الجامعة السنوية لحزب "الكتاب" توجه انتقادات لاذعة إلى تدبير الحكومة    طنجة.. الدرك الملكي بكزناية يطيح بأربعة أشخاص متورطين في تخزين وترويج مواد غذائية فاسدة    57 قتيلا في ضربات إسرائيلية بغزة    تشكيلة "الأشبال" لمواجهة المكسيك    مباراة شكلية .. منتخب "الأشبال" ينهزم أمام المكسيك في "المونديال"    حجز آلاف الأقراص المخدرة بتيفلت    إحباط محاولة لتهريب الذهب بميناء طنجة المتوسط    الأمن يحبط تهريب مخدرات بالكركرات    17 موقوفًا أمام النيابة العامة بالقنيطرة    محمد الريفي يعود بديو مع "أورتيجا"    الحقوقي عزيز غالي في عداد المختطفين لدى إسرائيل وسط صمت رسمي مغربي    الأمن يدخل على خط خلاف بين جانحين وحارس ليلي انتهى بتهشيم سيارات بأكادير    المجلس الوطني لحقوق الإنسان: المظاهرات خلال اليومين الماضيين جرت دون تسجيل أي سلوك من شأنه المساس بالحق في التجمع السلمي    إسرائيل ترحل أربعة مغاربة من المشاركين في "أسطول الصمود العالمي"    فضل شاكر يسلم نفسه للجيش اللبناني بعد نجاح كبير لأغاني أصدرها قبل شهور    المنتخبون التجمعيون يثمنون مطالب الشباب ويستنكرون 'الدوغمائية' المتربصة بالمجهود التنموي    من يستبيح بيت رئيس الحكومة؟ .. التوحش الافتراضي أخطر من الخصومة السياسية    نادي "بيتيس" يعلن إصابة أمرابط    مونديال الشيلي لأقل من 20 سنة.. المنتخب المغربي يتعثر أمام نظيره المكسيكي (1-0) ،وينهي الدور الأول في صدارة المجموعة الثالثة                المسطرة الجنائية تكافح الاتجار بالبشر                    رئيسة المفوضية الأوروبية تشيد بحماس    القضاء الأمريكي يحكم بحبس نجم الهيب هوب ديدي    لجان التحكيم بالمهرجان الوطني للفيلم    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    عثمان بنجلون يبيع ضيعته بكبيك مقابل حوالي 109 مليون درهم مغربي (صور)        لجنة التعذيب.. الوجه الخفي للنظام العسكري الجزائري الذي يرهب أبناءه    معرض الفرس بالجديدة.. الخيول العربية-البربرية ركيزة أساسية لشرطة القرب    قصف متواصل وإسرائيل تتحدث عن تقليص عمليتها بغزة تجاوبا مع خطة ترامب                أين اختفى هؤلاء "المؤثرون" في خضمّ الأحداث الشبابية المتسارعة بالمغرب؟    مسرح رياض السلطان يواصل برنامجه لشهر اكتوبر    يعقوب المنصور يستقبل الدشيرة بملعب البشير بالمحمدية عوض الملعب الأولمبي بالرباط    الاتفاق الفلاحي الجديد... أوروبا تعترف عمليًا بالسيادة المغربية على الصحراء    إلَى جِيل Z/ زِيدْ أُهْدِي هَذا القَصِيدْ !    انخفاض سعر صرف الدرهم مقابل الدولار والأورو    الكاتب عبد اللطيف اللعبي يوجّه رسالة تضامن إلى شباب الاحتجاجات في المغرب    جينك يعلن خضوع الواحدي لعملية جراحية في الكتف            فقدان حاسة الشم بعد التعافي من كورونا قد يستمر مدى الحياة (دراسة أمريكية)    علماء يجددون توصيتهم بالتقليل من اللحوم في النظام الغذائي    حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد العلمي.. إعلامي مغربي في قرية درويش

يتذكره المغاربة ب"رسالة واشنطن". فسحة تحليل إخباري على جريدة "الاتحاد الاشتراكي" لأهم ما عاشته العاصمة الفدرالية لبلاد العم سام في أسبوع. وموعد شبيه ب"رسالة الباهي الباريسية" ينتظرونه بشغف. وفي التوقيع "محمد العلمي" وصورتان تكملان بعضهما : واحدة لرجل أربعيني باسم، وأخرى لأحد معالم ورموز السياسة أو الاقتصاد الأمريكي.
ولسنوات ظلت إطلالته الأسبوعية على جريدة جل المغاربة آنذاك هي هي. تجميع لأهم ما رشح به إناء السياسة والقرار في "الدولة العظمى"، واستضاءة بتلك القدرة الجميلة على العرض والتحليل بلغة الصحافة. وفي العمق، كان العلمي والراحل محمد باهي يؤسسان من مغتربيهما لتقليد جميل في الإعلام المغربي المكتوب.لم تكن "رسالة واشنطن" سوى البداية. خط الذهاب نحو حلم قديم راود محمد العلمي منذ أن كان صبيا يعيش في كنف عمه بأحد الأحياء الشعبية لفاس. حلم تناسل من صلب حكاية تستحق أن تُروى لأنها تلخص كل مسار هذا الإعلامي اللامع في سماء التلفزيون العربي.
فخلف الشهرة والنجومية اللتين حصّلهما العلمي بعد طول كدح تتوارى رحلة يُتْم انطلقت إثر وفاة الوالد والطفل لم يزل في سن الحبو. لا معيل وقتها غير عم مغلوب على أمره ينوء بأثقال المعيش اليومي الصعب. لذلك، تحكم قساوة الظروف على محمد أن يترك بيت الأسرة ليلتحق بدار الرعاية الاجتماعية بباب خوخة.
هناك سيتعلم العلمي أبجديات الحياة بحق، وستحقنه بجرعتها من الألم وهو يجرب الحرمان ويكابد غياب أبوين يمنحانه الدفء الذي يحتاجه كل طفل. لكن الدار الجديدة ستعطيه ما انتزعته منه ظروف لم يكن له فيها من يد. ستزرع فيه إرادة أن يتحدى واقعه، وأن يُكوّن نفسه بنفسه، وأن يتعلم كيف يواجه الحياة وحده.
صورة واحدة بقيت تفعل فيه : عمّه وهو مشدود إلى الراديو في انفعال تام تحت وقع نبرات "صوت العرب" ستينيات القرن الفائت. صورة رسمت له طريق حلم كُتب له أن يتحقق في الأخير. لكنه لم يأت سهلا. كان العلمي على مواعيد مع وجوه أخرى للحياة أصرت أن تُريها له. إلا أن دروس "باب خوخة" كانت أقوى وحصنته في أكثر من محطة. والحلم القديم ظل هو هو، نجمة طريق بها يستهدي وإليها يسعى.
السنوات الخمس التي أمضاها في التدريس أقنعته أنه أخطأ الاختيار، وأنه لن يصلح لمهنة ليس بينه وبينها من صلة رحم أو حبل ود. فانبثقت فكرة الهجرة. كانت الوجهة الولايات المتحدة الأمريكية. بلد سيتحول مع الوقت إلى وطن ثان والعلمي يحصل على الجنسية، ويعثر على ما كان يبحث عنه ويكد من أجله في رحاب صاحبة الجلالة.
"رسالة واشنطن" بهالتها لم تكن غير تمرين جدي وممر سالك نحو الشاشة الصغيرة. والعلمي بتجربته في الحياة والإعلام وإجادته لأكثر من لغة أجنبية كان مطلوبا من الفضائيات العربية التي أسست لها مكاتب في أمريكا. لم يتردد في الالتحاق بأبو ظبي وقت كانت إخبارية وتقدمت الجزيرة والعربية في تغطيتها المعارك الطاحنة في حرب أمريكا وبريطانيا على العراق. إلا أن تحول القناة وإقفالها لمكتبها ببلاد العم سام سارع بختم هذه التجربة.
مع الجزيرة سيظهر الوجه الحقيقي للعلمي. وسيسجل إسمه ببنط عريض على شاشة التميز والكفاءة المهنية والاحتراف. مقابلات مع أشهر الشخصيات السياسية والاقتصادية من صناع القرار الأمريكي، تغطيات ميدانية جاذبة، تقارير إخبارية دقيقة ومحررة بلغة شفافة ولمسة خاصة في التحليل ثم تلك الدمغة المغربية الأصيلة في النبرة والصوت. إضافة حقيقية لقناة ذات انتشار عربي واسع عرفت كيف تضع يدها على نجوم الإعلام العربي وتؤثث بخصوصية كل واحد منهم حضورها الفاعل.
مع الجزيرة ستتحقق الشهرة على نطاق أوسع، ستكتمل دورة الحلم، ويعود محمد العلمي الذي "ركب طائرة الرئيس الأمريكي" إلى باب خوخة بفاس، إلى بيته الأول، ليتفقد آثار الطفل الذي حلم ذات يوم أن يصبح له نفس تأثير مذيع "صوت العرب"، وظل وهو يكبر وفيا لذكريات طفولته القاسية، صائنا للإنسان فيه، قبل أن يظهر مؤخرا على شاشة الجزيرة في زيارة فريدة لأطلال البروة بفلسطين، قرية درويش، يتيم الأرض والوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.