الأرشيف المستدام    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    العفو الملكي    شحنة كبيرة من الكوكايين تستنفر أمن طنجة    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    طقس الإثنين.. أجواء حارة وأمطار خفيفة ببعض مناطق المملكة    التضامن يعلو مجددا في طنجة .. مسيرة للتذكير بمأساة غ.زة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    يوسف النصيري دخل تاريخ إشبيلية مع أحسن 10 هدافين دازو عندهم    "عكاشة" يكذب محاولة "تصفية سجين"    الفيدرالية المغربية لناشري الصحف تنتقد تدبير قطاع الاتصال..وتنبه لوضعية المقاولات الصغرى والجهوية    رئيس جمهورية غامبيا يستقبل المدير العام للإيسيسكو في بانجول    الزمالك يحدد موعد الوصول إلى بركان    النصيري يعاقب "غرناطة" بهدف جديد    المغربي اسماعيل الصيباري يتوج بلقب الدوري الهولندي رفقة إيندهوفن    حسنية أكادير تنفي حصولها على منحة 15 مليون من الرجاء    نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    البرتغالي گيريرو غايب على البايرن فماتشها ضد الريال    نتنياهو يريد بقاء حماس في السلطة، "ودوافعه الخفية كُشفت" – جيروزاليم بوست    النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    وزارة الثقافة تسعى لحماية "شباب التيكتوك" من الانحلال الأخلاقي        بمساعدة المغرب.. إسبانيا تحبط عملية تهريب طن ونصف من الشيرا ب"تينيريفي" (فيديو)    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    زوجة الدكتور التازي تعانق الحرية في هذا التاريخ    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    اختلاس وتبديد فلوس عمومية جرّات مسؤولين فمركز الاستشارة الفلاحية بالحسيمة لغرفة الجنايات ففاس    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    ڤيديوهات    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عاهرات» حاملات لفيروس السيدا.. «كتائب موت» تسعى للانتقام من الرجال
شهادات صادمة لعاملات جنس أصبن بالسيدا يستهدفن الرجال
نشر في المساء يوم 22 - 02 - 2015

السيدا مرض لم يعد يقتل، لكنه يقتل على جرعات كما قال طبيب فرنسي يوما، إلا أنه في المغرب أصبح يقتل في صمت. يقتل بعيدا عن أعين الأطباء وعن أعين المجتمع بمبرر الخوف من الفضيحة ومن العار ومن نظرة دونية تعتبر السيدا «داء» ينمو في مساحات»الحرام». هؤلاء الذين يموتون بعيدا عن كل شيء: بدون شكوى، بدون نحيب كما تموت القطط الوديعة في غابات الدانمارك كما قال الروائي التشيكي ميلان كونديرا، أما إذا ارتبط المرض بممتهنات الجنس الحاملات لداء فقدان المناعة المكتسبة، فإن «العار» يصير مركبا. وهنا بالذات يستعصي العلاج رغم كل السرية التي تتعامل بها مراكز العلاج مع مثل هذه الحالات.
قد يبدو موضوع مثل «السيدا» موضوعا مستهلكا كتب عنه الكثيرون بطرق مختلفة وبزوايا متباينة، لكن موضوع عاملات الجنس الحاملات للداء مازال ينتمي إلى خانة «الطابو» ليس لأن الحكومة لا تتوفر إلى حدود هذه اللحظة على أرقام دقيقة حول العدد الحقيقي للواتي يحملن الداء دون أن يعرفن ذلك، بل لأن كل شرائح المجتمع بمن فيهم المثقفين والطبقات التي توسم بكونها تنتمي إلى الخاصة تعتبر الأمر»حشومة» رغم أن الكل أصبح مهددا بأن يحمل الداء في الاتصال الجنسي الأول أو الثاني أو الثالث حتى.
في جهة طنجة- تطوان وحدها أحصت مراكز للعلاج أكثر من 30 ممتهنة للجنس حاملات للفيروس، وهناك من يقول إن هذا الرقم لا يعبر، مهما كانت الأحوال، عن الرقم الحقيقي مادام أن غالبية ممتهنات الجنس يرفضن الخضوع للكشف الطبي المجاني. وإذا أخذنا بعين الافتراض أن 30 حالة هو الرقم القريب من الحقيقة، فإن خطر إصابة العشرات من ممارسي الجنس بالداء يبقى أمرا حتميا.
لم يعد الأمر مرتبطا فقط بثقافة العار التي تطوق المجتمع المغربي، بل بأبعاد نفسية خطيرة قوامها الانتقام والثأر من الآخر. والآخر بالنسبة لممتهنة الجنس المصابة بالفيروس(خاصة في الأيام الأولى من تلقي الخبر بالإصابة) هو السبب الرئيس فيما آلت إليه، ولذلك تتغذى نوازع الانتقام إلى أن تزول مع توالي الأيام عند البعض، بينما تبقى»عقيدة» عند البعض الآخر.
مراكز العلاج، على قلتها، وحدها تعرف الحقيقة أو جزءا من الحقيقة على الأقل: ممتهنات للجنس قادرات على نقل الفيروس بسبق إصرار وترصد ومجتمع لا يرحم وأرقام مخيفة والمحصلة في الأخير: المغاربة بين فكي مرض فتاك يقتل بتواطؤ مع المجتمع نفسه.
هكذا تتحول عاملة الجنس المصابة بالسيدا إلى «قنبلة» تنفجر في وجه المجتمع
عندما يولد الإحساس بالعار لدى المجتمع الرغبة في الانتقام عند العاهرة
أمام شح المعطيات التي تتوفر عليها المنظمات المدنية، وأمام غياب إحصائيات علمية مؤسسة على أبحاث ميدانية، تقول بعض الجمعيات إن معدل الأعمار يتراوح بين 25 سنة و40 سنة، ونادرا ما يتم التعاطي مع حالة تتجاوز هذا العمر. يشرح فاعل مدني هذه المعطيات بالقول إن «ممتهنات الجنس غالبا ما يتوقفن عن ربط علاقات جنسية في الأربعين، إذ يتعلق الأمر بعامل فيزيولوجي بالدرجة الأولى، لذلك يبدو من المفهوم جدا أن الجمعيات المدنية التي تستقبل بعض الحالات تتعامل مع فئات عمرية قد تقل عن 25 سنة وقد تزيد عن أربعين عاما لكنها نادرة جدا».
يبدأ الحس الانتقامي بالتأجج في المرحلة الأولى التي ترافق التوصل بالتحليلات الطبية المؤكدة للإصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة، إذ لاحظت بعض طبيبات علم النفس اللائي يرافقن بعض الحالات التي تتوافد على مراكز للعلاج بطنجة أن ردود فعل ممتهنات الجنس تتسم بالكثير من العنف في المراحل الأولى من اكتشاف الإصابة بداء السيدا.
انتقام لحظي…
لم تتوقع طبيبة النفس التي أمضت أكثر من 12 سنة في مركز للعلاج، تشتغل كمتطوعة، في أيام السبت والأحد ردة فعل مصابة بالسيدا في اليوم الأول. تقول الطبيبة إنه بالرغم من أن المركز يحرص على القيام بكل الاحترازات كي لا يكون الوقع النفسي قويا» فإنه لا أحد يقدر على توقع ماذا سيحدث في اللحظات الأولى لتسليم الكشوفات الطبية، إذ مازلت أتذكر أنه في سنة 2011، استقبل مركزنا ممتهنتات للجنس قصد العلاج من الإدمان على المخدرات القوية، وبعد شهرين قررنا أن نجري لهن فحوصات على أساس أن الأمر اعتيادي جدا، بيد أن هدفنا كان الكشف عن داء السيدا، للأسف كانت النتائج إيجابية لحالة واحدة».
استقر الرأي، تؤكد الطبيبة نفسها، على أن يتم إخبارها بعد أسبوع فقط من الحصول على نتائج التحليلات»وفي سياق الاحترازات التي نقوم بها جعلنا كل شيء يبدو عاديا في حصة أسبوعية يوم السبت، ولما انتهت الحصة استدعينا الحالة التي تأكد أنها مصابة بالسيدا» وأخبرناها بعد مجهود نفسي كبير أنها حاملة للسيدا، وأن الأمر وصل إلى مراحل متقدمة، لم أفهم يومها كيف أنها كسرت زجاج نافذة بيدها وبكت بطريقة هيستيرية».
المركز، الذي يحيط نفسه بالكثير من السرية والكتمان، حفاظا على أسرار يعتبرونها بمثابة»خراب بيوت»، قرر أن يتابع الحالة النفسية لممتهنة الجنس وأصبح العلاج يشمل العلاج من الإدمان وتقديم المساعدة الطبية والنفسية. لقد اعترفت ممتهنة الجنس أنها كانت تمارس الجنس 3 مرات يوميا «انتقاما من الرجال، هي تحمل في ذهنها قناعة واحدة ولم تتغير إلا بعد مضي 3 سنوات كاملة: رجل بعينه كان السبب في إصابتها بالسيدا، ففي كل جلسة علاج نفسي تشير إلى اسمه دون حتى التوفر على دليل واحد على أنه هو من فعل ذلك».
اعترفت ممتهنة الجنس أنها طيلة الفترة التي عرفت أنها مصابة بالسيدا» كانت تمارس الجنس ليس بدافع مادي فقط بل بدافع انتقامي، ولم تكن تستثني أحدا: محامون، صيدلانيون، عمال بناء» وفوق ذلك قالت إنها كانت تمارس الجنس 3 مرات في اليوم في الحالات العادية بالوازع الانتقامي نفسه.
العار..
تواجه المراكز القليلة المشتغلة في مجال متابعة الآثار النفسية والمرضية لممتهنات الجنس صعوبات كبيرة في إقناع حاملات الفيروس بإخبار عائلاتهن. لدى تلك المراكز خبرة طويلة في التعامل مع هذه الحالات، فقد سبق أن تحولت حياة إحدى ممتهنات الجنس إلى جحيم حقيقي بسبب علم عائلتها بخبر مرضها». حضرت العائلة بكاملها إلى المركز ووجهت سبابا كثيرا لمسؤولي المركز «واعتبرتنا نحن المسؤولون الأولون عن هذه الحالة» تحكي الطبيبة نفسها.
العائلة المغربية تخشى من»العار»، والعار الأول هو امتهان الجنس أما العار الثاني فهو الإصابة بالسيدا. هنا بالذات تصير المعاناة مركبة جدا، ولذلك تقل فرص العلاج، لأن البنية النفسية لممتهنات الجنس الحاملات للسيدا عصية على الفهم، وقد نفهم لماذا تشير الكثير من المعطيات التي حصلت عليها الجريدة إلى أن نصف اللواتي يقبلن على مراكز العلاج النفسي والمرضي بالشمال لا يتابعن علاجهن وينقطعن بعد فترة قصيرة جدا رغم أن هذه المراكز توفر كل شيء بالمجان.
بالنسبة للعاملين في مراكز العلاج، لا شيء أخطر من أن تنقطع عاملات الجنس الحاملات للسيدا عن متابعة العلاج، ليس لأن حالتهن المرضية ستستفحل وتصبح صعبة خاصة إذا تقدم المرض، بل لأنها تصبح بمثابة القنبلة المتنقلة يمكن أن تنفجر في كل مكان. معنى ذلك أن الحالة النفسية والمرضية والخوف من «العار» يذكي الرغبة في الانتقام، وهي رغبة خطيرة قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
بين مارتيل والمضيق هناك أكثر من عشر حالات لممتهنات الجنس يتنتقلن بشكل عادي، ويمكن التمييز هنا بين نوعين من حاملات الفيروس: النوع الأول ثابت أو قار والنوع الثاني موسمي، سيما وأن مارتيل تعد مدينة سياحية. ليس لدى السلطات الصحية أو المراكز العاملة في مجال مرافقة المرضى أي إحصائيات دقيقة عن عدد الحالات التي «تتجول» بمدن الشمال المغربي.
سعيدة الزموري عضو جمعيةALCSالمهتمة بمتابعة المصابين بفيروس فقدان المناعة المكتسبة توضح أن المشكلة التي تواجهها الجمعية التي تشتغل فيها تتمثل بالأساس في القدرة على اكتشاف الفيروس، والقدرة أيضا على إقناعهن بإجراء التحليلات الطبية. تشرح الزموري رؤيتها قائلة» بالفعل نقوم بالدعم النفسي لجميع النساء ومن بينهن العاملات في الجنس، بحيث لا يمكننا أن نعرف إن كانت هذه العاملة في الجنس حاملة للفيروس أم لا. فقط نقدم لها جميع الخدمات من الدعم النفسي والمعنوي والتوجيه القانوني والمرافقة إلى بعض المؤسسات المعنية».
الخطر القادم من الشمال
رغم كل الحملات الطبية ورغم العمل الجاد الذي تقوم به بعض المراكز فإن خطر إصابة شرائح واسعة من المجتمع بداء السيدا يبقى قائما، إذ أثبتت دراسات علمية دقيقة أن خطر إصابة الرجل بالداء في حال إقامته لعلاقة جنسية يتجاوز نسبة 80 في المائة. «أمينة» تمارس الجنس منذ سنة 2010 رغم علمها بأنها حاملة للداء. رفضت في البداية أن تبوح ل«المساء» بقصتها مع السيدا ومع الانتقام. بعد يومين تتصل هي وتحدد موعدا وتشرع في شرح فصول قصة اكتشاف إصابتها بالمرض»في سنة 2009 دخلت إلى عالم الليل وعالم الجنس، ولن أقول لك كما تقول أخريات بأنني ولجت هذا المجال بسبب ظروف مالية قاهرة، كانت وضعيتي جيدة لكنها كانت رغبة في الاكتشاف وفي التجريب، بيد أن الذي حدث كان خارج دائرة التوقع، في سنة 2010 سأجري كشفا طبيا بمحض إرادتي لأكتشف لأول مرة أنني حاملة للفيروس».
منذ تلك اللحظة قررت أمينة أن تنتقم لنفسها ولكل صديقاتها: «كنت أمارس الجنس مرتين كل يوم في الصباح وفي المساء، ويحدث أن أمارس الجنس مع أكثر من رجل في الليلة الواحدة والحق أن الألم الذي كنت أحس به في البداية تحول إلى نوع من الانتقام ومع الأيام صرت أجد لذة كبيرة في الانتقام من الرجل، لقد كان شرطي الوحيد أثناء ممارسة الجنس هو عدم استعمال العازل الطبي، تارة أنجح وتارة أفشل».
أطرح السؤال: لكن مسؤوليتك أيضا ثابتة في الإصابة بالمرض ما دمت قد اخترت التجريب؟ تجيب وكأنها كانت تنتظره: «من أين سيأتيني المرض، يقينا سيكون رجلا مصابا بالسيدا إذن لماذا لا أفعل الشيء نفسه».
لنأخذ شهادة «أمينة» على كل علاتها ونضعها في سياقها الحقيقي: تمارس الجنس مرتين كل يوم منذ ما يقارب خمس سنوات. تكفي عملية حسابية بسيطة-بالاستناد إلى الدراسة العلمية- للقول دون أي مبالغة إن نصف الرجال الذين مارست معهم الجنس معرضون للإصابة بالفيروس. وجه الخطر، في اعتقاد مسؤول بمركز للعلاج، يتمثل كذلك في أن الرجال يرفضون إجراء فحوصات طبية للتأكد من إصابتهم بالمرض بالرغم من أنهم يمارسون الجنس بشكل منتظم.
ما لا يمكن التحكم فيه مهما كانت مجهودات الجمعيات العاملة في مجال مكافحة انتشار داء السيدا هي الحالات الموسمية التي تتوافد على مدينة مارتيل المعروفة باستقطابها لعدد مهم من السياح الداخليين، وهي حالات خطيرة جدا حسب شهادات الجمعيات العاملة في المجال: «أولا لأننا لا نستطيع بدقة تحديد أمكنة تواجدهن وغالبا ما يلجأن إلى مدينة تطوان ويكترين في أماكن لا نتوفر على الإمكانيات الضرورية للوصول إليها، ولئن كنا نشتغل بإمكانيات لا يمكن القول عنها إنها كبيرة جدا، ومع ذلك نحاول أن نقدم المساعدة لأكبر شريحة رغم أن كل مريض لا يستطيع الحصول على علاج مجاني وفق ما قالته الإحصائيات».
والإحصائيات تقول شيئا واحدا: ممتهنات الجنس هن الأكثر عرضة للإصابة بفيروس فقدان المناعة المكتسبة حسب دراسة نشرتها وزارة الصحة همت بعض مناطق المغرب. تقول أسية بوزكري رئيسة فرع المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا» في الواقع، الإصابة بالسيدا تمس جميع الفئات العمرية من شباب ونساء ورجال وأطفال، والشرائح الاجتماعية الغنية والفقيرة بجميع مستوياتها الثقافية. إلا أن بعض الفئات تكون أكثر عرضة للإصابة لارتباط حياتها بسلوكات معرضة للخطر مثل الشباب، والفئات المتنقلة كسائقي الشاحنات، ومستعملي المخدرات عن طرق الحقن، وممتهنات الجنس، إلا أن الدراسات الإحصائية بينت أن 87% من الإصابات كانت نتيجة الاتصالات الجنسية غير المحمية سواء بين الأزواج أو مع ممتهنات الجنس، وتكون أحسن طريقة للوقاية من السيدا، هي الاتصالات الجنسية المحمية».
أصبحت ممتهنات الجنس الحاملات لداء السيدا خطرا موقوتا قابلا للانفجار في أي لحظة، وإلا كيف نفهم معطى واحدا قد يغني عن شرح كل ملابسات الموضوع: في جهتي تطوان وطنجة وحدهما هناك أكثر من 30 حالة مصابة بالسيدا حسب أرقام –غير دقيقة- حددتها جمعيات تابعة لمنظمات دولية. صحيح أن هناك دوافع انتقامية تنمو في أحشاء المصابات ولكن صحيح أيضا أن وزارة الصحة ما تزال مقصرة في هذا الموضوع، وبيان ذلك أن المراكز الوطنية والدولية تتحمل القسط الأكبر من الحمل، سيما في ظل غياب كفاءات وأطباء نفسانيين قادرين على متابعة الحالات بدقة عالية.
في بعض دول العالم تتعاطى الحكومات بحذر شديد مع الحالات التي يتم التثبت من أنها حاملة للسيدا، فإلى جانب الدعم الطبي والنفسي، تقدم منح شهرية لممتهنات الجنس ويتم إيواءهن في مراكز متخصصة كما هو الشأن في دولة ألمانيا. هذه الدول تعرف أن الأمر يشكل خطورة على «الأمن الصحي» للبلدان. في المغرب الجهود ما تزال في بداياتها الأولى أمام ضعف الدراسات الدقيقة وأمام انتشار ثقافة «العار» التي تنظر إلى داء السيدا باعتباره «مرضا جنسيا» أما إذا حدث ذلك خارج مؤسسة الزواج فستكون العواقب أكثر خطورة. يجب الاعتراف أن هناك خوفا كبيرا لدى السلطات الصحية من أن تكون هذه الحالات تتزايد بشكل سنوي رغم كل الحملات التي تقوم بها لإقناع حاملات الداء بضرورة الخضوع للعلاج. وهناك خوف من نوع آخر لا تريد أن تعبر عنه المراكز التي تشتغل في الميدان، وهو المرتبط بعدم قدرتها على توفير العلاج لكل حاملات الداء حتى ولو تغيرت المعطيات في السنوات المقبلة.
تقول إحدى الشهادات التي استقتها «المساء» من إحدى حاملات الداء إن المشكل لم يصبح مجرد داء فقط بل مرضا اجتماعيا يتمازج فيه العار بالفضيحة، بالخيانة، بالانتقام، بالشرف، بالعقد النفسية. هذا هو بالذات مشكل حاملات داء فقدان المناعة المكتسبة.
أرقام خطيرة
تؤكد بعض المعطيات أن 35 في المائة فقط من ممتهنات الجنس المصابات بفيروس السيدا يقبلن على مراكز العلاج. «الخطوة الأولى في سبيل ضمان العلاج تبدأ من قدرة المراكز على إقناعهن بضرورة الخضوع للعلاج. تؤكد عضو بمركز معروف للعلاج بتطوان أن هناك عملا جادا ومفكرا فيه من لدن المركز «حيث غالبا ما ننتقل إلى بعض النقط المعروفة بوجود ممتهنات الجنس وننصت لهن في عين المكان، لقد نسجنا معهن علاقات كثيرة وصرن يبحن بأسرارهن للمركز دون مركب نقص، بيد أن الأهم في عملية البحث الميداني هو قدرة المراكز على استقطاب ما أسميه بالصديقات لأنهن المفتاح الأول لإقناع الأخريات بالاستفادة من العلاج.
الطريقة الوحيدة التي تلجأ إليها مراكز العلاج من فيروس فقدان المناعة المكتسبة لتحديد الإصابة بالمرض من عدمه تنطلق من إجراء فحص تطوعي سري لممتهنات الجنس «وهو الخطوة الصعبة في كل عملية العلاج، لقد تعاملت مع الكثير من الحالات النفسية التي قصدت المركز للعلاج من إدمان الكوكايين، كانت رؤيتنا أن نصبر شهرين أو 3 أشهر لنطلب من الحالة الخضوع لكشف طبي لمعرفة عما إذا كانت مصابة بالسيدا، لكن في الغالب نواجه بالرفض، بل إن حالات كثيرة غادرت المركز بسبب هذا الطلب». يشرح مسؤول بالمركز.
«ف.س» غادرت مركزا بالشمال المغربي سنة 2012 لسبب وحيد وهو أن المسؤولين عن المركز طلبوا منها القيام بتحليل طبي سري للكشف عن مرض السيدا «ثم اختفت إلى يومنا هذا رغم أن علاجها من الإدمان على الكوكايين وصل إلى مراحل متقدمة، حيث بدأت تتعافى، إنه أمر حساس جدا يجب التعامل معه بحذر، وكانت منظمات عالمية قد حددت شروطا ومعايير نفسية ينبغي أخذها بعين الاعتبار في مجال معالجة ممتهنات الجنس الحاملات للسيدا» كما تبرز مسؤولة عن مركز للعلاج بطنجة.
من بين أهم المعايير التي حددتها منظمات عالمية «التسمية»، إذ يمنع توظيف توصيفات حاطة بالكرامة مثل»العاهرة» إلى جانب التعامل معهن ضمن شروطهن الاجتماعية والثقافية. لكن الجمعيات تتفق في نقطة واحدة وهي أن المسؤولين الأمنيين يتعاملون بازدراء مع ممتهنات الجنس»حيث يقومون بتعنيفهن ووصفهن بألفاظ نابية ناهيك على أن بعض المراكز ترفض استقبالهن للاستفادة من العلاج بينما تظل تهمة»ممارسة الدعارة» جاهزة في عين الأمن وفي عين المجتمع أيضا. إنها عوامل تتآزر لتشكل في الأخير واقعا قاتما قوامه: النفور من مراكز العلاج والخوف من الإفصاح عن المرض ورفض الخضوع للكشوفات الطبية.
الطموح الذي يساور الجمعيات والمنظمات المشتغلة في مجال محاربة السيدا يكمن في إقناع 80 في المائة من ممتهنات الجنس بالاستفادة من العلاج «بشكل سري» ودون تقديم أي معلومات لأحد مهما كان.
أسية بوزكري *: لم نحدد بعد نسبة إصابة ممتهنات الجنس بداء السيدا بمنطقة الشمال
قالت إن دائرة المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة لا زالت في اتساع مستمر
- كيف تنظرون إلى ظاهرة انتشار الحالات الحاملة للسيدا دون الخضوع للكشف الطبي، وهل تتوفرون على أرقام دقيقة حول الموضوع؟
فعلا، إن دائرة المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة لا زالت في اتساع مستمر والسيدا لا زالت تنتشر في غياب الوعي وفي غياب قدرة مختلف الفئات على حماية ذواتهم. وحسب آخر الإحصائيات، فقد بلغ عدد الأشخاص الحاملين لفيروس فقدان المناعة المكتسبة إلى غاية 31 أكتوبر 2014، 9378 شخصا منهم 4432 من الإناث و 4896 من الذكور بينما لم يتجاوز هذا العدد 47 شخص خلال سنة 1988 بنسبة 18% فقط من النساء. لذا فالسبيل الأنجع للحد من انتشار هذا الداء هو التوعية والتحسيس وتشجيع الأفراد على إجراء التحاليل للكشف عن فيروس فقدان المناعة المكتسبة وأخذ فكرة واضحة عن عدد الإصابات واتخاذ الإجراءات اللازمة، مثل الحث على الوقاية الجادة في حالة عدم الإصابة وتمكين المصابين من العلاج والدعم النفسي والاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الإصابات يبقى منخفضا عند عامة السكان، لكن متمركزا عند ذوي السلوكات المحفوفة بالمخاطر مثل ممتهنات الجنس ومتعاطي المخدرات بالحقن واللواطيين مع اختلاف النسب حسب الجهات حيث نسجل مثلا، 21% من الإصابات بجهة سوس ماسة درعة، و13% بجهة الدار البيضاء الكبرى و 6% بجهة طنجةتطوان.
- تشتغلون على موضوع معالجة بعض الحالات على المستوى النفسي، ومن المعروف أن بعض النساء الممتهنات للجنس يحملن داء السيدا، نريد أن نعرف إذا كانت أرقام دقيقة حول الموضوع؟
في الواقع، الإصابة بالسيدا تمس جميع الفئات العمرية من شباب ونساء ورجال وأطفال، والشرائح الاجتماعية الغنية والفقيرة بجميع مستوياتها الثقافية. إلا أن بعض الفئات تكون أكثر عرضة للإصابة لارتباط حياتها بسلوكات معرضة للخطر مثل الشباب، والفئات المتنقلة كسائقي الشاحنات، ومستعملي المخدرات عن طرق الحقن، وممتهنات الجنس، إلا أن الدراسات الإحصائية بينت أن 87% من الإصابات كانت نتيجة الاتصالات الجنسية غير المحمية سواء بين الأزواج أو مع ممتهنات الجنس. لذا وفي هذا الصدد، تكون أحسن طريقة للوقاية من السيدا، هي الاتصالات الجنسية المحمية.
بالنسبة لوضعية ممتهنات الجنس على الصعيد الوطني، فإن الدراسات التي قامت بها وزارة الصحة، اعتبرت هذه الفئة مهددة بالإصابة بنسبة عالية، كما أن هذه الدراسات همت المناطق حيث ترتفع درجة الخطورة مثل سوس ماسة درعة ومراكش تنسيفت الحوز والدار البيضاء الكبرى. أما بالنسبة لجهة طنجة– تطوان، فقد بدأنا هذه السنة، الاقتراب من هذه الفئة ونتمنى قريبا الحصول على معطيات دقيقة.
- كيف تتعاملون مع هذه الحالات، وما هي نسبة احتمال إصابة الممارسين للجنس مع حاملات السيدا للإصابة بالداء؟
نحن في المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا، نتعامل مع الأشخاص المصابين بالطريقة نفسها بغض النظر عن الفئة التي ينتمون إليها. فبالنسبة لنا هم أشخاص يتعايشون مع فيروس فقدان المناعة ولهم حقوق يجب أن تحترم. مثل الحق في العلاج وفي السرية وحماية الخصوصيات وفي عدم الإقصاء والتهميش وفي الحياة بصفة عامة. كما أننا نوجههم إلى المراكز للاستفادة من العلاج ونحيلهم على أخصائيين نفسيين قصد المرافقة والمصاحبة والدعم النفسي. وقد عملت المنظمة على إدماج هذا العنصر الأخير ضمن رزمة الخدمات التي تقدمها لفائدة ممتهنات الجنس وباقي الفئات لتفعيل الوقاية التشاركية والمندمجة التي من شأنها معالجة شاملة للموضوع وليس فقط من الناحية الطبية أو الوقائية.
بخصوص نسبة احتمال الإصابة مع ممتهنات الجنس، لم نحددها بعد على مستوى جهة طنجةتطوان فنحن كما قلت سابقا بدأنا للتو الاشتغال مع هذه الفئة وسنخصهم بحملات الفحص المجاني السري والتطوعي، مع تكوين وتأطير مثقفات نظيرات من الفئة نفسها لتمكينهن من تمرير خطابات توعوية لفائدة نظيراتهن وتوجيههن للاستفادة من وسائل الوقاية والفحص والعلاج.
- هناك اتهامات توجه إلى بعض المراكز الصحية بعدم استقبال بعض الحالات، هل هذا صحيح؟
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة تتكفل بكل شخص مصاب، من حيث العلاج والدعم والمصاحبة. كما أن أي شخص مريض يتوجه إلى مركز صحي، يجب أن يعامل كأي مواطن وله الحق في الاستفادة من جميع الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة بغض النظر عن نوع مرضه. وأي مواطن تعرض للإهانة أو للحرمان من الخدمات الصحية، من حقه أن يتقدم بشكوى للمعنيين بالأمر.
- تقدمون دعما نفسيا لممتهنات الجنس المصابات بالجنس، نريد أن نعرف الأسباب الرئيسة التي تدفعهن إلى «الانتقام» من الرجال في بعض الأحيان؟
نحن في المنظمة نقدم الدعم والخدمات لكل الأشخاص المتعايشين مع فيروس السيدا بما فيهم ممتهنات الجنس دون اعتبار مهنتهم أو خلفياتهم أو انتماءاتهم أو إطارهم المرجعي. علينا حماية حقوق جميع الأشخاص.
لم يسبق لنا أن صادفنا حالات الانتقام فغالبا ما ينقل المصاب فيروس السيدا للآخرين بدون قصد. لذا فالتركيز على حملات الكشف عن فيروس السيدا ضروري للوصول للفئات الهشة خصوصا تلك المصابة لكن لا تعلم بذلك، وتمكينها من العلاج والدعم.
- هل يمكن الحديث عن انتقام «ممنهج» حسب ما هو ثابت في نظريات علم النفس؟
لا أظن، وإذا كان موجودا، فمن الأفضل أن يتكلم عنه أخصائيون نفسيون.
* رئيسة المنظمة الإفريقية
لمحاربة السيدا- فرع المغرب
شهادات لممتهنات جنس حاملات للسيدا
أمينة
خبر إصابتي بالسيدا غذى نزعة الانتقام لدي
في سنة 2009 دخلت إلى عالم الليل وعالم الجنس، ولن أقول لك كما تقول أخريات بأنني ولجت هذا المجال بسبب ظروف مالية قاهرة، كانت وضعيتي جيدة لكنها كانت رغبة في الاكتشاف وفي التجريب، بيد أن الذي حدث كان خارج دائرة التوقع، في سنة 2010 سأجري كشفا طبيا بمحض إرادتي لأكتشف لأول مرة أنني حاملة للفروس.
كنت أمارس الجنس مرتين كل يوم في الصباح وفي المساء، ويحدث أن أمارس الجنس مع أكثر من رجل في الليلة الواحدة، والحق أن الألم الذي كنت أحس به في البداية تحول إلى نوع من الانتقام، ومع الأيام صرت أجد لذة كبيرة في الانتقام من الرجل، لقد كان شرطي الوحيد أثناء ممارسة الجنس هو عدم استعمال العازل الطبي، تارة أنجح وتارة أفشل».
لقد تكونت لدي قناعة أساسية أن الداء انتقل إلي عبر رجل، ولذلك لا بد أن أنتقم لنفسي بأي وسيلة. الجنس لم يصبح عندي وسيلة لتحقيق اللذة ولا للحصول على المال بل لهدف واحد هو الانتقام من الرجل، ولست مستعدة، بأي حال من الأحوال أن أتردد على مركز للعلاج. أنت لا تفهم ربما المعاناة النفسية العميقة التي أرزح تحت وطأتها. في بعض المرات أشرع في بكاء هيستيري ولا أتوقف: ماذا لو عرف والدي أني مصابة بالسيدا؟ كيف سيتعاملون معي.
لا أخضع لأي علاج، ومنذ أن اكتشفت أنني مصابة بالداء، لم يكن همي الأول هو العلاج رغم أنه لدي صديقات يترددن على بعض المراكز للعلاج والاستفادة من الأدوية بالمجان. «السيدا معندو دوا وغيبقا فيا حياتي كاملة» وتلك الأدوية لا تصلح لشيء سوى أنها تخفف من الآلام. هكذا أعتقد الآن على الأقل، ولن يستطيع أي أحد أن يغير قناعاتي التي أؤمن بها وسأستمر في ممارسة الجنس وفي الانتقام من الرجال بالطريقة التي أريد.
قبل سنتين حاولت صديقتي الحميمة أن تقنعني بضرورة زيارة مركز للعلاج وكدت أتفق على ما قالته لي يومها، لكن فيما بعد اقتنعت بلا جدوى الخضوع للعلاج. صديقتي كانت قد خضعت للعلاج من الإدمان على تعاطي المخدرات القوية بالحقن. تجربتها الفاشلة في العلاج جعلتني أستبعد نهائيا فكرة زيارة أي مركز.
سكينة
انتقمت من عشرات الرجال وأخضع للعلاج النفسي
خرجت من مدينة بني ملال سنة 2002 من عائلة فقيرة جدا: أبي طلق أمي وإخوتي اقتربوا من التشرد، لم أجد من وسيلة سوى ربط علاقات جنسية عابرة بمقابل مالي. في البداية رفضت رفضا قاطعا أن أدخل إلى الحانات، وكنت أكتفي بممارسة الجنس، لكن سنة واحدة كانت كافية بأن أدخل عالم الحانات والكباريهات ومن ثم أصبحت علاقاتي الجنسية متعددة. أذكر ذلك جيدا يوم 16 أكتوبر سنة 2013، بعدما بدأت أمارس الجنس دون استعمال العازل الطبي. سكنتني الوساوس وقررت أن أجري كشفا طبيا حول السيدا، فعرفت أنني مصابة بداء السيدا في مراحله الأولى.
لم أفكر كثيرا في الأمر، فقد عرفت أن علاقاتي الجنسية هي السبب الرئيس في حمل الداء. قال لي الطبيب الذي أجرى لي الكشف أنه يعرف مركزا يمكن أن يساعدني في توفير الأدوية مجانا. لا أعرف ما الذي حدث لكن واصلت عملي الليلي دون أدنى تفكير في العلاج. لا أخفيك أن نزعة الانتقام كانت تنهشني وحولت حياتي إلى جحيم، والمصيبة أنني عرفت بعد مدة أن أحد الذين مارست معهم الجنس أصيب هو أيضا بداء فقدان المناعة المكتسبة.
الآن أخضع للعلاج، لكن لا يثنيني ذلك عن الاعتراف أنني انتقمت من عشرات الرجال في الشهور الأولى التي أعقبت حصولي على نتائج الكشف الطبي: نعم انتقمت منهم عن سبق إصرار، وتمنيت حقا لو أن هؤلاء الرجال أصيبوا أيضا بالمرض. كانت أمنيتي الوحيدة أن أراهم يتعذبون كما أتعذب أنا الآن. بالنسبة لي الرجل يمثل صورة الوالد الذي شرد عائلة بأكملها.
في حياتي كلها لم أعرف سوى نوعين من الرجال، وهما رجلان سيئان للغاية رجل يهشم وجه أمي ويعنف إخوتي ورجل يمارس علي الجنس، كيف إذن تريدني أن لا أشعر بالرغبة في الانتقام، بل وفي الفترة التي أعالج فيها الآن، أحس أن رغبة الانتقام لم تخمد بعد، وأود أن أشكر أطباء المركز والعاملين فيه لأنهم يقدمون لي كل أشكال الدعم بل صرت أشعر حقا أنهم عائلتي.
بشرى
اكتشفت إصابتي بالسيدا وأرفض العلاج بدافع الانتقام
كان يوما عاديا من شهر ماي سنة 2011، على سبيل المزاح فقط قالت لي صديقتي: أريدك أن ترافقينني للقيام بفحص طبي حول داء السيدا، بعدها فكرت على سبيل «ليطمئن قلبي» أن أجري هذا الفحص المجاني. وليتني ما فعلت ذلك، فقد أثبت الفحص أن صديقتي سليمة وأنني مصابة بالسيدا، والأخطر أنه وصل إلى مراحل متقدمة. لا يمكن مهما حاولت تمثل حالتي في تلك اللحظة، أن تشعر بالقساوة التي أحسست بها. لقد حاولت الانتحار مرات عديدة، اسأل صديقتي، لقد أنقذتني من محاولة انتحار حينما حاولت أن أشنق نفسي.
كيف أصاب بالسيدا وعمري لا يتجاوز 25 سنة، وكيف يخبرني هذا الطبيب أن المرض سرى في جسدي. كنت أقول مع نفسي إن الموت «جاي جاي». أصبح عندي الموت والحياة يتشابهان ويختلفان في تفاصيل صغيرة. بعد شهر فقط عدت إلى ممارسة الجنس في النهار وفي الليل، لن أنكر أنني فعلت ذلك مرارا بدافع الانتقام، لكن مشكلتي الأساسية أنني كنت أرفض العلاج بشكل قطعي. كنت أتوقع أن العلاج يحتاج إلى أموال طائلة، وأنا بالكاد أوفر ما أعيش به وثمن إيجار البيت، لكن عرفت بعدها أن العلاج مجاني.
بدأت أتعايش مع الداء بشكل طبيعي ورغم أن بعض المرافقين كانوا يحثونني على الانقطاع على ممارسة الجنس لكن واصلت ذلك إلى اليوم. ما لا يعرفه-إلا قليلون- أنني أمتلك كل الجرأة لأخبر والدتي أنني مصابة بالداء. في البدء لم تتقبل الأمر لكنها سرعان ما تعاطفت معي وباتت تسألني بشكل دائم تقريبا، مع العلم أن والدي لا يعرف شيئا ولا أريده أن يعرف.
عزيزة
سأبقى أمارس الجنس انتقاما من الرجال حتى «الموت»
«مكيهمني تا شي حمار غنخرج على يماهوم كاملين»، لقد مارس علي الجنس مرات عديدة. تعرفت عليه لفترة قصيرة(تبكي قليلا). يمارس الجنس ويدفع كما يدفع جميع الزبناء لكن بعد مدة وقعت في حبه بطريقة غريبة، وكنت أمارس الجنس معه دون مقابل. ووصلت اللحظة التي سيخبرني بها أنه حامل لفيروس السيدا، وأنه تحفظ على إخباري في البداية خشية أن تكون ردة فعلي عنيفة.
لا أعرف لماذا لم يخبرني أنه مصاب بالسيدا: هل كان ينتقم مني؟ هل كان يريد قتلي؟ لم أفعل له أي شيء. أجريت الكشف الطبي بعدها بفترة قصيرة وكانت النتيجة إيجابية، معنى ذلك أن الداء انتقل إلي عبر علاقة جنسية مع الذي كنت أعتقد أنه يشعرني بالأمان. قررت أن أنتقم من أي رجل أجده في طريقي حتى ولو تعلق الأمر بأخي «نعم أخي وننتاقم منو». لم يسبق لي أن مارست الجنس عبر عازل واق، لم يسبق لي أن فعلت ذلك إلا مكرهة.
رغبتي الأولى أن أنتقم من كل هؤلاء الذين يدعون الشرف وكل الرجال في نظري يتشابهون، وأتمنى حقا أن تنتقل إليهم العدوى من أول ممارسة جنسية معهم. الانتقام عندي ليس نزوة أو رد فعل كما تفعل بعض الصديقات، إنه شعور قوي أؤمن به أنه الوسيلة الوحيدة للانتقام من «رجل تافه» حول حياتي إلى جحيم حقيقي في مدة وجيزة.
لا أريد أن أزور أي مركز ولا أن أخضع لمتابعة نفسية، فأنا سوية، وأقولها لك من الآن «أنت أيضا سأنتقم منك لو أتيحت لي الفرصة لفعل ذلك».
أعرف نفسي أني مصابة بالسيدا لكن لا مشكلة في ذلك «والموت إيلا بغات تجي مرحبا بها ولكن يجي شي كلب ننتقم منو وأنا فرحانة». وسأظل أمارس الجنس وأنتقم من الرجال حتى أموت ولن أشعر بأي ذنب.
سميرة الزموري*: نسبة احتمال إصابة ممارسي الجنس مع الممتهنات الحاملات للفيروس تبلغ 100 %
قالت إنه لا يمكنهم معرفة إن كانت العاملة في الجنس حاملة للفيروس أم لا إلا بالتحاليل
- كيف تنظرون إلى ظاهرة انتشار الحالات الحاملة للسيدا دون الخضوع للكشف الطبي، وهل تتوفرون على أرقام دقيقة حول الموضوع، بصيغة أخرى هل سبق لأحد أن قام بدراسة ميدانية دقيقة للتعرف على العدد الحقيقي لممتهنات الجنس الحاملات للسيدا؟
لا يمكن لنا معرفة الأشخاص الحاملين للفيروس في حالة عدم قيامهم بالتحاليل الخاصة بفيروس السيدا، والتي تتم بشكل طوعي وليس بشكل إجباري، بحيث تعتمد على 3 مبادئ أساسية وهي السرية والمجانية والسرعة، وفي حالة كان هناك أشخاص حاملين لفيروس السيدا ولم يقوموا بالتحاليل الخاصة بالفيروس فسيتم نقل الفيروس إلى جميع شركائهم الجنسيين التي تمت معهم علاقة جنسية غير محمية، أي بدون استعمال العازل الطبي.
- تشتغلون على موضوع معالجة بعض الحالات على المستوى النفسي، ومن المعروف أن بعض النساء الممتهنات للجنس يحملن داء السيدا، ما هي طبيعة التدخل الذي تقومون به؟
فيما يتعلق بهذه النقطة بالتحديد، بالفعل نقوم بالدعم النفسي لجميع النساء ومن بينهن العاملات في الجنس، بحيث لا يمكننا أن نعرف إن كانت هذه العاملة في الجنس حاملة للفيروس أم لا، فقط نقدم لها جميع الخدمات من الدعم النفسي والمعنوي والتوجيه القانوني والمرافقة إلى بعض المؤسسات المعنية إلى غير ذلك.
- كيف تتعاملون مع هذه الحالات، وما هي نسبة احتمال إصابة الممارسين للجنس مع حاملات السيدا بالداء؟
نتعامل مع هذه الحالات بشكل طبيعي جدا بدون أي وصم أو تمييز أو حكم مسبق مثلها مثل جميع الحالات، أما نسبة احتمال إصابة الممارسين للجنس مع حاملات الفيروس فهي مائة في المائة، للتذكير ففيروس السيدا ينتقل عبر الاتصال الجنسي غير المحمي بحيث يوجد بكثرة في الإفرازات المهبلية عند المرأة والمني عند الرجل، كذلك في الدم وفي حليب الأم.
- هناك اتهامات توجه إلى بعض المراكز الصحية بعدم استقبال بعض الحالات، هل هذا صحيح؟
بحكم عملنا الميداني مع هذه الفئة، وبالاعتماد على مجموعة من الشهادات الحية فهي تتعرض للإقصاء الممنهج وللتهميش والوصم وجميع أنواع التمييز، لكونها عاملة في الجنس وتعيشه بشكل يومي، وعندما تتجه إلى المراكز الصحية من أجل جلب العازل الطبي تتم معاملتها بطريقة دونية فتتعرض للإهانة والعنف اللفظي لأنها عاملة في الجنس.
- تقدمون دعما نفسيا لممتهنات الجنس المصابات بالسيدا، نريد أن نعرف الأسباب الرئيسة التي تدفعهن إلى «الانتقام» من الرجال في بعض الأحيان
بالنسبة لمجال تدخلنا مع العاملات في الجنس في إطار برنامج الوقاية عن قرب، فإن الحاملات للفيروس يكن أكثر عرضة لمجموعة من التعفنات المنقولة جنسيا، وبالتالي هن نفسهن يقمن بأخذ جميع الاحتياطات اللازمة من أجل تفادي أي إصابة أخرى تعرضهن للخطر، ومن هنا نستنج أن فكرة الانتقام من الرجال لا تكون حاضرة.
* جمعية ALCS العاملة في مجال مكافحة داء السيدا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.