في خضم الاحتفاء الرياضي والضجيج الإعلامي الذي رافق نهائي كأس العرب، خرج المدرب المغربي جمال السلامي ليعلن تلقيه خبر قرار ملك الأردن منحه الجنسية الأردنية، في لحظة كان يفترض أن تكون لحظة تقدير مهني خالص، لكنها تحولت سريعًا إلى موضوع نقاش رمزي يتعلق بالهوية والانتماء، لا سيما عندما يغيب التوازن المطلوب في الخطاب. لا أحد يجادل في قيمة ما قدمه السلامي للمنتخب الأردني، ولا في حق الأردن، دولةً ومؤسسةً، في تكريم من يخدم مشروعها الرياضي بكفاءة. فهذا سلوك سيادي وممارسة مألوفة في عالم الرياضة الدولية. لكن الإشكال لا يكمن في قرار المنح، بل في طريقة التعاطي معه، وفي ما يقال وما لا يقال في لحظات رمزية دقيقة. جمال السلامي ليس مدربًا عابرًا في سجل كرة القدم المغربية. هو ابن المنظومة الوطنية، لاعب دولي سابق، تدرج في أندية المغرب، وتكوّن في مدارسه، وراكم خبرته باسمه وجنسيته المغربية. وكل ما وصل إليه اليوم، داخل الأردن أو خارجه، هو ثمرة مسار بدأ من الملاعب المغربية وتغذى من هوية واضحة لا تقبل الالتباس. من هذا المنطلق، كان من الواجب الرمزي والأخلاقي أن يَصدُر عن السلامي تأكيد صريح لا لبس فيه بأن الجنسية المغربية تظل مصدر فخره الأول والأخير، وأن أي جنسية أخرى، مهما كانت قيمتها، لا تتجاوز كونها تكريمًا مهنيًا لا يمس جوهر الانتماء. فالجنسية ليست ميدالية تُعلّق، ولا لقبًا شرفيًا يُستعمل في لحظة عاطفية، بل رابطة تاريخ وهوية ومسؤولية. في زمن أصبحت فيه الرموز الوطنية محط حساسية عالية، لا يُطلب من الرياضي المغربي العامل في الخارج سوى أمر واحد: أن يكون سفيرًا لوطنه، لا أن يترك فراغًا في الخطاب يُملأ بالتأويل. فالصمت أحيانًا لا يكون حيادًا، بل يُفهم كتنازل رمزي، حتى وإن لم يكن مقصودًا. لقد عمل مدربون كبار في العالم لعقود خارج أوطانهم، ونالوا أوسمة وجنسيات شرفية وتكريمات سيادية، ومع ذلك لم يترددوا لحظة في التأكيد أن هويتهم الأصلية خط أحمر، وأن نجاحهم في الخارج هو انعكاس لقيمة بلدانهم، لا انفصالًا عنها. والمغرب، الذي راكم إشعاعًا رياضيًا دوليًا غير مسبوق، يستحق من أبنائه وضوحًا في المواقف، لا عاطفة لحظية في التصريحات. لا أحد يُصادر حق جمال السلامي في الاعتزاز بأي تكريم يناله، لكن الاعتزاز بالمغرب ليس خيارًا شخصيًا يُدار بالمزاج، بل مسؤولية رمزية لمن صنع اسمه باسمه وجنسيته. فالتكريم يُشكر، أما الهوية فلا تُفاوض.