رئيس مجلس حقوق الإنسان يدعو إلى إدارة للحدود تحترم حقوق المهاجرين في وضعية عبور    المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    نمو مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء قاع أسراس    جلالة الملك: الظروف الصعبة التي تمر منها القضية الفلسطينية تجعلنا أكثر إصرارا على أن تظل هذه القضية جوهر إقرار سلام عادل في الشرق الأوسط    على هامش تكريمه.. البكوري: مهرجان الريف يسعى لتقريب الإبداعات الناطقة بالأمازيغية إلى الجمهور التطواني    منح جائزة التميز لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لوكالة بيت مال القدس الشريف    رئيس الحكومة يحل بالمنامة لتمثيل جلالة الملك في القمة العربية    أندية "البريميرليغ" تجتمع للتصويت على إلغاء تقنية ال"VAR" بداية من الموسم المقبل    أسرة أمن تنغير تخلد ذكرى التأسيس    ولاية أمن طنجة تتفاعل مع شريط فيديو يظهر شرطي مرور يشهر سلاحه الوظيفي على وجه أحد مستعملي الطريق    عائلات "مغاربة ميانمار" تحتج بالرباط .. وناجية تكشف تفاصيل "رحلة الجحيم"    القمة العربية: عباس يتهم حماس ب"توفير ذرائع" لإسرائيل لتهاجم قطاع غزة    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    "فيفا" يدرس مقترحا بإقامة مباريات الدوريات المحلية خارج بلدانها    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة.. نزول أمطار ضعيفة ومتفرقة فوق مناطق طنجة واللوكوس    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    باحثون يعددون دور الدبلوماسية الأكاديمية في إسناد مغربية الصحراء    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    بعثة نهضة بركان تطير إلى مصر لمواجهة الزمالك    انطلاق القافلة الثقافية والرياضية لفائدة نزلاء بعض المؤسسات السجنية بجهة طنجة تطوان الحسيمة من داخل السجن المحلي بواد لاو    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    اعتبروا الحوار "فاشلا".. موظفون بالجماعات الترابية يطالبون بإحداث وزارة خاصة    مربو الماشية يؤكدون أن الزيادة في أثمنة الأضاحي حتمية ولا مفر منها    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محرقة الدكاترة بالمغرب
نشر في المساء يوم 24 - 04 - 2013

بقدر ما تثير وضعية الدكاترة المعطلين والعاملين بمختلف أسلاك الوظيفة العمومية أقصى درجات الغيظ والحيرة والاستغراب والسخط والاستنكار في دواخلنا، بقدر ما تعتصرنا لواعج الضحك الراشح بالبكاء جراء هذا الأمر، حينما يعرب مسؤولونا الكبار عن مواقف وآراء تزيد الطينة بللا والنار شررا في واقع حال دكاترتنا بصفة خاصة، وحظيرة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر بصفة عامة،
في مقدمة هؤلاء المسؤولين أذكر، على سبيل المثال، الوزير الوصي المسؤول المباشر عن التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، لحسن الداودي الذي عوض أن يهرع إلى لم شمل جميع ثرواتنا الوطنية البشرية الأكاديمية العليا المشتتة المنثورة والمهدورة في مختلف أسلاك الوظيفة العمومية عبثا وجورا وعدوانا، ونظائرها المهاجرة المستغلة في دعم ورقي الدول، سواء المتقدمة أو السائرة في طريق النمو، قصد استثمار طاقاتها الثرية فيما يخدم نفعا هذا البلد إسهاما في نمائه وترقيته إلى المستوى المنشود، وتبويئها المكانة المشرفة اللائقة بها ماديا ومعنويا وقانونيا وإداريا وعلميا، باعتبار أن قاعدة الاستثمار الأمثل ومقوماته الأساسية تكمن في الرأسمال البشري العلمي والمعرفي في شتى مشارب تخصصاته الأدبية والعلمية والتقنية والفنية وغيرها، نلفي الوزير، مقابل هذا، مهتما بالإسراع في إنشاء جامعة أورومتوسطية في أقرب الآجال بفاس، حسب ما أكده للأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط إثر اجتماعهما يوم 15 فبراير 2013 في عقر وزارة التعليم العالي بالرباط، كما نجده في لقاء نظمته مجموعة «ماروك سوار» يوم الأربعاء 13 فبراير 2013، لعقد شراكة مع وكالة «نور سوار بلان» الفرنسية، الخاصة بتصنيف المدارس والمعاهد العليا التجارية، يعرب عن إقدام وزارته على تبني «استراتيجية جديدة» يروم، من خلالها، إصلاح التعليم العالي بصنفيه العمومي والخاص، وجعل المغرب قبلة إقليمية ودولية للتعليم العالي، باستقدام جامعات ذات صيت عالمي من كندا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة، وزرعها في مختلف جهات الوطن، لما سيكون لهذه الاستراتيجية من انعكاسات إيجابية، تتمثل حسب الوزير الداودي في تعليم وتكوين الشباب المغاربة وتمكينهم من الحصول على شواهد عالمية تسعفهم في ولوج ميدان الشغل، وتوفير الملايين من الأورو والدولار الممولة سنويا لتكوين ودراسة المغاربة بالخارج، وجلب العملة الصعبة عبر استقبال الطلبة من دول أخرى، خاصة من إفريقيا والمغرب العربي، وهي استراتيجية ماهرة في طعن وازدراء وتبخيس وإجحاف الجامعات ومؤسسات تكوين الأطر العليا والبحث العلمي المغربية بصفة عامة، ومواردنا الأكاديمية العليا في شتى تخصصاتها وأصنافها المعطلة والمهاجرة والعاملة بأسلاك الوظيفة العمومية بصفة خاصة، كما هي امتداد وتكريس لعملية فرنسة وعجمنة وأدلجة التعليم المغربي التي تعيدنا إلى درجة الصفر وتكرار الفشل الذي رزئت به مسألة التعريب ببلادنا، وغيرها من القضايا المصيرية، وكذا إلى هدر المزيد من أموال الوطن وتهريبها تحت قناع الاستثمار والتنمية والتعدد والتحديث والمواكبة، مثلما حصل مع مكاتب الدراسات الأجنبية التي لا نزال نستعين بها دون أن نصنع لأنفسنا البديل من عقر دارنا طيلة أكثر من نصف قرن، الذي كان كافيا لهذا القطاع أن يصل إلى المستوى المنشود لو تمت استفادته من جميع كفاءاته وثرواته المتنوعة في مختلف التخصصات التي تفتقر إليها الجامعة المغربية، ولنا فيما أقدمت عليه اليابان بالنصف الثاني من القرن التاسع عشر خير دليل في شأن إقلاعها الحضاري، الذي تزامن مع إرسال السلطان الحسن الأول البعثات العلمية الوطنية إلى الخارج.
بدل تجميع ضحايانا الدكاترة المشتتين بمختلف أسلاك الوظيفة العمومية في إطار دكتور/أستاذ باحث ونظام أساسي منصف ومحفز مهنيا وعلميا وقانونيا وإداريا ومعنويا وماديا، قصد استثمار ثرواتهم الأكاديمية العليا المتنوعة الحقول والاختصاصات والكفاءات والتجارب والمناهج والنتائج، فيما يخدم القطاعين الإداري والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر على حد سواء، تنمية وتحديثا وإثراء لمسارهما العملي، بإلحاقهم بمجال البحث والدراسات والتعليم و التكوين والتأطير والتشخيص والتحليل والتقييم والتخطيط بمختلف القطاعات الوزارية التي ينتمون إليها، خاصة أنها تحتضن مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات، من معاهد ومدارس عليا لتكوين الأطر التي تعاني بدورها خصاصا كبيرا في الأساتذة الباحثين، نجد الوزير الوصي مقابل هذا يرنو إلى أن يتم، في أقرب الآجال، تجميع الجامعات، بما فيها هذه المؤسسات غير التابعة لها، في أقطاب قيمة مضافة على مستوى البحث العلمي كحل لمشكل شتاتها وعدم التنسيق بينها، حارما دكاترتنا ومختلف قطاعاتهم من منابر التعليم والتكوين والتأطير والبحث والدراسات التي ينتمي إلى حظيرتها عدد وافر من المدارس والمعاهد العليا الوطنية، بمعنى أن عملية التهميش والتفقير والتبخيس التي لا يزال الدكاترة رازحين تحت وطأتها ستطال جميع القطاعات الوزارية التي ينتمون إليها، بحرمانها من تسديد حتى الرمق من حاجياتها الإدارية البحثية والتأطيرية وغيرها، نتيجة سلخها عما تحتضنه من مؤسسات تعليمية عليا تندرج تخصصاتها البيداغوجية والتكوينية والبحثية والعلمية والتقنية ضمن الحقل الذي أوكل لكل قطاع وزاري تدبير وتسيير شؤونه، وكأن هذا الحرمان هو عقاب لهذه القطاعات بسبب احتضانها ضحايانا الدكاترة !! إنه حظر وليد تصور مشروخ متعال مركزي إقصائي، ينبني على أن لا مكان للدكاترة ومؤسسات تكوين الأطر العليا إلا في حضن الجامعة حسب ما أعرب عنه الوزير الوصي نفسه، أما هؤلاء الدكاترة بمعية مؤسساتهم العمومية والشبه العمومية والجماعات المحلية، فما لهم إلا أن يموتوا بغيظهم وفق هذا المنظور البومي الكمي المتهافت، كقول صاحبه: «إذا ما تم تجميع المؤسسات التي تهتم بخريجي الجامعات بالرباط لأضحى للمغرب أكبر مؤسسة في إفريقيا في مجال التكوين العلمي»، و «لو جمعنا مدارس المهندسين في الرباط في مدرسة واحدة لكانت أكبر مدرسة للمهندسين في إفريقيا»، و «أن الاستثمارات في مجال البحث العلمي ضعيفة بسبب حجم المؤسسات الجامعية الصغير».
كيف نستسيغ هذا التجميع والوزير الوصي لم يستطع تجميع لا دكاترتنا في إطارهم المشروع ولا المؤسسات التعليمية العليا التابعة للجامعات المندرجة تحت وصايته، ولا حتى التنسيق فيما بينها وداخل رحاب كل واحدة منها، ولا الإنصاف بينها على كافة المستويات، من جملتها الكليات متعددة التخصصات التي حرمت من القيام بأعمال البحث ومسالك التكوين في الماستر والدكتوراه بموجب المرسوم رقم 2.04.89 الصادر في 18 من ربيع الآخر 1425 (7 يونيو 2004)، المنوط بتحديد اختصاصات المؤسسات الجامعية و أسلاك الدراسات العليا وكذا الشهادات الوطنية المطابقة، بغض النظر عن سوء تسييرها وتدبيرها وافتقارها إلى بنيتها التحتية والفوقية قرابة عقد من الزمن، منذ تأسيسها، إلى أن تم إصدار المرسوم رقم 2.12.482 في 2 ذي الحجة 1433 (18 أكتوبر 2012)، الخاص بتغيير المرسوم المذكور، ليرفع عنها هذا الحظر»، مع استمرار وضعها على ما هو عليه.
كيف يمكنه تجميع نظائرها التابعة إلى قطاعات وزارية مختلفة غير قطاعه، أ ليكون مصيرها مصير ما آلت إليه الكليات المتعددة التخصصات أو معاهد التكوين المهني ؟!!
كيف يسوغ تحقيق مطمح هذا التجميع الذي دعمته «النقابة الوطنية للتعليم العالي»، بناءا على هذا الواقع المتشرذم المتهالك حيث الآلاف من الدكاترة الذين هم روح تلكم الجامعات و مؤسسات التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي، و رهان إصلاح و تحديث و رقي التعليم و الإدارة على حد سواء، مشتتين، مهدورين، مبخسين بمختلف القطاعات ؟!!
كيف يحل تنفيذ هذا الفصل و التجميع على حساب دكاترتنا و مختلف القطاعات الوزارية و أحقية الطرفين في مجال التكوين و البحث العلمي ؟!!
إنها دعوة متهافتة، مختلة، نرجسية، طوباوية، ديماغوجية، تخدم التجميع من أجل التجميع في حد ذاته، و التهميش و الإقصاء و التبخيس في الآن عينه، ما دامت تتحاشى حل المعضلة المفتعلة التي يرزح تحت مكرها و حيلها دكاترتنا بمختلف أسلاك الوظيفة العمومية، بصفة جذرية، و ما دامت الجامعات و مؤسسات تكوين الأطر العليا تعرف مدا متصاعدا و مطردا من المشاكل من اكتظاظ و افتقار البنيات التحتية و الموارد اللوجستيكية و المادية و البشرية الإدارية و التعليمية و هزالة المنح الجامعية و غيرها. إنها ورش يحتاج الكثير إلى تعديله وتقويمه وتعبيد السبيل إليه، خاصة صوب المرمى الذي رسمه صاحبه الوزير حسب تعبيره التالي: «أن يكون للجامعة المغربية ريادة في مجال البحث العلمي على الصعيد العالمي»، مراد يظل متنفسه و لو مجازا كي يتحرر من عقدة النقص المركبة عنده جراء الترتيبات المتأخرة و المنعدمة التي تحتلها الجامعة المغربية في سلم التصنيف الدولي للجامعات. لقد كان أضعف الإيمان أن يتوخى هذه الريادة على صعيد المغرب العربي حتى يكون واقعيا مع نفسه على الأقل، لا أن يطلق الكلام على عواهنه، من قبيل أقوال سابقة لأوانها:
-»فكرة جعل المغرب قطبا دوليا للتعليم أمر قابل التحقق»
-»المغرب سيؤطر الدول الأخرى، و تم اتخاذ القرار بأن الطالب الأجنبي يجب أن يؤدي تكاليف الدراسة».
-»أن الاستثمارات في مجال البحث العلمي ضعيفة بسبب حجم المؤسسات الصغير» و «أن هذا الأمر ينعكس على نوعية المشاريع العلمية التي تتبناها الجامعة المغربية، و هو ما يجعلها غير معروفة على المستوى الدولي»
إلا أنه في معرض آخر يضرب هذا في العدم، قائلا:
-»إلى الآن الجامعة المغربية تكون فقط و لا تقوم بالبحث العلمي»، «حتى مؤسسات البحث العلمي ليست لدينا، و حتى في الاتفاقيات الدولية التي يقوم بها المغرب تعرف غيابا للبحث العلمي»، «أن شروط البحث العلمي غير متوفرة في المغرب»، «لا يوجد بحث علمي في المغرب».
و هكذا يترنح وزيرنا بين جدلية التعالي و التداني في أقواله المشتتة المتناثرة المتنافرة التي ينبغي عليه القيام بتجميعها ليعرف و يتحرى علميا ما يقوله.

و الغريب ما في «استراتيجية» هذا الوزير و وزارته أنها لا تتكلم عن التعريب إزاء ما سيستقدمه من جامعات عالمية متنوعة إلى مختلف ربوع الوطن، و تأسيسه جامعة أورومتوسطية بفاس لجعل المغرب حسب قوله: «قبلة إقليمية و دولية للتعليم العالي»، و كأنه سيستقدم الشركات الأجنبية لا الجامعات، و كأن قلب وطننا صار قابلا لكل لغة و صورة بدلالة الفيلسوف محيي الدين بن عربي، و أصبح مواطنوه يتقنون اللغات السبع بعدما أتقنوا استظهار القراءات و المعلقات السبع، ما جعله يقول: «كل من تخرج من الجامعة و لا يتقن اللغة الإنجليزية فهو أمي» !، و «من لا يتقن الإنجليزية يوجد خارج التغطية» !، رغم أنه يعلم بفشل تحقيق المراد عندما رد بنبرة التملص و اللامسؤولية المشوبة بعصبية أمازيغية على سؤال خديجة عليموسي: «انعكس تعريب عدد من المواد العلمية على أداء الطلبة، ما رأيك في ذلك؟»، قائلا:
« حاليا ما كاينة لا فرنسية و لا عربية، إذ نجد، للأسف، أن التلميذ يستفيد من 1800 ساعة من التكوين في اللغة الفرنسية خلال المرحلة الممتدة من الإبتدائي إلى الثانوي ويدرس 800 ساعة، و مع ذلك ليس له مستوى جيد في اللغة الفرنسية، في حين أن المفروض أن يتحدث إنسان عادي بهذه اللغة بعد تلقيه 600 ساعة من التكوين. و خلال لقاء لي يوم الخميس الماضي [7/06/2012] بالعمداء و رؤساء الشعب لكليات الحقوق على الصعيد الوطني، أجمعوا على أن هناك فشلا ذريعا وهذه شهادة من أهل الدار، فهل سنستمر على هذا الحال؟ الكليات ليس دورها تدريس اللغة لأن هناك كليات خاصة بذلك».

وكذا حينما أجاب على المساءلة الاحتجاجية للصحافية نفسها القائلة: «و لكن ما ذنب تلميذ يدرس كل المواد العلمية باللغة العربية و عندما يلتحق بالجامعة يدرسها بالفرنسية. أليس هذا خللا؟»، مصرحا ما يلي:
«الخلل معروف، و هذه إشكالية وطنية لا يمكن أن يتخذ فيها وزير التعليم الوطني القرار. بأية لغة نريد أن ندرس؟ هذا مشكل مطروح. هناك انفتاح المغرب على العالم، ستأتي جامعات تدرس بالإنجليزية وتدرس بالإسبانية و ربما بالروسية. و هؤلاء يتعلم عندهم الطالب اللغة خلال ستة أشهر فقط، في حين نضيف للطالب 800 ساعة في الجامعة إلى جانب ما تلقاه بالمستويات الأخرى، و مع ذلك لا يتقن اللغة. أعتقد أن هذا نقاش يجب فتحه بالمغرب ليجيب عن السؤال بأية لغة ندرس؟»
رغم ما قاله مستوزرنا في هذا الرد، فإنه تنكر لقوله و هويته و تاريخه و حضارته حينما اتخذ القرار في الموضوع المثار ضاربا عرض الحائط فتح النقاش المذكور، بقوله يوم 5 أبريل 2013 بمناسبة تنظيم كلية الطب بفاس ليوم دراسي حول البحث العلمي، ما يلي: «ان اللغة العربية لغة لا يمكن أن تنتج العلم» !!!واضح أن صاحبنا كان يحتاج إلى دورات تكوينية في اللغة العربية و تاريخ العلوم قبل استوزاره و خوضه غمار الحديث عن البحث العلمي كي لا يقول هذه الترهات التي يفندها ثراء اللغة العربية و تراثها العلمي اللذين تدين لهما الحضارة الإنسانية بالشيء الكثير.
غير خاف أن الدول المتقدمة التي سيستقدم الوزير جامعاتها إلى المغرب، لم تصل إلى مكانتها المشرفة العلمية و الاقتصادية و الثقافية و غيرها، إلا بفضل استعمالها للغاتها الوطنية ممارسة و تحصيلا و تدريسا و تلقينا و إبداعا و تأليفا في مختلف أنشطتها الأدبية و العلمية و الفنية و التقنية و غيرها، و ما نقلته إليها من معارف و علوم بصورة مطردة، و ما جندته من جهود جمة في هذا السبيل، و ما حققته من مشاريع بحثية ضخمة و متنوعة ترجمية و لسانية و غيرها، و بنيات مؤسساتية وافرة كإنشاء كل واحدة منها العشرات من الكليات الخاصة بالترجمة المكتوبة و الفورية و المئات من المدارس و المعاهد العليا لتدريس اللغات في مختلف ربوع أوطانها، مقابل هذا نخجل و نعجب لوجود مؤسسة جامعية واحدة خاصة بتدريس الترجمة، ذات الولوج المحدود، إلى حد الآن بالمغرب، و هي : «مدرسة الملك فهد العليا للترجمة» بطنجة، التي تأسست سنة 1983 بمبادرة و دعم من المملكة العربية السعودية !! كما نستغرب عدم وجود أي مؤسسة ترجمية بجميع الكليات المتعددة التخصصات التي أحدثت، منذ عقد من الزمن، بمختلف جهات البلاد، حيث يصح تسميتها بالكليات المكرورة التخصصات لاحتوائها على التخصصات المألوفة في تعليمنا العالي منذ الاستقلال الى الآن، التي تلقن في كليات الآداب و العلوم و الحقوق. إن اللغة الوطنية الرسمية ركيزة أساسية في مجال البحث العلمي عند الدول المتقدمة جمعاء، لحد لا يمكن الفصل بينهما توخيا لتعميم فائدة ثمارهما على مواطني هذه اللغة بالدرجة الأولى، كما لا يمكن الفصل بين هذا الثنائي اللغة و البحث العلمي و بين الترجمة التي تغنيهما و ترفدهما بمختلف ما تزخر به المعارف و العلوم الإنسانية و الحقة. إن توطين التكنولوجيا أو تحويل المغرب إلى بلد تكنولوجيا حسب تعبير الوزير الوصي، له شروطه و حيثياته و مراحله، و لن تقوم له قائمة بمعزل عن هذا القطب الثلاثي الأركان الذي يظل من الشروط الأساسية لتلاقح و سموق الحضارات و ارتقاء الأمم الشعوب و الدول ماضيا و حاضرا. من هنا تكتسب اللغة الوطنية معناها و هويتها و حياتها، و بعبارة أدق جوهرها الذي هو سمة بارزة من سمات الحضارة و التقدم الإنساني، التي تتميز بها الدول المتقدمة عن نظائرها المتأخرة، إذ لا نجد بين هذه الدول المتقدمة دولة رضيت باستعمال لغة غيرها بديلا للغتها الوطنية، إلا الدول المتخلفة و السائرة في طريق النمو. و هكذا تصبح هذه السمة معيارا نقيس به مدى امتثال اللغة الوطنية عند شعب من الشعوب أي مدى تقدمها أو تأخرها في سلم التقدم و النماء على الصعيد الدولي. الأمر نفسه يمكن قوله عن البحث العلمي و الترجمة اللذين يعرفان نشاطا شاسعا مكثفا في العالم المتقدم و فتورا كبيرا في العالم الثالث.
إن الإصلاح في مجال التربية و التكوين على وجه التحديد لا تقوم له قائمة إلا انطلاقا من صميم بنيته و إملاءاته الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية وغيرها لا خارجها، إن توخي مقاما مشرفا لجامعاتنا على المستوى القاري أو الأورومتوسطي أو العالمي لن يستقيم و يبلغ شأوه ما دام دكاترتنا يستنزفون و يحترقون كل يوم وحين منذ ما يزيد عن 15 سنة في وضعية مخجلة جدا تتميز بالتبخيس و التهميش و الشتات و الحصار و المهانة على كافة الأصعدة مهنيا و ماديا و معنويا و علميا و قانونيا، و هو موضوع أفضنا الحديث عنه في سلسلة من حلقات دراستي المنشورة بجريدة المساء السنتين السابقتين.
فكيف يسوغ في ظل هذا الوضع تحقيق حلم الوزير بتحويل المغرب إلى بلد تكنولوجي خلال 10 سنوات على غرار الدول المتقدمة كاليابان التي يكمن سر تقدمها التكنولوجي في كون قادتها منحوا المعلم «راتب وزير و حصانة دبلوماسي و إجلال الإمبراطور»، حسب قول رئيس وزرائها الذي تناقلته العشرات من المواقع الإلكترونية. إنه مرمى يندرج في إطار استراتيجية معكوسة تنبثق من منظور نفعي مادي صرف، و من مفهوم قاصر و معطوب لمعنى البحث العلمي، و فصل ساذج و عقيم بين العلوم الدقيقة و العلوم الإنسانية، و من خلفية يكمن بيت قصيدها و واسطة عقدها، في تعبيد السبيل بشكل تعليلي احتيالي لإنهاء التعليم المجاني بالتعليم العالي، مقابل فتح المجال لنظيره الطبقي الجاني للمال و الأرزاق، دون أن تفيدنا بتحديد دقيق و شامل للبحث العلمي الذي هو قوام تقدم الشعوب و الدول، وكيف توفينا بذلك و صاحبها الوصي على قطاعها لا يعترف بالبحث العلمي إلا في مجال العلوم التطبيقية كالهندسة و غيرها، ما جعله يحط من قدر الآداب و العلوم الإنسانية، و يعلي من شأن الهندسة و المهن الجديدة حينما قال: «البلد ليس في حاجة إلى كليات الآداب، بل إلى المهندسين و المهن الجديدة»، و كأن الإنسان آلة تفتقر إلى عنصر الحدس و الخيال الذي يدين له جهابذة العلم و فلسفته بالشيء الكثير، كغاستون باشلار و إيمانويل كانط و ألبير إينشتاين، و كأن البحث العلمي هو وسيلة و غاية، و موضوع و هدف في الآن عينه، مقصور و حكر على هذه المجالات العلمية التطبيقية دون غيرها كالفلسفة و الآداب و الفنون، باعتبار أن طبيعتها لاعلمية و لا تمت بصلة إلى ما هو علمي أو بحث علمي !!! بمعنى أن فاقد الشيء لا يعطيه لكونه ليس علميا حتى مع نفسه و أقواله حينما يتناقض في مواقفه بمختلف المناسبات، حيث نجده على سبيل المثال في ندوة «استراتيجية الحكومة في النهوض بالبحث العلمي»، يوم 16 أكتوبر 2012، يقول: «الدخل السنوي للبلاد لا يسمح بتمويل الاقتصاد، و تمويل الجامعة، و تمويل البحث العلمي»، بينما يقول في برنامج قضايا و آراء، حيث استضافته القناة الأولى يوم 26 فبراير 2013، لمناقشة موضوع «البحث العلمي بالمغرب»، ما يلي: «ليس هناك مشكل في التمويل بل في تدبير البحث العلمي، لأنه يوجد تمويل مهم هذه السنة و السنة القادمة»، و «لماذا نأتي بالخبراء من الخارج، و هذا إهدار غير معقول»، ما يتناقض مع استراتيجية استقدامه لمجموعة من الجامعات الأوروبية و الكندية و الأمريكية و إقامتها في مختلف ربوع المغرب. بل وصل هذا التناقض و الاختلال إلى إطلاق الكلام على عواهنه بروح تهكمية، كقوله في البرنامج المذكور: «إن ارتفاع عدد العاطلين يعود إلى سبب تكاثر النسل بالبلاد في السنين الأخيرة»، و دعوته تحت قبة البرلمان يوم 23 يناير 2013، إلى وجوب استغلال عشبة الكيف أو القنب الهندي، بصورة منتجة، باعتبارها ثروة وطنية، قبل أن يردف قائلا: «وعلاش ما نديروش البحث العلمي فيه، و ما يبقى حد يدير السبسي؟ نحن لا نقوم بالبحث العلمي، وثروة بين أيدينا تركناها لتخرب المجتمع عوض أن تبنيه». كما أعطى إحصاء شاملا لأنواعها الموجودة في كل ربوع البلاد، التي حددها في 4200 نوعا، قبل أن يصرح قائلا: «لا نستغل منها سوى 200 نوع»، ليختم قوله بأن: «كل من يملك هكتارا من الأرض لا يجب أن يكون فقيرا». هذا هو الرأي الثاقب و الفكر الخارق لكل نمو و تطور و تقدم، الذي توصل إلى إيجاد بديل للبحث العلمي و محاربة الفقر بالمغرب !!!
ليس أخرب و أغرب حالا و أعطب وضعا من بقاء وضعية ثرواتنا الوطنية الأكاديمية العليا: دكاترتنا العاملون في مختلف أسلاك الوظيفة العمومية تحت نير الإقصاء و التهميش و الحيف و الجور و التنكيل و المهانة و المذلة طيلة أكثر من 15 سنة !!
ليس أرن جهلا و جحودا و جورا و احتيالا من أن يزيد المسؤولون دكاترتنا تكبيلا و لجاما و حصارا و حرمانا، حتى من الترشح للتباري في مجموعة وافرة من المناصب العليا، لاشتراطهم شروطا تعجيزية أمامهم، كتلك التي أعلن عنها لحسن الداودي الوزير الوصي على التعليم العالي و البحث العلمي و تكوين الأطر، بناء على قراره رقم 091066/06، الصادر بتاريخ 15 نوفمبر 2012، لشغل المناصب التالية: مدير المركز الوطني للبحث العلمي و التقني، و مدير المكتب الوطني للأعمال الجامعية و الاجتماعية و الثقافية، و مدير الموارد البشرية و الميزانية، ومدير التقييم و المستقبلية، حيث قيد باب ترشيحها بشروط تتسم بالإقصاء و التحيز و التعجيز، كالتوفر على «تجربة ثابتة مهنية كأستاذ التعليم العالي من الدرجة ج أوب»، أو «كباحث بمؤسسات وطنية أو أجنبية للبحث العلمي لمدة 20 سنة على الأقل و مشهود له بالكفاءة العلمية»، و على «تجربة ثابتة في التعامل مع مؤسسات البحث العلمي الدولية و صيغ الاستفادة من تمويلاتها، و خاصة منها الأوروبية و الأمريكية الشمالية»، وكذا في «مجال إنجاز دراسات اجتماعية و اقتصادية أو ديموغرافية أو هما معا»، ما ينافي و يناقض جملة و تفصيلا القوانين التنظيمية المنوطة بالتعيين في المناصب العليا و غيرها.
أي دور لمديرية التقييم و المستقبلية حينما تعنى بتحيين و توزيع استمارة دراساتها، منذ 20 يناير 2012، على مؤسساتها الجامعية التابعة لها، فيما يخص «الحاجيات من هيئة التدريس الدائمة حسب التخصص في أفق 2020»، مع التركيز على إحصاء و تحديد «الحاجيات السنوية لتعويض المحالين على التقاعد»، دون أن تعنى بإحصاء دكاترتنا المطرودين من حظيرتها، العاملين بمختلف أسلاك الوظيفة العمومية، باستثناء نظرائهم المنتمين إلى قطاع التعليم العالي و البحث العلمي و تكوين الأطر، البالغ عددهم 409 دكتورا، الذين حددت لهم 300 منصبا لتحويل إطارهم إلى أستاذ التعليم العالي مساعد عبر التباري في شأن مناصبها !!.
أي إحصاء توافينا به هذه المديرية عندما تحدد الخصاص الآني في هيئة التدريس بمؤسساتها على لسان وزيرها الداودي في 2500 أستاذا للتعليم العالي مساعد، بينما حدده محمد درويش، الكاتب العام السابق للنقابة الوطنية للتعليم العالي، في 5000 أستاذا!!.
ليس أسخف و أسخر من أن يسد الوزير الوصي على قطاع التعليم العالي مجال البحث العلمي في وجه دكاترتنا المعتقلين في مختلف أسلاك الوظيفة العمومية، دون أن يكلف نفسه حتى معرفة فئاتهم أو عددهم، في حين يصرح بضمير الجمع على الإطلاق: «نحن لا نقوم بالبحث العلمي»، مشجعا و حاثا على ممارسة البحث العلمي لفائدة القنب الهندي أو الكيف، حتى لا يبقى أحد يستخدم «السبسي» حسب قوله، معبرا عن أسفه لتركنا هذه الثروة الكيفية بين أيدينا تخرب المجتمع عوض بنائه، دون أن يعجز عن إحصاء أنواعها الموجودة في ربوع بلادنا، التي حددها في 4200 نوعا، بما فيها عددها المستغل بوطننا الذي لا يتجاوز 200 صنفا !!.
لقد أبان واقع الأمور أنه لا يكفي التنصيص على مبادئ التباري كتكافؤ الفرص و المساواة و النزاهة و الاستحقاق، الواردة في مختلف النصوص العامة الدستورية و التشريعية و القانونية، أو الخاصة المنوطة بالقوانين المنظمة للتباري و التعيين في المناصب الشاغرة، كالقانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و 92 من الدستور، و المرسوم رقم 2.12.412 القاضي بتطبيق أحكام المادتين 4 و 5 من القانون نفسه فيما يتعلق بمسطرة التعيين في المناصب المذكورة، لكونها تبقى حبرا على ورق عند الكثير من المسؤولين و القيمين على إجراء مباريات ولوج المناصب الشاغرة، كاستنادهم على معايير تسعفهم في إنجاح المرشح المرغوب للفوز بها، من قبيل مقياس الأقدمية السلطوي المتقادم الذي أكل الزمن عليه و شرب و أهدر، معيار شبه عرفي يشهرونه في وجه دكاترتنا و غيرهم، لكونه يبطئ ترقيتهم و يحرمهم من شغل مناصب جديدة هامة في قطاعهم أو غيره، لفائدة نظرائهم الموظفين الذين يفوقونهم أقدمية في الزمن، نظرا لحداثة التحاقهم بأسلاك الوظيفة العمومية، بعد مناقشة أطاريح دكتوراتهم التي تقتضي زمنا ليس بالهين و اليسير، رغم أن تلكم القوانين المنظمة للتباري لا تنص على هذا المقياس المجحف أو غيره من المعايير التي توضع على مقاس صفوة من المرشحين وفق ما وقع بوزارة النقل و التجهيز. كما نجد بعض المسؤولين يحورون، على سبيل المثال، نظام مباريات أساتذة التعليم العالي مساعدين قصد تخصيص مناصبها التي تعد بالمائات لفائدة موظفيهم، سواء في قطاع التعليم المدرسي أو العالي، ما أثار الكثير من الجدل و ردود الفعل و مقاضاة العديد من الدكاترة المعطلين و العاملين بالقطاعين و غيرهما، لرئيس الحكومة و وزير التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي لحسن الداودي و وزير التربية الوطنية محمد الوفا، بل نلفي منهم من لا يعبأ بإجراء المباراة على الإطلاق، مثلما حصل بإدارة «مرسى ماروك» التي تنتمي إلى حظيرة المؤسسات العمومية الاستراتيجية، حيث تم بها توظيف 24 إطارا توظيفا مباشرا، و المكتب الوطني للمطارات الذي تم به تعيين موظفين في بعض مناصبها العليا دون أن يترشحوا لها، و المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين و المدارس العليا للأساتذة التي تمت بها العديد من التعيينات و التكليفات المشبوهة.
إن المتفحص في الإعلانات المنوطة بفتح باب الترشيح لشغل المناصب العليا، على سبيل المثال، في مختلف الإدارات العمومية، يخلص إلى الاختلافات الكبيرة التي تسم معايير و شروط هذا الترشيح بين كافة قطاعاتها الوزارية، دون أن تسلم منها حتى مقتضيات الترشح لبعض المناصب العليا داخل قطاع إداري واحد حيث تم قبول مترشح للتباري في منصب و رفضه في آخر، بينما ساغ قبوله في قطاع آخر للتباري في عين المنصب الذي أقصي منه في قطاعه. أما عن الشواهد الأكاديمية المطلوبة، فهي تتراوح بين شهادة الإجازة و الماستر دون الدكتوراه، بل إن عددا وافرا من هذه الإعلانات لا يأتي على ذكرها إطلاقا.
إن الخروقات الجمة المطردة التي تتخلل مختلف المباريات بصفة عامة، و ما يخص دكاترة أسلاك الوظيفة العمومية بصفة خاصة، و آثارها الوخيمة في استحكام أخطبوط الفساد و الاستبداد في بلادنا، بضياع و انتهاك طاقاتنا البشرية الوطنية جورا و عدوانا، اعتبرها مسوغات دامغة و بواعث كافية لإحداث هيأة دستورية عليا تتخصص في تدبير شأن المباريات، مدعمة بلجان مستقلة جهوية و مركزية، كفأة و خبيرة في علم و مناهج أجرأتها في مختلف تخصصاتها المعلنة، ضمانا لنزاهتها و تحصينا لطاقاتنا المهدورة و المغتصبة، قصد تحقيق غاياتها المنشودة القائمة على الاستثمار و الدعم الأمثل للرأسمال البشري العلمي و المعرفي، و على الجودة و الحكامة الجيدة فيما يخدم مصلحة البلاد على كافة المستويات و الأصعدة، و يضعها على محك التقدم و الرخاء و الازدهار.
أملنا كبير أن تضع الحكومة الحالية، في أقرب الآجال، حدا لهذه المحرقة العلمية المخجلة، بجبر ضرر ضحاياها الدكاترة وتلبية مطالبهم و استرداد حقوقهم على كافة الأصعدة، منذ حصولهم على أعلى الشواهد الأكاديمية بصنفيها دكتوراه الدولة و الدكتوراه الوطنية، خاصة و أن بعض أعضائها المستوزرين كانوا من المدافعين عن تسوية وضعية دكاترتنا أيام كانوا نوابا برلمانيين، كوزير العدل و الحريات مصطفى الرميد، و وزير الشؤون الخارجية و التعاون سعد الدين العثماني، و وزير التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي لحسن الداودي. إن الكرة الآن في مرمى هذه الحكومة بعدما قدمت «النقابة الوطنية المستقلة للدكاترة بالمغرب» بتاريخ 12 شتنبر 2012، «مقترح قانون النظام الأساسي الخاص بالدكاترة العاملين بالإدارات العمومية و الجماعات المحلية و المؤسسات العامة»، و «مذكرة تقديمية لمقترح قانون النظام الأساسي يقضي بإحداث الهيئة المنظمة للدكاترة العاملين بالإدارات العمومية و الجماعات المحلية و المؤسسات العامة طبقا لمطالبهم العادلة و المشروعة»، إلى الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان و المجتمع المدني، و جميع رؤساء الفرق البرلمانية: فريق العدالة و التنمية و الفريق الاستقلالي للوحدة و التعادلية وفريق التجمع الوطني للأحرار و فريق الأصالة و المعاصرة و الفريق الاشتراكي و الحركي و فريق الاتحاد الدستوري وفريق التقدم و الاشتراكية، و ذلك قصد دراسته و المصادقة عليه.



محمد عزيز البازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.