ما يحدث في وطننا العربي من انقلاب على الشرعية الديمقراطية، وعرقلة مسارات الحكم الرشيد، وإعادة بناء الطاقات والأوطان في بلاد الربيع العربي، يصب في الأهداف والمساعي «الإسرائيلية» لتعزيز بذور الفتن والشقاق والاقتتال في البلدان العربية وتعزيز العصبيات والطائفيات، وسعي «إسرائيل» إلى منع نجاح أية تجربة ديمقراطية في هذه البلاد وعلى رأسها مصر وسوريا، وذلك لأسباب عديدة أهمها أن نجاح الديمقراطية في كل من مصر وسوريا يمثل تهديدا كبيرا لأمن وكيان «إسرائيل» ويمثل خطرا أكبر على وجود الكيان الغاصب على أرضنا العربية، لذلك تسعى «إسرائيل» دوما إلى إثارة الفتن والنزاعات وبث الشائعات والدعاية الإعلامية السوداء لوأد أي تجربة ديمقراطية في كل من سوريا ومصر. أما بخصوص مصر، فإن الصهاينة يدركون جيدا أن نجاح الإسلاميين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في جمهورية مصر العربية بمثابة أول مسمار في نعش دولة الكيان الغاصب، وقد حذرت «إسرائيل» مرارا الرئيس المخلوع مبارك من التعامل مع الإسلاميين والسماح لهم بحرية العمل وإعطائهم المساحات والسماح لهم بخوض أي انتخابات، سواء كانت برلمانية أو بلديات أو نقابية؛ ولكن ثورة 25 يناير المصرية على نظام مبارك وإسقاط حكمه غيرت معالم الطريق والحسابات لدى العدو الصهيوني، وما زاد الطين بلة هو نجاح الإسلاميين في انتخابات مجلس الشعب المصري بأغلبية كبيرة، ثم تبع ذلك نجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية، ليصبح رئيس مصر أحد قيادات الإخوان المسلمين العدو الأكبر (لإسرائيل)، وهذا ما أحدث زلزالا كبيرا لدى «إسرائيل» وأمريكا والرباعية الدولية والمتآمرين ممن يطلقون على أنفسهم المعارضة المصرية، ومنذ فوز الرئيس مرسي بالحكم و«إسرائيل» تسعى بكافة الجهود والسبل إلى إسقاط هذا الرئيس المنتخب الشرعي الذي جاء عبر صناديق الاقتراع، وبدأت «إسرائيل» و«أمريكا» في الحرب الإعلامية والدعائية التي تهيئ الأجواء وتثير الفتن والأحقاد حول الرئيس المنتخب... كما بدأت أمريكا تلعب على الوتر الاقتصادي ووقف المساعدات ومنع المنح للمصريين، وذلك عقابا لهم على خيارهم الديمقراطي، كما استخدمت أمريكا الطرف الآخر المعارض للرئيس مرسي من أجل دفعه إلى رفض هذه الانتخابات وحشد الجماهير من أجل إفشال الرئيس مرسي والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وهذا ما دعت إليه -ما تطلق على نفسها- المعارضة دوما وتكرارا في كافة خطاباتها الإعلامية، كما سخرت أمريكا و«المعارضة» الكثير من القنوات الفضائية المصرية لمواجهة حكم مرسي والعمل على إفشاله، بل وإفشال كافة الإنجازات التي حققها الرئيس مرسي، وعلى رأسها رفع الأجور وتحريك عجلة الاقتصاد المصري وكشف جرائم فساد النظام السابق. كما شجعت «إسرائيل» الكثير من أتباعها وحاملي لوائها من العرب على إثارة الفتن والفوضى ضد حكم مرسي ورفضه، بل وحشد الشباب والرأي العام لرفض حكم مرسي، ولم يمض عام على حكم مرسي حتى تحققت أهداف «إسرائيل» وكان الصهاينة في (تل أبيب) أكثر فرحا وطربا على سقوط حكم مرسي؛ هذا الرئيس المصري المنتخب الذي دعم المقاومة الفلسطينية وأوقف الحرب «الإسرائيلية» الأخيرة على القطاع وأذل أنف الصهاينة، بل ورفض الحديث مع المجرم «نتنياهو» في إطار رفض الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين وأي أرض عربية... مواقف الرئيس المصري مرسي الجريئة من العدو الصهيوني يسجلها التاريخ بماء الذهب وأحرف من نور، كما تسجل في عهد الرئيس مرسي المظاهرات من القاهرة المجيدة والدعوات إلى تحرير القدس والأقصى الشريف من دنس المحتل الغاصب.. هذه المواقف البطولية للرئيس مرسي من العدو الصهيوني شكلت ناقوس الخطر على الكيان الإسرائيلي، لذلك جندت «إسرائيل» كافة رجالها وعلاقاتها الدولية من أجل إسقاط الرئيس مرسي وإبعاده عن الحكم في أقرب فرصة ممكنة .. أما المشهد الآخر في وطننا العربي فهو مشهد أليم وحزين وهو ما يحدث في سوريا من مجازر قتل يومية في حق أبناء الشعب السوري والموقف الصهيوني الداعم لقتل أبناء الشعب السوري وإفشال «إسرائيل» لأي اجتماع دولي خارجي أممي يدعو إلى التدخل العسكري ضد النظام السوري وحماية الشعب السوري من المجازر اليومية، والبدء من جديد في التأسيس لحكومة ومجلس شعب منتخب وإعادة إعمار الدولة السورية الجديدة، وفي المشهد الثالث تعمل «إسرائيل» وبصورة كبيرة على تشجيع الاقتتال الطائفي في لبنان وتوفير سبل الدعم لهذا الاقتتال الطائفي الحاصل هناك، وكل ذلك يصب في إطار مصالح «إسرائيل» ووجودها ويزيد من عمرها في احتلال أراضينا العربية، كما يصرف أفكار الشباب والجيل العربي عن تحرير فلسطين والمسجد الأقصى المبارك. إن دولة الكيان الصهيوني لا تتوانى في بث سموم الفتن وتشجيع الاقتتال الداخلي في الدول العربية تحت أي مسمى، وما يقف في وجهها ويؤرقها ويشكل الخطر الكبير على وجودها هم الإسلاميون السنيون ورجال المقاومة الفلسطينية الباسلة الذين يصلون الليل بالنهار في عملهم وجهادهم من أجل الوقوف في وجه «إسرائيل» والاستعدادات الدائمة لمواجهتها عسكريا والتفكير في تدميرها ووقف خططها ومؤامراتها الاستيطانية.