1. الرئيسية 2. المغرب الكبير بعد صنصال.. الجزائر تحكم على صحافي فرنسي بالسجن سبع سنوات بتهمة "تمجيد الإرهاب" وسط تصاعد التوتر مع باريس الصحيفة - خولة اجعيفري الأثنين 30 يونيو 2025 - 14:43 قضت محكمة جزائرية بالسجن سبع سنوات في حق الصحافي الفرنسي المتخصص في الشؤون الرياضية كريستوف غليز، إثر إدانته بتهم ثقيلة أبرزها "تمجيد الإرهاب" و"حيازة منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية"، في قضية تتجاوز أبعادها القانونية لتسلّط الضوء مجددا على الانغلاق المتصاعد في الحقل الإعلامي الجزائري وتدهور العلاقات مع فرنسا. ووفق ما أعلنته منظمة مراسلون بلا حدود ومجموعة "سو بريس" الإعلامية التي يعمل معها غليز، فإن الحكم الصادر عن المحكمة الأولى في مدينة تيزي وزو تم يوم الأحد 29 يونيو الجاري، في أعقاب مراقبة قضائية استمرت 13 شهرا منذ توقيفه في ماي 2024. ومن المرتقب أن يتم استئناف الحكم في اليوم الاثنين 30 يونيو، غير أن إعادة المحاكمة لن تجرى قبل الدورة القضائية المقبلة التي تنطلق في أكتوبر المقبل، وفقا لمصادر قضائية تحدثت لوكالة فرانس برس. وكريستوف غليز، البالغ من العمر 36 عاما، هو صحافي مستقل يساهم بانتظام في مجلتي "سو فوت" و"سوسايتي" التابعتين لمجموعة "سو بريس"، وكان قد دخل الجزائر في ماي 2024 بهدف إعداد تحقيق صحافي عن نادي شبيبة القبائل الرياضية، أحد أبرز الأندية في منطقة القبائل، حيث أوقفته السلطات في 28 ماي بمدينة تيزي وزو. ورغم دخوله البلاد بتأشيرة سياحية، فإن ما فجر الملف، بحسب الرواية الرسمية، يعود إلى اتهامه بالاتصال في سنوات سابقة (2015 و2017) مع رئيس نادي تيزي وزو لكرة القدم، الذي كانت له أيضا صلة تنظيمية بحركة "الماك" (حركة تقرير مصير منطقة القبائل)، التي صنفتها السلطات الجزائرية كتنظيم إرهابي منذ عام 2021. لكن منظمة "مراسلون بلا حدود" اعتبرت أن هذه الاتهامات "لا أساس لها من الصحة"، مشيرة إلى أن الاتصالين المذكورين جريا قبل التصنيف الإرهابي للحركة بسنوات، أما التواصل الأخير الذي تم عام 2024 فكان ضمن عمله المهني على نادي شبيبة القبائل، دون أي طابع سياسي أو تحريضي، وهو ما لم يُخفه الصحافي إطلاقًا. وفي تعليقه على الحكم، قال تيبو بروتين، المدير العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، إن "الحكم عليه بالسجن سبع سنوات لا معنى له، ولا يثبت إلا حقيقة واحدة: لا شيء يفلت من السياسة اليوم، وقد أضاع النظام القضائي الجزائري فرصة مهمة لإظهار صورة مشرفة في هذه القضية". من جهته، عبّر فرانك أنيس، مؤسس مجموعة "سو بريس"، عن قلقه العميق، مؤكدًا أن "من المهم أن يتم بذل كل ما هو ممكن، بما في ذلك على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، لضمان سيادة العدالة وتمكين كريستوف من العودة إلى أحبائه وكتاباته". اللافت في هذه القضية، كما يؤكد مراقبون، ليس فقط الأحكام المشددة، بل التوقيت والسياق السياسي الذي جاءت فيه، فهي تأتي في ظل تصاعد التوتر الدبلوماسي بين الجزائروفرنسا، على خلفية ملفات تاريخية واستخباراتية، وتبادل طرد دبلوماسيين وتجميد التعاون الثنائي في عدد من المجالات. وتعيد القضية إلى الأذهان ما حدث مؤخرا مع الكاتب بوعلام صنصال، الذي تم اعتقاله أيضا في الجزائر جراء تعبيره عن رأيه حول ملف الذاكرة والهوية، وهو ما يُثير تساؤلات متجددة حول حدود حرية التعبير، والتضييق الممارس على الصحافيين والمفكرين، سواء المحليين أو الأجانب، ممن يعالجون قضايا تقع عند تقاطع الثقافة والسياسة والأمن في الجزائر. وبينما لم تصدر بعد مواقف رسمية من الحكومة الفرنسية حول الحكم، فإن القضية مرشحة لتصبح موضوعا ضاغطا في العلاقات الثنائية، خصوصا في ظل الضغط المتنامي من المنظمات الحقوقية الفرنسية والدولية المطالبة بالإفراج الفوري عن غليز، وفتح نقاش جدي حول استغلال القضاء في تصفية حسابات سياسية. ولا يمكن فهم إدانة الصحافي الفرنسي كريستوف غليز خارج الإطار العام لانغلاق المشهد الإعلامي والسياسي في الجزائر، حيث باتت حرية التعبير تتقلص تحت وطأة قوانين مكافحة الإرهاب، وتُوظف أدوات العدالة لتصفية الحسابات مع كل صوت مستقل أو مختلف، وإذا كان الحكم القاسي بالسجن سبع سنوات يعكس توجها قضائيا نحو تجريم العمل الصحافي حتى حين يلامس الشأن الرياضي، فإن الأمر يكتسي بعدا أخطر حين يُقرأ إلى جانب اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، أحد أبرز وجوه الأدب الجزائري الفرنسي المعاصر، لمجرد مواقفه حول التاريخ والهوية. واعتقال صنصال في نونبر 2024 بموجب مواد قانونية ثقيلة تتعلق ب"الإضرار بالوحدة الوطنية"، بسبب تصريحات أدبية وتاريخية مثيرة للجدل، يؤشر على أن السلطات الجزائرية لم تعد تُميز بين ما هو سياسي مباشر وما هو تعبير فكري أو صحافي، بل تتعامل مع كل ما يخرج عن الرواية الرسمية باعتباره تهديدًا للأمن القومي، وفي هذا المناخ، يصبح العمل الصحافي الأجنبي، حتى لو اتخذ غطاء رياضيا أو ثقافيا، عرضة للاشتباه والملاحقة، خاصة حين يتقاطع – عن قصد أو بدونه – مع ملفات تُصنّف ضمن "المحرمات السيادية". وتزداد خطورة هذه القضايا حين توضع في سياق التوتر المتصاعد بين الجزائروفرنسا، الذي بلغ في السنتين الأخيرتين مستويات غير مسبوقة من التشنج، شمل تبادل طرد دبلوماسيين وتجميد التعاون الثنائي، وتنامي الخطاب الرسمي المناهض لباريس، وفي هذا السياق المتأزم، تتحول أي واقعة فردية إلى ورقة في لعبة التوازنات والرسائل السياسية، ويُصبح الصحافي الفرنسي – مثلما حدث مع غليز – رهينة غير معلنة لتوترات ما فوق الصحافة، ولقد خسر النظام القضائي الجزائري، كما قالت "مراسلون بلا حدود"، فرصة ثمينة لإظهار استقلاليته، وكرّس من جديد صورة العدالة المنضوية تحت منطق الدولة–الأمن. وما يجمع بين اعتقال كاتب بارز كصنصال وإدانة صحافي ميداني كغليز، هو هذا النزوع المتسارع نحو تجريم الكلمة وتحويلها إلى أداة للاشتباه السياسي، في سياق إقليمي ودولي متقلب، يشهد ارتباكا في موازين العلاقات الخارجية. وبدل أن تشكل مثل هذه القضايا مناسبة لمراجعة الذات المؤسسية والانفتاح على النقد البنّاء، فإنها تعمّق من صورة الجزائر كبيئة طاردة للحرية، وتكرّس – في نظر الخارج – نموذجًا للدولة التي تخشى الكلمة، وتُطارد حتى من يكتب عن كرة القدم.