الصناعة التقليدية تحقق 11 مليار درهم من العملة الصعبة.. وأوضاع الصناع تسائل عمور    الدوحة.. انعقاد الدورة الثالثة لمنتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان بمشاركة المغرب    بسبب نهضة بركان.. "الطاس" يصدم اتحاد العاصمة الجزائري    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    حوادث السير ديال سيمانة فالمناطق الحضرية: 17 قتيل و2894 جريح فيهم 92 حالتهم خطيرة    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    "أسترازينيكا" تعترف.. لقاح كورونا يسبب آثارا جانبية مميتة    الجولة 23 من بطولة القسم الثاني : الكوديم يحافظ على الصدارة ولوصيكا يحتج التحكيم والصراع يشتعل في أسفل الترتيب    المنتدى الدولي للصناعة السمكية في المغرب يوم 15 ماي بالدار البيضاء    رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا : الإصلاحات التي يقودها جلالة الملك تجعل من المملكة نموذجا في المنطقة    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    ثمن المازوط غاينزل شوية ابتداء من غدا    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    فاتح ماي.. نقابة ميارة تدعو لطي ملف الأساتذة الموقوفين وتسريع تفعيل رفع الأجور    نشرة إنذارية: أمطار قوية غدا الأربعاء بعدد من أقاليم الشمال    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    أول تعليق لعادل رمزي بعد تعيينه مدربا للمنتخب الهولندي    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    مورو يبحث في بكين عن جذب استثمارات صناعية لجهة طنجة    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    لندن.. إصابة عدة أشخاص في هجوم بالسيف واعتقال مشتبه به    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    أعداد الضحايا تواصل الارتفاع في غزة    ألباريس دخل طول وعرض فالحزب الشعبي: فين تقرير المصير ديال الصحرا اللي كدافعو عليه فبرنامجكم الانتخابي وفيناهو فلقاءات زعيمكم راخوي مع المغرب؟    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    صفرو.. أنسبكتور استعمل سلاحو الوظيفي باش يوقف مشرمل جبد جنوية وهدد بها الناس    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    سياحة الأعمال.. المغرب يسعى لاستقطاب مليون ونصف سائح سنة 2026    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق
حزب ملكي أم تيار مضاد للإسلاميين أم «جمعية سياسية»؟
نشر في المساء يوم 07 - 02 - 2008

يستمر تصاعد التشويق والإثارة في مسلسل انطلق الصيف الماضي، واعتقد البعض حينها أنها لحظة النهاية.. نهاية رجل كان قد أكمل مراحل بلوغ مرتبة الرجل النافذ، القادر على تحريك خيوط اللعبة السياسية والأمنية والاقتصادية من خلف ستار طالما فشل في إخفائه، الرجل الثاني في الدولة، الذي أريد له أن ينهي أسطورة رجل الشاوية على عهد الحسن الثاني، فبات رجل الرحامنة على عهد محمد السادس.
كان قد انتهى لتوه من توجيه التحذيرات الصارمة لمدراء الصحف والمجلات، على خلفية المتابعة الأخيرة لأسبوعية «الوطن الآن»، وبدا حينها الممثل الأول لمصالح الدولة ورجل مهماتها «الصعبة». أدخلها إلى حرب مع الصحافة بعد أن رفع حالة التأهب الأمني إلى أعلى درجاته في عز الموسم السياحي. وجهّز كل الترتيبات الأمنية والإدارية واللوجستية لتنظيم ثاني انتخابات تشريعية على عهد محمد السادس، قبل أن يلقي بلاغ الديوان الملكي «القنبلة» التي جعلت السياسيين يعيشون مفعول الصدمة، استيقظوا بعد زوال مفعولها على حكومة أقلية هجينة، أعمدتها الوزارية من اللامنتمين، وسندها البرلماني من فريق الأصالة والمعاصرة، فريق الهمة الآتي من وزارة الداخلية.
أصر الرجل حينها في خرجاته الإعلامية الاستعراضية التي انطلقت من القناة الثانية، أنه لم يخرج من الباب ليعود من النافذة، وأن «جلالة الملك» تعهد باحترام المنهجية الديمقراطية، وأن الوزير عالي الهمة، قرر العودة إلى صخور الرحامنة لخدمة المنطقة وإخراجها من التهميش. وبدأ موسم الحج إلى دائرة «مرشح سيدنا»، حيث بدا من حجم وعدد «المساندين»، أن أصحاب المصالح السياسية والمادية لم يفقدوا ثقتهم واعتمادهم على مرشح من طراز خاص.
ذلك الذي اعتقده البعض نهاية لم يكن سوى البداية، وانطلق التأسيس لما بعد سابع شتنبر بالفريق البرلماني الذي كاد يستنزف من الأحزاب نوابها. فإذا كانت القاعدة الشهيرة تقول إن أحدا لا يعذر بجهله للقانون، فإن آخر لا يلام على حسن استغلاله لثغراته. فكانت بوابة الفريق البرلماني مدخلا للقفز على ما اعتقد البعض أن قانون الأحزاب الأخير قد أنهاه من ظاهرة برلمانيين رحّل.
آخر حلقات المسلسل لم تكن أقل وقعا، حيث لم ينفع برد الشتاء لإخماد لهيبها. إنها حركة لكل الديمقراطيين. أعلن ولادتها بيان كشف عن «سلسلة من المشاورات» لم يبد لها أثر من قبل. اجتمع فيها السياسي بالاقتصادي والجمعوي، فكانت طبقا دسما فتح شهية الكثيرين وسبب عسر الهضم لآخرين. لكن ذات التشويق وذات الإثارة ظلا يميزان إخراج المبادرة.
وحده السيناريو المحتمل لمآل هذه التجربة الجديدة بات يثير التساؤلات و«المخاوف» والهواجس. فالبلاغ المعلن عن «المبادرة» لم يتحدث عن الإطار التنظيمي القانوني، واكتفى بمفهوم «المبادرة» التي تعبئ كل الديمقراطيين. ليقفز إلى ذهن الكثيرين شبح الحزب السياسي الزاحف على بطنه بهدوء. ويكون بذلك سيناريو الحزب الملكي الأقرب إلى التفسير المنطقي لجذور وأهداف المبادرة.
مؤشرات الغضب الملكي، أو عدم رضاه على الأقل على الأداء الحزبي منذ مستهل حكم محمد السادس، كانت واضحة. وسرعة التحرك الميداني للمؤسسة الملكية وإمساكها بزمام المبادرة في كل مجالات التدبير السياسي والاقتصادي وحتى اليومي، كانت تزيد ضغوطها على مؤسسات حزبية جلها شاخ في مقاعد ألفت الحصول عليها كجزء من الريع السياسي. ويكفي أن محمد السادس تساءل في خطاب العرش لسنة 2002، أي الذي سبق الانتخابات التشريعية الأولى في عهده: ماذا «عسى أن تكون قوة الأحزاب، إذا لم تنهض بدورها الفاعل، في تأطير المواطنين وتمثيلهم... والعمل على تعزيز سلطة الدولة، وتوفير مناخ الثقة في المؤسسات». ومثلما سارع الملك إلى استحداث جيش من اللجان الملكية والمجالس الاستشارية، بات يسير أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. قد تكون ساعة المبادرة إلى إحداث حزب سياسي فعال، برأي القصر، وقادر على إعطاء المبادرات الملكية الدينامية التي تريدها، قد دقت. وهذا ما يثير غيظ «الأحزاب التاريخية»، خاصة منها تلك المحسوبة على اليسار، والتي باتت تفكر في كيفية مواجهة «الوافد الجديد».
ثاني السيناريوهات المحتملة للمبادرة الجديدة، نجد جذوره في ذات الخطاب الملكي، الذي تساءل عن «السبيل إلى تحصين مشهدنا السياسي، من وجود هيئات قائمة على تقسيم المجتمع إلى طوائف دينية أو عرقية، وأخرى لا هم لها إلا الأغراض الانتخابوية، بدل التنافس على البرامج الملموسة، وتكوين النخب الواعية المسؤولة»، أي البحث عن فاعل سياسي قادر على الاحتفاظ بتوازن الساحة السياسية وتجنيبها الاكتساح الإسلامي. ونتيجة الانتخابات الأخيرة وحدها لا تكفي للاطمئنان والتسليم باستبعاد ذلك. ووحدهم الساهرون على هندسة الزخرفة السياسية يعرفون أن ترهل الأحزاب الكبرى التي أخذ جلها في فقدان عمقه الشعبي وامتداده الجماهيري، سيخلف فراغا سياسيا، لن يجد «الاكتساح» الإسلامي صعوبة في استغلاله. ثم إن ما أعلنه نائب الرحامنة في ندوة «المساء» من حصوله على دعم إسلاميي العدل والإحسان أثناء حملته الانتخابية، يشي بحضور الرقم الإسلامي في حساباته ومعادلاته المعقدة.
السيناريو الثالث، يبقي المبادرة الأخيرة بعيدة عن المشروع الحزبي السياسي. فبما أن المؤسسة الملكية لم تكن يوما بحاجة ماسة إلى دعم الهيئات السياسية، في السنوات الأخيرة على الأقل، لتحقيق مشاريعها وإنجاز مبادراتها، فإن الذهاب إلى حد المغامرة برصيد «الديمقراطية» الذي حاولت المؤسسة استرجاعه بتعيينها وزيرا أول خارجا من صناديق الاقتراع؛ سيكون مجانيا، ليبرز بذلك احتمال الاحتفاظ بالهيئة السياسية المدعمة للمؤسسة الملكية، من خلال مدها بالنخب والمخططين وذوي القدرة على تحريك الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتكون بذلك المؤسسة الملكية بصدد «مأسسة» من ظلوا يدورون في فلكها، ومنحهم إطارا منظما للتنسيق بين أعضاء، بعضهم كان واضح القرب من الرجل الثاني في المملكة سابقا، ألف الاشتغال في ظله وتنفيذ طلباته والاستفادة من مكرماته، وبعضهم الآخر كان يبدو شديد الحرص على «استقلاليته»، لكنهم انتهوا جميعا في ركبه، يحملون شعار الديمقراطية والحفاظ على الديناميكية الحقوقية والسياسية، رغم أن جلهم لم يكن له سابق عهد بالسياسة إلا ما تعلق بتدبير الريع وتنفيذ التوجيهات السامية.
أقطاب «الفديك الجديد»
أحمد اخشيشن: ماركسي الأمس مخزني اليوم
شاهده كثيرون في أولى دورات ماراطون مراكش الذي كان ينظمه حارس الحسن الثاني محمد المديوري، وهو يحمل جهاز «طولكي وولكي» ساهرا على حسن سير وتنظيم السباق، فيما كان المرصد الوطني لحقوق الطفل سبيله إلى القرب من مركز السلطة والقرار من خلال شقيقة محمد السادس، الأميرة للامريم. فتعلم سباق المسافات الطويلة نحو كراسي الحكومة، وظل وفيا لرعاية الطفولة من خلال حمله حقيبة تعليم أبناء المغرب الثقيلة في الحكومة الأخيرة.
هو أحد أعمدة التخصص الإعلامي ومهندسي تحريره وتقنينه، خبير في مجاله وأستاذ في معهد الصحافة ومدير عام للمجلس الأعلى للاتصال السمعي-البصري، كثيرا ما نزلت قراراته وتوصياته كالصاعقة على هيئات تحرير القناتين طالبا منهم الرجوع عن تجاوزاتهم وخروقاتهم، وملاحظاته كثيرا ما تسببت لصحافييها في التوقيف والعقاب.
وقبل أن يحظى بثقة محمد السادس على رأس هيئته العليا للاتصال السمعي-البصري، كان خلف الرجل مسار سياسي وعلمي، منحه الجرأة الكافية ليمثل دور المبادر الأول وصاحب القرارات الحاسمة في هيكلة القطاع، مزاوجا بين معطيات الداخل وخبرات الخارج، خاصة منها خبرة الأصدقاء الفرنسيين الرائدين في المجال.
من مواليد 1954، بمنطقة قلعة السراغنة القروية، درس بثانوية محمد الخامس بمدينة مراكش قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للصحافة بالعاصمة الرباط الذي تخرج منه سنة 1976. مسار تكوينه هذا لم تعطله مرحلة الاعتقال الذي تعرض له سنة 1974 بسبب انتمائه إلى حركة 23 مارس اليسارية، ليتم اقتياده من الرباط إلى عاصمة النخيل التي مكث في سجنها حوالي ثلاثة أشهر. وبعد تأديته للخدمة المدنية بالمعهد حيث درس، طار نحو الجامعة الفرنسية ليعود بدكتوراه حول التلفزيون وتأثيره في الوسط القروي، ويبدأ مشوار التدريس بذات المعهد مراكما خبرة أكاديمية وأخرى ميدانية، مثل مشاركته في تنظيم المناظرة الوطنية الأولى حول الإعلام سنة 1993، ليشد الرحال بعد ذلك جنوبا، كخبير إعلامي لمنظمة الأمم المتحد للزراعة بموريتانيا إلى حدود سنة 2000.
وهو في كل تجاربه المهنية هذه ظل قريبا من تيارات اليسار متعاطفا معها، رغم عدم مصاحبته لرفاقه في النضال المؤسسين لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وفي الآن نفسه محافظا على خط ساخن مع رموز السلطة وحماتها. عمل مستشارا إعلاميا للاتحادي خالد عليوة أثناء استوزاره في حكومة اليوسفي، فيما قدم للراحل إدريس بنزكري كامل دعمه ومساعدته في أعمال هيئة الإنصاف والمصالحة، وساهم في إعداد تقرير الخمسينية الشهير، ليخلف الاتحادي الحبيب المالكي في مقعده الحكومي، واضعا قبعة التقنوقراط، ورحلته على متن «التراكتور» الجديد متواصلة.
فؤاد عالي الهمة: اكديرة الثاني
كان قانونيا لامعا يبوح بميولاته الليبرالية بصراحة وعلانية، طوّع آلة القانون فأصبحت عصا سحرية في يده، حرر بمساعدة أساتذته الفرنسيين أكبر النصوص التشريعية والدستورية في تاريخ المملكة المستقلة. وعندما أنهى خطط التوجيه عن بعد والتحكم الآلي، قرر الانغماس في بحر السياسة الذي رسم شواطئه بنفسه، لكنه فوجئ بفشل «ديمقراطي» ضيع عليه فرصة الدفاع عن المؤسسات الدستورية «فديك». ليس الحديث هنا عن برلماني الرحامنة، بل عن أحمد رضا اكديرة، صديق الحسن الثاني وذراعه الأيمن. لكن شيئا لا يمنع من استعارة سيرته لرسم مسار صديق محمد السادس وضامن أغلبية حكومته الاستقلالية.
كان هو من يقدم إلى زميل دراسته السابق لائحة المرشحين لتمثيله كولاة وعمال يمسكون بالسلطة الحقيقية للمملكة، ويمنح التأشيرات بالاستوزار ويستنبت بذور التقنوقراطيين في تربة الأحزاب، العريق منها والجديد. لكنه ورغم ابتعاده رسميا عن المطبخ السياسي بدار ليوطي، مازال ابن الرحامنة يحتكر عدسات المصورين في خرجاته العلنية، ويجتذب إليه أصناف السياسيين وذوي المال والنفوذ، وكل ينتظر ما سيقدم عليه هذا الابن البار لدار المخزن. فلم تتأخر قريحته في استنساخ «الفديك» بحركة لكل الديمقراطيين.
بعد مشروعية القرب من السدة العالية، حاز الرجل مشروعية الصندوق الشفاف، كيف لا وهو الرجل المطلع على كل الملفات الحساسة للمملكة، أمضى سنوات في حياكة رداء الجسم السياسي ورتق خيوطه، قبل أن يعلن «الاستقالة» من أم الوزارات، ويترشح للانتخابات في دائرة الرحامنة ويحصد المقاعد الثلاثة، محطما رقما قياسيا تاريخيا لم تحققه أعتى الأحزاب. هو اليوم اللاعب الأقوى في الرقعة السياسية، دعم فريقه البرلماني وحده يضمن الأغلبية لحكومة عباس الفاسي، واحتمالات التأسيس ل«فديك» جديد تتقوى مع تزايد تحركات الرجل في الساحة المدنية والإعلامية.
صلاح الدين مزوار: عملاق لكل الديمقراطيين
ليبرالي تقنوقراطي يحوز حقيبة كان يحملها «اشتراكي» حزبي، لم يجد صعوبة في الوفاء لميزانية سلفه، بما أن فصولها من إملاء المؤسسات الدولية وتوصياتها. تولى توزيع أموال المملكة بين وزراء أغلبهم يحمل ألوان أحزاب سياسية أمطرت ناخبيها بوعود بملايين مناصب الشغل ومعدلات نمو قياسية، وهي المعادلة الصعبة التي علم مزوار أن عليه فك طلاسمها، بعد أن استغربت المؤسسات المالية الدولية عدم إنتاج «النمو» المغربي لمناصب الشغل.
كان المشهد مثيرا وصلاح الدين مزوار ينتقل من مقر وزارة الصناعة والتجارة إلى مقر وزارة المالية، وقمة الإثارة تجلت لحظة تبادل التحية، حيث كان الوزير الاتحادي يجهد نفسه لبلوغ وجه خلفه العملاق، والذي كان أطول وزراء حكومة جطو طولا، ليصبح أكثرهم قيمة وسلطة مالية في حكومة الفاسي.
التحاق صلاح الدين مزوار بفصيلة الوزراء كان مع التعديل الحكومي لحكومة إدريس ج عام 2004، حيث كان صانع الأحذية يحتفظ به في دكة الاحتياط ليمنحه الرسمية في قطاع الصناعة والتجارة، لمعرفته بخبرة وحنكة الرجل في التدبير والتسيير. فهو الحاصل على شهادة عليا من جامعة فونتينبلو الفرنسية، ثم على دبلوم الدراسات المعمقة في العلوم الاقتصادية من جامعة العلوم الاجتماعية بغرونوبل بفرنسا؛ بعد أن كان قد نال دبلوم السلك العالي في التدبير من المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بالدار البيضاء.
هذا المسار التكويني كان قد أطل عليه صلاح الدين من فوق هضاب العاصمة الإسماعيلية، هناك حيث رأى النور في أحد أيام سنة 1953. لكنه مزج مساره الأكاديمي هذا بخبرة ميدانية طويلة بدأها بمهمة بالقسم الإداري في وكالتي توزيع الماء والكهرباء بالرباط وطنجة، حيث قاد المصالح الإدارية لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يتبعها بالتدبير المالي لمقاولة فرنسية تونسية، ويلتحق بمكتب استغلال الموانئ، حيث وضع لبنات مديرية العمل الاجتماعي، وتولى إدارة نادي الرجاء البيضاوي المحتضن من طرف المكتب قرابة ثلاث سنوات.
وفي مستهل عقد التسعينيات، التحق مزوار بمجموعة إسبانية تنشط في قطاع النسيج، وسرعان ما عين مديرا لأحد فروعها بمدينة سطات، قبل أن يصبح مديرا تجاريا للمجموعة في المغرب وإفريقيا والشرق الأوسط. فكانت تلك بوابة الرجل على الأسواق الدولية والامتداد العالمي للمقاولات الصناعية، عشية إنشاء منظمة التجارة العالمية.
لياقة بدنية ورشاقة في المراوغة وتصيد الفرص لوضع الكرة في السلة، أهلت الرجل ليسجل بكل مهارة ضد المتحزبين في «حكومة صاحب الجلالة»، وينتزع منهم حقيبة الاقتصاد والمالية، معززا بذلك حزب التقنوقراط المقربين إلى قلب الماسكين بزمام الأمر، لكن طول قامته، وعينيه المتطلعتين دوما نحو الأعلى، جعلوه لا يكتفي بذلك، حيث التحق بحركة «كل الديمقراطيين».
مصطفى باكوري: مقاول محمد السادس
قضى الجزء الأكبر من مسيرته المهنية في الأبناك، قبل أن يصبح ملكا متوجا على رأس صندوق الإيداع والتدبير، المؤسسة التي تأسست أواخر الخمسينيات، فقط لحراسة أموال صناديق الدولة ومساهمات المستخدمين في صناديق الضمان، قبل أن يحوله هذا المارد المالي إلى مؤسسة استثمارية كبرى، تمتلك حصة الأسد في جل الأوراش التي فتحها محمد السادس، ومعادلته بسيطة في ذلك: الإعداد الجيد للمشاريع، والدخول فيها بعد استبعاد الخسارة وضمان الأرباح.
يكاد لا يمر عليه أسبوع دون أن يوقع اتفاقية استثمار، شراء حصص من شركات، أو إنقاذ مؤسسات عمومية مشرفة على الإفلاس، كما كان الحال مع القرض العقاري والسياحي. تحركات الملك محمد السادس تستلزم حضوره شبه الدائم، فهو حامل محفظة التمويل. يوصف بالمتواضع، الكفء، والبراغماتي. يبدأ نهار عمله مبكرا ولا يلتزم بساعات الدوام الرسمي، فلا يكف عن العمل حتى ساعة متأخرة. صارم مع مرؤوسيه، حازم في شراكاته، لكنه يتميز بروح منفتحة وأسلوب أمريكي في إدارة المقاولات، حيث لا يهمه الحضور الذاتي في المكتب بقدر ما تهمه المردودية والفعالية. لم يتوان عن استعمال عصا المخزن وجزرته لاستقطاب أفضل الأطر والخبراء إلى مجموعته الأخطبوطية.
لم يعرف له انتماء سياسي أو ميول حتى، منذ ولد في العشرين من دجنبر 1964 بمدينة المحمدية. كثيرون يخطئون التقدير فيعتبرون صندوق الإيداع والتدبير شركة خاصة، بفعل الدينامية والفعالية التي منحها له باكوري. جاعلا منه «هولدينغ» من حوالي ثلاث وثلاثين شركة، تشغل قرابة ثلاثة آلاف شخص، وتتحكم في ما يفوق المائة مليار درهم سنويا.
مهندس من خريجي مدرسة الطرق والقناطر الباريسية، متزوج وأب لطفلين، عين في غشت من سنة 2001 مديرا عاما لصندوق الإيداع والتدبير، بعد أن كان منذ 1998 يشغل منصب المسؤول عن قطب «بنوك الأعمال» بالبنك المغربي للتجارة الخارجية. وقبلها منصب المسؤول عن التنمية والتمويل في الشركة الوطنية للتجهيز الجماعي، مكلفا بالمشاريع الكبرى بمدينة الدار البيضاء. وهو، إلى جانب ذلك، عضو المكتب الإداري لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، وعضو مؤسسة الأعمال الاجتماعية لرجال التعليم... والآن بات «رفيقا» ل«كل الديمقراطيين».
عزيز أخنوش: إمبراطور سوس
يصفه البعض بإمبراطور سوس، ويستندون في ذلك إلى أصوله السوسية ومناصبه التي تجعله الرجل الأول بالمنطقة، لعل أبرزها ترؤسه لمجلس الجهة، فيما يرى فيه البعض القشة التي قصمت ظهر المحجوبي أحرضان ورمت به خارج التحالف الحكومي، حيث اقترحه محيط القصر وزيرا باسم الحركة، لكنه سرعان ما ارتدى لون التجمع الوطني للأحرار، وحمل حقيبة الفلاحة والصيد البحري رغم انعدام تجربته في المجالين.
ولد بإحدى قرى سوس سنة 1961، وتمسك بمساره الدراسي إلى أن عاد إلى المغرب أواسط عقد التسعينيات بعد إنهائه تكوينا عاليا في الماركتينغ والتدبير بجامعة شيربروك الكندية، ليتولى زمام مجموعة «أكوا» التي ورثها عن والده أحمد أولحاج، مستعينا في تسييرها وتنميتها بزملاء دراسته في الجامعة الكندية، فأحدث ما يشبه المعجزة الاقتصادية، وهو يحول مجموعته إلى إحدى أكبر المؤسسات المالية والاقتصادية، مستفيدا من ضربة حظ أوصلته إلى رعاية اليد المخزنية «الكريمة».
خطته واضحة المعالم: اختراق البورصة الفتية للدار البيضاء بواسطة عدد من فروع شركاته، الانقضاض على الرخصة الثانية للهاتف النقال والدخول فيها كشريك، اقتناص فترة الأزمة الطاقية للمملكة بفعل حريق خزانات لاسامير، والحصول على امتياز استيراد النفط وتسويقه، لتصبح مجموعته «أفريقيا» إحدى أكبر شركات التوزيع الطاقي، ثم الاشتغال على الواجهة الإعلامية من خلال الاستثمار في إحدى أكبر المجموعات الصحفية.
على غرار عدد من أبناء تافراوت، الذين هجروا موطنهم باتجاه الدار البيضاء الناشئة مستهل القرن العشرين، هاجر أحمد أولحاج، والد عزيز أخنوش، ورسم لنفسه مسارا استثنائيين حقق به ثروة ونجاحا استثنائيا، فلم يكتف بدكاكين البقالة والتجارة البسيطة، وراهن منذ البداية على تسويق الطاقة ببيعه للبنزين بالتقسيط، ليطور المشروع إلى شبكة للتوزيع، فيما اكتسب رصيدا وطنيا بدعمه أفراد المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، ليرث عزيز كل ذلك، ويضيف إليه كفاءة تدبيرية حظيت بثقة القصر وخدامه.
صلاح الوديع: شاعر لكل الديمقراطيين
كان يريدُ من الله معجزة، تصدّ عن الرُّوح هذا النزيف، وكان يريد ُ قليلاً من الصمت كي يستطيع الصلاة، كي يحضر الغائبون، كان يريد كثيرا من الحب كي يسلك الآخرون... وأشياء أخرى يريدها عبر عنها في إحدى قصائده، قبل أن يريد الالتحاق بعدد من «المواطنين» الذين «أثارهم» الوضع الذي آلت إليه السياسة في مملكة محمد السادس، فهبوا لإنقاذها و«إحيائها».
كان ضمن السبعة الذين قرروا الاكتفاء بدرهم رمزي كتعويض عن سنوات الجمر التي عاشوها، فيما قضى سنوات إلى جانب الراحل إدريس بنزكري منقبا في أكوام الأرشيف الذي جادت به الجهات الرسمية في إطار أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة. محاولا إثبات الأضرار وتقييم التعويضات وتسويد التقارير، مزاوجا بذلك بين عمله هذا واشتغاله ضمن الهيئة العليا للاتصال السمعي-البصري.
ولد عام 1952، وحصل على الإجازة في الفلسفة سنة 1982 من قلب السجن، ثم على شهادة الدروس المعمقة في العلوم السياسية من كلية الحقوق بمونبوليي بفرنسا سنة 1987. عانى من آلام الاعتقال والتعذيب بسجن القنيطرة إلى جانب عبد القادر الشاوي ويساريين آخرين. قبل أن يعين سنة 1997 أستاذاً بالمدرسة العليا لتدبير المقاولات بمدينة الدار البيضاء، فلم تنسه وظيفته ميولاته واهتماماته الأدبية، حيث اشتغل بالصحافة كمقدم لبرنامج «لحظة شعر» بالقناة الثانية مابين سنتي 2000 و2002.
يصر الوديع على الاحتفاظ بأنشطته الثقافية والمدنية، فتراه هادئا وحيدا في الصفوف المتأخرة يستمع إلى المحاضرة والقصيدة، حيث أصبح عضوا نشيطا في عدد من الجمعيات، من قبيل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي شارك في تأسيسها سنة 1988، والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف. وسارع إلى التوقيع على نداء حماية الحريات الفردية، قبل أن يظهر اسمه إلى جانب مؤسسي «حركة لكل الديمقراطيين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.