المغرب بين الحقيقة والدعاية: استخبارات منسجمة وتجربة أمنية رائدة تعزز الاستقرار    أجواء غير مستقرة حرارة وزخات رعدية بعدة مناطق    حريق مهول يلتهم سوق أسبوعي بالريصاني    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين.. "أسود الأطلس" يقتربون من اللقب بتغلبهم على تنزانيا    "يويفا" يمنح برشلونة الإسباني دفعة قوية قبل انطلاق دوري أبطال أوروبا    أجواء حارة نسبيا في توقعات طقس السبت    "تيك توك" توكل الإشراف على المحتوى في بريطانيا للذكاء الاصطناعي    ثلث الألمان يخشون فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي    كيوسك السبت | قادة إفريقيا واليابان يشيدون بالمبادرات الملكية بشأن المناخ والهجرة    بطولة انجلترا: تشلسي يهزم وست هام (5-1)    الصين تكتشف احتياطيات ضخمة من الغاز الصخري    سيارة مسرعة تدهس شابًا وامرأة بعد خروجهما من حفل زفاف بمنطقة العوامة بطنجة    توقيف 6 أشخاص في شجار عنيف بشاطئ طنجة وإصابة قاصر    السكتيوي: الروح القتالية وعزيمة اللاعبين كلمة السر في الفوز على تنزانيا    مغاربة يعتصمون ليلا أمام البرلمان ضدّ الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة    الإعدام للرئيس السابق للكونغو الديمقراطية مطلب النيابة العامة    أول إعلان أممي من نوعه: غزة تعيش المجاعة.. و"حماس" تطالب بوقف الابادة    بلاغ: المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعبر عن ارتياحه لدخول قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ    ترامب يحدد موعد قرعة مونديال 2026    عجز قياسي جديد يثير المخاوف بشأن متانة التوازنات المالية بالمغرب    المنتخب المغربي يهزم تنزانيا ويتأهل إلى نصف نهائي الشان    مدغشقر تتأهل إلى نصف نهائي "الشان"    دليل استرشادي من رئاسة النيابة العامة إلى قضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة    شبهة تضارب المصالح تضع منتخبين أمام مسطرة العزل بجهة الدار البيضاء    فلوس الغرامة.. فلوس المهرجان    للمرة الثالثة: عودة الفنانة شيرين عبد الوهاب لطليقها حسام حبيب يشعل أزمة جديدة    طنجة : باشا يتعرض لاعتداء خطير وسرقة وسط المدينة    احتفاء خاص بالباحث اليزيد الدريوش في حفل ثقافي بالناظور    بعد تعليق حملة المراقبة.. ما مآل الدرجات النارية المحجوزة؟    بوريطة يجري اتصالا هاتفيا مع نظيره المصري    الإجهاد الحراري يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية ويهدد صحة العمال    مهرجان الشواطئ يحتفي بعيد الشباب وثورة الملك والشعب بمشاركة نجوم مغاربة وعرب    مداهمة منزل جون بولتون المستشار السابق لترامب الذي يشتغل مع الجزائر من طرف الFBI    بولتون بين أيدي الFBI.. سقوط ورقة ضغط طالما راهن عليها نظام الجزائر والبوليساريو        "تيكاد-9" يفضح محاولات انفصاليي "البوليساريو" ويؤكد دعم اليابان للحكم الذاتي المغربي    رسميا .. دخول العقوبات البديلة حيز التنفيذ لتخفيف الاكتظاظ السجني        فلاحو سهل صبرة بزايو يرفعون نداء استعجالي لإنقاذ محاصيلهم المهددة بالجفاف        بمناسبة عيد الشباب.. فرقة "المسيرة الخضراء" تبهر الجمهور بعرض جوي مذهل فوق سماء المضيق ومرتيل    إجراءات ضريبية محفزة لمغاربة العالم لا يعرفها الكثيرون    ضبط زورق محمل بطنين من الشيرا وتوقيف سبعة أشخاص    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تركيا تستعد لإطلاق شبكة الجيل الخامس ابتداء من سنة 2026    المغرب يتصدر مستوردي الغاز الإسباني    إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات يفتح آفاقا واسعة في مجال العلاج الشخصي والبحث العلمي (صابر بوطيب)    دراسة: عدم شرب كمية كافية من الماء يسبب استجابة أكبر للإجهاد        وفاة القاضي الرحيم عن 88 عاما.. صوت العدالة الذي أنصف المهاجرين    انطلاق فعاليات مهرجان الرمى والطلبة والخيالة بمركز صخور الرحامنة مبادرات راائدة في التضامن الترابي (صور)    ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة        "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابن تيميه.. شيخ الإسلام الذي واجه جبروت الحكام
سجن سبع مرات وتوفي في المعتقل وفاء لقناعاته
نشر في المساء يوم 25 - 07 - 2014

كان شيخ الإسلام ابن تيمية عالما فذا، صاحب همة وصبر وجلد، فتح باب الاجتهاد بعد إغلاقه، وقاوم الحملات المغولية حين أحجم عن ذلك الفرسان والأمراء، وسعى إلى توحيد الصفوف حين عمت الفرقة وتشرذمت صفوف المسلمين بالشام، ووقف في وجه استبداد المماليك وظلمهم لرعيتهم، يوجه وينصح ويرشد. يقول تلميذه ابن القيم: ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه. وقد صدق ابن القيم، فقد كان الرجل نسيجا لوحده، ويكفي أنه ألف مئات الكتب، التي ما زال الناس ينهلون من معين علومها إلى اليوم. ولعل نبوغ ابن تيمية كان مخالفا لمجريات الأمور في عصره، فقد ولد بعد سقوط بغداد بخمس سنوات، وعاش في وسط تتناوشه سهام الأعداء من كل جانب، فالشرق في زمنه كان هدفا للمغول والصليبيين من الخارج، وفي الداخل كان نهبا للتطاحن بين المذاهب والفرق، وقد كثرت خصومات الفرق في زمنه، واشتد الصراع بين الأشاعرة والمعتزلة والمتصوفة، وتعصب أصحاب المذاهب كل لمذهبه، فالمالكية والشافعية والحنابلة والأحناف لا ينتهون من معركة حتى يدخلوا في غيرها، فضلا عن الحشاشين الذين كانوا يعادون كل هؤلاء ويتربصون بهم الدوائر.
سعى ابن تيمية في هذه لأجواء المضطربة إلى أداء واجبه كما تمليه عليه مسؤولية العالم المُوقّع عن ربه، فذم التقليد ودعا إلى الاجتهاد، بل فتح بابه وكان من فرسان التجديد في زمنه، وناظر أصحاب الفرق بالحسنى وفتح حوارا عميقا مع كل الطوائف، وهو ما تشهد به كتبه إلى اليوم. وكما كان فارسا في ميدان الفكر والعلم كان فارسا في ساحات النزال، فقد صمد في دمشق عندما قصدها المغول وفر منها العلماء والأمراء وثبت فيها يحرض العامة ويشد أزرهم، ثم وقف موقفا بطوليا بعد ذلك في معركة «شقحب»، وجعل يحرض الجنود ويحمسهم، فلما التحم الصفان طلب من أمير المعركة أن يضعه في موطن القتل، إذ لم يكن في نيته أن يعود سالما إلى بيته .
كان لشدته في الحق أثر كبير في تكاثر أعدائه وخصومه، وهؤلاء لم يدخروا جهدا في الوقيعة بينه وبين الناس من جهة، وبينه وبين الأمراء من جهة أخرى، فأشاعوا عنه الكثير من الأباطيل والأكاذيب، وقد بلغ من حقد معاصريه عليه أن قالوا بخروجه من ملة الإسلام لا لشيء إلا لأنه كان ضد التمذهب والتقليد، وكان يقول لمقربيه: «من تعصب لواحد من الأئمة بعينه فقد أشبه أهل الأهواء سواء تعصب لمالك أو لأبي حنيفة أو لأحمد « .
تكاثر الأعداء على ابن تيمية وكثر عليه الدس عند صاحب السلطان وترصدوا هفواته وأخطاءه، فكانت حياته لذلك سلسلة متصلة من المحن والابتلاءات، وقد سجن بسبب آرائه سبع مرات، آخرها تلك التي حبس فيها بسجن القلعة إلى أن وافته المنية عام 728ه. وقد سمحوا له في بداية الأمر أن يجيب عن أسئلة طلابه، فكان يكتب جوابه بالفحم على رسائلهم، فالتفت خصومه إلى أن ذلك سيكون سببا في تكاثر مريديه، فنقلوه إلى زنزانة مظلمة وما انفكوا يهددونه بالقتل فلم يعبأ بتهديدهم وقال في ذلك قولته الشهيرة: «ما يفعل أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري ... إن قتلي شهادة، وسجني خلوة، ونفيي سياحة». غير أن منعه من مراسلة طلبته أضر به كثيرا، وما لبث أن مرض بعد أن حيل بينه وبينهم، وبعد أشهر قليلة أسلم الروح لباريها.
كان ابن تيمية جريئا في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، ففي أواخر عام 699ه زحف غازان التتري وجنوده على حلب وأنزل هزيمة قاسية بجنود الناصر بن قلاوون، ففر الجند والأعيان وثبت ابن تيمية كعادته في وجه الطاغية، وشكل وفدا مما تبقى من الوجهاء وتوجه إلى غازان المعروف بجبروته وطغيانه للتفاوض معه، ودارت بينهما محاورة عنيفة اتهم فيها ابن تيمية غازان بالغدر ونقض العهود، وقد قال في ذلك أحد الذين حضروا المجلس: «فجعلنا نجمع ثيابنا خوفا من أن تلوث بدم ابن تيمية إذا أمر بقتله». غير أن غازان لم يؤذ ابن تيمية، بل جلس ينصت إليه بإمعان، ثم قال لمقربيه: «من هذا الشيخ؟ إني لم أر مثله ولا أثبت قلبا منه، ولا أوقع من حديثه في قلبي، ولا رأيتني أعظم انقيادا لأحد منه»، ثم أمر بتقديم الطعام للوفد، فأبى ابن تيمية أن يأكل فلما قالوا له: ألا تأكل؟ قال : «كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتموه من أغنام الناس وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس؟».
فلما خرجوا من عنده قال قاضي القضاة نجم الدين لابن تيمية: «كدت تهلكنا وتهلك نفسك، والله لا نصحبك من هنا». فافترقوا عنه خوفا من جرأته، فسلم هو ومن سار معه وتعرض الآخرون للسطو، والأكثر من ذلك أن أصحاب غازان صاروا يحملون له احتراما خاصا رغم عدائه لهم. إن ابن تيمية رغم ما قدمه لوطنه سجن وحيل بينه وبين طلبته وكتبه وآذاه بنو جلدته أذى لم يره من أشد أعدائه الذين حاربهم، ومع ذلك فالمتتبع لسيرته يرى أنه رغم كل ما عاناه من اضطهاد لم يوجه خصومته إلا لأعداء أمته ولمن يستحقها.
يوسف الحلوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.