برقية تعزية ومواساة من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    أخنوش يطلق من الداخلة "مسار الإنجازات": أنجزنا في 4 سنوات ما عجزت عنه حكومات متعاقبة    الوافي: بنكيران لا يواكب المرحلة    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    العد التنازلي بدأ .. سعد لمجرد في مواجهة مصيره مجددا أمام القضاء الفرنسي    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    الدرهم يرتفع بنسبة 0,18 في المائة مقابل الأورو    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    مؤسسات فلسطينية في اليوم العالمي لحرية الصحافة: نشهد أكثر مرحلة دموية بتاريخ الصحافة    الإمارات وعبث النظام الجزائري: من يصنع القرار ومن يختبئ خلف الشعارات؟    تير شتيغن يعود لحراسة مرمى برشلونة بعد غياب 7 أشهر بسبب الإصابة    دار الطالب بأولاد حمدان تحتضن بطولة مؤسسات الرعاية الاجتماعية    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    الأزمي: لم تحترم إرادة الشعب في 2021 وحكومة أخنوش تدعم الكبار وتحتقر "الصغار"    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    المغرب يطلق مشروعا كبيرا مع الولايات المتحدة لتصنيع مقاتلات F-16    استقدمها من علبة ليلية بأكادير.. توقيف شخص اعتدى على فتاة جنسيا باستعمال الضرب والجرح بسكين    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينهي تحضيراته استعدادا لمواجهة نيجيريا وسط شكوك حول مشاركة الزبيري وأيت بودلال    "هِمَمْ": أداء الحكومة لرواتب الصحفيين العاملين في المؤسسات الخاصة أدى إلى تدجينها    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    كيوسك السبت | الحكومة تكشف بالأرقام تفاصيل دعم صغار الفلاحين و"الكسابة"    ألمانيا تهتز على وقع حادث دموي في شتوتغارت.. سيارة تدهس حشداً وتصيب 8 أشخاص    كبرى المرافئ الأميركية تعاني من حرب ترامب التجارية    الموت يغيّب المنتج المصري وليد مصطفى    زيارة صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت تعزز "العلاقات الممتازة" بين الولايات المتحدة والمغرب (الميداوي)    قصف منزل يخلف 11 قتيلا في غزة    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    حين تصبح الحياة لغزاً والموت خلاصاً… "ياقوت" تكشف أسراراً دفينة فيلم جديد للمخرج المصطفى بنوقاص    أشغال تجهيز وتهيئة محطة تحلية مياه البحر بالداخلة تبلغ نسبة 60 بالمائة    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ترسم حكومة الإسلاميين قواعد اللعب الإبداعي من جديد؟
نشر في الأحداث المغربية يوم 12 - 03 - 2012

بعيدا عن التصريحات العلنية, وعن الإكراهات السياسية التي تفرض كثيرا من الكلام العام الذي يحاول التوفيق بين ما لاتوفيق بينه, ذهبت «الأحداث المغربية» لكي تبحث في ثنايا مايتم تدبيره للمشهد الإعلامي والفني المغربي, وبالتحديد للمشهد السينمائي لكي تعرف كيف سيكون مستقبل الحرية الإبداعية في البلد, ولكي تعرف قليلا من شكل القادم من الأيام. تجميع قامت به الجريدة على امتداد أيام طويلة لأشياء كثيرة أحيانا تبدو غير مترابطة مع بعضها واطلاع على ما تتم صياغته لدفاتر تحملات القنوات التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة, وكذا لسياسة الدعم السينمائي, ولسياسة المهرجانات السينمائية, مع الاستماع لفاعلين أساسيين يراقبون عن بعد ما يجري في القطاعين, وينتظرون بعد انتهاء كل الترتيبات لكي يكونوا حكمهم الختامي على ماسيقع في النهاية. ماسيقع سيكون حمالا لأوجه عديدة, وما سيقع قد يبدو في الظاهر بريئا للغاية, يريد إصلاح الأوضاع المائلة, ويريد القطع مع الكثير من العادات “السيئة” في المجالين, لكن الخلاصة النهائية تقول إن “طريق جهنم محفوف بالنوايا الحسنة”. قبل البدء لابد من التوضيح. هي ليست محاكمة نوايا ولا حكم مسبق على أشياء لم تقع بعد, لكنها “ضربة شبه استباقية” لئلا يقول أحد غدا إن أي جهة لم تنبه لما يتم تدبيره من الآن. لنتابع
حجاب الحب في التلفزيون
ابتدأت الحكاية بحادث عارض يبدو تافها للغاية. طالبة من المعهد العالي للإعلام تسأل وزير الإعلام المغربي عن إقصاء المحجبات من التلفزيون. إجابة الوزير كانت واضحة «لن يكون هناك أي إقصاء لأي مغربي أو مغربية من وسائل إعلام بلده». من هنا لا إشكال على الإطلاق. الأمر متفق عليه بين الجميع. بعد الحادث العابر بأيام ستأتي جميلة مصلي النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية لكي تتحدث في يوم العيد العالمي للمرأة على بلاتو «ميدي أن تي في» عن تأخر الإعلام العمومي المغربي, ولكي تورد مثلا واحدا عن هذا التأخر «إزاحة مذيعات من التلفزيون بعد أن ارتدين الحجاب». هل هناك مشكل أولوية يسمى الحجاب في التلفزيون المغربي؟
بالنسبة للجمهور العادي لا يوجد. بالنسبة للحكومة الحالية يبدو أن الأمر مغاير بعض الشيء, لذلك ستأتي دفاتر تحملات القنوات المقبلة لكي تؤكد على أنه «من الضروري مراعاة تمثيل كل فئات النساء المغربيات في هاته القنوات», والحرص على «عدم إقصاء أي كفاءة اعتمادا على اللباس». هل سترد العبارة بهذه الحرفية؟ أمر غير مؤكد, لكن الشيء الثابت هو أن أشياء كثيرة ستعبر من بين تفاصيل عبارات تبدو راغبة فقط في ضبط المجال بشكل عاد لكي تحمل إلى المشهد الإعلامي المغربي شيئا جديدا يحمل بصمة الحكومة الجديدة التي تسير الشأن العام المغربي.
بالنسبة لبعض المتتبعين الأمر عادي جدا, فالشعب اختار عمليا حكومة الإسلاميين, من اللازم إتاحة الفرصة للكتلة الناخبة التي اختارت الحزب الأغلبي الجديد أن ترى بعضا من ثمار اختيارها في التلفزيون المغربي. الرأي هو لأحد المتتبعين الذي لا يرى غضاضة في المسألة, لكن رأيا آخر يرد عليه لكي يقول إن المساس بالقيم المشتركة التي اتفق عليها الناس منذ وقت سابق يلزمه كثير الاتفاق حوله, خصوصا وأن شكل الحجاب الذي قد يدخل إلى التلفزيون المغربي هو حجاب لاعلاقة له بالمغرب, بل هو زي إيراني أو مشرقي في أحسن الأحوال, ويضيف أصحاب الرأي الثاني متندرين إن على «من يقولون بالإسلام المغربي أن يحملوا حجابا مغربيا إلى التلفزيون إذا كان ضروريا القيام بذلك مثلما تقول كل المؤشرات الآن».
ماوراء الشكليات...المعقول
المشكل الذي قد يتمحور حول الزي الإسلامي ووجوده من عدمه في التلفزيون المحلي, مشكل قد يبدو تافها إذا ماقورن بمشاكل أخرى ستجد الطريق إلى الطرح مستقبلا في المشهد التلفزي دائما. التصور الذي تحمله دفاتر التحملات المقبلة لدور القطب العمومي في نشر الثقافة الدينية بين الناس, التصور الذي تحمله نفس الدفاتر عن تمثيلية المرأة في التلفزيون, والوقوف بالنقطة والفاصلة عند مظاهر التشييء في الإشهار, وفي المسلسلات, والأفلام, لكن أساسا ترديد عبارة غير مفهومة, وقادرة على أن تعني كل شيء ولا شيء هي عبارة «عدم تقديم مشاهد مسيئة للمرأة المغربية».
من يتابعون قليلا النقاش الذي انخرط فيه الإسلاميون منذ وقت سابق في كل مايخص الحياة التلفزيونية أو الفنية المغربية, يعرفون أن لديهم تصورا خاصا جدا لمسألة الإساءة هاته للمرأة المغربية, يبدأ من تقديم سهرة تبدو فيها امرأة وهي ترقص بين الجمهور, وينتهي عند «الصراخ الكثير» حين تقديم لقطة مفروضة إبداعيا لرجل وامرأة يجمع بينهما حوار قريب بعض الشيء من الرومانسية, دون نسيان التركيز المستمر على انتقاد اللقطات التي توصف ب«الفاضحة» من طرفهم في المسلسلات المكسيكية والتركية, علما أن الأمر يتعلق عادة بلقطات عادية جدا لفتيات جميلات في مسلسلات تعتمد هذا النوع من الجذب للجمهور, وهو مايتفاعل معه الجمهور المغربي بشكل مكثف مثلما تدل على ذلك نسب المشاهدة والمتابعة (المثال الأخير: مسلسل «حريم السلطان» التركي استطاع أن يجذب إليه عددا قياسيا من الجمهور المغربي بسبب اختيار فتيات جميلات لأداء أدواره).
لذلك يطرح الخائفون من هذه التضييقات المحتملة السؤال حول درجات التعويم فيها التي قد تجعلها قادرة على احتواء كل شيء, بل قادرة في لحظة من اللحظات _ قد تأتي وقد لا تأتي _ على أن تجعل كل شيء ماعدا مايعتقده الإسلاميون ممنوعا ومحرما وغير جائز قانونا, وهذا هو أخطر ما في الموضوع كله.
الحرب الضروس في السينما
متتبعو مايحاك اليوم في الخفاء للمشهد الإعلامي والمشهد الفني ينقلون المعركة, معركة التخوفات, إلى مجال أخطر يبدو الأكثر هشاشة, والأكثر استعدادا للعب دور المرآة الدالة على توفق الإسلاميين في تغيير شيء ما في المشهد الإبداعي الذي يحتفظون معه بعلاقة توتر منذ القديم. يجب هنا التذكير أن اللعبة ابتدأت مع الانتقاد المنهجي المتواصل لكل الأفلام السينمائية المغربية التي أنتجت في الفترة بين 2003 و 2011. قد يقول القائل إنها الفترة التي شهدت ازدهار السينما المغربية, ووصولها إلى المشاركة في المهرجانات العالمية الأبرز. نعم, لكن القائل الآخر المنتبه جيدا لخبايا الأمور سيعرف أيضا أنها الحقبة التي تولى فيها نور الدين الصايل مسؤولية التسيير في القطاع السينمائي المغربي, والرجل منذ لحظات ماي 2003 وطريقة تغطيته للحوادث الإرهابية التي عرفها المغرب في ذلك الشهر من تلك السنة أصبح بالنسبة لتيار إسلامي واسع عدوا معلنا أو على الأقل خصما لابد من إسقاطه بكل الوسائل.
هذه الخطة أعطت ثمارها بكل تأكيد, حيث أصبحت السينما المغربية تعني بالنسبة لقطاع واسع من الناس _ اعتمادا على هاته الخطة لاغير _ ماخورا كبيرا مفتوحا على عوالم الدعارة والمخدرات والخمر, لا تدخله إلا الراغبة في بيع شرفها لأول مخرج عابر, ولا يتميز فيه إلا الشواذ والأشخاص غير الأسوياء, وكل من يريد الاغتناء على حساب الناس دون وجه حق.
طبعا كانت بعض الأصوات المحايدة ترتفع بين الفينة والأخرى لكي تشير إلى التقدم الذي تحرزه السينما المغربية, وإلى التطور الهائل الذي تحقق لها, وإلى حضورها في أكبر المحافل السينمائية العالمية. لكن هنا أيضا كانت الخطة جاهزة: كل من يدافع عن السينما المغربية هو متواطئ مع المسيرين لها أو قابض منهم, أو في أحسن الأحوال فاسد يريد إفساد المجتمع والأمة المغربيين.
«ماذا لو بدأنا من السينما؟»
جملة تبدو عابرة ولا معنى لها, لكنها الخطر كل الخطر بالتأكيد. وردت العبارة على لسان مسؤولين عدة في التيار الإسلامي الحاكم اليوم, وخلاصتها تقول إن الدعم السينمائي المقبل لن يصل إلى أي فيلم يتضمن أي لقطة تسيء للمرأة المغربية. نظريا لا إشكال. هذا الأمر جيد ومقبول بل ومطلوب. عمليا هناك مشكل كبير جدا, إذ ما الذي تعنيه هاته العبارة بالتحديد؟ وهل يمكن لمن يكتبون سيناريوهاتهم اليوم بهدف تقديمها لنيل الدعم السينمائي ألا يضعوا في بالهم أن رقابة قبلية أصبحت منتصبة على إبداعهم, عليهم بموجبها أن يزيلوا من السيناريوهات أي لقطات تتضمن مشاهد لاختلاء رجل بامرأة, أو أخرى تتضمن مشاهد لاحتساء الخمر أو تدخين المخدرات. أما المشاهد الساخنة فطبعا لا نقاش.
لم يعد اليوم ممكنا تخيل دعم فيلم مثل «ماروك», أو «سيمرة في الضيعة», أو «فيلم», أو «موت للبيع», أو غيرها من الأفلام التي اقتربت بجرأة من المواضيع المسكوت عنها, بل لن يكون بإمكان هاته الأفلام مستقبلا أن تعرض دون سحب اللقطات التي ستعتبر «مسيئة» منها, لكي تكون قادرة على نيل رضا «أًصحاب الحال الجدد».
هؤلاء الأخيرون يمتلكون ردا غريبا على من يقول لهم «كيف سنتناول مثلا موضوع الدعارة في فيلم دون أن نظهر لقطة ساخنة واحدة؟», حيث يردون إن السينما الإيرانية تناولت كل المواضيع الممكن تخيلها دون أن تسقط في «الابتذال» الذي «سقطت فيه حسب زعمهم _ بعض الأفلام المغربية». هنا أيضا الكلام مردود عليه تماما لأن السينما الإيرانية ليست واحدة. هناك سينما الملالي التي يسمح بها النظام هناك, وهي سينما «على قد الحال» فعلا, وهناك سينما إيران المغتربة, وهي سينما ذهبت بعيدا في التحرر إلى درجة أنه يمكن أحيانا العثور على أفلام إيرانية لا يستطيع المغرب عرضها مهما حاول التجرؤ على ذلك, ومهما ردد من عبارات القبول بالحرية الإبداعية.
الحقيقة والخيال في الحرب على الإبداع الفني
إلى حدود اليوم ليست هناك أي دفاتر تحملات ولا قوانين جديدة في المجال. يجب التذكير بهذا الأمر جيدا. الموجود والمتوفر إلى اليوم هي أحاديث تروج هنا وهناك عن تجميع مجموعة من القوانين لتضمينها ضمن الدفاتر المرتقبة, وكلها نصوص وقوانين تدفع في اتجاه التضييق على الحرية الفنية أكثر مما تدفع إلى تشجيعها, وهنا بالتحديد وجب دق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان. المغاربة الذين صوتوا لصالح «العدالة والتنمية» في الانتخابات الماضية من حقهم أن يروا تصورهم للفن في التلفزيون والسينما والإذاعات والمسارح وكل مناحي الحياة, لكن المغاربة الآخرين الذين صوتوا للأحزاب الأخرى, والأهم, المغاربة الذين لم يصوتوا لأي كان, والذين يميزون جيدا بين الفن وبين السياسة ويعتبرون أن من حقهم أن يظل بلدا قادرا على احتضان كل أنواع الحرية الفنية, هم أيضا يجب أن تتم مراعاتهم ومراعاة أفكارهم, ليس بفرض قوانين تحد من حرية الإبداع وليس بفتح المجال على مصراعيه دونما اعتبار, ولكن فقط بالتفكير مليا فيما سيتم اختياره من قرارات سترهن مستقبل إبداع بدأ بالكاد طريقه بعد سنوات من القمع, وسيجد نفسه مجددا أمام سنوات جديدة من قمع آخر لامراد من ورائه إلا تصفية حساب قديم أصبح اليوم ممكن الإنهاء, ولوعلى حساب كل ماتحقق إلى حدود الآن.
‎الخلفي: «دفاتر تحملات للمهرجانات»
‎قال وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، الخميس الماضي، إن منح الدعم للمهرجانات السينمائية «سيتم بناء على دفتر تحملات يتضمن، بالأساس، لجنة وطنية ستعمل على تحديد مخصصات دعم أي مهرجان٬ وذلك وفق معايير وضوابط تنطلق من المرجعية الدستورية».
‎وأوضح الخلفي، في لقاء مع الصحافة عقب اجتماع مجلس الحكومة، أن هذه الأخيرة «لم تتدارس بشكل رسمي موقفها من أي مهرجان»، مضيفا أن وزارة الاتصال لم تقرر بعد الزيادة في دعم أي مهرجان سينمائي، وأن عملية تقديم الدعم مازالت تمر عبر المركز السينمائي المغربي.
‎وذكر بأن المغرب يعرف تنظيم أزيد من 150 مهرجانا في السنة، منها 53 مهرجانا سينمائيا.
كيف اجتاح مفهوم «السينما النظيفة» الفن
قبل 13 عاما عرفت السينما المصرية تعبيرا بات شائعا هو «السينما النظيفة»، حيث لا وجود للقبلات والعري والجنس والمايوه.. ولم تكن فقط النجمات هن اللائي يمنعن ذلك، بل إن النجوم كلهم كانوا يرفعون نفس الشعار «لا لأي مشاهد ساخنة».. أنجبت هذه الظاهرة ما يعرف بسينما المضحكين الجدد الذين تزعمهم محمد هنيدي، واستمرت المسيرة بعد أن واصل محمد سعد نفس الاتجاه.. كان المقصود بالنظافة أن الفيلم تصبح فيه المرأة في دور هامشي، وفي نفس الوقت يجب أن يكون الحضور الأنثوي آمنا، حتى في العلاقة بين الأزواج ممنوع تقديم قبلة خاطفة ولا حتى الشروع في قبلة خاطفة.. وأطلقت حنان ترك وقتها تعبير أن كل النجمات صرن «وردة في عروة جاكتة النجم» أي أنهن بلا دور درامي مؤثر ومن الممكن الاستغناء عنهن!! لم يخلُ الأمر بالطبع من بعض أفلام هنا وهناك تحاول أن تغير هذا النمط الشائع، مثل أفلام إيناس الدغيدي التي كانت ولا تزال ينظر لأفلامها على أنها أسوأ ما عرفته السينما المصرية، وكانت تجنح دائما إلى تقديم مشاهد جنسية فجة مثل «لحم رخيص»، و«مذكرات مراهقة»، و«الباحثات عن الحرية»، تتناول قضايا فكرية عميقة وجدلية ولكنها تحيلها إلى توليفة تجارية متواضعة فنيا، ولهذا صار حتى من يرفض تعبير «السينما النظيفة» لا يمكن أن يؤيد سينما إيناس الدغيدي التي تعتقد أن الجرأة فقط ينبغي أن يكون محورها هو الجنس.. الجمهور أيضا لم يكن يقبل على هذه الأفلام، وخاصمها شباك التذاكر مثلما لاقت انتقادا حادا من أغلب النقاد.. ووقف أيضا على الجانب الآخر – مما يعرف بالسينما النظيفة – النجم عادل إمام بأفلام مثل «الواد محروس بتاع الوزير»، و«التجربة الدنماركية»، و«أمير الظلام» وغيرها، كان للمرأة كأنثى حضورها الطاغي في أفلام عادل إمام.. إلا أن التيار الأكبر ظل هو السينما النظيفة، مع الزمن بدأت تتغير تلك التصنيفات، وصارت هناك محاولات للخروج من هذا القيد، حتى النجوم مثل أحمد السقا وكريم عبد العزيز لم يعودوا يتدخلون في حذف بعض اللقطات في الأفلام، ولم يتمسكوا بتطبيق قانونهم الخاص الذي يمنع تصوير أي مشاهد عاطفية.. تسيدت السينما النظيفة المشهد السينمائي المصري، لها الكلمة العليا وهي التي تحقق الإيراد الأكبر.. إلا أنه قبل ثلاث سنوات حدث تغير نوعي، ظهرت أفلام مثل «عمارة يعقوبيان»، و«حين ميسرة» تناقش قضايا سينمائية لم يتعود عليها الجمهور المصري والعربي كثيرا، مثل الشذوذ الجنسي والسحاق..
الحالة المصرية:
الخوف والقلق
حالة من الرعب والخوف تسيطر على نسبة كبيرة من الوسط الفني المصري, بعد تسلم الإسلاميين للسلطة وبالتالي وضع القيود على الفن والإبداع في بلد مثل مصر تعتبر فيه السينما والدراما التلفزيونية صناعة من الصناعات, وإحدى وسائل الدخل والاقتصاد المصري, كما أن المسرح خاصة التجاري منه كان أحد العوامل المشجعة على السياحة المصرية خاصة في فصل الصيف, ونظرا لضبابية الموقف والاختلاف الواضح في وجهات النظر فإن هذا التخوف أمر منطقي وطبيعي.
الحالة الإيرانية :
سينما باسم الملالي
في إيران يمارس الفن بحرية دون أي عوائق, لكن ضمن ضوابط مطبقة في المجتمع ومنها غطاء الرأس وعدم الاقتراب وما شابه ذلك وأن مثل هذه القيود ربما تقدم سينما تمثل المجتمع الذي تريده السلطة وبالوقت نفسه, تحقيق النجاحات والجوائز في المهرجانات, لكن لا يمكن لها تحقيق النجاح التجاري كصناعة, وهنا الفارق ما بين الواقع في مصر وإيران لذلك فان الفيلم الإيراني«انفصال» الذي فاز بجائزة الأوسكار الخاصة بأفضل فيلم أجنبي. وربما حقق هذه الجائزة ضمن لعبة الكراسي السياسية في الآونة الحالية, لكن لن يجد النجاح في دور السينما وبالتالي تتحول هذه الصناعة إلى إبداع مستهلك وليس منتجا, وهذا الأمر يصعب تطبيقه في مصر.. لأنه سيجعل الإنتاج الفني أداة من أدوات الدولة أو أن يرضخ لجهات خارجية تقدم له الدعم مقابل أجندات معروفة مسبقا, أو أن يتراجع ويبدأ بالموت البطيء بعد سنوات من الإبداع.
الحالة التركية :
فصل الدولة عن الفن
في تركيا ابتعدت الدولة كليا عن عالم الفن بجميع أنواعه واستمر كما كان قبل تسلم الإسلاميين للحكم, وإن كانت هناك بعض التوجهات السياسية التي تتخلل العديد من الأعمال التركية مثل «وادي الذئاب», فالدراما التركية أصبحت سلعة مربحة للاقتصاد التركي, إضافة إلى أنها عامل مهم من عوامل السياحة التركية خاصة لدول العالم العربي بعدما تراجعت السياحة الأوروبية في تركيا, ومن هذا المنطلق تعاملت الدولة مع الفن بعقلانية ولم تقترب من حاله، حال العديد من القوانين إبان حكم حكومات الليبرالية, ويعتبر هذا نوعا من أنواع الذكاء.. لكن على الجميع ملاحظة بأنه لا يوجد تشدد ديني في تركيا مثل الموجود في مصر.. والمدعوم بأموال عربية.
إعداد القسم الثقافي والفني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.