تواصل الحركة الاحتجاجية بالجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف الحرب في غزة    مراكش: المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    حكيمي يتوج بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    النائب المرابط إلى وزير التربية الوطنية: إحداث ثانوية بجماعة بليونش ستكون له انعكاسات جد إيجابية تربويا واجتماعيا    الدرك الملكي يوقف قاتل تلميذة نواحي صفرو    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    استطلاع.. غالبية المريكانيين كيبان ليهوم أن إدارة ترامب أنجح من ديال بايدن    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    أول تعليق من مدرب نهضة بركان على مواجهة الزمالك في نهائي كأس "الكاف"    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    الحكومة والنقابات توقعات على زيادات عامة في الأجور وتخفيضات في الضريبة على الدخل    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    مدرب بركان يعلق على مواجهة الزمالك    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    كلمة هامة للأمين العام لحزب الاستقلال في الجلسة الختامية للمؤتمر    مرصد يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    البطولة: المغرب التطواني يضمن البقاء ضمن فرق قسم الصفوة وبرشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    طنجة تسجل أعلى نسبة من التساقطات المطرية خلال 24 ساعة الماضية    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



« المساء » تنفرد بكشف أسرار إقامة ذراع القذافي في المغرب
السنوسي علبة أسرار العقيد دخل المغرب على متن طائرة قادمة من باماكو بجواز سفر مزور
نشر في المساء يوم 19 - 04 - 2013

إثر الزيارة التي قامت بها منظمة هيومن رايتس ووتش، يوم الاثنين الماضي، لعبد الله, رئيس مخابرات معمر القذافي،
في سجن الهضبة بطرابلس، حيث يقبع منذ سلّمته موريتانيا إلى ليبيا في شتنبر2012، وهي الزيارة الأولى من نوعها للسنوسي من منظمة حقوق إنسان دولية في سجنه، تحدث السنوسي إلى المنظمة الحقوقية الأمريكية عن تفاصيل اعتقاله من طرف السلطات المغربية في مارس من السنة الماضية واحتجازه لمدة 12 يوماً قبل أن تضعه السلطات المغربية على متن طائرة متجهة إلى موريتانيا، التي سوف تسلمه بدورها إلى السلطات الليبية. «المساء» تقدم تفاصيل غير مسبوقة عن مكان إقامة أقوى رجل في النظام الليبي السابق في مدينة الدار البيضاء والاسم المستعار الذي كان يحمله وهو يتجول بين شوارع العاصمة الاقتصادية للمملكة، وقصة وصوله إلى مالي، و تفاصيل تسليمه.
يكشف التنقيب في العلبة السوداء التي تضمّ في جوفها أسرار مدير المخابرات الليبية السابق وذراع القذافي اليمنى عبد الله السنوسي، الكثير من الغموض، خاصة إذا وضعنا تحت المجهر علاقته بجهاز المخابرات المغربي وكيف حلّ بالمغرب في أواخر يناير من السنة الماضية، قادما من العاصمة المالية باماكو بجواز سفر مزور، وكيف استقر داخل فيلا في ملكية أحد أقربائه في حي كاليفورنيا الراقي في الدار البيضاء، لينتقل، بعد ذلك، إلى فندق معروف في حي «المعاريف»، القلب النابض للعاصمة الاقتصادية.
وكانت لعبد الله السنوسي، الذي اتهمته محكمة الجنايات الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ووصفه المدعي العام ب«ظل العقيد معمر القذافي»، قصة خاصة مع الدار البيضاء، التي لم يدخلها قَط في حياته، حتى شاءت الأقدار أن تطأها قدماه متنكرا بملابس أحد شيوخ الطوارق الماليين، عافيا عن لحيته، التي غطت الكثير من تقاسيم وجهه.. غير أنه لم يُفلح في «الهروب» من «قناصي» أجهزة المخابرات المغربية، الذين ترصّدوه بصفة مستمرة إلى حين مغادرته التراب الوطني.
«المساء» تنفرد بكشف أسرار دخول «عبد الله ولد أحمد»، الاسم الذي دُون على جواز السنوسي المزور، وكيف أقام في المغرب دون أن يُلفت انتباه أكبر أجهزة المخابرات العالمية، وكيف تعقبته أجهزة المخابرات المغربية من أجل تحديد علاقاته داخل المغرب.. وكيف عانى من المرض في صمت، وكيف انتقل إلى موريتانيا، عبر طائرة للخطوط الملكية المغربية، «مُطمئنّ البال»، ليفاجَأ باعتقاله بعد خرقه اتفاقا أبرِم معه مسبقا من طرف السلطات الموريتانية، تم الاخلال به، ليكون ورقة رابحة يستخدمها النظام.
عكس الرواية الرسمية، التي قالت إنّ عبد الله السنوسي، مدير المخابرات الليبية السابق، اتخذ من مطار محمد الخامس محطة عبور مساء الجمعة 16 مارس من العام الماضي، تفيد رواية أخرى أنّ «المبحوث عنه رقم 1 دوليا» جاء على متن طائرة قادمة من مطار «باماكو»، على الرحلة رقم «771 أت»، التي أقلعت في حدود الخامسة والنصف من مساء الخميس 15 مارس من العام الماضي، لتصل إلى مطار محمد الخامس في حدود الثامنة و20 دقيقة، ليستقر في الدار البيضاء لأكثرَ من شهر، رفقة ثلاثة أشخاص يرجّح أنهم من المُقرَّبين إليه في جهاز المخابرات العسكرية الليبية، إضافة إلى نجله.
وقال مصدر جيد الاطلاع ل«المساء» إنّ المخابرات المغربية كانت على اطّلاع على كل تحرّكات عبد الله السنوسي مباشرة بعد نزوله في مطار محمد الخامس وانتقاله إلى بيت أحد أفراد أسرته في حي كاليفورنيا الراقي في الدار البيضاء، البيت الذي كان يزوره رجالات ليبيا، الذين لاذوا بالفرار مباشرة بعد اندلاع الثورة الليبية، إضافة إلى موريتانيين وبعض الأجانب، من بينهم فرنسيون.
وقال المصدر نفسُه، الذي فند «الرواية الرسمية»، إن المبحوث عنه رقم 1 قبل اعتقاله من طرف الاستخبارات الموريتانية كان تحت مراقبة الأجهزة الأمنية المغربية بصفة مُستمرّة، إلى حين مغادرته، مؤكدا أنه دخل المغرب بجواز سفر مالي مزور يحمل صورة «شيخ» من الطوارق الماليين، قبل أن يعمد إلى إخفاء ملامح وجهه بإطلاق لحية بيضاء كثة وانتحال اسم «عبد الله ولد أحمد»، وهو الاسم الذي دخل به أحد الفنادق المصنفة في الدار البيضاء ليمكث فيه أزيدَ من 7 أيام ويلتقي فيه عددا من ضباط الاستخبارات الليبية.
وتفيد رواية مصدر «المساء» أنّ الاستخبارات المغربية «هندستْ» بذكاء بالغ لاعتقال عبد الله السنوسي بتنسيق مع رجال المخابرات العسكرية الليبية ونظيرتها في موريتانيا، مشيرا إلى أن السنوسي دخل الأراضي المغربية بجواز سفر مزور بعلم السلطات المغربية، وأنّ رجال المديرية العامة للدراسات والمستندات «لادجيد» لم يفوتوا فرصة تعقّبه لمعرفة علاقاته داخل المغرب وصفات كل من التقاهم، قبل أن يسهّلوا عملية دخوله نحو موريتانيا، لتكتمل تفاصيل خطة محبكة لاعتقاله في مطار نواكشوط.
ويشير المصدر نفسه إلى أنّ السلطات الموريتانية اعتقلت فجر يوم السبت، 17 مارس، الرجل الثاني في نظام العقيد معمر القذافي وصهره ومدير مخابراته عبد الله السنوسي، الذي وصل إلى مطار نواكشوط قادما من الدار البيضاء على رحلة عادية للخطوط الملكية المغربية تربط بين الدار البيضاء ونواكشوط.
وحسب تقارير أمنية مختلفة فإنّ ضباطا من المخابرات الموريتانية كانوا على متن الرحلة نفسِها، مما يثير جدلا حول ظروف توجّه السنوسي إلى العاصمة الموريتانية، إن كان وصلها باتفاق وتنسيق مع جهات موريتانية أو كان متابَعا من المخابرات الموريتانية أو هي مجرّدُ صدفة، إلى جانب «غموض» تواجده بالمغرب، إنْ كان عابرا لمطار محمد الخامس قادما إليه من باماكو، عاصمة مالي، أم كان مقيما في المغرب، ودَور المخابرات المغربية في ذلك.
الوجه الآخر للسنوسي في حي كاليفورنيا
تختلف الروايات حول عبد الله السنوسي، ، بين رسمية تفيد أنه لم يستقرّ بالمغرب أكثرَ من ساعة في أحد مقاهي المطار الدولي محمد الخامس في انتظار تغيير الوجهة إلى موريتانيا، ورواية أخرى تفيد أنه مكث في المغرب نحو 3 أشهر، قبل سفره إلى موريتانيا واعتقاله في طار نواكشوط..
وكان السنوسي، الذي حلّ بالمغرب في أواخر يناير الماضي، قادما من العاصمة المالية باماكو بجواز سفر مزور، واستقر داخل فيلا في ملكية أحد أقربائه في حي راق في الدار البيضاء، قليلَ التحرك والخروج من منزل صهره، حتى إنه بعد تدهور حالته الصحية كان يحرص على طلب طبيب أجنبي يزوره بين الفينة والأخرى، نظرا إلى ارتفاع ضغطه ومعاناته من مرض الحساسية.
لم يدم استقرار السنوسي في فيلا فارهة في حي كاليفورنيا الراقي طويلا، إذ انتقل إلى فندق معروف في قلب الدار البيضاء مدونا أثناء استقباله اسمه المستعار «عبد الله ولد أحمد».. وحسب روايات متطابقة فقد تحَول الفندق إلى مكان لاستقبال شخصيات ليبية يُرجَّح أنها من جهاز الاستخبارات الليبي وأخرى موريتانية كانت تنسّق مع السنوسي للاستقرار في موريتانيا دون أن تطاله يد العدالة.
ويؤكد صحة رواية إقامة الذراع الأيمن للقذافي بالمغرب بلاغٌ لمحامين موريتانيين تتوفر «المساء» على نسخة منه، شددوا فيه على ضرورة ألا تكون الحكومة الموريتانية «نشازا» على المستوى الإقليمي، وأضاف البلاغ أن «القضاء التونسي رفض تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق، وأنّ الجزائر منحت بعض أفراد عائلة القذافي الحق في الإقامة على أراضيها لدواعٍ إنسانية، وأنّ النيجر منحت الساعدي القذافي حق اللجوء السياسي، وأنّ عبد الله السنوسي نفسه كان مقيما في المغرب، كما أنه لم يتم إلى حد الآن تسليم أي عضو في النظام السابق من طرف أي دولة».
التقى عبد الله السنوسي، الذي كان يقيم في جناح «vip» (الخاص بالشخصيات المهمة) في الفندق المعروف الذي يملك ابن القذافي معظم أسهمه، شخصيات «وازنة» كانت إلى وقت قريب تمسك بخيوط النظام الليبي، كما رجّح مصدر «المساء» أن تكون اتفاقية قد عُقِدت بينه وبين ضباط في المخابرات الموريتانية لنقله إلى موريتانيا قصد الاستقرار فيها بعيدا عن «أعين» العدالة الليبية..
وكانت لقاءات السنوسي بعدد من المسؤولين الليبيين السابقين تتم داخل غرفته في الفندق المعروف دون أن تثير انتباه العاملين في الفندق أو الزوار الذين لم يتعرّفوا على «ظل القذافي» نظرا إلى شعره الأشعث ولحيته التي عفا عنها.. غير أنه لم يغب عن أعين «قناصي» المخابرات طيلة شهر كامل أمضاه في الدار البيضاء، إذ يقول مصدرنا إنّ السلطات المغربية كانت على علم بوجوده وأنها رفضت أن تعتقله السلطات الفرنسية في المغرب، بعد أن دخلت على الخط، لتبدأ عملية نسج خيوط صفقة موريتانية -فرنسية للإيقاع بالسنوسي فوق الأراضي الموريتانية، بعد أن تسلم وعودا بحقه في الإقامة في موريتانيا وعدم اعتقاله.
وأقنع ضباط في المخابرات الموريتانية الذراع الأيمن للقذافي داخل فندقه في الدار البيضاء بضرورة الانتقال إلى موريتانيا بدعوى أنّ هذه الأخيرة سترفض تسليمه لليبيا، لأنها لم تتوصل بأي طلب مكتوب بالطريق الدبلوماسي مصحوب بحكم أو قرار يقضي بعقوبة، ولو كان غيابيا، وأوراق الإجراءات الجزائية التي صدر بموجبها الأمر رسميا بإحالة المطلوب أمام القضاء الجزائي في البلد الطالب، أو أمر بالقبض أو أي وثيقة أخرى تقوم مقامه صادرة من السلطة القضائية في البلد الطالب، إضافة إلى أن السنوسي يملك أسرارا وُصِفت ب«السرية جدا» عن الحكومة الموريتانية وعن الانقلاب الذي أطاح بالرئيس السابق لموريتانيا، ما جعله يقبل الفكرة على مضض..
وشكّل اعتقال رئيس المخابرات الليبي السابق عبد الله السنوسي حدثا بالغ الأهمية لما تنطوي عليه الشخصية من ثقل باعتبارها «الصندوق الأسود» للعقيد الراحل معمر القذافي من ناحية، ولصلته بملفات ساخنة تتجاوز الحدود الداخلية الضيقة للشأن الليبي من ناحية أخرى.
وفي الوقت الذي أكدت السلطات الموريتانية أن عملية اعتقال السنوسي في مطار نواكشوط تمت في سياق إجراءات روتينية تتخذ مع كل القادمين إلى البلاد، أفادت تقارير أمنية أنّ وحدة أمنية فرنسية خاصة خطّطت لاعتقاله، حيث أجرتْ اتصالات مع عائلة المعداني الموريتانية، والتي وثق بها السنوسي ومولها ومنحها الجنسية الليبية حينما كان مديرا للمخابرات الليبية، والتي كان بعض أفرادها في المغرب، في الوقت الذي أقام السنوسي داخل فندق معروف في قلب العاصمة الاقتصادية.
وحسب تصريح مصدر استخباراتيّ لوكالة «رويترز» فقد تم التوصل إلى الصفقة بإقناع تلك العائلة ب«جرّ» السنوسي إلى موريتانيا، حيث تم اعتقاله، مضيفا أنّ الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، الجنرال السابق الذي أطاح بسلفه سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في انقلاب عام 2008، أراد ردّ الجميل لفرنسا على دعمها له بعد فوزه بانتخابات عام 2009، التي قال منافسوه حينها إنها مزورة.
ويضيف المصدر نفسه أن طائرة عبد الله السنوسي، الصندوق الأسود لأسرار القذافي، أقلعت من موريتانيا ونزلت في العاصمة القطرية الدوحة، وبعدها اتجهت إلى ليبيا، وأن موريتانيا وافقت على تسليم السنوسي أو «بيعه» لليبيا بعد مفاوضات سرية طويلة، وأن حكومة موريتانيا تحصلت على الدفعة الأولى من «ثمن» تسليم السنوسي لليبيا.
وكانت طريقة جرّ عبد الله السنوسي إلى الفخ طريفة، حسب وكالة «رويترز»، حين أبلغ رجال الأمن الموريتاني عبد الله السنوسي أنّ هناك «النار قد اشتعل في منزل معمر القذافي، وعليه الذهاب لمعاينة وفرز بعض الوثائق السرية المهمّة».. وبالفعل، ذهب عبد الله السنوسي، رفقة رجال الأمن الموريتاني، ليتفاجأ بوجوده في المطار أمام باب الطائرة الليبية.. وقد قاوم السنوسي، في البداية، رجالَ الأمن، وبعد ذلك استسلم للأمر الواقع، وقال عبارته الشهيرة «لولا الناتو لَما حدَث هذا كله»، وفق «رويترز».
وحسب التقارير الأمنية السرية فإنّ السنوسي جاء إلى موريتانيا قادما من المغرب لاسترجاع ودائع أسرة القذافي الموجودة في موريتانيا، من أموال وقصور ومنازل، قبل أن يُفاجأ بأنه كان ضحية مؤامرة محبوكة، قادها رجال استخبارات أكثر من دولة للإطاحة به.
واعتمد عبد الله السنوسى، الذي غادر الأراضي الليبية بعد سقوط العاصمة الليبية طرابلس بأيام، على مجموعة من الطوارق الماليين من أجل مغادرة ليبيا، مستغلا انشغال العالم بحصار العقيد القذافى داخل مدينة سرت الليبية والمعارك الطاحنة على الجبهة الشرقية بين كثائب القذافي والثوار.
وقد استغلّ مدير الاستخبارات الليبية في عهد القدافي جواز سفره المالي الذي كان في حوزته قبل أحداث ليبيا من أجل التحرّك دون مراقبة من الجهات الأمنية الداخلية والدولية، التي كانت تلاحقه ساعتها.. وقد مكث السنوسي عدة أشهر في صحراء مالي، متنقلا بين الطوارق وبعض العرب الماليين، ممن كانت له بهم علاقة قبل سقوط نظامه. ومع تفجّر الأوضاع الأمنية في شمال مالي بين الطوارق والحكومة المركزية، قرر عبد الله السنوسي مغادرة البلاد في اتجاه المغرب، حيث أقام عدة أسابيع فى أحد فنادق الدار البيضاء.
وكان تواجد «الرجل الثاني» لليبيا -القذافي في أحد فنادق الدار البيضاء أولَ خيط تلتقطه المخابرات المغربية والفرنسية عنه، حيث تم الاشتباه فيه من طرف أحد العملاء الفرنسيين في المدينة. وقد عزّزت فرنسا من تواجد عناصر الاستخبارات التابعين لها في المغرب داخل الفندق وفي محيطه، وراقبت رسائل الرجل واتصالاته الهاتفية..
وحسب تقرير لمسؤول موريتاني، تناقلته وسائل الإعلام، فإن فرنسا أبلغت الأمن المغربي أنّ عبد الله السنوسي موجود في المملكة المغربية، غير أنّ الرباط رفضت التعاون مع فرنسا في عملية اعتقاله.
ونقل التقرير نفسه أنّ «الأمن المغربي اعتبر أن عملية اعتقال السنوسي في الدار البيضاء ستكون مُحرجة للرباط أمام العالم، خصوصا أن جارتها الجزائر استقبلت عددا من رموز النظام السابق ولم تسلمهم للحكومة الليبية أو أي جهة أجنبية. كما أنّ موقف تونس الرافض تسليمَ رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي زاد من إحراج الحكومة المغربية بالذات.
وحسب المسؤول الموريتاني، فقد اتفقت السلطات المغربية والفرنسية على إشراك نواكشوط في عملية ملاحقة مدير الاستخبارات الليبية عبد الله السنوسي، وتم إطْلاع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز على الملف وطُلِب منه تقديم المساعدة. وقال المصدر إنّ ولد عبد العزيز أجرى اتصالات سرية مع بعض المحسوبين على نظام العقيد القذافي من أجل إعطاء رسالة «طمأنة» لمدير الاستخبارات عبد الله السنوسي ورفاقه بأنّ «نواكشوط ما تزال وفية لموقفها الداعم للحكومة السابقة، رغم اعترافها بالمجلس الانتقالي».
وقد أوفدت نواكشوط عددا من عملائها السريين إلى الدار البيضاء للقاء الرجل، وتم إعطاءه تطمينات رسمية موريتانية بأنّ نواكشوط «ستحميه» في حالة وصوله إليها، وأن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز كان يفكر في منح اللجوء للقذافي وأفراد عائلته قبل انهيار النظام وسيطرة الثوار على البلاد.. ودفعت تطمينات رجال الأمن في موريتانيا ونفاد أموال السنوسي في الرباط وصعوبة التواصل بينه وبين رجاله السابقين، السنوسي إلى الموافقة على العرض الموريتاني، وهو القرار الذى ألقى به في «فخّ» الفرنسيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.