قمة "تيكاد 9".. المغرب يعزز موقعه الاستراتيجي والجزائر تواجه عزلة دبلوماسية متزايدة    الأمم المتحدة تشيد ب"كرم" الملك محمد السادس على إثر المساعدات الإنسانية إلى غزة        اعتماد الانتقاء عبر الملفات بدل الامتحانات في ولوج الماستر    الخميس تحت الشمس والغيوم.. حرارة مرتفعة وأمطار متفرقة    الرابور مورو يحيي حفل ضخم بالبيضاء بشبابيك مغلقة    تعيين سيدي معاد شيخًا للطريقة البودشيشية: إرادة مولوية سامية ورؤية ربانية    سامويل ولُولي... حين قادهم الطريق إلى بيت الجار        ارتفاع عدد الموقوفين في قضية هتك عرض قاصر بموسم مولاي عبد الله    إطلاق ميزة الدبلجة الصوتية بالذكاء الاصطناعي في "فيسبوك" و"إنستغرام"        حجز عجول بميناء طنجة .. ومستوردون يوقفون الاستيراد بسبب الرسوم    الملك يهنئ هنغاريا بالعيد الوطني    توجيهات جديدة لضمان التطبيق السليم للعقوبات البديلة في المغرب    كريستوف بوتان بخوص المساعدات الإنسانية لغزة: بفضل نفوذه الشخصي ومكانته الخاصة الملك محمد السادس الوحيد القادر على مثل هذه المبادرات    البيت الأبيض يطلق حسابه الرسمي على منصة "تيك توك" الصينية    خطة السيطرة على غزة .. تصعيد عسكري يهدد مباحثات الهدنة بالانهيار    إيران تهدد باستخدام صواريخ جديدة    تحقيق بفرنسا إثر وفاة مدوّن فيديو    أوروبا تسجل رقماً قياسياً في إصابات الأمراض المنقولة عن طريق البعوض            مقاولات المغرب الصغرى والمتوسطة "تحت رحمة" الأزمة: 90% منها لا تجد تمويلا بنكيا    دراسة: أجهزة السمع تقلل خطر الخرف لدى كبار السن بنسبة تفوق 60%    تقرير: ثلث شباب المغرب عاطلون والقطاع غير المهيكل يبتلع فرص الشغل            للمرة الثالثة: الموقف الياباني من البوليساريو يصفع الجزائر وصنيعتها.. دلالات استراتيجية وانتصار دبلوماسي جديد للمغرب    مدرب تنزانيا: مواجهة المغرب في الشان مهمة معقدة أمام خصم يملك خبرة كبيرة    إطلاق فيديو كليب "رمشا الكحولي" بتوقيع المخرج علي رشاد        شباب الريف الحسيمي يواصل تعزيز صفوفه بتعاقدات جديدة        أمين عدلي ينتقل إلى الدوري الإنجليزي في صفقة ضخمة    إيزاك يخرج عن صمته: "فقدت الثقة بنيوكاسل ولا يمكن للعلاقة أن تستمر"    أمن طنجة يوقف مواطن دنماركي مبحوثا عنه دوليا    تمهيدا لتشغيل الميناء.. إطلاق دراسة لاستشراف احتياجات السكن في الناظور والدريوش        المغرب يعزز مكانته كقوة إقليمية في قلب التنافس الدولي بالصحراء والساحل    مبابي يقود ريال مدريد لتحقيق أول انتصار في الموسم الجديد    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    حجز 14 طنا من البطاطس بتطوان قبل توجيهها للبيع لانعدام شروط النظافة والسلامة    البطولة الإحترافية 2025/2026: المرشحون والوجوه الجديدة ومباريات الجولة الأولى في إعلان MelBet    بدر لحريزي يفوز بمنصب ممثل كرة القدم النسوية في عصبة الرباط سلا القنيطرة    تكريمات تسعد مقاومين في خريبكة    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلطة القرار في تعيين القضاة.. قراءة في المنحى الذي سار فيه الفصل 57 من الدستور
نشر في المساء يوم 05 - 05 - 2012

حينما ذهب الفصل 57 إلى سحب السلطة التقديرية أو الرقابية أو التقريرية للملك في مجال تعيين القضاة من خلال عبارة «يوافق الملك» بصيغتها الإلزامية، فإنه جاء بإشكال ثان له بعد آخر، إذ ميز بين أوضاع يفترض عدم التمييز بينها في فهمنا؛ ففي معرض تحديد الدستور لجهة القرار في التعيين في مناصب عليا في الدولة في مجال السلطة التنفيذية والمجال الديني والمجال العسكري، ذهب الدستور
في منحى أكثر انسجاما مع أسس دستورية قارة وجوهرية بالمقارنة مع المنحى الذي سار فيه في مجال السلطة القضائية بخصوص جهة القرار في التعيين، ذلك أنه:
1 - بموجب أحكام الفصل 41، فإن الملك أمير المؤمنين يمارس، دستوريا، سلطة تقريرية في تعيين رئيس وأعضاء المجلس العلمي الأعلى، ويزاول بقية الصلاحيات المتعلقة بإمارة المؤمنين بظهائر؛ وهو أمر يجد مرجعيته الصلبة في عمق تاريخ طبيعة وأسس حكامة النظام الملكي في بلادنا قبل المرحلة الدستورية، وأصبح مؤصلا بعدها في انسجام مع الأسس الراسخة لنظام حكم ملكية دستورية بالمغرب؛
2 - إن الموقع المؤسساتي والاعتباري السامي للملك قائدا أعلى للقوات المسلحة الملكية، يخول له، استنادا إلى أحكام الفصل 53 من الدستور، سلطة التعيين في الوظائف العسكرية؛ وهو توجه دستوري قار ومؤصل في نظام الحكم ببلدنا، قبل وبعد المرحلة الدستورية، كمسلمة مجمع عليها؛
3 - استنادا إلى أحكام الفصل 49 من الدستور، فإن تعيين والي بنك المغرب والسفراء والولاة والعمال والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي والمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية، يصدر في إطار المجلس الوزاري برئاسة الملك بظهائر، باقتراح من رئيس الحكومة بمبادرة من الوزير المعني. وإن التطور الذي سار فيه الفصل 49 جاء موفقا في حفاظه على الالتزام بمبدأ دستوري جوهري، مع تطوير ديمقراطي في تدبير آليات ومساطر تفعيل هذه المرتكزات لضمان حكامة جيدة ورشيدة في تدبير التعيين في المناصب العليا في الدولة.
لكن، بالمقابل، في مجال السلطة القضائية الذي تعتبر فيه هذه السلطة الأكثر ارتباطا دستوريا بالملك، فإن الفصل 57، على مقتضى الصيغة التي جاء بها، ذهب إلى سحب السلطة التقديرية في قرار التعيين من الملك وأناطها بأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وحصر تدخل الملك، رئيس نفس المؤسسة الدستورية الصادر عنها قرار التعيين، في حدود موافقة ملزمة تتو َّج بتزكية قرار التعيين بظهير يحصنه ضد القابلية للطعن فيه أمام القضاء، كما سبق بيانه.
ولا يمكن الاعتداد بأن الموقع الدستوري للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المسند إلى الرئيس الأول لمحكمة النقض يمثل امتدادا للسلطة التقديرية للملك في قرار التعيين، على اعتبار أن الموقع الاعتباري للملك في قمة الهرم المؤسساتي للسلطة القضائية ورئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية مستمد من الصفة المزدوجة والمتلازمة للملك رئيسا للدولة وأميرا للمؤمنين، وهي سلطة بهذا المدلول الدستوري، نصا وروحا، تستعصي على التفويض بالقراءة الديمقراطية الحداثية نفسها، وبالتالي فإن الرئيس المنتدب يزاول التفويض في حدود إدارة أشغال ومداولات المجلس. وإن إسناد هذه المهمة السامية إلى أعلى قضاة المملكة درجة مقررة لضمان حراسة أمينة على استقلال عمل المجلس، وتعميقا لضمانات استقلال القضاء، وجاءت بالتالي لتضع حدا للامتداد الحكومي عبر وزير العدل داخل هذه المؤسسة الدستورية.
المرتكز الدستوري المرجعي الرابع:
ويتعلق بمبدأ دستوري مرجعي استراتيجي هام وهادف، وضع على عاتق الملك أمانة الائتمان على استقلال السلطة القضائية، إذ جاءت الفقرة الثانية من الفصل 107 تنص على أن «الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية».
ومن المسلم به أن هذه المسؤولية الدستورية يزاولها الملك كذلك بهالة الوضع المؤسساتي الاعتباري المشار إليه في المرجعيات الثلاث السابقة، موضوع الفصول 41 و42 و56 و115 و124، مع تلازم قائم الذات بين المرجعيات المذكورة برمتها.
وواضح أن تنعقد للمطو َّق، دستوريا، بأمانة الائتمان على استقلال القضاء وما يترتب عن منطقها الداخلي سلطة القرار في تعيين وعزل القضاة، موضوع هذا الائتمان، وفق مسطرة يحددها الدستور أو القانون أسوة بأنظمة دستورية وقضائية متجذرة في العراقة والديمقراطية.
ما هي حدود مجال تعيين القضاة في صيغة العمومية التي ورد بها الفصل 57؟

بعد أن جاء الفصل 57 من الدستور ينص على أن تعيين القضاة يتم من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإن صيغة العمومية التي ورد بها النص قد تقبل أكثر من تأويل؛ فهل القصد ينصرف إلى التعيين في منصب القضاء لأول مرة بالنسبة إلى المؤهلين للالتحاق بالقضاء؟ أم إن عمومية النص تمتد لتشمل تعيين قدماء القضاة في مناصب المسؤولية بالمحاكم؟
فإذا استحضرنا موقف دستور المملكة لسنة 2011 الذي اتجه إلى تعميم إلغاء الطابع الاقتراحي الذي كان يزاوله أعضاء المجلس الأعلى للقضاء أمام الملك في الاختصاصات التي تعود قانونيا ودستوريا إلى المجلس، فإن منطق هذا التوجه قد لا يسمح، نظرا إلى عمومية الصيغة التي ورد بها الفصل 57، بحصر سلطة القرار في حدود التعيين لأول مرة في القضاء، وإنما يمتد ليشمل تعيين قدماء القضاة في مناصب المسؤولية في المحاكم، وبالتالي فكما يجوز في منطق الفصل 57 لأعضاء المجلس أن يعينوا بقرار في منصب القضاء، تنعقد لهم سلطة القرار في التعيين في مناصب المسؤولية بمختلف المحاكم؛ وهذا تأويل وارد جدا إذا لم يعمل القانون التنظيمي على تدقيق الأمر.
وداخل المنحى الذي سار فيه الفصل 57 بصيغة العمومية التي ورد بها، ماذا عساه يكون الحل بالنسبة إلى التعيين في منصب الرئيس الأول لمحكمة النقض ومنصب الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض؟
يبدو أن مانعا عمليا ودستوريا وقانونيا ومنطقيا يحول دون أن تمتد سلطة القرار على مستوى المجلس الأعلى للسلطة القضائية لتشمل التعيين في هذين المنصبين، ذلك أن الموقع الدستوري المحوري للقاضيين الساميين المذكورين داخل مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية لا يسمح لهما معا أو لأحدهما بالمشاركة في مداولات تتعلق بقرار التعيين في منصب يحتلانه، كما لا يسمح في ذات الوقت بإجراء مداولات لا يشاركان فيها، وبالأخص الرئيس المنتدب الذي هو الرئيس الأول لمحكمة النقض. ولما كان الدستور لم ينص على مسطرة خاصة بالتعيين في هذين المنصبين كما كان الأمر عليه في الدساتير السابقة، فإن جهة القرار تنعقد للسلطة الأصلية، دستوريا، وهي الملك بصفاته الثلاث: رئيسا للدولة وأميرا للمؤمنين ورئيسا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
بيد أنه لكي يسير التطور الذي سار فيه الدستور الجديد إلى مداه في بابه السابع المتعلق بالسلطة القضائية، يفترض أن يحدد القانون التنظيمي معايير مدققة للمرشحين لتولي هذه المناصب لمساعدة الملك على مزاولة صلاحياته على النحو الذي ينير له الطريق لتحقيق المصلحة العليا للقضاء والعدل، دونما تقييد لسلطته في الاختيار، انسجاما مع ما ذهب إليه الدستور بالنسبة إلى تولي بقية المناصب العليا في الدولة في الفصل 49. ويبدو أن القانون التنظيمي ذا الصلة سيتولى الأمر بهذا الخصوص.
موقع مستجد الفصل 57 داخل الاتجاهات السائدة في الأنظمة الدستورية المقارنة الوازنة

يبدو من خلال الرجوع إلى التحديد الدستوري لسلطة القرار في تعيين القضاة في الأنظمة الدستورية والقضائية المقارنة في الدول الأكثر تقدما ومجدا ديمقراطيا، من قبيل دول الاتحاد الأوربي، مثلا، نلاحظ أن هناك ثلاثة اتجاهات سائدة: اتجاه أول تأخذ به فرنسا، أحد أبرز دول المجد في التحديث الديمقراطي، بموجب الفصل 65 من دستورها، ودستور مملكة بلجيكا الذي لا يقل مجدا ديمقراطيا، في الفصل 51 منه؛ ففي الأول يصدر قرار التعيين بالنسبة إلى قضاة الأحكام عن رئيس الجمهورية باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء؛ وفي نفس الاتجاه سار الثاني الذي يجيز لملك بلجيكا رفض مقترح التعيين وإرجاعه إلى المجلس لإعادة النظر فيه كمبدأ عام، ويكرس له بالتالي السلطة التقديرية في قرار التعيين.
وهناك اتجاه مقابل يخول للمجلس الأعلى للقضاء سلطة القرار في تعيين القضاة، خاصة قضاة الأحكام، وهو المعمول به، مثلا، في الدستور الإسباني بموجب أحكام الفصل 29، والبرتغالي بموجب أحكام الفصلين 217 و218، والقانون المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الصادر بتاريخ 30 يوليوز 1985 كما وقع تعديله. وهناك اتجاه ثالث يخول صراحة، وليس ضمنيا، لرئيس الدولة التعيين في المناصب القضائية العليا، ويخول للمجلس سلطة القرار في تعيين باقي القضاة؛ وهو المعمول به في ما تمكنا من التعرف عليه من أنظمة مثل هنغاريا وبولونيا وبلغاريا والدانمارك الذي أحدث مجلسا للتعيين داخل هياكل المؤسسة المقابلة للمجلس الأعلى للقضاء عندنا.
والأمر لا يتعلق بالحكم على مدى وجاهة اتجاه دون آخر أو حمولة الضمانات التي يوفرها اتجاه دون آخر، فلكل نظام خصوصياته وإيجابياته وسلبياته؛ فالمطروح، أساسا، هو الحرص الشديد أثناء التعامل مع أنظمة مقارنة على مراعاة الالتزام بالمرتكزات والأسس الدستورية التي يقوم عليها النظام الدستوري في البلد أثناء الاستئناس بهذه الأنظمة؛ فسلطة القرار في التعيين كما سبق بيانه، في عمق نظام الحكم بالمغرب والركائز الدستورية التي يقوم عليها، يفترض لزوما أن تنعقد للملك، كما سبق تبريره أعلاه. ويبقى لأحكام الدستور أو الإحالة على القانون أن تحقق التطوير والتحديث وتعميق الضمانات بميكانيزمات إجرائية اقتراحية أو استشارية.
وإننا إذ نراهن على أن الصيغة التي ورد بها الفصل 57 لا تعدو أن تكون صيغة لم توفَّق، كعمل بشري، في أن تعكس المضمون المقصود في نية المشرع الدستوري، فإننا لنأمل، مادام القانون التنظيمي ذو الصلة يعتبر من كتلة الدستور وآلياته، أن يدقق هذا القانون صراحة في الموضوع، على النحو الذي يعكس عمق قصد المشرع الدستوري الملتزم بمراعاة مرتكزات دستورية قارة ومرجعية، بعد مزيد من الدرس بالاحترافية والعمق اللازمين وبالنزاهة والحجم الفكريين الوازنين لفقهاء القانون الدستوري في بلدنا لتنوير الحكومة والبرلمان أثناء التحضير والمصادقة على القوانين التنظيمية ذات الصلة.
رئيس غرفة بمحكمة النقض


هاشم العلوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.