الحكومة تقر بفشل سياسية استيراد أضاحي العيد    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    الوزير جازولي يدعو المستثمرين الألمان إلى اغتنام الفرص التي يتيحها المغرب    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    الاتحاد الجزائري يعلن شرطه الوحيد لمواجهة نهضة بركان!    تراجع حركة المسافرين بمطار الحسيمة خلال شهر مارس الماضي    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    المغرب: كنرفضو إقتحام المسجد الاقصى وقيام دولة فلسطينية هو اللي غادي يساهم فإحلال السلام    "اتصالات المغرب".. عدد الزبناء ديالها فات 77 مليون بزيادة وصلات ل2,7 فالمية    بعد خسارته ب 10 دون مقابل.. المنتخب الجزائري لكرة اليد يعلن انسحابه من البطولة العربية    واش هادشي غايأثر على شراكة اسبانيا والمغرب والبرتغال فمونديال 2030.. الحكومة فالصبليون دارت الوصاية على الاتحاد الإسباني بسبب الفساد وخايفين من خرق لقوانين الفيفا    البحرية الملكية تنقذ مرشحين للهجرة السرية    الزيادة العامة بالأجور تستثني الأطباء والأساتذة ومصدر حكومي يكشف الأسباب    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    المغرب يستنكر اقتحام باحات المسجد الأقصى    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانسحاب العسكري الروسي من بلاد الشام في الميزان: ما بين تحقيق الأهداف والخوف من إنكسار عسكري.. بقلم // عمر نجيب
نشر في العلم يوم 25 - 03 - 2016

يوم الأربعاء 30 سبتمبر 2015 أجاز مجلس الاتحاد الروسي بالإجماع للرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوة العسكرية في الخارج، كما أعلن رئيس الإدارة الرئاسية سيرغي ايفانوف. وجاءت هذه الموافقة بعد طلب في هذا الخصوص من بوتين نفسه.
وذكر الكرملين في بيان إن الرئيس الروسي طلب تفويضا من البرلمان لنشر قوات روسية في الخارج. وكانت آخر مرة منح البرلمان الروسي بوتين حق نشر قوات بالخارج عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم واستعادتها من أوكرانيا في 2014.
وأكد إيفانوف أن هذا الطلب مرتبط بالنزاع في سوريا، موضحا أنه لا يشمل سوى ضربات جوية، ويستبعد إرسال قوات على الأرض.
لكن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين قال إن الهدف العسكري الرئيسي لروسيا في سوريا هو مكافحة الإرهاب ودعم القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد.
وردا على سؤال عما إذا كانت روسيا بمقدورها أن تضمن اقتصار أي ضربات جوية على متشددي تنظيم الدولة الإسلامية، قال بيسكوف "الهدف الرئيسي هو مكافحة الإرهاب ودعم السلطات الشرعية في سوريا في مواجهة الإرهاب والتطرف".
وأعلن مسؤول رفيع المستوى في الكرملين الأربعاء أن الرئيس السوري بشار الأسد طلب "تزويده بمساعدات عسكرية"، وذلك بعيد منح مجلس الاتحاد الروسي بوتين تفويضا باستخدام القوة العسكرية في سوريا.
وقال رئيس الإدارة الرئاسية سيرغي ايفانوف للصحافيين أن "الرئيس السوري طلب من حكومتنا تزويده بمساعدات عسكرية"، مضيفا أن موسكو ستتحرك "طبقا لمعايير القانون الدولي".
وذكرت وكالة إنترفاكس إن عمليات الجيش الروسي في سوريا سيكون لها إطار زمني محدد بوضوح.
ويوم 2 أكتوبر 2015 أكد أليكسي بوشكوف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الروسي "الدوما" إن موسكو تتوقع استمرار حملتها الجوية في سوريا ثلاثة أو أربعة أشهر، وأضاف بعيدا عن الموضوع السوري إن غواصات روسية مزودة بقدرات إطلاق صواريخ نووية تجوب مياه المحيط الأطلسي "ردا" على خطط حلف شمال الأطلسي تكثيف عملياته في شرق أوروبا.
في ذلك التوقيت أقرت مصادر مقربة من البيت الأبيض أن تدخل موسكو يعني أن الصراع في سوريا انتقل خلال بضعة أشهر من حرب بالوكالة قامت خلالها قوى خارجية بتسليح وتدريب جزء من السوريين على قتال بعضهم بعضا كما جندت لدعمهم أجانب من الخارج، إلى صراع دولي تتدخل فيه القوى العسكرية الرئيسية في العالم ماعدا الصين مباشرة في القتال.
أهداف بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد في ذلك التوقيت وخلال اجتماع للحكومة الروسية ان على موسكو ان تتحرك بشكل استباقي لضرب الجهاديين في سوريا قبل ان يصلوا الى بلاده.
وقال في تصريحات متلفزة "الطريقة الوحيدة الصحيحة لقتال الارهاب الدولي هي التصرف بشكل استباقي وقتال المقاتلين والارهابيين على الاراضي التي يسيطرون عليها والقضاء عليهم، وعدم انتظاروصولهم الينا". وأضاف إن "التسوية النهائية والدائمة للنزاع في سوريا ممكنة فقط على اساس اصلاح سياسي وحوار مع القوى السليمة في البلاد".
واضاف "اعرف ان الرئيس الاسد يتفهم ذلك وانه مستعد لمثل هذه العملية". وذكر بوتين خلال لقاء مع ممثلين حكوميين، إن بلاده ستواصل دعم الجيش السوري حتى ينهي حربه.
واكد بوتين ان التدخل العسكري الروسي في سوريا يقتصر على الضربات الجوية دعما للقوات الحكومية السورية مستبعدا في الوقت الراهن ارسال قوات على الارض.
واضاف "تم ابلاغ كافة شركائنا بالمخططات والتحركات الروسية في سوريا" داعيا "كافة الدول المهتمة بمكافحة الارهاب" الانضمام الى مركز التنسيق الذي انشأته سوريا وايران والعراق وروسيا في بغداد.
محللون ذكروا أن من أهداف الكرملين من تدخله ليس فقط دعم حكومة دمشق وإنما تذكير الولايات المتحدة بأن علاقات موسكو مع دمشق تمتد لأكثر من خمسين عاما وأنها لن تسمح بإخراج هذا البلد من صف حلفائها، زيادة على أن سوريا تقع ضمن مناطق التأثير على أمنها ولن يسمح بأن تتحول إلى جزء من سلسلة الطوق الأمريكي حول روسيا. التدخل شكل كذلك رسالة إلى دول في المنطقة تعتزم روسيا العودة إليها كلاعب رئيسي لتأمينها من الإبتزاز الأمريكي.
وذكر توني كوردسمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ان "بعض الطلعات البسيطة، والتدخلات الصغيرة جدا من شانها ان تزيد من مكانة روسيا وقوتها خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعرف هزات كبيرة". لقد ذهب بوتين للقاء أوباما في موعد تدخله العسكري مسلحا باستنتاجات "المطبخ السياسي" في الكرملين بعد التطورات الدراماتيكية على الأرض، وأهم عناوينها أن روسيا لن تسمح بتكرار تجربة ليبيا، وأنها تدخلت في سوريا حتى "لا تفاجأ بذلك السيناريو في آسيا الوسطى"، كما أن الحديث من وجهة نظر موسكو لا يقوم على مواجهة مشتركة للإرهاب، بل على "تفاهم لتفادي الصدام".
وتفيد مصادر رصد في برلين أن ساسة موسكو أدركوا أن الحرب المتعددة الأطراف التي تقودها الولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعودية في بلاد الشام والدعم الذي يحصل عليه تنظيم داعش، مقدمة لمشاريع أخرى لزعزعة إستقرار دول عربية أخرى في نطاق مشروع الشرق الأوسط الجديد وفوضاه الخلاقة، وأن الأمريكيين وفي نطاق محاولتهم زيادة إضعاف روسيا يريدون استخدام داعش لزعزعة استقرار الجمهوريات السوفيتية السابقة في جنوب روسيا وتوسيع نطاق طوق الحصار المفروض عليها.
مسؤولون في موسكو أكدوا كذلك أن التدخل الروسي في سوريا هدفه ردع واشنطن عن مواصلة عمليات إسقاط الانظمة والحكومات ليس في منطقة الشرق الأوسط وحدها بل في مناطق أخرى، بإستخدام أساليب مركبة من إثارة الفوضى عن طريق ما يسمى بالثورات البرتقالية، إلى التدخل العسكري المباشر تحت غطاء حماية الشعوب أو نشر الديمقراطية أو نزع أسلحة الدمار وما شابه ذلك.
هذه الخلفيات والمعطيات لا يجب أن تغيب عن محاولات تحليل تطورات الصراع الدائر على أرض الشام.
هل هي مفاجأة
فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكثيرين في العالم عندما أعلن في شهر سبتمبر 2015 عن تدخل القوات الروسية وخاصة الجوية لدعم الجيش السوري وهو ما شرعت فيه فعلا يوم 30 من نفس الشهر، وعاد وقام بمفاجأة أخرى عندما طلب يوم الإثنين 14 مارس 2016 من وزارة الدفاع أن تبدأ اعتبارا من الثلاثاء عملية سحب القسم الأكبر من القوات الروسية من سوريا. واعتبر بوتين أن "المهمات التي كلفت بها هذه القوات في سوريا تم انجاز أغلبها".
واعلن الكرملين ان الرئيس الروسي ونظيره السوري اتفقا اثر اتصال هاتفي بينهما، على سحب القوات الروسية من سوريا، مع الابقاء على وجود جوي لمراقبة وقف إطلاق النار ومركز تأمين تحليق الطيران في الأراضي السورية".
وأكد بوتين كذلك أن "القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس ستواصلان عملهما كما في السابق".
وأعرب بوتين عن أمله بأن يشكل بدء سحب القوات الروسية من سوريا دافعا إيجابيا لعملية التفاوض بين القوى السياسية في جنيف.
وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، صرح من جانبه يوم الاثنين 14 مارس، أن القوات السورية مدعومة بسلاح الجو الروسي تمكنت منذ بدء العملية الروسية في البلاد من تحرير 400 مدينة وقرية سورية واستعادة السيطرة على أكثر من 10 آلاف كيلومتر مربع من أراضي البلاد.
وأضاف شويغو أن سلاح الجو الروسي نفذ، في إطار عمليته بسوريا أكثر من 9 آلاف طلعة، مشيرا إلى أن القوات الروسية تمكنت من عرقلة تجارة الإرهابيين بالنفط أو القضاء عليها بشكل كامل في بعض المناطق، كما استطاعت وقف أو تدمير الإمدادات الأساسية لتمويل الإرهابيين ونقل الأسلحة إليهم.
وقال شويغو أيضا إن الطيران الحربي الروسي دمر في سوريا حوالي 209 منشأة خاصة بإنتاج النفط، فضلا عن أكثر من 2000 شاحنة لنقل المنتجات النفطية، لافتا إلى أن القوات الروسية في سوريا قتلت أكثر من 2000 مسلح، بمن فيهم 17 قائدا للمجموعات الإرهابية، انتقلوا إلى البلاد من أراضي روسيا.
وشدد شويغو على أن العسكريين الروس ضمنوا متابعة التزام أطراف الهدنة بنظام وقف الأعمال القتالية، وذلك باستخدام طائرات من دون طيار ووسائل استخباراتية أخرى ومجموعة الأقمار الاصطناعية الروسية.
واشنطن أقرت أن موسكو لم تبلغها بنية الإنسحاب، وقال جوش إيرنست المتحدث باسم البيت الأبيض إنه لم يشاهد التقارير حول القرار الروسي، وبالتالي فإنه لن يعلق عليها بشكل مباشر، كما لم يدل المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي بتعليق على هذه المسألة.
غير أن إيرنست ذكر أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يجري اتصالات منتظمة مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من محادثاتهما تتركز على التدخل العسكري الروسي في سوريا، وكيف أن الولايات المتحدة ترى أنه غير مثمر فيما يتعلق بمحادثات السلام السورية.
في الأيام التالية تضاربت الأخبار الواردة من العاصمة الأمريكية فحينا كان هناك حديث عن عدم جدية موسكو وتارة أخرى يصرح مسؤولون أمريكيون أن الإنسحاب يتم ولكن قوات جوية روسية تستمر في مساندة الجيش السوري للتقدم خاصة على الجبهة الجنوبية في إتجاه الحدود مع الأردن وخطوط وقف إطلاق النار مع إسرائيل في هضبة الجولان وكذلك على الجبهة الشمالية نحو مدينة تدمر والرقة اللتان يسيطر عليهما تنظيم داعش. مصادر رصد ألمانية أفادت أن شبكات الدفاع الجوي الروسية وخاصة تلك المزودة بصواريخ أرض جو من طراز أس 400 المتموضعة داخل الأراضي السورية وتلك الموجودة على متن سفن الأسطول الروسي في شرق المتوسط تواصل حظر إقتراب الطيران التركي والإسرائيلي من الفضاء السوري وتؤمن حركة الطيران السوري الذي عزز بطائرات ميغ 29 وأسلحة أخرى في عملياته على جبهات القتال المختلفة.
الجيش السوري
بعد حوالي 48 ساعة من إعلانه قرار الإنسحاب صرح الرئيس الروسي يوم الخميس "إن مهمة روسيا في سوريا كانت تتمثل في مكافحة الإرهاب لكي لا ينتقل إلى أراضي روسيا، مشيرا إلى أن القوات الجوية الروسية هدفت منذ البداية إلى دعم العمليات الهجومية للجيش السوري ضد المنظمات الإرهابية. وأكد أن موسكو أكدت مباشرة أنها لا تنوي التورط في النزاع السوري الداخلي.
وأشار بوتين إلى أن روسيا عززت القوات المسلحة السورية التي أصبحت الآن قادرة ليس فقط على صد الإرهابيين، بل وإجراء عمليات هجومية ناجحة ضدهم.
وأكد الرئيس الروسي أن ميزان القوى في سوريا سيضمن بعد سحب القوات الروسية الرئيسية من هذا البلد، معربا عن رأيه في أن القوى الوطنية ستحقق نجاحات في مكافحة الإرهاب في سوريا. كما أعرب عن أمله في أن يتم قريبا تحرير مدينة تدمر السورية الأثرية من مسلحي "داعش". وأكد أن موسكو ستواصل دعم السلطات السورية في مكافحة الإرهابيين. وأشار بوتين إلى أن موسكو ستبعد الجماعات التي ستخرق الهدنة من القائمة الأمريكية لمنظمات المعارضة المعتدلة تلقائيا.
وأكد أن منظومات الدفاع الجوي الروسية، بما في ذلك صواريخ "أس 400"، ستقوم بدوريات قتالية دائمة في سوريا وستستخدَم لحماية العسكريين الروس في قاعدتي طرطوس وحميميم من أي أخطار، مشيرا إلى أن موسكو أبلغت كل شركائها بأنها ستستخدم منظومتها للدفاع الجوي ضد أي هدف تعتبره خطرا على عسكرييها.
وأضاف بوتين إن روسيا ستزيد وستعيد قواتها في سوريا لتصل إلى المستوى المناسب "خلال بضع ساعات" إذا اقتضت الضرورة ذلك، إلا أنه أكد أن موسكو لا تريد أن تفعل ذلك لأن "التصعيد العسكري ليس خيارنا". ومع ذلك أعرب بوتين عن أمله في تتمسك كافة الجهات السورية بعملية السلام.
وأكد الرئيس بوتين أن الأسلحة الروسية الحديثة اختبرت بنجاح في ظروف القتال الحقيقي، مشيرا إلى أن هذه التجربة ستسمح لروسيا برفع فعالية وقدرات أسلحتها.
وأضاف بوتين يوم الخميس 17 مارس أثناء مراسم تكريم عدد من العسكريين والخبراء الروس الذين شاركوا في العملية الجوية الروسية في سوريا: "بالطبع تطلبت العملية العسكرية في سوريا تكاليف معينة، ولكن معظمها تم توفيره من قبل وزارة الدفاع، من أموال وزارة الدفاع المدرجة في ميزانيتها لعام 2015 المخصصة لإجراء مناورات وتدريبات قتالية والبالغة حوالي 478 مليون دولار".
وتابع: "لقد قمنا بإعادة توجيه هذه الموارد المالية لتمويل الوحدات الروسية في سوريا"، منوها بأنه "بعد العملية في سوريا هناك حاجة لمصاريف إضافية لسد النقص في الذخيرة وإصلاح المعدات"، مؤكدا أن هذه التكاليف مبررة وضرورية.
وأطلقت روسيا عمليتها الجوية في سوريا في ال30 من سبتمبر 2015، وذلك بموجب طلب رسمي تقدمت به دمشق لموسكو. وانطلاقا من التكلفة التي أعلنها الرئيس الروسي فإن التكلفة للعملية العسكرية التي استمرت 167 يوما تبلغ نحو 2.87 مليون دولار يوميا. وكانت صحيفة "إر بى كا ديلي" الروسية قد رجحت، في وقت سابق، أن إنفاق روسيا على العملية العسكرية، حتى تاريخ 16 مارس، بلغ حوالي 550 مليون دولار.
ويقول محللون أنه على الصعيد العسكري، أن قرار الانسحاب الروسي جاء بعد أن ثبت الجيش الروسي معادلة القوة على الأرض عند هذا الحد، بمعنى أن موسكو أكدت في قرارها ما كانت تقوله دائما من أنها لم تأت إلى سوريا من أجل شخص بعينه، وإنما من أجل مصالحها الاستراتيجية الكبرى، ومنها عدم إسقاط منظومة الحكم في سوريا بالقوة العسكرية، ووقف مغامرات واشنطن خاصة والغرب عامة لتبديل حكومات وأنظمة الدول الأخرى بالقوة تحت غطاء ذرائع حماية حقوق الإنسان والديمقراطية وغير ذلك. والتدخل الروسي في بلاد الشام كبد مشروع المحافظين الجدد في واشنطن لإقامة شرق أوسط جديد عثرة كبيرة.
وهذا الهدف قد تحقق عبر تمكين القوات الروسية الجيش السوري من استعادة مناطق مهمة في الشمال الغربي لسوريا، وإزالة تهديدات فصائل المعارضة المسلحة من جهة، وعبر تسليح الجيش السوري بأسلحة تمكنه من الاستمرار في معاركه في حال فشل الهدنة العسكرية من جهة أخرى.
وقوة التسليح بدت واضحة في المعارك، التي يخوضها الجيش السوري، في محيط تدمر بريف حمص الشرقي ضد تنظيم "داعش"، وفي أقصى ريف اللاذقية الشمالي ضد فصائل المعارضة المسلحة، حيث يحاول الجيش السيطرة على بعض النقاط المتبقية وقرب هضبة الجولان التي لا تزال إسرائيل تحتل جزء منها.
روسيا ستعود
مئات التحليلات والتصريحات صدرت بشأن الإنسحاب الروسي، البعض قدر أن روسيا انكسرت عسكريا وقررت الخروج قبل أن تمنى بهزيمة كالتي واجهها الإتحاد السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي بأفغانستان، آخرون إعتبروا الأمر تخليا عن الحكومة السورية والرئيس الأسد في نطاق صفقة بين الكرملين والبيت الأبيض، بعض المحللين ذكروا أن تكلفة الحرب كانت أكثر مما يستطيع الإقتصاد الروسي تحمله ولهذا تم الإنسحاب خاصة وإن إسقاط طائرة سورية بصاروخ أرض جو كان مؤشرا منذرا لموسكو قبل أيام قليلة من قرار بوتين.
الأمر الذي لم يتناوله هؤلاء المحللون والمتحدثون هو البحث في الروابط التي تجعل من تفسيراتهم متجانسة مع الدوافع التي جعلت الكرملين يرسل في البداية قواته إلى سوريا ثم يقوم بسحبها بعد خمسة أشهر تقريبا، وهو لم يتكبد خسائر تذكر لا بشريا ولا ماديا "ثلاثة قتلى وطائرة واحدة أسقطتها طائرة تركية". كما تجاهل هؤلاء أنه إذا كان قرارا التدخل ثم الإنسحاب قد فاجأ الكثيرين فذلك لأن أجهزة الرصد لم تتمكن من إكتشافه مسبقا، مع العلم أنه في كلا الحالتين أحتاج الأمر لأسابيع من التخطيط والإعداد ولهذا فلا يمكن ربطه بحدث عابر أو تصريح ما.
كتب محلل: سيكتب الكثير في السعي إلى الاجتهاد في تفسير موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسيسعى المحللون للاستعانة بعلوم السياسة وبيانات الاقتصاد، وربما بعلم النفس، لتحري رواية حقيقية تقف وراء قرار سيد الكرملين في قلب الطاولة على نحو مسرحي استدعى انبهار الجمهور العريض. حتى أن تأملا موضوعيا قد يفضي إلى التسليم بأن لا أحد يعرف ماذا دار في خلد الرئيس الروسي، تاركا للأقلام في العالم أن تبرع في إنتاج الأسباب والمسوغات.
لم ينسحب بوتين من سوريا، بل أعاد تموضعه الاستراتيجي، على النحو الذي أحاله، بمهارة، حاجة للتسوية السورية، بعد أن استباح الحلفاء والخصوم هجاء استراتيجياته في سوريا. يصطاد الرجل بحجر واحد مجموعة من الطرائد، في مناورة تثبته رقما أساسيا في المعادلة السورية، ومنها في المعادلات الدولية الأخرى.
الأوروبيون والأمريكيون أشادوا بقرار موسكو، رغم اعترافهم بأنهم فوجئوا به، بما يشي ألا خطة "ب" لديهم. في ذلك فإن المراقبين يتساءلون عن مآلات العملية التفاوضية، كما عن مآلات الهدنة التي، ولئن اعتبرت "عجائبية" تحت وهج النيران الروسية الكامنة، فإن استمرارها بغياب ذلك الوهج، وفق ما يفرضه منطق الانسحاب الجزئي، سيحتاج إلى معجزات.
يمكن اعتبار أن روسيا أحدثت أمرا واقعا ميدانيا ودبلوماسيا بمواكبة دولية والتزام إقليمي لم يخترق التوافقات، وألا شيء يوحي بأنه من المسموح العبث بها. بمعنى آخر، لن يحدث القرار الروسي فراغا يستدرج الطامحين لملئه. وربما في دعوة تركيا فصائل المعارضة المسلحة إلى الوحدة، ما يلبي حاجة معنوية تركية في موسم التوتر مع موسكو ورواج الميول الانفصالية للأكراد في سوريا، أكثر من كونه عزما على قلب الطاولة في سوريا.
في تقرير لها يوم 21 مارس اعتبرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أنه من السابق لأوانه تحديد حجم الانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا، كم أن ذلك لا يعني انسحاب الكرملين من البلاد التي مزقتها الحرب، إذ إنه يأمل في تحويل مكاسبه الأخيرة إلى انتصار دبلوماسي.
وأشارت رندا سليم، مديرة مبادرة الحوار في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، في المقال الذي كتبته لفورين بوليسي، إلى أن خروج بوتين من سوريا لا يضاهي انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011، لا سيما أن بوتين سيحافظ على أصول عسكرية كافية في سوريا لكي يتمكن من إعادة نشر قواته من جديد عندما يختار أن يفعل ذلك، وهو ما أشار إليه في تصريحاته يوم الخميس 17 مارس عندما قال: إنه "بإمكان روسيا العودة مرة أخرى في غضون ساعات قليلة".
وتقول فورين بوليسي إن أي اعتقاد أن انسحابا جزئيا يحول مسار الحرب السورية لمصلحة المعارضة، هو مجرد تمنيات، إذ إن موسكو ذهبت إلى سوريا لمنع الهزيمة العسكرية لنظام بشار الأسد، وكذلك دعمه على المدى البعيد، وهذان الهدفان هما المحركان الرئيسيان لسياسة روسيا في سوريا.
وتضيف المجلة: "تعتقد موسكو بالفعل أن أهدافها قد تحققت، ولكن إذا شعرت مجدداً أن نظام الأسد مهدد، فإنها لن تتردد في إعادة نشر قواتها".
ورغم ذلك، تشير فورين بوليسي إلى أن إعلان بوتين انسحابه يضع النظام السوري على المحك. وقد سارعت دمشق إلى الإيحاء بأن روسيا لم تتخل عنها. بيد أن غضب روسيا بات واضحا بسبب عدم مرونة بشار الأسد الذي يتعين عليه، كما ترى روسيا، أن يستثمر المكاسب العسكرية التي تحققت مؤخرا في التفاوض بمحادثات جنيف 3 للسلام الجارية حاليا. ولكن الحكومة السورية، في المقابل، ليست لديها أية رغبة في التفاوض بشأن المستقبل السياسي للبلاد.
وأشارت إلى أن موسكو لا تريد أن تكون رهينة النظام السوري، إلا أنه ليس لديها خيار آخر سوى الاستمرار في التعامل مع قيادة الأسد.
وبناء على طلب روسيا والصين لم تتم الإشارة إلى بشار الأسد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي ينطوي على خريطة طريق لوقف إطلاق النار وعملية سلام لإنهاء الصراع في سوريا. ومن جانبها تخلت روسيا عن إصرارها على استثناء تنظيمي "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" من وقف إطلاق النار، وقررت التعايش مع العبارة الفضفاضة التي تستبعد من القرار تنظيم داعش وجبهة النصرة و"غيرها من الجماعات الإرهابية على النحو الذي يعينه مجلس الأمن الدولي".
وتشير المجلة إلى أن روسيا لديها شبكة قديمة من العلاقات الرسمية وغير الرسمية مع كل هياكل النظام السوري والمجتمع السوري، ولكن المحور الرئيسي لإيران في سوريا كان دائماً متمثلاً في بشار الأسد الذي استثمر وقته وجهده، منذ توليه السلطة في عام 2000، في تعزيز علاقته مع طهران وحزب الله، أكثر من أي بلد أو حزب آخر. وفي رأيه الآن، كان ذلك الاستثمار مبررا.
وتختتم فورين بوليسي قائلة: "إن قرار بوتين بالانسحاب الجزئي من سوريا يعزز وجهة نظر بشار الأسد بأن رهانه على طهران وحزب الله كان موفقا. وهذا الأمر سيجعل بوتين أكثر اعتمادا على استعداد طهران لمساعدته في كبح جماح الأسد من أجل الوصول إلى حل سياسي. وبناء عليه أيضا، ستكون طهران، لا موسكو، الشريك الأساسي في أي اتفاق سياسي في سوريا".
تغيير مسار الحرب
في العاصمة الروسية تطرقت صحيفة "موسكوفسكي كومسموليتس" إلى قرار الرئيس بوتين وجاء في مقال الصحيفة:
روسيا تنسحب من سوريا مرفوعة الرأس منتصرة، وكدولة عظمى تمكنت من تغيير مسار الحرب في سوريا ولم تسمح بسقوط دمشق في يد المتطرفين.
طبعا، المسألة الأساسية التي تواجه المجتمع الدولي في سوريا بقيت غير محلولة، ألا وهي أن "الدولة الإسلامية" الناشطة في سوريا لا تزال تتمتع بقوة كافية، فرغم الضربات القوية التي وجهت اليها، إلا انها لم تهزم نهائيا. وهذا كان من شأنه أن يعطي الحق للرئيس بوتين بعدم سحب القوات الروسية من هناك. ولكن السؤال التالي يطرح نفسه: هل علينا أن نحل مكان المجتمع الدولي؟ هل علينا أن نقوم بدور الدركي الدولي؟ وهل علينا تحمل عبء المسؤولية عما يجري في الشرق الأوسط؟.
يمكن الرد على هذه التساؤلات بالنفي القاطع. فمهم جدا في السياسة الدولية وفي العلاقات بين البشر الحضور والمغادرة في الوقت المناسب. لقد عملت روسيا كل ما في وسعها في سوريا. فبعد أن كان نظام الأسد في الخريف الماضي على وشك السقوط في أي لحظة، ولم يكن بإمكانه سوى التفاوض بشأن شروط استسلامه ومصيره، أصبح اليوم قويا، ويتفاوض كرئيس قوي وجيشه يحقق الانتصارات في ساحات القتال.
طبعا كان الرئيس الأسد يود بقاء روسيا، ولكن مصالح روسيا لا تتطابق مع مصالحه، حيث بالنسبة لروسيا كان من المهم عدم السماح بتطور الأحداث ناحية تدمير كافة المؤسسات والبنى التحتية للدولة السورية. وهذا ما تم تحقيقه فعلا.
وتواجه روسيا اليوم مهمة جديدة العمل على بقاء سوريا دولة علمانية. فأعداء وخصوم الأسد كثر وهم لا يمكنهم أن يوافقوا على بقائه رئيسا للدولة. وروسيا في مفاوضات جنيف بشأن الأزمة السورية وافقت على إرجاء مناقشة مسألة استقالته، وان قرار سحب القوات لدليل على جدية نوايا موسكو.
معضلات الشرق الأوسط
وتضيف الصحيفة "إن الشرق الأوسط هو هو، وكل قرار سياسي يمس هذه المنطقة يحمل مخاطر سياسية كبيرة. وليس قرار بوتين بسحب القوات استثناء من هذه القاعدة. فلم تعلن الالتزامات الرسمية التي اتفق عليها خلف الكواليس شركاء موسكو الخارجيون الولايات المتحدة والمملكة السعودية مثلا. ونحن لا نعلم إن كانت هناك التزامات أم لا. كما لا نعرف كيف سيكون سلوك تركيا.
ويجب اخذ السيناريو السلبي لتطور الأحداث بعين الاعتبار: فمن جانب الجميع يشكرون روسيا على قرارها الحكيم. ولكنهم من جانب آخر يحاولون إفشال المفاوضات السورية السورية.
ماذا على روسيا أن تفعله إذا ما عادت الأمور إلى نقطة البداية من جديد. هل عليها إرسال القوات الجوية الفضائية ثانية إلى سوريا؟.
إذا لم يتم التحكم بتطورات الأحداث في سوريا فسيكون هذا ضربة قوية توجه لهيبة موسكو في المحافل الدولية، وسوف نظهر وكأننا من السذاجة بحيث لا نعلم كيف نتصرف.
لذلك من الأفضل عدم التطرق إلى هذه الأمور قبل الأوان. المهم أن العمليات الحربية للقوات الجوية الفضائية الروسية انتهت أو قاربت على الانتهاء. ولكن مهمة روسيا السياسية في سوريا مستمرة.
إن قرار بوتين بسحب القوات الروسية من سوريا يزيل مخاوف اندلاع حرب عالمية ثالثة. كما انه يخفض احتمال وقوع صدامات حربية روسية تركية في سوريا. وهذا القرار يعطي موسكو فرصة لتحسين العلاقات مع الغرب ومع بلدان الشرق الأوسط. فهل ستتمكن موسكو من استغلال هذه الفرصة، وهذا هو الأمر المهم هنا طبعا".
الطفل الضائع
وسائل الإعلام الغربية تناولت قضية سحب القوات:
كتبت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية أن "إعلان بوتين فاجأ المحللين العسكريين... لم يكن أحد يتوقع قرب سحب القوات، بمن فيهم أولئك الذين لهم اتصالات مع المسؤولين العسكريين الكبار".
هذا ونقلت "الغارديان" عن الخبير العسكري ألكسندر غولتس أنه بعد الأحداث في أوكرانيا، لم يكن الغرب يرغب بإجراء محادثات مع موسكو، إلا أن التصرفات الروسية في سوريا غيرت الوضع، والروس الآن "يخرجون من الأزمة بأقل الخسائر"، "وهذا قرار تكتيكي لامع".
وأكدت وسائل أخرى أن روسيا استطاعت خلال عدة أشهر منذ بدء العملية في سوريا، بفضل القوة العسكرية والدبلوماسية، كسر خط سير الأزمة التي طال أمدها، وكان السياسيون الغربيون، بمن فيهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يتوقعون غرق روسيا في المستنقع السوري، إلا أنهم أخطأوا في تنبؤاتهم.
وكتب الصحفي في وكالة "رويترز" جوش كوهين أنه "بعد يوم من إعلان بوتين سحب القوات من سوريا، أصبح واضحا تحول لعبته إلى فوز شامل لموسكو".
من جانبه، أكد صحفي في "فوكس نيوز" أن "الولايات المتحدة ما تزال تبدو كالطفل الضائع في غابة الفوضى بالشرق الأوسط"، معتبرا أن الرئيس فلاديمير بوتين استطاع تحقيق نجاح دبلوماسي في سوريا "على الرغم من كل شيء". إذ أنه فعل ما جعل القسم الغالب من المجتمع الغربي يقبل بالرئيس السوري بشار الأسد. ومع أن روسيا تسحب قواتها من سوريا إلا أنها تحافظ على مواقع قوية في المنطقة، فيما سيبقى الأسد لفترة طويلة بالسلطة، حتى وإن فشلت المفاوضات السلمية، كما قال هذا الصحفي.
من جانبهم، رأى محللو وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية أن الرئيس الروسي يدفع من خلال "خططه الصادمة" نظيره السوري، وكذلك المجموعات المعارضة، إلى الإسراع في إيجاد توافق.
وكتب موقع "فوكس" المعلوماتي أن بوتين يسعى إلى تسوية الأزمة السورية عبر المحادثات، وأن أصح استراتيجية له هي سحب تلك الكمية من القوات التي ستدفع الأسد إلى إبرام اتفاق تسوية وفي نفس الوقت ستكبح القوى التي تواجه الحكومة.
فإذا كانت الاستراتيجية الروسية في سوريا كذلك فعلا، فذلك يعني استعداد موسكو الجدي للمحادثات، وأنها تعتبر أن الرئيس السوري جاهز لذلك أيضا. واعتبر موقع "فوكس" أن هذا لا يعني مع ذلك قرب التسوية السلمية، إلا أنه يدل على أن الأطراف ستستطيع إيجاد حل مقبول للجميع.
سفير واشنطن السابق في كل من بغداد وأنقرة وأحد منفذي مشروع تدمير العراق، جيمس جيفري، صرح إن الإدارة الأمريكية قد ردعت نفسها عن اتخاذ التدابير بسوريا، الأمر الذي أدى إلى تأثيرات مأساوية على الحرب وآثار أوضاعا من المحتمل أن تكون خطرة على نظام الأمن العالمي الأمريكي بأكمله. وتابع إن السرعة التي حققت فيها روسيا ونظام الأسد وحلفاؤهما من الميليشيات النجاح على الأرض، إلى جانب عدم قدرة واشنطن على لعب دورها التقليدي في فرض التوازن العسكري، جميعها عوامل قد تؤدي إلى الحد من ثقة الأطراف الأخرى بالولايات المتحدة، خاصة في ظل حملتها العسكرية البطيئة والخجولة تقريبا ضد "داعش"، أمريكا عاجزة بينما روسيا حليف موثوق به.
الدفاع عن المصالح
الواقع أن قرار الرئيس بوتين صنع متاهة، حيث يرى سيرغي كاراغانوف، الرئيس الفخري لمجلس السياسة الخارجية والدفاعية أن روسيا حققت فعلا معظم الأهداف المعلنة للعملية. ونوه بأن الوضع في سوريا وفي الشرق الأوسط، بشكل عام، بات ميؤوسا منه.
وأعرب كاراغانوف عن تأييده لقرار الانسحاب من سوريا، وأشار إلى أن روسيا باقية هناك وتستطيع أن تقصف كل من تعتبره طرفا إرهابيا.
ونوه بأن القرار، عزز موقف روسيا في العالم، ولكنه لن يؤدي إلى تحسين العلاقة المتدهورة مع الغرب الذي يحتاج أكثر من روسيا إلى وجود "عدو". والغرب أخذ يعتاد بالتدريج على أن روسيا ستتصرف كما ترى مناسبا، لكي تدافع عن مصالحها.
أما إيفان كراستيف، رئيس مركز الاستراتيجيات الليبرالية في صوفيا والباحث العملي في معهد الدراسات الإنسانية بفيينا، فيرى أن روسيا نجحت في تحقيق الكثير، لتعلن نفسها كلاعب قوي جدا في ساحة الصراع السوري.
ونوه كراستيف بأن الرئيس بوتين أدرك، وعلى مدى السنوات الثلاث الأخيرة، أهمية المفاجآت، وأخذ زمام المبادرة بيده. ولذلك، بدأت العملية في سوريا، في وقت لم ينتظرها فيه أحد، وكذلك حدث الانسحاب. لقد فازت روسيا بكثير من الغموض الذي أحاطت سياستها به.
من جانبه يرى أليكسي مالاشينكو، من مركز كارنيغي بموسكو، تفسيرين للقرار الروسي. الأول، اعتراف على أرض الواقع بهزيمة روسيا، التي لم تتمكن من قلب الأمور لصالحها بالعملية الجوية فقط وبات الأمر يتطلب تنفيذ عملية برية وهو أمر غير وارد في الحسابات الروسية.
والثاني، على العكس من ذلك، وهو وجود اتفاق، ظل سريا لفترة طويلة، على أن تنسحب القوات الروسية ويجري التخفيف من حدة التوتر في سوريا، مقابل تقديم الولايات المتحدة بعض الضمانات لبشار الأسد بأن يبقى خلال فترة المفاوضات والمرحلة الإنتقالية، ولكن مع مواصلة الضغط عليه. ويجري بشكل منفرد اتخاذ القرار بخصوص مصيره. هذا يعني، أن التنازل كان من جانب الأمريكان. وإذا كان الأمر كذلك فهو يعني تحقيق موسكو للنجاح.
بول سوندرز، المدير التنفيذي لمركز نيكسون ومركز "ناشينال إنترسيت" الأمريكي، يرى أن قرار بوتين جاء بهدف الضغط على الأسد لتليين موقف الحكومة السورية، وهو ما جرى فعلا.
المتاهة ...وخمس فرضيات
جاء في مقال نشرته صحيفة "ذي ناشيونال إنترست" الأمريكية يوم الثلاثاء 15 مارس، أن هناك خمس فرضيات أساسية حول الإنسحاب.
أن الفرضية الأبسط تكمن في أن يكون نشر القوات الفضائية الروسية بسوريا في سبتمبر من العام 2015 قد جاء منذ البداية كعملية مخطط لها أن تكون قصيرة الأمد.
ولفتت الصحيفة إلى تغير الديناميكية السياسية لعملية تسوية الأزمة السورية، الأمر الذي يدل عليه بوضوح عدم طرح استقالة الرئيس السوري بشار الأسد من قبل الأطراف الرئيسية المؤثرة كشرط أساسي لتنفيذ عملية السلام في البلاد.
الفرضية الثانية، تقول إن موسكو تسعى إلى وقف عمليتها العسكرية وهي في ذروة النجاح. وتوضح الصحيفة أن "التدخل الروسي في الأزمة السورية غير بشكل حاد صورة الكرملين ليس في الشرق الأوسط فحسب إنما وفي العالم برمته، حيث عرض العسكريون الروس قدرتهم على إعلان وتنفيذ العمليات العسكرية خارج حدود بلادهم بنجاح، وأظهروا أن موسكو تستطيع تغيير الأوضاع في سوريا بأقل التكاليف وبصرف النظر عما تريده كل من واشنطن وبروكسل والرياض وأنقرة".
كما يرى الخبراء الغربيون أن السبب الرئيس لسحب موسكو قواتها الجوية الفضائية من سوريا في سعي روسيا إلى تجنب "الفخ الأفغاني".
وتضيف الصحيفة: "عندما أطلقت روسيا عملية نشر قواتها في سوريا بدأت بعض القوى المعارضة بالبحث عن وسائل تحويل سوريا إلى أفغانستان ثانية بالنسبة لروسيا" إلا أن هذا السيناريو لم يتحول إلى واقع ولم تنفع الأسلحة الأمريكية الحديثة التي زودت بها القوات التي تقاتل الجيش السوري في تبديل الوضع الميداني، والأوضاع في سوريا استقرت، رغم توجس سلطات الدول الغربية.
من جهة أخرى، يربط بعض الخبراء بدء سحب القوات الروسية من سوريا برغبة موسكو في تجنب خوض صراع سافر مع الرياض، إذ أظهرت موسكو، حسب الصحيفة، أنها ما زالت منفتحة على تسوية الأزمة السورية عن طريق المفاوضات، التي ستأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف، بما فيها الرياض.
أما الفرضية الخامسة، وهي الأخيرة في قائمة صحيفة "ذي ناشيونال إنترست"، فتقول إن روسيا تسعى إلى إظهار أن دعمها لدمشق من غير الممكن أن يستمر إلى ما لانهاية، لا سيما وأن الرئيس السوري بشار الأسد أصبح أقل ميلا للمشاركة الجدية في المفاوضات بعد النجاحات التي حققها جيشه في الآونة الأخيرة.
ولهذا السبب، أعادت موسكو، حسب الصحيفة، إلى أذهان سلطات دمشق أن روسيا تسعى إلى التسوية السلمية للأزمة.
عمر نجيب
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.