تزامنا مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، أصدر مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وهيئة الأممالمتحدة للمرأة تقريرا مخيفا حول جرائم قتل النساء لعام 2025، أظهر أن 83 ألف امرأة وفتاة قتلن عمدا العام الماضي، 60% منهن على أيدي شركاء حميمين أو أفراد أسرهن وهو ما يعادل 137 حالة قتل يوميا، في المقابل، نسبة جرائم القتل التي ارتكبها شركاء حميمون أو أفراد الأسر بحق الذكور بلغت 11٪ إن جرائم قتل النساء لا تحدث بشكل منعزل، بل غالبا ما تكون امتدادا لسلسلة متواصلة من العنف، قد تكون بداياته مجرد تعامل فظ، في الغالب مطبع معه لدرجة ان يبدو عاديا، وصولا للعنف الجسدي والتهديدات التي هي الأخرى لا تؤخذ بجدية أو حتى تعاليق عنيفة في فضاء الانترنيت تحول الكثير منها الى جرائم مادية غير متوقعة. هذا التقرير الذي يصادف تجسيد العالم لحملة 16 يوم من النشاط ضد العنف القائم على النوع والتي تنطلق في 25 نوفمبر وتستمر حتى 10 ديسمبر يذكرنا أن المنزل مازال مكانا خطيرا وغير آمن بل وقاتل في بعض الأحيان. إذا كان العنف ضد المرأة واحدا من أقدم أشكال الظلم وأكثرها انتشارا في تاريخ البشرية، فهو من أقلها خضوعا للمعالجة رغم ما يخلفه من آثار صحية ونفسية واقتصادية واجتماعية يصعب محوها أو تجاوزها من قبل النساء المعنفات اللواتي تتحول حياتهن لسلسلة من الخوف المستمر وتتغير مساراتهن الحياتية إلى الأبد. هذه الأرقام الواردة في هذا التقرير وغيره من التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي أو حتى تلك التي تصدرها منظمات غير حكومية والمؤسسات الحقوقية في الدول التي تتوفر عليها، تظهر مؤشرا مقلقا ويتمثل في كونها لم تتغير كثيرا خلال العقد الأخير مما يؤكد عدم نجاعة، حتى لا نقول فشل، كل الإجراءات التي اتخذت للقضاء على الظاهرة كما أن هذه الأرقام نفسها، ورغم ارتفاعها إلا أن الحجم الحقيقي لقتل النساء قد يكون أكبر بكثير خصوصا في مناطق النزاعات والحروب حيث لا يتم إحصاؤه وبالنظر كذلك لاختلاف التعريفات والمعايير التي تعتمدها الدول لاعتبار قتل النساء جريمة مبنية على النوع أي أنه تم قتلهن لمجرد أنهن نساء، ليظل بذلك العنف ضد المرأة واحدا من أكثر أزمات حقوق الإنسان يقابلها غياب حماية قانونية حقيقية وفعالة، وأنظمة عدالة غير منصفة بل مساهمة أحيانا في تعميق الإفلات من العقاب.. لعل اكثر ما يزيد من خطورة العنف ضد النساء هو كونه يحدث على نحو يومي، وتترتب عنه أضرار جسدية واقتصادية ونفسية خطيرة قصيرة وطويلة الأمد على النساء والفتيات، مما يعرقل بشكل مباشر انخراطهن الكامل وعلى قدم المساواة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع صعوبة قياس أثره. في المغرب وحسب الحصيلة التي كشفت عنها النيابة العامة المتعلقة بالجنايات والجنح المرتكبة ضد النساء خلال سنة 2023، وصل العدد الإجمالي لهذه الجنايات والجنح إلى 31552 جريمة وجناية يشكل زوج الضحية الجاني رقم واحد فيها، حيث شكلت قضاياه 14774، بنسبة 46.83% من مجموع الجناة، جرائم شبه حصرية بالحياة الزوجية، يتصدرها إهمال الأسرة ب 5323 حالة، جميعها مرتكبة من قبل الزوج، الطرد من بيت الزوجية ب 2003 حالة، جميعها مرتكبة من قبل الزوج، والعنف الناتج عنه عجز يقل عن 20 يوما ب 3318 حالة ارتكبها الزوج كلها أيضا، وبالنظر للحالة الاجتماعية والاقتصادية تكشف هذه الأرقام على كون الضحايا الأكثر هن النساء بدون عمل واللواتي بلغ عددهن 20353 ضحية تليهن النساء غير المتعلمات بعدد بلغ 14965 مما يؤكد فرضية ارتباط الهشاشة بالتعرض للعنف. هذه الأرقام هي الأخرى تظل غير معبرة بشكل كامل ودقيق لواقع جرائم العنف باختلاف انواعه اذا اضفنا معطى الصعوبات التي تواجه الناجيات من العنف في التبليغ والخوف من انتقام المعنف وبطء مسارات الانتصاف وغياب إجراءات تراعي الخصوصية والسرية وعدم تفعيل تدابير حماية الضحايا والشهود والمبلغين وعبء الاثبات، ناهيك عن العراقيل السوسيو-ثقافية التي تشجع عدم التبليغ وتمارس ضغوطات على الضحايا بهدف التنازل و استمرار الإفلات من العقاب في قضايا العنف ضد النساء والفتيات بسبب العوائق القانونية والاجرائية والواقعية، التي تحول دون وصول الناجيات من العنف إلى سبل الانتصاف، مع استمرار الثغرات القانونية بخصوص تجريم أشكال متعددة للعنف وعدم ملاءمة جانب من تشريعاتنا مع المعايير الدولية. اذا كان العنف ضد النساء ظاهرة لا تستثني أي مجتمع فإن النساء في مناطق النزاع والحروب والتغيرات المناخية الحادة يظلن الأكثر تعنيفا ومعاناة مع العنف بكل أشاكله وتمظهراته وفي هذا السياق، سياق النقاش العالمي حول العنف الممنهج ضد النساء في مناطق النزاع، اختارت الأممية الاشتراكية في دورتها المنعقدة هذا الأسبوع بمالطا حيث يشارك وفد الاتحاد الاشتراكي شعار «كسر الإفلات من العقاب وضمان الحماية: أجندة عمل من أجل النساء ضحايا العنف زمن الحرب» تجديدا منها لالتزامها بمناهضة العنف الجنسي والجسدي والنفسي الذي تتعرض له النساء في النزاعات المسلحة، وضرورة تفعيل القوانين الوطنية والدولية، وضمان وصول النساء إلى العدالة، وإنهاء الإفلات من العقاب وإسهاما أيضا في النقاشات التي أبرزت أن النساء لسن فقط ضحايا للحروب، بل هن كذلك فاعلات أساسيات في بناء السلام، واستعادة الأمن داخل مجتمعاتهن، والدفاع عن قيم المساواة والعدالة..