فقدان 157 ألف منصب شغل خلال 3 اشعر يضع وعود الحكومة على المحك    أزيد من 100 مظاهرة لدعم غزة بمختلف المغربية وإشادة بالتضامن الطلابي الغربي    وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة    لقجع يكشف سبب إقالة خليلوزيتش قبل أشهر من انطلاق كأس العالم 2022 وتعيين الركراكي    حسابات الصعود تجمع الكوكب المراكشي وسطاد المغربي في قمة نارية    نفي وتنديد بتزوير باسم " الأيام24″    إصابة حمد الله تزيد من متاعب اتحاد جدة السعودي    شرطة الحسيمة تترصد المتورطين في محاولة تهريب أطنان من المخدرات    ورشة تكوينية بتطوان حول تسوية البنايات غير القانونية    موظف فالمحكمة الابتدائية بتاونات تدار تحت الحراسة النظرية: يشتبه أنه اختلس 350 مليون من صندوق المحكمة وغادي يتقدم للوكيل العام ففاس    بمشاركة مجموعة من الفنانين.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البهجة للموسيقى    مؤجل الدورة 26.. المغرب التطواني في مواجهة قوية أمام نهضة بركان    إلغاء الزيادات الجمركية في موريتانيا: تأثيرات متوقعة على الأسواق المغربية    وزيرة المالية تجري مباحثات مع أمين عام منظمة "OECD"    مطار الداخلة.. ارتفاع حركة النقل الجوي ب 19 في المئة خلال الربع الأول من سنة 2024    توقعات طقس اليوم السبت في المغرب    حسن التازي يغادر أسوار "سجن عكاشة" بعد حكم مخفف    الصين تطلق المركبة الفضائية "تشانغ آه-6" لجمع عينات من الجانب البعيد من القمر    هيئة حقوقية تطالب عامل إقليم الجديدة بوقف سراء سيارتين جماعيتين بقيمة 60 مليون سنتيم    لقجع: ظلمونا في نهائيات كأس العالم    تقرير أمريكي يكشف قوة العلاقات التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة        كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    إعدام أشجار يخلف استياء بالقصر الكبير    الداكي يستعرض إشكالات "غسل الأموال"    وفرة المنتجات في الأسواق تعيق طيّ "صفحة الدلاح" بإقليم طاطا    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    ماركا الإسبانية: أيوب الكعبي الميزة الرئيسية لنتائج أولمبياكوس الجيدة    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    تشييع جثمان النويضي .. سياسيون وحقوقيون يعددون مناقب الراحل (فيديو)    بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا    بالصور والفيديو: شعلة الحراك الطلابي الأمريكي تمتد إلى جامعات حول العالم    الأمثال العامية بتطوان... (589)    حموشي تباحث مع السفير المفوض فوق العادة للسعودية المعتمد بالمغرب بخصوص تطوير التعاون الأمني بين البلدين    صفعة جديدة لنظام العسكر.. ال"طاس" ترفض الطلب الاستعجالي لل"فاف" بخصوص مباراة بركان واتحاد العاصمة    منظمة دولية: المغرب يتقدم في مؤشر حرية الصحافة والجزائر تواصل قمعها للصحافيين    باكستان تطلق أول قمر اصطناعي لاستكشاف سطح القمر    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    باستعراضات فنية وحضور عازفين موهوبين.. الصويرة تحتضن الدورة ال25 لمهرجان كناوة    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبعاد التجديدية في منظومة التربية والتكوين لحركة التوحيد والإصلاح
نشر في التجديد يوم 16 - 07 - 2010

تكتسي المسألة التربوية أهمية خاصة لدى الحركة الإسلامية، وتكاد تتميز عن بقية الحركات الأخرى في هذه المسألة، بحكم أن أهدافها الاستراتيجية بعضها ذو طبيعة تربوية من الأساس، وبعضها الآخر لا يمكن أن يتحقق إلا بحضور البعد التربوي. ولذلك، شكل حضور البرنامج التربوي ثابتا من الثوابت في تجربة كل الحركات الإسلامية.
وشأنها شأن كل الحركات، فقد اعتمدت روافد حركة التوحيد والإصلاح برامج تربوية خاصة، ثم تبنت الحركة زمن الوحدة برنامجا تربويا انتقاليا ركزت مجمل مواده على تحقيق هدف تعميق أركان الوحدة الحاصلة والإعداد التربوي اللازم للمرحلة العادية، وقد توسل البرنامج لتحقيق هذا الهدف جملة من الدروس التي تعمق فكر الوحدة على ثلاث مستويات: مستوى العقيدة، ومستوى الدعوة، ومستوى الحركة.
وبعد انتقال الحركة إلى المرحلة العادية، تبنت الحركة برنامجين تربويين: البرنامج التمهيدي، وهو الذي قصدت من خلاله تحقيق سلامة الاعتقاد وتنمية الإيمان وبناء الاستقامة والانخراط في سلك الدعوة إلى الله عز وجل، والبرنامج الأساسي، وهو الذي قصد ترسيخ المعاني السابقة، ونقل الفرد إلى مستوى اليقين الإيماني الراسخ بهذه المعاني؛ سواء على مستوى العقيدة أو العبادات أو على مستوى الفقه والدعوة.
وفي جميع البرامج السابقة، كانت تعتمد الحركة دروسا مدرسية تصدرها بنصوص شرعية، إذ تبرز أهمية الموضوع وأهدافه العامة والمضامين الخادمة لهذه الأهداف، فيما حاول برنامج الحركة الأخير إضافة فقرتين؛ فقرة النماذج، والتي قصد بها تقديم بعض النماذج التي تقرب للفرد مضامين الدروس التربوية وتحفزه على تمثل الأهداف، وفقرة التدريب والتطبيق، والتي تقترح بعض المهام التي تجعل الفرد منخرطا في تحقيق جزء من الأهداف التي قصد الدرس حفز الفرد على تمثلها.
وفي العموم، فإن هذه البرامج لم تكن تخرج عن هيكل الدرس المدرسي التعلمي، الذي يقصد تحقيق جملة من الأهداف التي تفرضها طبيعة الدروس التربوية المقترحة.
-------------
البعد التجديدي في منهجية الإعداد
فقد صيغت المنظومة من قبل خبراء مختصين في إعداد وتنزيل وتقويم المنظومات التربوية بمنهجية تشاركية وبطريقة متوازية؛ تجمع بين الإعداد المتدرج لفقراتها ثم عرض المنتوج على الأجهزة التقريرية للحركة لاتخاذ قرارات الاعتماد بعد نقاش ومشاورات داخلية وخارجية، وإدخال التعديلات والملاحظات من قبل فريق الإعداد، ثم الانتقال إلى المرحلة الموالية بعد تثبيت المرحلة السابقة، وهو ما مكن من ترصيد وتثبيت المنجزات وبناء رؤية واضحة لإنجاز المراحل الموالية بالرغم مما تتطلبه هذه المنهجية من وقت ومن مجهودات، إلا أن احتمالات التغيير والتطوير في المنظومة تبقى في حدود 10 في المائة في الأمد المنظور بعد دخولها حيز التنفيذ، مما سيمكن الحركة من الاستقرار في منظومتها التربوية يسمح بالتقويم والتتبع ورصد مدى تحقق مواصفات التخرج.
----------------
في مبررات الحاجة إلى منظومة تربية وتكوين داخل حركة التوحيد والإصلاح
غير أن هذه المرحلة عرفت نقلة نوعية بعيدة في هذا المجال، وذلك من خلال إعادة تقييم للمسألة التربوية داخل الحركة، ومحاولة جعل البرنامج التربوي منسجما وخادما لرؤية الحركة ومشروعها الرسالي، لكن من خلال الاستناد إلى رؤية تربوية علمية تنطلق أساسا من مرجعية الحركة، وتستعين بالمقاربات الجديدة المعتمدة في مجال الدراسات التربوية الحديثة وبناء المناهج. ولعل ما ساعد الحركة أكثر على التوجه رأسا إلى إنتاج هذه المنظومة هي الوظائف الثلاث التي تخصصت فيها، وفي مقدمتها وظيفتا التربية والتكوين.
لكن ما يميز هذه التجربة هي كونها حاولت القطع مع المنطق المدرسي الذي كانت تعد به البرامج التربوية، والذي كان يركز بشكل مكثف على المعارف التي يحتاجها أبناء الحركة، وقد تم القطع مع المرحلة السابقة عبر تبني أسلوب علمي يعتمد أولا تشخيص الواقع التربوي للحركة، وتحديد الحاجيات الواقعية للعملية التربوية الكفيلة بتخريج الأعضاء القادرين على تمثل رؤية الحركة وتحقيق مشروعها الرسالي في سياق الواقع الذين يعيشون فيه، وباستحضار الفرص والتحديات والمتغيرات التي يفرضها السياق الواقعي، وينطلق ثانيا من فلسفة الحركة ورؤيتها وأثر ذلك على نوع التربية الخادمة لهذه الرؤية الجديدة. فإذا كان رؤية الحركة قد حددت كهدف استراتيجي لها إقامة الدين وإصلاح المجتمع، وانتقلت من منطق التنظيم الجامع إلى التنظيم الرّسالي، فإن ذلك يفرض عليها بالضرورة إحداث تحول نوعي في منظومتها التربوية، ومراجعة أسلوبها التقليدي الذي كان مرتبطا بمنطق بناء الجماعة وبناء التنظيم واعتماد أسلوب علمي يساير من جهة المفاهيم الجديدة التي اعتمدتها الحركة من قبيل الرّسالية والرؤية التشاركية والانفتاح على المجتمع ومكوناته، ويأخذ بعين الاعتبار التحديات التي تفرضها المتغيرات الوطنية والدولية، لاسيما على مستوى منظومة القيم. فكانت هذه هي المنطلقات والمبررات التي سوغت الحاجة إلى منظومة تربية وتكوين لا تركز فقط على المعارف كما كانت تفعل البرامج التربوية السابقة، ولكنها تضيف إليها كلا من الجانب القيمي والمهاري حتى تلبي للفرد وكل المستهدفين بهذه المنظومة الحاجيات الواقعية المطلوبة، والتي من شأنها أن تكون سندا لأعضاء الحركة لتنزيل المشروع الرسالي ضمن شروط الواقع وإمكاناته.
في علمية منظومة التربية والتكوين
تأسس علمية منظومة التربية والتكوين على جملة من الأساسيات منها:
1 التشخيص: إذ التشخيص سابق لأي نظرية تربوية، ويقصد بالتشخيص، دراسة الإمكان التربوي ضمن شروط الواقع، وما يفرضه من تحديات ومتغيرات قد تؤثر على الكسب التربوي وما يتيحه أيضا من فرص وهوامش للمبادرة.
2 المرجعية: إذ يفترض كل مشروع تربوي الانطلاق من مرجعية محددة حتى تنتظم كل فقراته ضمن رؤية واحدة، وقد اعتمدت المنظومة ثلاث مرجعيات أساسية للحركة هي وثيقة الميثاق لحركة التّوحيد والإصلاح؛ وخاصة منها فقرة المبادئ والمنطلقات التي تحدد هوية الحركة في كونها حركة مفتوحة في وجه كل مسلم من أبناء هذا الوطن يريد أن يتفقّه في دينه ويعمل به ويدعو إليه، ووثيقة الرؤية التربوية لحركة التّوحيد والإصلاح، والتي أكّدت على مركزية التّربية في عمل الحركة، ووثيقة رسالة الحركة التي أكدت اعتماد الحركة على إعداد الإنسان وتأهيله، ليكون صالحا مصلحا في محيطه وبيئته، والتزامها منهج التدرج والحكمة والموعظة الحسنة، والتدافع السلمي، والمشاركة الإيجابية والتعاون على الخير مع غيرها من الأفراد والهيئات.
3 الاستعانة بالدراسات الحديثة في علوم التربية وبناء المناهج: إذ تقدم هذه الدراسات أرضية علمية مهمة على مستوى بناء المفاهيم وتشكيل التصورات، وكذا تطوير طرق ووسائل التربية والتعليم وأساليب التقويم، وهو ما حضر بكثافة في مادة المنظومة ومنهجية بنائها.
4 الأهداف المركزية والكفايات الثلاث الخادمة لها: إذ اعتمدت المنظومة التمييز بين الأهداف المركزية وبين الكفايات التي تتحقق على المستويات الثلاث (بناء المعارف وترسيخ القيم وتنمية المهارات). فعلى مستوى الأهداف المركزية، احتفظت المنظومة بالأهداف المركزية التي أعلنها المشروع الرسالي للحركة، والتي تتمثل في الارتقاء بأداء الفرد، إلى مستوى أرقى من حسن الالتزام بالدين أحكاما وقيما، والالتزام بالدعوة إليه بحكمة وتبصر، ووسطية واعتدال، والإسهام في تخريج الأطر الرّسالية، القوية والأمينة، المتوفّرة على خبرات علمية ومهارات عملية، والمتشبّعة بمنظومة قِيم راقية؛ تؤهّلها للإسهام في بناء تنمية شاملة وتشييد حضارة راشدة، أما على مستوى الكفايات الثلاث، فقد حصرت ضمن كل كفاية جملة من الأهداف الفرعية التي حاولت أن تكون المادة التربوية خادمة لها، بحيث يخدم مجموع هذه الأهداف المتحققة ضمن الكفايات الثلاث الأهداف المركزية المعلنة ضمن رؤية الحركة ومشروعها الرسالي.
5 تحديد المواصفات: وتقصد بها المنظومة المواصفات التي يجب استهدافها في المتخرج من هذه المنظومة، إذ ميزت بين المواصفات النهائية التي يطلب الحصول عليها بعد استكمال كل مراحل المنظومة، وبين المواصفات المطلوب تحقيقها في نهاية كل مرحلة من المراحل.
6 مراحل التكوين: إذ اعتمدت المنظومة ثلاث مراحل تكوين (تمهيدية، أساسية، تأهيلية)، وجعلت لكل مرحلة هدفا مركزيا تخدمه أهداف فرعية مندرجة ضمن الكفايات الثلاث (بناء المعارف ترسيخ القيم تنمية المهارات)، فالمرحلة الأساسية تعتبر بمثابة المدخل إلى المنظومة التّربوية التّكوينة، إذ تهدف إلى تحفيز وتشويق الأفراد إلى السّير على طريق الالتزام بالدّين والثّبات عليه والدّعوة إليه. أما المرحلة الأساسية، فهي تمثل مرحلة بناء الأسس المعرفية وغرس القيم الإيجابية والتّدريب على المهارات الضّرورية المشتركة، التي يحتاجها كلّ من أراد السّير على طريق الدّعوة إلى الله، واختار منهج حركة التّوحيد والإصلاح لذلك. فيما تهدف المرحلة التأهيلية إلى حصول نضج معرفي وقيمي ومهاراتي لدى العضو؛ لتأهيله للمشاركة في التّسيير والتّدبير وتحمّل المسؤولية في أعمال الحركة. ولذلك، اعتبرت المنظومة هذه المرحلة مرحلة للتخرج. وحتى تفي المنظومة بمرجعية الحركة، وكون التربية وظيفة مستمرة ولازمة للفرد، لم تغفل المنظومة المرحلة اللاحقة بمرحلة التأهيل، فسمتها مرحلة التّعهّد، وهي مرحلة مفتوحة من حيث مدّتها وأيضا برامجها؛ إذ يبقى العضو دائما بعد تخرّجه مرتبطا بفضاء تربوي/تكويني بشكل راتب؛ مع التّخصّص في مجال من مجالات عمل الحركة الذي يختاره وفق ميوله أو الذي يُكلّف به عند الضّرورة، وخصصت المنظومة لوسائل هذه المرحلة التربوية الجامعات الموسمية والمخيّمات التّربوية/التّكوينية، والأكاديميات التّخصّصية ...
7 اعتماد الدليل المنهجي: وهو الذي يرسم منهج التعامل مع المنظومة، إذ يحدد الجداول الجامعة، ومدد مراحل التكوين، والموصفات النهائية للتخرج، وتطور مواصفات الفرد عبر مراحل المنظومة، والمصوغات التربوية وجداولها حسب المراحل، وبنية البطاقة التقنية للوحدة التربوية التكوينية، ودليل الإجراء، وما يتضمنه من قاعدة بيانات دروس المنظومة ومنهجية إعداد الحصة التربوية.
8 خيارات التنزيل: ولتأكيد علميتها اعتمدت المنظومة صيغا وخيارات لتنزيلها بحسب الإمكانات التي تتوفر عليها الجهات والمناطق حتى تضمن واقعيتها من جهة، وتوفر شروط تطبيقها ضمن سياقات مختلفة من جهة ثانية، وتضمن بذلك تحقيق المواصفات المرحلية والنهائية للمتخرج من مراحل هذه المنظومة.
بهذه الأسس الثمانية، تدشن حركة التوحيد والإصلاح أول تجربة علمية في المجال التربوي، وهي التجربة التي ستثبت الممارسة التربوية أهميتها ومدى قدرتها على تحقيق الرهانات التي رفعتها الحركة في مشروعها الرسالي، والإجابة على تحديات استهداف القيم ومحاولة تكسير الإجماع حول المرجعية سواء على المستوى الداخلي والخارجي.
الأبعاد التجديدية في منظومة التربية والتكوين
لا يمكن الوقوف عند الأبعاد التجديدية في هذه المنظومة إلا بمقارنتها بالبرامج التربوية التي اعتمدتها الحركة في المراحل السابقة، وبالرؤية التي تأسست عليها. وبهذا الصدد يمكن الوقوف على ست ملامح أساسية:
1 الملمح الأول: من البرنامج التربوي إلى منظومة التربية والتكوين: كانت البرامج التربوية التي اعتمدتها الحركة في جميع مراحلها تضع الأولوية للجانب التربوي، وتترك الجانب التكويني لاجتهادات المناطق أو الجهات، لكن ميزة منظومة التربية والتكوين أنها جمعت بين التربية والتكوين، ووضعت لهما معا رؤية ناظمة حتى لا تختلف الرؤية المؤطرة للتربية عن الرؤى المؤطرة للتكوين.
2 الملمح الثاني: مراعاة خصوصية الفئات المستهدفة بالتربية: لم يكن هذا الملمح حاضرا في البرامج التربية السابقة، إذ كان الجميع، بمختلف الفئات، يخضعون لمواد البرنامج التربوي من غير مراعاة لخصوصية الفئات المستهدفة. وقد حاولت منظومة التربية والتكوين أن تتجاوز هذه الآفة بإبداع صيغة منفتحة تجعل القاسم المشترك بين جميع الفئات يصل إلى حدود 70 في المائة، فيما بقيت 30 في المائة من مواد البرنامج تتيح الإمكانية لاستيعاب خصوصية الفئات المستهدفة، وهو ما أزال إشكالا كبيرا كانت تعاني منه بعض الفئات مثل الطلبة والعمل التلمذي والعمال وغيرهم ممن كانوا ينتقدون على مواد البرنامج التربوي أنها لا تأخذ بعين الاعتبار طبيعة هذا العمل والتحديات التي يطرحها.
3 الملمح الثالث: من التوجيهات العامة إلى المرجعية المؤطرة: وتمكن النقلة النوعية للمنظومة في كونها انتقلت من فكرة بناء البرنامج اعتمادا على توجيهات ومحاولة تصريفها من خلال دروس ومحتوى تعليمي موزع في مدى زمني معلوم، إلى منظومة للتربية والتكوين تنطلق من تحديد فلسفة ومرجعية مؤطرة ثم التقويم التشخيصي لواقع البرامج السابقة ثم تحديد المواصفات العامة للتخرج، والتي تتدرج إلى مواصفات التخرج من كل مرحلة ثم بناء هندسة بيداغوجية ومحتوى تربوي ثم خيارات للتنفيذ والتقويم والتتبع.
4 الملمح الرابع: نحو بناء مشروع تربوي جديد وفق معايير الجودة التربوية المعاصرة: فبتوجه الحركة إلى بناء منظومة للتربية والتكوين، تكون قد تبنت خيارا استراتيجيا يتعلق ببناء مشروع تربوي جديد ومتكامل وفق معايير الجودة التربوية المعاصرة، ثم توفير إمكاناته وتجاوز إكراهاته بالتدريج أثناء التنزيل بتضافر جهود الجميع، مما يجعل الحركة تنظر برؤية مستقبلية في أفق ,2025 عوض بناء مشروع تربوي تقليدي مشدود إلى الماضي ومقيد بالإمكانات والإكراهات الموجودة، ولا يحمل من الجديد إلا تغييرات وإضافات بسيطة كما كان يحدث في السابق.
5 الملمح الخامس: ويتمثل في ثلاثة مكونات:
أ نظرية المضلع الثلاثي الأبعاد: ومن أهم البعاد التجديدية التي رسختها المنظومة أنها سعت في رؤيتها إلى تأكيد التكامل بين بناء المعارف وتنمية المهارات وترسيخ القيم كمثلث متساوي الأضلاع في بناء شخصية الخريج من المنظومة، والذي يقدم خدمة للمجتمع كفرد مؤثر في محيطه الإنساني عموما والدعوي خصوصا، عوض خريج يمتلك مجموعة من المعارف الشرعية وبعض المهارات الدعوية ، وينحصر دوره في خدمة الحركة. مع الإشارة إلى أهمية هذا التوجه في المرحلة السابقة وقصوره عن مواكبة حاجات الحركة في المرحلة القادمة.
ب تكامل المعارف: وإذا كانت المنظومة أضافت إلى البعد المعرفي الاهتمام بترسيخ القيم وتنمية المهارات، فإنها في الشق المتعلق بالمعارف، ركزت ولأول مرة على البعد التكاملي في المعرفة، فبدل التركيز على المعرفة الشرعية كما كانت البرامج التربوية السابقة تفعل، فقد تم تسليط الضوء إلى جانب المعارف الشرعية، على المعارف الإنسانية والتاريخية والحضارية، مع إعطاء أهمية للثقافة الوطنية، إذ لا تكتمل المعارف الشرعية إلا بوضعها في تكامل مع باقي المعارف الأخرى، الشيء الذي كان شبه غائب في البرامج السابقة.
ج اختيار القيم المرشحة للترسيخ بحسب الحاجة والتحديات التي يفرضها التحول المجتمعي: فالقيم التي تم اختيارها لتؤطر مخرجات المنظومة خضعت لنقاش كبير في سياق التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي عموما وكذا سياق المحيط الدولي، ومن شأن ذلك أن يضع خريج المنظومة في صلب هذا التحول استيعابا وتأثيرا. قيم تجد عمقها في التأصيل الشرعي وتنفتح أبعادها إلى ما هو كوني إنساني، مما سيفتح أمام الحركة فرصا للتواصل والتلاقي؛ سواء مع الجمعيات التي تشاركها نفس المرجعية أو المكونات التي تختلف معها في المرجعية لكنها تتعاون معها في الدفاع عن القيم في القضايا العادلة. وهذا تحول نوعي في مسار الحركة تبرز بها اندماجها في محيطها الوطني والدولي، وقدرتها على استيعاب المتغيرات المحيطة بها ويفتح أمامها الباب لاقتراح أكثر من بديل ممكن للتعاون والتنسيق والتكامل مع دعاة الخير والحق حيثما كانوا.
6 الملمح السادس: المنظومة تفتح آفاقا رحبة للانفتاح، إذ ستمكن من تغيير رؤية الآخر للحركة بانتقالها من حركة دعوية تهتم بأعضائها وتكوينهم الشرعي؛ مما يبدو انغلاقا وتقوقعا على الذات في نظره إلى جمعية فاعلة من جمعيات المجتمع المدني تملك مشروعا إصلاحيا متكاملا وشاملا؛ قد تستفيد منه المنظمات والهيئات المماثلة وطنيا ودوليا، وتجد فيه نقط التقاء عديدة مع مشاريعها مما يمكن استثمارها للتنسيق والتعاون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.