انطلاق لقاءات التشاور حول الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة بولاية طنجة    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يستأنف تداريبه استعدادا لسدس عشر كأس العالم    توقيع اتفاقية شراكة في مجال التكوين بين اتحاد طنجة وأولمبيك ليون    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    (فيديو) بنسعيد يبرر تعين لطيفة أحرار: "كانت أستاذة وهل لأن اسمها أحرار اختلط على البعض مع حزب سياسي معين"    الكشف عن الكرة الرسمية لكأس أمم إفريقيا المغرب 2025    الدون "كريستيانو رونالدو" يعلن عن موعد اعتزاله    كيف أصبح صنصال عبئاً على الديبلوماسية الجزائرية؟    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    كريم زيدان يعلن عن تفاصيل وشروط استفادة المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة من دعم المشاريع    اقتراب منخفض جوي يجلب أمطارًا وثلوجًا إلى المغرب    لتعزيز جاذبية طنجة السياحية.. توقيع مذكرة تفاهم لتطوير مشروع "المدينة المتوسطية"    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    مجلس القضاء يستعرض حصيلة 2024    تقرير: التغيرات المناخية والاستغلال المفرط يفاقمان أزمة الماء والجفاف عرى هشاشة بعض منظومات التزوّد    المغرب يطلق تكوين 15 ألف متطوع استعدادا ل"كان 2025″    "واتساب" يطلق ميزة جديدة تتيح للمستخدمين الوصول إلى جميع الوسائط الحديثة المشتركة    الحكم الذاتي في الصحراء.. هل يكون مدخلاً لإطلاق مشروع ديمقراطي يواكب التنمية الاقتصادية والتحديات التي يخوضها المغرب؟    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعرض تجربة الذكاء الاصطناعي في منصة "SNRTnews" بمعرض كتاب الطفل والشباب    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    الصين تدعم التعاون الأمني مع المغرب    الجزائر ‬تجرب ‬جميع ‬أوراقها ‬في ‬مواجهة ‬الانتكاسات ‬الدبلوماسية ‬    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    رصاص الأمن يشل حركة مروج مخدرات    التامك يغيب لأول مرة عن مناقشة ميزانية السجون في مجلس النواب.. ما علاقة ذلك ب"إهانته" قبل عام؟    تفجير انتحاري يوقع 12 قتيلا بإسلام أباد    منيب تتقدم بمقترح قانون للعفو العام    خط جوي جديد بين البيضاء والسمارة    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يكشف عن قائمة المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسباب عذاب القبر
نشر في أخبارنا يوم 12 - 02 - 2015

مفارقةٌ عجيبة، ومباينةٌ غريبة، ترى الخطّ الفاصل فيها حاجزاً من تراب، وطبقةً رقيقةً من أديم الأرض، فبينما المرء يتأمّل شواهد القبور فلا يصكّ مسامعه غير صوت الرياح وهي تسفّ الرمال، إذا ببطون القبور تموج بالدواهي والمهلكات، والعذاب والحسرات .

تلك هي الحقيقة التي لا ممارة فيها، ولا مجال لتكذيبها، أن يكون للكافرين والعصاة من المسلمين نصيبٌ من أهوال الحياة البرزخيّة وآلامها، جزاءً من ربّك على الذنوب والمعاصي التي ارتكبوها، فنعوذ بالله أن نكون منهم.

ولعذاب القبر أسباب بيّنها الله ورسوله لتحذير العباد من الوقوع فيها، نُجملها فيما يلي:

أولاً: الكفر بالخالق وجحوده، والكفر كما هو معلومٌ رأس كل خطيئة وأعظم ما عصي الله تعالى به، ولئن كانت كلّ الذنوب داخلةٌ تحت المشيئة بين العفو والمجازاة، فإن الكفر لا يغفره الله أبداً مهما قدّم صاحبه من الأعمال الحسنة، وفي القرآن الكريم: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} (النساء:48)، ومقتضى ذلك أن يكون للكافر نصيبٌ من العذاب، ومبدأ ذلك حاصلٌ في القبر، وقد دلّت الآيات على هذا المعنى بخصوصه، قال تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق* ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد} (الأنفال:50-51)، وهذا العذاب المذكور في الآية من ضرب الوجوه والأدبار دون العذاب الأكبر يوم القيامة وقبله، يؤيّده ما جاء في الآية الأخرى: {فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم}(محمد:27)، يقول الإمام ابن كثير: "كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعصت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب.

وفي الحديث الشهير المروي عن البراء بن عازب رضي الله عنه، والذي يبين فيه حال العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، وفيه: (فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) رواه أحمد، فأثبت الحديث تسبّب الكفر بعذاب القبر .

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبرُ ستة أو خمسة أو أربعة فقال: (من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟) فقال رجل: أنا، قال: (فمتى مات هؤلاء؟) قال: ماتوا في الإشراك، فقال: (إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه). ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: (تعوذوا بالله من عذاب القبر) قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. رواه مسلم.

والحديث يرينا أن الدابّة التي ركب عليها النبي –صلى الله عليه وسلم- أحسّت بالعذاب الذي يتعذّب به المشركون حتى كادت أن تُلقي النبي عليه الصلاة والسلام من على ظهرها لشدّة نفورها وانزعاجها.

ثانيا: النفاق، والعمدة في إثبات ذلك قوله تعالى: { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} (التوبة:101)، وأغلب ما ورد من أقوال المفسّرين أن إحدى المرّتين هو عذابهم في البرزخ قبل الآخرة، كما ورد عن قتادة وابن جريح وأبي مالك وغيرهم.

ثالثا: عدم التنزه من البول والنميمة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على قبرين، فقال: (أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله)، فدعا بعسيبٍ رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال: (لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) متفق عليه واللفظ لمسلم، والمعنى أن أحدهما كان لا يستر جسده ولا ثيابه من مماسة البول فيصيبه شيءٌ منه، ثم هو يٌصلّي بثيابٍ نجسه، فكان تركه لتمام الطهارة الحسيّة سبباً لبطلان صلاته، ولذلك استحقّ العذاب في القبر.

وأما الآخر فقد عُذّب بسبب النميمة، ولا عجب فالنميمة بما فيها من نقلٍ للكلام بين الناس على جهة الإفساد سببٌ لانعدام الثقة في المجتمع، وكم قُطِّعت من أرحام، وأثيرت من ضغائن، وهدّمت من بيوت، واشتعلت من فتن، بسبب هذه البليّة.

رابعاً: الغيبة: ورد فيها حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: بينا أنا أماشي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيدي، ورجلٌ عن يساره، فإذا نحن بقبرين أمامنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، وبلى، فأيكم يأتيني بجريدة؟) فاستبقنا، فسبقته، فأتيته بجريدة، فكسرها نصفين، فألقى على ذا القبر قطعة، وعلى ذا القبر قطعة، وقال: (إنه يهون عليهما ما كانتا رطبتين، وما يعذبان إلا في البول، والغيبة ) رواه أحمد، ويُحتمل أن تكون هذه الواقعة تختلف عن الواقعة السابقة، والتي أخبر فيها النبي عليه الصلاة والسلام أن صاحب القبر عُذّب بسبب النميمة، لكن الظاهر اتحاد القصّة كما ذكر الحافظ ابن حجر.

الخامس: الغلول، وهو ما أخفي من الغنيمة عن القسمة، جاء فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: افتتحنا خيبر، ولم نغنم ذهباً ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وادي القرى، ومعه عبدٌ له يقال له مدعم، فبينما هو يحط رحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه سهم عائر، حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئاً له الشهادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بل، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا) فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم- بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (شراك أو شراكان من نار) رواه البخاري، والشملة هي الكساء الذي يلتحف به الرجل، والشراك هو السيور الذي يشدّ به النعال، والمقصود أن الحديث بيّن أن الغلول سببٌ من الأسباب المستوجبة للعذاب في القبر، ولذلك أوردها الإمام البيهقي في كتابه المتعلّق بإثبات عذاب القبر، وبوّب على الحديث بقوله : " باب ما يخاف من عذاب القبر في الغلول".

سادساً: عدم نصرة المظلوم، عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أٌمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه قال: علام جلدتموني؟، قالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور, ومررت على مظلوم فلم تنصره) رواه الطحاوي في مشكل الآثار، وصدق الإمام القسطلاني إذ قال: " إن كان هذا حال من لم ينصره، فكيف من ظلمه؟".

سابعا: الكبر والخيلاء، خصوصاً إذا كان في المشية واللباس الطويل ونحوهما: ودليله ما رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خُسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ) راوه البخاري، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (بينا رجل يتبختر في حُلّة، معجب بجمّته –أي بشعره-، قد أسبل إزاره، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) رواه مسلم، والمعنى أنه يُخسف به في القبر ويغوص في باطن الأرض بحركةٍ تُحدث جلبةً وأصواتاً لا يسمعها البشر، ويظلّ على هذه الحال من العذاب والخسف إلى يوم القيامة.

ثامناً: الكذب، ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (..فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى) قلت: (سبحان الله! ما هذان؟) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق) رواه البخاري ومعنى يشرشر : أي يقطع، والشدق: هو جانب الفمّ.

والحديث يبيّن خطورة الكذب، ولما كانت أعضاء الكاذب من عينه وأنفه تساعده على ترويج باطله وقعت المشاركة بينهم في العقوبة كما ذكر الإمام ابن هبيرة .

تاسعا: هجر القرآن بعد تعلُّمه، والنوم عن الصلاة المكتوبة: ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال في رؤياه: (أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة) رواه البخاري، ومعنى يثلغ رأسه: أي يشقّه، ويتدهده: يتدحرج.

وقد تعلّق العذاب السابق بأمرين، كان الأوّل منهما: الأخذ بالقرآن ثم رفضه، والمقصود بذلك كما ذكر بعض العلماء أن يرفض تلاوته حتى ينساه، أو أن يرفض العمل به، قال الإمام ابن هبيرة: "رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة ؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه ، فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس ".

وأما النوم عن الصلاة المكتوبة فهو ما يكون على وجه العمد والإعراض عن القيام بها في وقتها، لاسيما صلاة الصبح ، لأن الله تعالى أكّد المحافظة عليها، وفيها تجتمع الملائكة، وأما من نام من غير تفريط وإصرارعلى الترك، فهو خارج من هذا الوعيد والله أعلم.

عاشراً: أكل الربا، فقد جاء في حديث سمرة رضي الله السابق: (فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه فيلقمه حجراً فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً، فقلت لهما: ما هذان؟) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر، فإنه آكل الربا) رواه البخاري.

ووجه المناسبة بين الذنب والعقوبة، ما ذكره الإمام ابن هبيرة بأن آكل الربا عوقب بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة؛ لأن أصل الربا يجري في الذهب؛ والذهب أحمر؛ وأما إلقام الملك له الحجر؛ فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئا؛ وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد؛ والله من ورائه يمحق الربا.

الحادي عشر: الزنا، فمن المشاهد المذكورة في حديث سمرة رضي الله عنه : (..فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغطٌ وأصوات، فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، فقلت لهما: ما هؤلاء؟ ) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني) رواه البخاري، ومعنى (ضوضوا): أي صاحوا، واللغط: هي الأصوات المختلطة التي لا تُفهم.

ويلوح للمتأمّل وجه الملاءمة بين العقوبة والذنب، فقد عوقبوا بالتنوّر لتتقابل نار الجحيم بهيجان الشهوة ونيرانها، والتي جرّأتهم على مقارفة الذنب، وحُشروا في التنّور عراة لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهتك ، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى.

الثاني عشر: أمر الناس بالبر وعدم الامتثال له، وفيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( رأيت ليلة أسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ؟! ) رواه أحمد، وتُقرض بمعنى تُقطّع. وعند البيهقي في شعب الإيمان: (خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون ، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به).

والذمّ المتوجّه في النصين السابقين لا يتعلّق بالأمر بالبرّ كما يتوهّم البعض، وإنما محطّ الإنكار مذكورةٌ في قوله عليه الصلاة والسلام: (وينسون أنفسهم)، فكان التوبيخ على المباينة الحاصلة بين الأقوال والأفعال، والاستنكار على علومهم المقرونة بترك أعمالهم، كما قال عزّ وجل: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} (البقرة:44)، وفي آيةٍ أخرى:{كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف: 3).

الثالث عشر:الإفطار في رمضان من غير عذر، وفيه حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ( بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان ، فأخذا بضبعيَّ ، وأتيا بي جبلاً فقالا لي : اصعد . فقلت : إني لا أطيقه . فقالا : إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت : ما هذه الأصوات ؟ قال : هذا عواء أهل النار، ثم انْطُلق بي، فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قلت: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يفطرون قبل تحلة صومهم) رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه، والضبعين: العضدين، والشدق: جانب الفم.

وبالجملة فإن عذاب القبر مقدّمةٌ للعذاب الأخروي، وما يُقدّره الله تعالى من العقوبة إنما هو أثر من آثار غضب الله وسخطه على عبده: " فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار، ثم لم يتب ومات على ذلك، كان له من عذاب البرزخ، بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذّب" .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.