوي‮ ‬الذي‮ ‬خصص جزءا من محله التجاري‮ ‬لعقد تلك الاجتماعات،‮ ‬أو الاجتماع بمنازل متعددة لاستقطاب عناصر جديدة في‮ ‬خطة محكمة نسجها عبد الحق‮ الملقب ب «مول السباط‮». ‬‬‬
‎جمعت بين الإرهابيين علاقة الجوار داخل كاريان طوما،‮ ‬وهي‮ ‬خطة رمت إلى استغلال طبيعة الكاريان المهمش لتشكيل خلايا بدت لدى باقي‮ ‬السكان وقاطني‮ ‬الكاريان مجرد علاقة جوار والتزام ديني،‮ ‬فعبد الحق‮ «‬مول السباط‮» ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬يجرؤ طيلة تلك الفترة على‮ ‬القدوم للكاريان إلا لماما حفاظا على سرية النواة الأولى للإرهابيين‮.‬‎ عملية استقطاب شبان كاريان طوما، كانت جارية على قدم وساق،‮ ‬مستغلين توافد الشبان على مسجد الحي‮ ‬كنقطة أولى لاستدراج الشبان المغرر بهم آنذاك،‮ ‬ولم تمض إلا أسابيع قليلة حتى وصل عددهم إلى حوالي‮ ‬16‮ ‬شابا،‮ ‬ومخافة ضبطهم أمنيا عمد الانتحاري‮ «‬عبد الرحيم‮» ‬إلى تقسيمهم‮ ‬إلى أربع مجموعات تجتمع كل واحدة على حدة،‮ ‬عند شخص معين،‮ ‬وبذلك بدأت مع مرور الأيام‮ ‬تترسخ معالم التنظيم الإرهابي‮ ‬بين أزقة كاريان طوما‮.‬
‎ضمت كل مجموعة من الإرهابيين خمسة أفراد،‮ ‬وتكلف‮ «‬يوسف كوثري‮» ‬بتحديد‮ ‬طبيعة اجتماعات هذه المجموعات،‮ ‬بعد تقاسم الأدوار بين الإرهابيين وفق تنظيم محكم سيكشف عن النوايا القادمة لهذه الخلايا الإرهابية،‮ ‬وهو ماكشفت عنه ورقة بخط‮ ‬يد‮ «‬يوسف كوثري‮» ‬عثرت عليها المصالح الأمنية بدكان عبد الرزاق الرتيوي،‮ ‬وتشير إلى تقسيم تلك المجموعات‮.‬‎كانت الورقة تحمل أكثر من ثلاثين اسما أي‮ ‬أن العدد أكثر بكثير مما ذكره عبد الرزاق الرتيوي‮ ‬وحين واجهه رئيس الجلسة بهذه المعطيات الجديدة خلال محاكمته،‮ ‬كشف عبد الرزاق الرتيوي‮ ‬أن العديد من الأشخاص لم‮ ‬يكونوا‮ ‬يحضرون لمثل هذه الاجتماعات لهذا تم تسجيلهم في‮ ‬أسفل اللائحة‮.‬
‎تطورت اجتماعات الإرهابيين،‮ ‬ولم تعد تقتصر على حفظ القرآن أو الأحاديث النبوية،‮ ‬فقبل ثلاثة أشهر من وقوع انفجارات مدينة الدارالبيضاء بدأ استعمال الأشرطة السمعية وأشرطة الفيديو لبث الأفكارالإرهابية في‮ ‬صفوف المستقطبين الجدد،‮ ‬وهكذا جلب عبد اللطيف أمرين شريط فيديو وشريط‮ «‬حميد الحطاب‮»... ‬كما شرعوا في‮ ‬مشاهدة الأشرطة بشكل جماعي‮ ‬خاصة شريط‮ «‬جحيم الروس‮»‬،‮ ‬و«عشاق الشهادة‮»‬،‮ ‬فالخطة انبنت منذ البداية على استدراج الوافدين الجدد لكمين الإرهاب‮.‬‎كانت الخطوة المقبلة للإرهابيين وفق ما رسمها أمراؤها‮ ‬ محاولة‮ ‬غسل دماغ‮ ‬المستقطبين بصفة نهائية،‮ وانتقل تنظيم الإرهابين في‮ ‬الخطوة الموالية بعد التشبع بأفكار التكفير على‮ ‬يد الشيوخ إلى الاستعداد البدني‮ ‬للقيام بالعمليات الإرهابية،‮ ‬فكانت وجهتهم بالأساس إلى منطقة الواد المالح القريب من المنطقة،‮ ‬وهناك كانوا‮ ‬يعتكفون لأيام عديدة وصلت إلى أشهر للاستمرار في‮ ‬عملية‮ ‬غسل الدماغ‮ ‬حيث ألقى خلالها محمد مهني‮ (‬من الإرهابيين الانتحاريين‮) ‬درسا،‮ ‬أما خوض التداريب الرياضية فكلف بها رشيد جليل الذي‮ ‬لقنهم بعض مبادئ رياضة فنون الحرب،‮ ‬باعتباره حاصلا على درجة متقدمة في‮ ‬رياضة‮ «‬الكونغ‮ ‬فو‮»‬،‮ ‬وفي‮ ‬إطار اتخاذ الحيطة والحذر دائما كانت‮ ‬بعض العناصر تتكلف بحماية‮ «مخيماتهم‮» ‬بالمنطقة من خلال الحراسة ليلا مستعملين هراوات‮.‬‬‬
‎بدأ الاستعداد للقيام بالعمليات الإرهابية بمدينة الدارالبيضاء،‮ ‬وكان لا بد من الحصول على المتفجرات بأية طريقة،‮ ‬وكذا كيفية صنعها،‮ وحين أصبحت إمكانية صنع المتفجرات متاحة،‮ ‬وبدأ الاستعداد للقيام بالعمليات الإرهابية إلا أن قلة عدد الانتحاريين آنذاك دفعت عبد الحق‮ «مول السباط‮» ‬إلى توجيه أوامره إلى أتباعه لاستقطاب عناصر جديدة،‮ ‬وتنفيذا لهذه الأوامر قام عبد الفتاح بويقضان وياسين لحنش كل واحد منهما في‮ ‬نطاق الحي‮ ‬الذي‮ ‬يقطن به على استقطاب عدد كبير من الشبان للانضمام إلى تنظيمهم،‮ ‬وتم تقسيمهم على أربع مجموعات مخصصة للاستقطاب،‮ ‬على رأس كل واحدة منها عبد الصمد الولد،‮ ‬خالد مراسل،‮ ‬ياسين لحنش،‮ ‬وعبد الفتاح بويقضان‮… ‬وفي‮ ‬اجتماع ضم أمراء الخلايا‮ أخبرهم عبد الحق‮ «مول السباط‮» ‬بضرورة الاستعداد للقيام بعمل‮ «‬جهادي‮» ‬على أساس أنه سيقوم بإخبارهم عن موعده،‮ ‬وتفاصيله في‮ ‬حينه،‮ ‬فيما تكلف عبد الفتاح بويقضان بتحضير وتصنيع المتفجرات‮.‬‬‬‬‬‎عند الانتهاء من صنع المتفجرات توجه محمد العماري‮ ‬رفقة عبد الفتاح بويقضان إلى سوق تيط مليل حيث اقتنيا‮ ‬بعض المواد التي‮ ‬ستمزج مع المتفجرات،‮ ‬كما اقتنيا ‮ ‬14‮ ‬ساعة‮ ‬يدوية لاستعمالها في‮ ‬ضبط وقت الانفجارات بين جميع الانتحاريين وثلاث حقائب و سكاكين‮.‬
‎وصلت لحظة الحسم بالنسبة إلى الإرهابيين‮، ‬يوم تاسع ماي‮ ‬المنصرم، حينها تم اتخاذ قرار بالقيام بالانفجارات بمدينة الدارالبيضاء،‮ ‬بعد الانتهاء من العمليات التحضيرية،‮ ‬وبعدما أصبحت المتفجرات جاهزة،‮ ‬وكٌلف سعيد عبيد بالقيام بجولة استطلاعية حول الأماكن المستهدفة،‮ ‬وتلقى عبد الفتاح بويقضان من أميره عبد الحق‮ «مول السباط‮» ‬تعليمات جديدة بتنفيذ العمليات الإرهابية‮ ‬يوم تاسع ماي‮.‬‬‎تم تكليف محمد العماري‮ ‬بإخبار جميع الانتحاريين بالتواجد قصد تنفيذ العملية‮ ‬يوم تاسع ماي‮… ‬وفي‮ ‬منزل محمد العماري‮ ‬اجتمع كل من عبد الفتاح بويقضان،‮ ‬وبلقايد،‮ ‬ومحمد مهني،‮ ‬وحسن الطاوسي‮ ‬لمناقشة الأمر‮،‮ ‬وخرج الجميع بتغيير موعد تنفيذها في التاسع من ماي باتفاق بين عبد الفتاح بويقضان وعبد الحق‮ بنتاصر «‬مول السباط»، فاتخذ قرارا بالاتفاق مع عبد الحق‮ «‬مول السباط‮» ‬قصد تأجيلها إلى‮ ‬يوم الجمعة الموالي،‮ ‬وهو الذي‮ ‬سيصادف تاريخ‮ ‬16‮ ‬ماي‮ ‮.‬‬‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.