عبد الرفيع جواهري، رجل مبدع في كل ما ينجزه. مبدع في الصحافة السمعية-البصرية. مبدع في الشعر. مبدع في كتابة كلمات الأغاني الراقية. مبدع في الكتابة الصحفية. مبدع في المحاماة. مبدع في النكتة. مبدع في المجادلة... أبدع في طبيعة ونوعية البرامج التي أنجزها لصالح الإذاعة والتلفزيون. أبدع في نظم الشعر وإلقائه. أبدع في القصائد التي لحنت وأصحبت أغاني حية على الدوام، لا تموت. تخترق كل الموجات الغنائية التي جاءت بعدها. تموت تلك الموضات وتظل القصائد التي نظمها عبد الرفيع حية. أبدع في اختيار المواهب الغنائية، بل كان له الفضل في الشهرة التي اكتسبتها الكثير من تلك المواهب. تفتخر بمغربيتك، وأنت تستمع لعبد الرفيع، يلقي الشعر. شاعر مغربي كبير ينسيك أكبر الشعراء في المشرق. لا تمل من الإنصات إليه، والتأمل في المعاني والصور التي تبدعها أبيات قصائده. عندما يكون عبد الرفيع واقفا يلقي شعره، لا تكتفي القاعات بالتصفيق له، بل تهب إلى الوقوف له، احتفاء به، وشكرا له. حضرت مرافعات عبد الرفيع في المحاكم المغربية مدافعا عن الزعماء من أمثال عبد الرحيم بوعبيد، والمناضلين السياسيين. عبد الرفيع مدافع دائم عن القضايا العادلة، كان حاضرا باستمرار في المحطات الصعبة التي عاشتها بلادنا خلال سنوات الرصاص، رافعا صوت الحرية. كانت معرفته العميقة بالقانون وقدرته على توظيف ثقافته الواسعة في مرافعاته، وفصاحته المشهود له بها، كل ذلك جعل من عبد الرفيع جواهري محاميا تحترمه قاعات المحاكم، وتقدر إسهامه في إخضاع نصوص القانون للاجتهاد. وقف مدافعا عني وعن حرية الصحافة في محاكم مغربية شتى، فكانت مرافعاته ترفع رأسي ومعنوياتي، وتعلي من شأن وشرف المهنة التي أقف أمام المحاكم بسبب ممارستها. لم يكن يتأخر أو يتردد في مصاحبتي إلى المدن التي أكون مستدعيا، للمثول أمام محاكمها، (من ورزازات إلى أكادير، وتطوان والدارالبيضاء، ومراكش، والرباط) حتى المرض لم يكن يثنيه، أو يمنعه، من السفر لمؤازرتي، ومؤازرة الجريدة التي أمثلها سواء في عهد جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، أو جريدة «الأحداث المغربية». كنت مطمئنا على الدوام، لأنني كنت مؤازرا من طرف عبد الرفيع جواهري، وكذلك من طرف محمد كرم، رفيق وصديق عبد الرفيع. أما إبداعه في المجال الصحفي، فإنه يحتاج إلى دراسة حقيقية، نظرا لأهميته ونظرا لأنه كان فريدا في المغرب والعالم العربي. لقد خلق بزاويته «النافذة»، في جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، ثم جريدة «الأحداث المغربية» عندما صدرت هذه الأخيرة، والتي كان واحدا من مؤسسيها، خلق جنسا جديدا في الصحافة المغربية، استقطب اهتمام الجميع. نالت «النافذة» إعجاب القراء، وخلقت حولها شعبية غير مسبوقة، فتهافت القراء على قراءتها، وحرصوا على ألا يخلفوا موعدها. النافذة نالت إعجاب النخبة، كما حظيت بإعجاب عموم القراء من مختلف الأوساط، إعجاب القارئ الناشط والملتزم والمناضل سياسي، والقارئ المواطن الذي لا ينتمي لأي حركة سياسية. أثارت «النافذة» حفيظة وزارة الداخلية في عهد ادريس البصري، فتمت محاربتها وكثرت محاولات إيقافها، ومورست على عبد الرفيع الضغوط من شتى الجهات، بل تعرض للتهديد بالمتابعة، لكنه ظل صامدا، ولم يوقفها في جريدة «الاتحاد الاشتراكي» إلا استجابة لرغبة صادرة من داخل قيادة حزبه. ذهب الذين حاربوا «النافذة» وذهب عهدهم، إلى غير رجعة، لكن «النافذة» ظلت حية، وراسخة في ذاكرة الأجيال الذي تابعوها، كما ظلت عصية على التقليد. إذا كانت زاوية «النافذة» إبداعا مضيئا في الكتابة الصحفية في نهاية القرن الماضي، فإن أسلوب عبد الرفيع المتميز في الكتابة الصحفية، شمل أيضا جنسي التعليق والاستطلاع، وحسب علمي فإن أول من اقتحم عالم «بويا عمر»، وأنجز حوله استطلاعا لم يتمكن أي صحفي، بعد ذلك من كتابة مثيل له. كان عبد الرفيع يقتحم عوالم قل من تتوفر له الشجاعة للكتابة حولها. اقتحمها ليس بهدف التميز، أو الظهور بمظهر الكاتب الشجاع، ولكن من منطلق المواطن المغربي المحب لوطنه، والغيور على تقدمه وتطوره، والحريص على خدمته بدون حساب وبدون انتظار المقابل، والحريص أيضا على إعلاء صوت الحداثة. كانت هذه هي روح الافتتاحيات التي كتبها في جريدة «الأحداث المغربية»، ولذلك، كثيرا ما كانت تجد الصدى الإيجابي لدى أعلى مصادر القرار في بلادنا. أستاذي عبد الرفيع، دمت منارة مغربية للإبداع، وهرما في الكتابة والدفاع عن القضايا العادلة. أطال الله عمرك، وشكرا على دفاع على حرية الرأي التعبير، وعلى حرية الصحافة، الدفاع الصادق والملتزم، والذي لم يكن ينتظر جزاء ولا شكورا. شكرا على كل ما منحته لبلدك المغرب الذي ما يزال في حاجة إلى عطائك. المدير السابق لجريدتي «الاتحاد الاشتراكي» و«الأحداث المغربية»