انتشال جثتي مهاجرين حاولا العبور إلى سبتة المحتلة سباحة    لوكورنو يتعهد بإحداث تغييرات عميقة بعد توليه رئاسة الحكومة الفرنسية    هل يعبّد مقترح اللائحة الجهوية للنساء الطريق أمام منيب لولاية ثانية في البرلمان؟    الدار البيضاء.. اعتقال أم وشريكها بتهمة تعنيف طفلة وتصويرها في شريط صادم    17 تعييناً جديداً في مناصب المسؤولية بمصالح العمل الاجتماعي للأمن الوطني    تحذير من المجلس الأعلى بشأن تداول "أذونات زواج" مزورة على مواقع التواصل    وزارة التشغيل تطلق نظاما جديدا لصرف منح التكوين المهني    المغرب يتولى رئاسة "لجنة الأفضليات"    التخطيط: المغرب يقضي على الفقر المدقع ويحقق إنجازاً في التنمية البشرية        وفد نيابي برئاسة الطالبي العلمي في زيارة عمل لجمهورية فنلندا    إيرلندا: علماء الفلك يرصدون ظاهرة قوية وغامضة في الكون    حموني يراسل وزارة التجهيز بخصوص الخسائر الفادحة في البساتين الفلاحية ببولمان    بعد جدل طلاقها .. سكينة بنجلون تطلق نداء عاجلا لحسن الفذ    النائبة البرلمانية النزهة أباكريم من الفريق الاشتراكي توّجه سؤالا كتابيا للوزير حول الموضوع .. تردي الوضع الصحي بتيزنيت يصل إلى قبة البرلمان والساكنة تنظم وقفة احتجاجية صاخبة    رغم استهداف سفينة جديدة .. "أسطول الصمود" يقرر الانطلاق نحو غزة    فرنسا تتأهب لاحتجاجات ضد التقشف    حملة اعتقالات تطبع احتجاجات فرنسا    مجموعة بريد المغرب ومؤسسة البريد السعودي توقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتطوير التبادل ودعم نمو التجارة الإلكترونية    تعيينات في المصالح الاجتماعية للأمن‬    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    188 مليون طفل ومراهق يعانون السمنة .. والأمم المتحدة تحذر            فيدرالية اليسار الديمقراطي تدين العدوان الإسرائيلي على قطر وتطالب بوقف التطبيع    احتجاجات متصاعدة في فرنسا تحت شعار "لنغلق كل شيء"    "صفقات على المقاس".. الفرقة الوطنية تفتح تحقيقا في اختلالات بصفقات عمومية    المنتخب المغربي لألعاب القوى يراهن على البقالي للتألق في مونديال طوكيو    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    إيكمان يشكر الجماهير المغربية والعيناوي سعيد بظهوره الثاني    صيف استثنائي بفضل الجالية.. 4,6 ملايين سائح بالمغرب خلال يوليوز وغشت    الحزم السعودي يعلن رسميا تعاقده مع عبد المنعم بوطويل    "فيفا" يخطر جامعة الكرة بموعد إرسال اللائحة النهائية للمنتخب المغربي المشاركة في كأس العرب    آفاق ‬التعاون ‬المغربي ‬الموريتاني ‬تتسع ‬أكثر    المنتخب الإماراتي لكرة القدم يتأهل إلى نهائيات كأس آسيا لأقل من 23 سنة    منتخب الرأس الأخضر يقترب من أول تأهل إلى كأس العالم في تاريخه بعد انتصاره على نظيره الكاميروني    النجم كيليان مبابي يتخطى هنري ويلامس عرش الهداف التاريخي لفرنسا    الرباط تحتضن ندوة رفيعة المستوى حول مستقبل العلاقات الأورو-متوسطية    توتر دبلوماسي يدفع ترامب لعدم حضور قمة العشرين    قطر تتحرك دبلوماسيا وقانونيا لمواجهة الهجوم الإسرائيلي على الدوحة    اليونسيف: السمنة تهدد 188 مليون طفل ومراهق حول العالم    استعراض مؤهلات جهة الشمال على وفد فرنسي من تولوز    مع حضور في الطقوس والأمثال .. الخبز في حياة المغاربة: من قوت يومي إلى مقام وجودي ورمز أسطوري وسلم اجتماعي    مطارات الإمارات تتجاوز حاجز المليار مسافر خلال 10 سنوات    دراسة: أسماك الناظور ملوثة وتهدد صحة الأطفال    دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال    باقبو الفنان الذي ولج الموسيقى العالمية على صهوة السنتير.. وداعا        تلميذ يرد الجميل بعد 22 سنة: رحلة عمرة هدية لمعلمه    1500 ممثل ومخرج سينمائي يقاطعون مؤسسات إسرائيلية دعما لغزة    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي        نسرين الراضي تخطف جائزة أفضل ممثلة إفريقية        أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحاب اللوبي وصحاب اللوبيا
نشر في المساء يوم 30 - 11 - 2009

خلال الأسبوع الأخير، رأينا كيف تحركت «لوبيات» ومجموعات ضغط كثيرة للدفاع عن مصالحها المشتركة مع مصالح أصحاب الشركات الكبرى. وتنوعت مصالح هذه الشركات من صناعة الدواء وصناعة السيارات إلى المجموعات الاقتصادية الضخمة التي تدير البنوك وشركات القروض وصناديق الاستثمار، لتنتهي بشركات الإنتاج السينمائي.
تابعت تحركات كل هذه «اللوبيات» القوية المسنودة بأطراف إعلامية وسياسية نافذة، وقلت في نفسي إن كل المجموعات المالية والاقتصادية بالمغرب لديها من يدافع عنها باستماتة إلا هذه الطبقة العاملة المسكينة، فليس لها من يدافع عن حقوقها، فالسياسيون تخلوا عنها والنقابيون باعوها لمن يدفع أكثر وممثلوها في البرلمان ومجلس المستشارين لا يكلفون أنفسهم حتى مشقة الحضور من أجل مناقشة قانون المالية الذي يرهنها لسنة كاملة.
وفي مقابل الغياب شبه التام للمدافعين عن مصالح الشعب والطبقات المسحوقة، نندهش للتنظيم المحكم والفعالية التي تشتغل بها هذه «اللوبيات» المدافعة عن مصالح أصحاب الشركات الكبرى وصناديق الاستثمار التي يقف وراءها وزراء سابقون ومليارديرات كبار.
وهكذا فجأة، ظهرت على الساحة هيئة تسمى «اتحاد المستثمرين الاستقلاليين» التي يقودها وزير السياحة السابق الاستقلالي عادل الدويري، وسمعناه يتحدث بحماس منقطع النظير عن ضرورة التصدي لبعض بنود قانون المالية في مجلس المستشارين لإجبار وزير المالية على سحبها وتعديلها. وهي كلها بنود لا تخدم أصحاب الشركات بسبب الضرائب التي تفرضها على عمليات بيع وشراء الأسهم وتقسيم الأرباح.
عندما نتأمل جيدا تكوين هذا «اللوبي» نجد أنه يتضمن رجال أعمال يملكون شركات متعددة. ووحده صندوق الاستثمار «ميتانديس» -الذي أسسه وزير السياحة السابق مع إدريس جطو، الوزير الأول السابق، والملياردير عثمان بنجلون- يضمن العشرات من الشركات، فضلا عن الشركات المتعددة التي يديرها جطو والدويري والأخطبوط المالي الذي يملكه بنجلون، والتي يقدر عددها بالمئات.
إذن، فدفاع هذا «اللوبي» الاقتصادي القوي، المسنود من طرف مؤسسات إعلامية كبرى سبق للوزيرين الدويري وجطو أن كانا شريكين في رأسمالها، ليس دفاعا عن المصلحة العامة وإنما عن مصلحة مئات الشركات التي تدور في فلك جطو والدويري وبنجلون.
وطيلة الأسبوع الأخير، ظهر «لوبي» جديد على السطح يدافع عن مصالح الشركات المستوردة للسيارات من الخارج، وبالضبط من الصين والبرازيل والهند وروسيا. فهؤلاء المستوردون مجبرون على دفع رسوم جمركية تصل إلى 37 في المائة على السيارات التي يستوردونها من هذه الدول، فيما لا يدفع مستوردو السيارات من الاتحاد الأوربي الذي تربطه بالمغرب اتفاقية التبادل الحر سوى 12 في المائة.
ومنذ حوالي أربعة أشهر، توقف المختبر التابع لوزير النقل كريم غلاب عن منح تأشيرات المطابقة لهذه السيارات المستوردة دون أن يعطي سببا واضحا لهذا الامتناع.
هناك، إذن، «لوبيان» قويان في مجال صناعة السيارات يتصارعان على مصالحهما: «لوبي» يتحكم في استيراد السيارات من أوربا، خصوصا فرنسا، ويريد أن يحمي مصالحه ويتجنب إغراق السوق بالسيارات الصينية والهندية والبرازيلية والروسية بخسة الثمن، خصوصا مع قرب وصول 2010، موعد دخول اتفاقية التبادل التجاري الحر حيز التطبيق. و«لوبي» يتحكم في سوق استيراد وصناعة السيارات من الأسواق الآسيوية التي تعرف إقبالا كبيرا عليها في المغرب بسبب أثمانها المناسبة التي يرى الشامي ومزوار أنها تأتي على حساب شروط السلامة التي يشترطها «مكتب المطابقة» التابع لغلاب.
«اللوبيان» معا يريدان التأثير على الحكومة والبرلمان بغرفتيه، عبر الصحافة، لكي يحصل كل واحد منهما على نصيبه من كعكة سوق السيارات.
أما «لوبي» صناعة الدواء، فقد كشر عن أنيابه بمجرد ما نشرت الصحافة، على نطاق واسع، تقرير اللجنة البرلمانية الصادم حول «ثمن الدواء في المغرب»، والذي كشف للمغاربة أن الدواء الذي يشترونه يكلفهم أكثر مما يكلف الدواء الفرنسيين والتونسيين. وحاول هذا «اللوبي» أن يغير مجرى النقاش من «ثمن الدواء» إلى «جودة الدواء» عملا بالمقولة الشعبية «فين ودنك». مع أن اللجنة البرلمانية التي أعدت التقرير لم تشكك، في أي صفحة من الصفحات الألف للتقرير، في جودة الدواء المصنوع في المغرب.
الشيء نفسه بالنسبة إلى صناع الخمور الذين تجندوا عندما سمعوا أن قانون المالية يفرض على خمورهم ضرائب جديدة، فقرروا استعمال وسائل ضغطهم المعروفة لإسقاط هذه الضرائب، وشنوا حملة إعلانية منظمة وسخية لأنواع الويسكي والنبيذ في المجلات المغربية الصادرة باللغة الفرنسية مع قرب أعياد الميلاد المسيحية واحتفالات رأس السنة.
وفي الوقت الذي يلعب فيه الفريق الاستقلالي و«اتحاد الاقتصاديين الاستقلاليين» دور المعارضة مكان المعارضة ويتفرغ لوضع العصا في عجلة ميزانية السنة المقبلة التي وضعها رئيسه في الحزب عباس الفاسي، مرت ميزانية أخرى مستخلصة من أموال دافعي الضرائب بدون أن تثير اعتراض أحد. فقد وزع المركز السينمائي المغربي حوالي 19.7 مليون درهم هذا الأسبوع على ثمانية مخرجين سينمائيين تم قبول مشاريع أفلامهم من طرف لجنة القراءة.
والملاحظة العامة التي يمكن تسجيلها على أغلب المخرجين الذين استفادوا من الدعم السخي لصندوق المركز السينمائي، هي أنهم أصبحوا يشكلون «لوبيا» سينمائيا يدور في فلك رئيس المركز نور الدين الصايل.
وهكذا، منح الصايل صديقه نور الدين الخماري، صاحب الفيلم الكارثة «كازانيغرا»، مبلغ 400 مليون لتصوير فيلمه الجديد «زيرو» (باين غير من العنوان)، وأعطى صديقه كمال كمال 400 مليون لتصوير فيلمه الجديد «سوتو فوشي» (اللي فهم شي حاجة يهز صبعو)، ومنح صديقه بولان، صاحب فيلم «ملائكة الشيطان»، 300 مليون لتصوير فيلمه الجديد «عودة الابن»، بالإضافة إلى مئات الملايين الأخرى التي استفاد منها مخرجون آخرون لم تحظ أفلامهم بأي نجاح جماهيري يذكر.
وما يجمع بين السيناريوهات، التي أعطى مقابلها المركزُ السينمائي المغربي قرابة عشرين مليارا من أموال دافعي الضرائب، هو الغياب الكلي لأي سيناريو بينها يعالج قضية من قضايا الوطن المصيرية.
السيناريو الوحيد الذي يعالج قضية الصحراء، والذي تقدم به المخرج الشاب والموهوب ربيع الجوهري تحت عنوان «عذارى الصحراء»، تم رفضه من طرف اللجنة، وبالتالي حرم من أموال الدعم السخي الذي تهاطل على سيناريوهات من فصيلة «زيرو» و«سوتو فوشي» و«خيش بيش».
وليست هذه هي المرة الأولى التي يرفض فيها المركز السينمائي المغربي تمويل فيلم عن قضية الصحراء المغربية، فقد سبق لنفس المخرج أن وضع سيناريو شريط اسمه «مكلومو التاريخ» يتحدث عن معاناة محتجزي تندوف، وفي الأخير اضطر المخرج إلى تصويره على نفقته، وتم عرضه في جنيف وحصل على جوائز ونجح في إثارة إعجاب شخصيات دولية وازنة في ملف الصحراء.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: لماذا تصلح هذه الملايين من المال العام التي يوزعها نور الدين الصايل ذات اليمين وذات الشمال على أصدقائه المخرجين، إذا لم تساهم في التعريف والدفاع عن قضيتنا الوطنية الأولى في المحافل الدولية، خصوصا في هذه الظروف السياسية المعقدة التي دخلها ملف الصحراء بسبب مزايدات انفصاليي الداخل على وحدة الوطن؟
«جوج ملاير أعباد الله» كلها ليس فيها جزء بسيط مخصص لفيلم قصير حول الصحراء المغربية، أو حول حدث تاريخي كالمسيرة الخضراء، أو حول بطل الريف عبد الكريم الخطابي.
لقد أصبحت الصناعة السينمائية في المغرب على عهد نور الدين الصايل بمثابة البقرة الحلوب التي يصطف أمام أثدائها مخرجون وصلوا سن الفطام، لكنهم أدمنوا «رضاعة» المركز السينمائي المغربي.
«شكون بحالهم»، كل سنة يتسلمون 300 أو 400 مليون من المركز السينمائي ويتدبرون «الما باقي» من فرنسا وشركات الخواص، ويصورون «شوهة» لا يتابعها أحد، ويطوفون بها على مهرجانات المركز السينمائي ويتسلمون عنها جوائز تقديرية يمنحها المركز السينمائي، يعني «ديالنا فديالنا وفلوس اللبن يديهم زعطوط».
الكارثة هي أن كل هذه الصناعات، سواء كانت في مجال الدواء أو السيارات أو صناديق الاستثمار أو السينما، لديها «لوبيات» قوية ومنظمة تدافع عنها. إلا هذا الشعب المسكين الذي يقاتل يوميا من أجل كسب لقمة العيش الصعبة. «هادوك عندهم اللوبي والدرواش عندهوم اللوبيا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.