لوديي يستقبل بالرباط وزير الدفاع بجمهورية رواندا    سفير بريطانيا: الحكم الذاتي يحل نزاع الصحراء .. والشراكة مع المغرب حقيقية    مشاكل تقنية منعت شبابا من إيداع عريضة ضد إقصائهم من مباراة التعليم بتسقيف سن الترشيح في 30 سنة    المغرب يحقق رقما قياسيا جديدًا في عدد السياح    مزور : شركة طيران تمتلك وحدات إنتاج بالمغرب تحقق رقم معاملات سنوي يفوق 2,5 مليار يورو    السعودية تُعلن فتح باب التقديم لتأشيرات العمرة لموسم 2025 بشروط جديدة وتسهيلات موسعة    ثلاثة مغاربة ضمن قائمة أغلى عشرة لاعبين عرب بمونديال الأندية    مونديال الأندية.. الوداد يكشف عن التشكيلة الرسمية لمواجهة مانشستر سيتي    برادة يستعرض مقتضيات مشروع قانون تطوير منظومة التعليم المدرسي    شابة في قبضة الأمن.. ضبطوها ب3000 قرص مخدر في محطة قطار    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    إيران: سيطرنا على أجواء الأرض المحتلة اليوم وبداية نهاية أسطورة الدفاع للجيش الصهيوني    وهبي: آن الأوان للاعتراف القانوني بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية    طقس حار وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    الدرك الملكي يحجز 8 أطنان من الشيرا    نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    جلالة الملك يهنئ رئيس السيشل بمناسبة العيد الوطني لبلاده    خامنئي: إيران "لن تستسلم أبدا" للضغوط    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    التصعيد الاسرائيلي – الإيراني.. تأكيد خليجي على ضرورة وقف إطلاق النار ودعم جهود السلام في المنطقة    وهبي: آن الأوان للإقرار التشريعي بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية    لقجع: الدعم الاجتماعي المباشر حلقة جديدة ضمن المبادرات الملكية الهادفة إلى صون كرامة المواطن    اعمارة: أنماط التشغيل الجديدة تواجه تحديات غياب التأطير القانوني والحرمان من الحماية الاجتماعية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    أردوغان: "نتنياهو تجاوز هتلر في جرائم الإبادة"    بعد أزمة القطيع.. مطالب لمجلس الحسابات بافتحاص أموال وبرامج جمعية مربي الأغنام والماعز    شكوك حول مشاركة مبابي في مباراة ريال مدريد الافتتاحية بكأس العالم للأندية    جهة "سوس-ماسة" تسهم ب9.5% من التجارة الخارجية للمغرب وتستهدف تعزيز موقعها التصديري    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    المغرب ‬خامس ‬قوة ‬اقتصادية ‬في ‬إفريقيا: ‬مسار ‬تحول ‬ونموذج ‬إقليمي ‬صاعد    الشرعي يدرب "لويسترلو" البلجيكي    مجازر الاحتلال تتواصل.. إسرائيل تقتل 32 فلسطينيا بغزة بينهم 11 من منتظري المساعدات    ارتفاع أسعار النفط في التعاملات الآسيوية    الرباط.. المحكمة الإدارية تنظر في طلب افتحاص صندوق تقاعد المحامين بمراكش    "واتساب" ينفي نقل بيانات مستخدمين إلى إسرائيل    كأس العالم للأندية 2025.. تعادل فلومننزي البرازيلي وبوروسيا دورتموند الألماني دون أهداف    مسؤولو حسنية أكادير يفشلون في الحفاظ على الركائز بعد رحيل الشماخ    فياريال الإسباني يتعاقد مع لاعب الوسط موليرو لخمس سنوات    تحول "OpenAI" إلى الربحية يشعل الخلاف مع "مايكروسوفت"    مشروع سكني بالغرب يجلب انتقادات    كأس العالم للأندية .. قمة إنجليزية مغربية وصدام إسباني سعودي    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سفر العباد إلى الله...أنواع ومنافع- لللخطيب عبد الرحمن البوكيلي
نشر في التجديد يوم 12 - 07 - 2008


السفر فعل إنساني قديم. ارتبطت به حاجات الإنسان الكثيرة منذ وُجِد. بل إن التحرك في الأرض والضرب فيها سنة المخلوقات جميعها. لذلك لم يكن غريبا أن يجعل القرآن الكريم أيام الإنسان يومين: يوم سفر ويوم إقامة. فقال سبحانه: وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الانْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعَنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ، وَمِن اَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ؟ النحل.80 وتحدث كتاب الله عن جملة من الأسفار؛ من مثل الضرب في الأرض لطلب الرزق، والسفر للجهاد في سبيل الله، ولحج بيت الله الحرام وهكذا... وعرف المسلمون بعدُ أسفارا متميزة لطلب العلم وجمع الحديث الشريف والاتصال بكبار العلماء... بل الأعجب من كل ما ذكر؛ حديث القرآن الكريم عن سفر واجب لا صلاح للدين ولا للدنيا إلا به. وهو المعروف بالهجرة فرارا بالدين وتحصيلا للحرية. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الارْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا النساء96 واللطيف أن عددا من العلماء يعتبر السفر ضرورة للتجدد والتخلص من الرتابة والجمود. فمما يروى عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله: تغرَّب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرّجُ هَمّ واكتسابُ معيشة وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد وقوله: ما في المقامِ لذي لُبٍ وذي أدبٍ من راحة فدع الأوطانَ واغترب سافرْ تجدْ عوضاً عمن تفارقَه وانصبْ فإن لذيذَ العيشِ في النصبِ إِني رأيتُ وقوفَ الماءِ يفسدُه إِن ساحَ طابَ وإِن لم يجْرِ لم يطب لما كان السفر بهذه الأهمية، ولما كان عدد كبير من الناس يقبلون على أسفار مختلفة في هذا الفصل، كان من اللازم التنبيه على جملة من الآداب والأحكام التي وجه إليها ديننا بهذا الخصوص. جملة من آداب السفر: سفر برّ وتقوى لا عبرة بسفر ما لم يكن سفر بر وتقوى. سفر طاعة لله عز وجل، لا سفر عصيان وتمرد عليه سبحانه. فالمسلم يردد في سفره ما كان يفتتح به النبي أسفاره قائلا:(اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ فِي سفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ العَمَلِ ما تَرْضَى) (أخرجه مسلم عن ابن عمر). هذا هو المقصد: البر والتقوى... فهو إما سفر دعوة إلى الله ونشر كلمته وجهاد في سبيله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا... النساء .93 وإما لطلب الرزق وابتغاء ما عند الله من الفضل. عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الارْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّه... المزمل .18 وإما لزيارة الأقارب أو الإخوة في الله. وإما سفر نظر في ملكوت السماوات والأرض،قُل انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالارْض... يونس .101 وإما السير للاعتبار بالأمم وحضاراتها وتاريخها. قُلْ سِيرُواْ فِي الارْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ الأنعام .12 قُلْ سِيرُوا فِي الاَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ، ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ العنكبوت.19 وإما سفر تعلم وتعليم... نحو سفر موسى عليه السلام ليتعلم من العبد الصالح. (وَمَنْ سَلَكَ طَريقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهّلَ الله لَهُ به طَرِيقاً إِلَى الْجَنّة) (مسلم عن أبي هريرة) وإما سفر راحة واستمتاع بطيبات الحياة الدنيا، واسترجاع لحيوية الإنسان وتجدده. وهذا في جوهره محمود ما لم تخالطه معصية الله تعالى. روي عن أنس مرفوعا: (روحوا القلوب ساعة وساعة). وقال علي رضي الله عنه: أجِمّوا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان. المهم أن يكون سفرك أخي الحبيب سفر خير وطاعة ومنفعة، لا سفر شر ومعصية ومفسدة. فإنه لعار أن يرزقك الله تعالى نعمة الصحة ونعمة الفراغ، ونعمة الغنى والمقدرة على السير في الأرض الممهدة، فتقابل ذلك كله بالظلم، وتبارز ربك المنعم بالمعصية! سفر ذكر لله عز وجل كما أن سفرك أخي المسلم سفر ذكر وشكر لله سبحانه. وذلك للأنس به واستشعار معيته ودوام مراقبته سبحانه. فهو معك في حلك وترحالك، في بلدك وفي غربتك...لأجل هذا سن لنا النبي (ص) في السفر جملة من الأذكار البليغة لا حرمنا الله من فضلها. أستسمحك أخي الحبيب لبسط باقة منها: عند الركوب. أخرج الترمذي وصححه عن عليّ بن ربيعة قال: شَهِدْتُ عَلِيّا أُتِيَ بِدَابّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمّا وَضَعَ رِجْلَهُ في الرّكَابِ قالَ: (بِسْمِ الله) ثلاثاً، فَلَمّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قالَ (الْحَمْدُ لله). ثُمّ قالَ: (سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا ومَا كُنّا لَهُ مُقْرِنينَ وَإنّا إلى رَبّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) ثُمّ قالَ: (الْحَمْدُ لله) ثَلاَثاً (والله أَكْبَرُ) ثلاثاً (سُبْحَانَكَ إنّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لِي فإِنّهُ لا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلاّ أَنْتَ) ثُمّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ مِنْ أَيّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ؟ قالَ رأيْتُ رسولَ الله (ص) صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ ثُمّ ضَحِكَ فَقُلْتُ مِنْ أيّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قالَ: (إِنّ رَبّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذَا قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنّهُ لا يَغْفِرُ الذّنُوبَ غَيْرَك) دعاء السفر أخرج مسلم في صحيحه عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما؛ أن رسول اللّه (ص) كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبَّر ثلاثاً، ثم قال: (سُبْحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنينَ، وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ فِي سفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوّن عَلَيْنا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ. اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالخَلِيفَةُ في الأهْلِ. اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ وكآبَةِ المَنْظَرِ وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ والأهْلِ.) وفيه عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ (ص)، إِذَا سَافَرَ، يَتَعَوّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْن (أي الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص)، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ. ذكر الصعود والنزول أثناء السير في صحيح البخاري، عن جابر رضي اللّه عنه قال: كنّا إذا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وإذا نزلنا سبَّحنا. ذكر النزول بمكان ما في صحيح مسلم وموطأ مالك وكتاب الترمذي عن خولةَ بنتِ حكيم رضي اللّه عنها قالت: سمعتُ رسول اللّه (ص) يقول: (مَنْ نَزَلَ مَنْزلاً ثُمَّ قالَ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ، لَم يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذلكَ). ذكر دخول قرية ما عن صُهيب رضي اللّه عنه: أن النبيّ (ص) لم يرَ قريةً يُريد دخولَها إلا قال حين يَراهَا: (اللَّهُمَّ رَبَّ السمَوَاتِ السَّبْعِ وَما أظْلَلْنَ، وَالأَرْضيِن السَّبْعِ وَما أقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّياطينِ وَمَا أضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرّياحِ وَمَا ذَرَيْنَ، أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِها وَخَيْرَ ما فيها، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ أهْلها وَشَرّ ما فِيها) أخرجه النسائي. وعن عائشةَ رضي اللّه تعالى عنها قالت: كان رسولُ اللّه (ص) إذا أشرفَ على أرضٍ يُريد دخولَها قال: ((اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ وَخَيْرِ ما جَمَعْتَ فِيها، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما جَمَعْتَ فِيها، اللَّهُمَّ ارْزُقْنا حَيَاها، وَأَعِذْنا مِنْ وَباهَا، وَحَبِّبْنا إلى أهْلِهَا، وَحَبِّبْ صَالِحي أهْلِها إِلَيْنا) أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبّان والحاكم. وحسَّنه الحافظ. ذكر العودة من السفر في صحيح مسلم، عن أنس رضي اللّه عنه، قال: أقبلنا مع النبيّ (ص) أنا وأبو طلحة، وصفيّة رديفته على ناقته، حتى إذا كنّا بظهر المدينة قال: (آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُون لِرَبِّنا حامِدُونَ). فلم يزلْ يقولُ ذلك حتى قَدِمْنَا المدينةَ. أعظم الذكر هذا وإن أعظم الذكر الذي يحرص عليه المسلم في كل أحيانه هو صلاته. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي طه.14 فقد كان النبي يصلي النافلة على دابته وينزل للفريضة. وكان إذا جَدَّ به السير؛ جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. أما ما يفعله الكثير من ضعاف الإيمان المتهاونون في دينهم من ترك الصلاة أو تضييعها حال سفرهم، فذلك من أظهر الفساد وأغربه ولا حول ولا قوة إلا بالله. سفر دعاء لله ومما يجدر التنبيه عليه في السفر هو ما للدعاء من القيمة فيه. أخرج الترمذي وحسنه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه (ص): (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجاباتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ على وَلَدِهِ) لذلك يسن للمسافر أن يدعو لنفسه بمثل ما ورد في حديث علي رضي الله السالف: (سُبْحانَك إني ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ)، وما ورد في دعاء السفر، أو غير ذلك من خيري الدنيا والآخرة. كما يدعو لإخوانه الحاضرين والغائبين. عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه قال: (مَنْ أَرَادَ أنْ يُسافِرَ فَلْيَقُلْ لِمَنْ يُخَلِّفُ: أسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذي لا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ). وعن عمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: استأذنتُ النبيّ في العمرة، فأذِنَ وقال: (لا تَنْسَنا يا أُخَيَّ مِن دُعائِكَ) فقال كلمةً ما يسرُّني أنَّ لي بها الدنيا. وفي رواية قال: (أشْرِكْنا يا أخِي في دُعائِكَ) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. سفر توكل على الله معلوم أخي الكريم أن ديننا دين التوكل على الله في كل عمل. قال تعالى: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ آل عمران .159 مما يستلزم الأخذ بأسباب السلامة، ونهج سبيل العافية. إن الناظر في أحوالنا يلاحظ أن أغلب ما يحصل للمسافرين من حوادث مريعة؛ إنما هو بسبب ما كسبته أيديهم من التفريط فيما أمر الله به من التزود بالأسباب. وعليه وجب بهذا الخصوص التذكير ببعض الأمور التي كثرت الغفلة عنها من قبل المسافرين: أولها: متعلقة بما يركبه الإنسان مما سخره الله له من المراكب. فالواجب إعطاؤها حقها من الصيانة والمراقبة ومدى أهليتها للسفر. ثم الحرص على عدم تحميلها ما لا تطيق. عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ((إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظّهَا مِنَ الأَرْضِ. وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السّنَهِ، فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا. وَإِذَا عَرّسْتُمْ، فَاجْتَنِبُوا الطّرِيقَ. فَإِنّهَا طُرُقُ الدّوَابّ، وَمَأْوَى الْهَوَامّ بِاللّيْل)) رَوَاهُ مُسلِمٌ. ولنا فيما ذكره الله تعالى عن سفينة نوح عليه السلام درس في الاعتناء بوسائل النقل من حيث حمولتها، ومن حيث ذكر الله عز وجل عند امتطائها. فقد حدد الحق حمولتها في قوله حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ هود ,40 ووجه إلى ذكره سبحانه قائلا: وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ هود.41 ثانيها: متعلق بالمسافر نفسه. إذ عليه اجتناب ما يعرض ذاته وغيره للمهلكة. وعلى رأس ذلك: - الإخلال بقانون السير عموما، مما يجعل المصالح المرتبطة به من حفظ أرزاق الناس وأنفسهم معطلة. - الإفراط في السرعة وعدم استحضار عواقب ذلك. مع العلم أن المسافر كلما زاد من السرعة ازدادت المخاطر، وازداد ضعف تحكمه في سيارته. - عدم إعطاء الجسم قسطه من الراحة. فكم من دواهي كان سببها قلة النوم... - تجنب الخمور والمخدرات. فكم كان ذلك خلف خسائر لا حصر لها في الأموال والأنفس. والأدهى من كل ذلك أن يلقى المسلم ربه سكرانا. ولا حول ولا قوة إلا بالله. سفر يذكر بالسفر الكبير الكَيّسُ من يذكره كل ما يشاهده بما أعده الله تعالى لعباده. فتذكره النعم بالنعيم الذي لا ينفد، وتذكره النقم والمكاره بالجحيم. من هنا احتوى دعاء السفر الثابت عن رسول الله تذكير المسافر بالسفر الكبير الذي منتهاه الدار الآخرة. (وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ). فيتذكر المسلم دوما أنه مقبل على ربه، وأنه سيخاطبه ليس بينه وبينه ترجمان، وأن له مقاما بين يديه سبحانه، وأنه سيجد ما قدم قدامه صغيره وكبيره. فإذا كان من شأن الإنسان أن يتزود لأسفاره بما يلزم، فإنه لا زاد للسفر الكبير سوى خشية الله والعمل بطاعته سبحانه. وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الالْبَابِ البقرة 196 جعلنا الله من المتقين والحمد لله رب العالمين

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.