ارتباطا باحتفالات العالم بالذكرى الأربعين ليوم الأرض والبيئة حيث تم اختيار العاصمة الرباط إضافة إلى مدن عالمية أخرى منها نيويورك وواشنطن وبيونس ايريس وكالكوتا وطوكيو لتخليد هذه الذكرى بإقامة أنشطة تحسيسية بقيمة البيئة وأهمية المحافظة عليها من كل ما من شأنه الإضرار بها. وتتزامن هذه المناسبة على الصعيد الوطني وطرح الميثاق الوطني للبيئة في وقت باتت فيه الأوضاع البيئية في مقدمة أولويات الفاعلين المهتمين بالقطاع الاجتماعي والصحي والشأن البيئي عموما. ولئن كانت البيئة ذلك المحيط الطبيعي والثقافي الذي يعيش فيه الفرد والمتكون من جملة الحلقات المترابطة التي يؤدي فقد إحداها إلى تعطيل دوران الأخريات وهو ما يفرض الحرص للإبقاء على التوازن الايكولوجي الملائم كفالة لعالم دون تلوث... التلوث هذا الشبح المخيف يمكن القول بأنه هو: كل ما يحدث تغييرا سلبيا على منظومة بيئية معينة، ويحول دون الحفاظ على العديد من العناصر الأساسية المؤثرة في حياة البشر كالماء والهواء والبحر والغابة....ومن شأن هذا التغيير السلبي أن يؤثر على الوضع الصحي للإنسان ومحيطه عموما. فسلامة أي مجتمع لا تقاس بمدى استقراره السياسي والاجتماعي والاقتصادي فقط، بل لا مناص من وجود بيئة سليمة من أي تلوث. وفي هذا السياق يعتبر العنصر البشري المعني الأول بالبيئة وفي الوقت ذاته اكبر مسئول عن أي تدهور واخلال بيئي. ولئن كانت طرق عيش الإنسان في العقود الماضية تنطوي على البساطة في كل شيء،حيث يلبي حاجياته اليومية(التنقل،الاستفادة من المصنوعات... ) دون أن يضر بمحيطه،كما كان يتآلف مع الطبيعة على نحو مثير،فان الأوضاع انقلبت رأسا على عقب،حيث أدى تطور المجتمعات وارتفاع النمو الديمغرافي للمدن الكبرى وبروز حاجيات ومتطلبات جديدة موازاة وأنماط العيش المترفة،واشتداد المنافسة الاقتصادية والعسكرية على الصعيد الدولي إلى استباحة كل شيء. وهكذا نجم عن زحف الاسمنت والعمران واكتظاظ المدن الكبرى بالسكان:طرح الأطنان من النفايات المضرة بضواحي هذه المدن وأحيانا بوسطها مما ينعكس على الوضع البيئي للسكان،كما أن تنقل الأشخاص يستلزم الكثير من وسائل النقل التي تؤثر بضجيجها وما تفرزه محركاتها من أدخنة الوقود التي تعكر الهواء وتضر بصحة الأفراد،أضف إلى ذلك تزايد المشاريع الصناعية والمعامل الضخمة الذي يساهم بقسط لا يستهان به في تلويث البيئة من خلال الأدخنة والغازات التي تصدر من هاته المعامل والتي تشكل خطرا حقيقيا على السكان المجاورين لها. كما أن التلوث لا يقتصر على الذي يطال الهواء فقط وإنما ثمة تلويث أكثر خطورة يكمن في تلوث المياه،إذ غالبا ما يتعمد الكثيرون طرح النفايات أو مخلفات إنتاج المعامل في الأنهار والوديان والأحواض المائية والسواقي مما يؤثر على مياه الشرب ومياه السقي حيث إذا لم تخضع للمعالجة تصيب الأفراد بالكثير من الأمراض: كالإسهال ،المالاريا،التهاب السحايا،الكوليرا... كما قد تؤثر على النبات والشجر متى كانت بها مواد مضرة. أما إفراغ مواد سامة في البحار مثل ما تفعله الأساطيل العائمة التي تنقب عن البترول وغيره في أعماق المحيطات أو ما ينجم عن تعرض بعض الناقلات العملاقة للبترول لحوادث بحرية مما يؤدي إلى القضاء على الثروة السمكية في محيط الحادث ويخلق تلويثا بحريا خطيرا نتيجة اختلاط الحمولة النفطية والغازية ومن الأمثلة السالفة يتضح أن هذه الأنواع من التلوث تقتصر أثارها إلى حد ما على نطاق ضيق بتعبير أخر سلبياتها تنحصر على المكان الذي وقعت فيه. بيد أن ثمة واحد من اخطر أصناف التلوث الذي يتهدد حياة البشرية: وهو الذي يصدر عن المعامل التي تتولى تكرير البترول وتصفية الغاز الطبيعي،علاوة على المصانع التي تستعمل الغازات التي لها تأثير ومفعول قوي على الغلاف الجوي إذ أن الدول المصنعة الكبرى لا تتردد في استخدام بعض الغازات المحظورة،رغم ما يشكله ذلك من خطر شديد على مستقبل البشرية،فهم الشركات الرأسمالية العملاقة هو الربح دون أدنى اعتبار لانعكاسات ذلك. إعمالا لمبدأين الأول: \"الغاية تبرر الوسيلة\" والثاني: رأسمالي صرف \"دعه يعمل دعه يمر\". ولعل مكمن الخطورة في استعمال هذه الغازات هو مساهمتها في زيادة تركزات غاز ثاني اوكسيد الكربون في الغلاف الجوي والذي يتفاعل مع غازات أخرى مما يؤثر على طبقة الأوزون التي تتآكل شيئا فشيئا وهو ما احدث بها ثقبا مما فسح المجال لتسرب الأشعة الفوق البنفسجية إلى كوكب الأرض والأخطر أن تسرب هذه الأشعة الفوق البنفسجية والتحت الحمراء يهدد حياة الملايين بالإصابة بأمراض جلدية في مقدمتها مرض السرطان والربو والالتهاب الرئوي... ويعد الصغار والشيوخ أكثر من سيهددهم الارتفاع المهول لحرارة الأرض،وكذا بعض أصناف الحيوانات والطيور المهددة بالانقراض.وفي سياق الحديث عن التلوث الذي تحدثه هذه الغازات السامة والخطيرة فان ذلك ما فتئ يكشف عن سلبيات غير محدودة في مقدمتها: o ارتفاع درجة حرارة الأرض سنويا بشكل نسبي متزايد. o وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الحرائق في الغابات،مما يقضي على دورها الكلاسيكي في تنقية الهواء وتثبيت التربة... o ارتفاع منسوب مياه الأنهار والمحيطات نتيجة ذوبان الثلوج في أعالي الجبال وبالقطبين المتجمدين الشمالي والجنوبي وهو ما يهدد بالقضاء تدريجيا على بعض المدن الساحلية... o كما أن المناخ العالمي لم يسلم هو الأخر من هذه التغيرات السلبية الخطيرة،إذ سجلت عدة تقلبات مناخية غير عادية في شكل فيضانات مهولة وأعاصير مدمرة وزلازل مروعة،كما لم تنتظم التساقطات المطرية في الكثير من الأقطار،بل شهدت بعض المناطق من العالم عواصف ثلجية غير مسبوقة مثل ما حدث في صحراء سيناء المصرية والنقب... وثمة سلبيات أخرى للتلوث لا تقل خطورة عن سابقتها: o فهو يؤدي إلى الإصابة بعدة أمراض ويهدد صحة الإنسان o يلحق الأضرار بالتربة لاسيما إذا تعلق الأمر بنفايات صعبة الانحلال كالأكياس البلاستيكية السوداء... o يضر بالمياه ويساهم في انقراض بغض أصناف الطيور والحيوانات.... ومن الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث:  إحداث هيئات وجمعيات محلية لتحسيس الرأي العام بمدى خطورة هذه الآفة.  تعزيز الترسانة القانونية التي ترمي لحماية البيئة،والحفاظ على الثرات الطبيعي والثقافي من اجل بيئة سليمة  تنشئة الأجيال الجديدة على مدى أهمية السلامة البيئية من خلال إدراج مقرارت في هذا الموضوع بالمدارس التعليمية.  الاعتناء بالتشجير والمساحات الخضراء  الحرص على عدم تلويث الأماكن التي يرتادها الناس باستمرار  جمع النفايات في أمكنة بعيدة وإحراقها إن لم تكن صالحة لإعادة التصنيع أسوة بما وصلت إليه الدول الغربية التي تصنع موادا حتى إن فرغ من استخدامها وطرحت كنفايات سهلت عملية انحلالها في التربة واغنائها.... على الصعيد الدولي أمام الخطورة الحقيقية التي أضحى يشكلها التلوث تعالت أصوات بعض الهيئات المهتمة بالمحافظة على البيئة منددة بما وصل إليها العالم من ترد للأوضاع البيئية. ويقترح أنصار البيئة تنظيم ندوات وحملات على الصعيد الدولي للضغط على الجهات الرسمية،كما يتم في بعض الدول تخصيص أيام بدون سيارات بين الفينة والأخرى،كما أن الشركات العالمية التي تضع الرهان البيئي ضمن اهتماماتها تتجه نحو صنع عربات مصممة وفق معايير تقلل من تلويث الهواء بأدخنتها... وحتى الجهات الرسمية ذاتها ما فتئت تشجع بروز منظمات إقليمية وجهوية هدفها إيجاد أنجع السبل للقضاء على مصادر التلوث أو التخفيف منها في اضعف الإيمان وحماية المنظومة البيئية العالمية. وقد نظمت في السنين الأخيرة عدة مؤتمرات دولية تمخض عنها توقيع اتفاقية كيوطو سنة 1997 للحد من ظاهرة الانحباس الحراري والذي أعقبته عدة مؤتمرات دولية حول التغييرات المناخية ومنها ذلك الذي انعقد بمراكش المغربية قبل سنوات لكن الدول الكبرى التي تساهم بشكل كبير في حدوث وتفاقم ظاهرة الانحباس الحراري لازالت ترفض التوقيع على بروتوكول كيوطو لأنه لا يتماشى وأهدافها التجارية ذات أولوية على الأهداف البيئية مما ينذر بتفاقم الأوضاع مستقبلا. قديما قالوا الإنسان ابن بيئته هذه المقولة التي تحمل دلالات ومعاني كثيرة،من منطلق أن البيئة عينها لها أكثر من مدلول لان ثمة بيئة ثقافية وبيئة اجتماعية وبيئة صحية وبيئة صناعية وبيئة زراعية وبيئة سياسية.... لكن أمام الاعتداءات البشرية عليها بشكل مفرط في السنين الأخيرة يمكن القول إن الإنسان عدو بيئته. خلال كلمة ألقاها رئس المحكمة العليا البرازيلية القاضي انطونيو هرمان بنيامين في الأمسية الفنية التي أقيمت بالرباط ليلة السبت 24 ابريل 2010في إطار الاحتفال بيوم البيئة والأرض أشار إلى أن أزيد من 600000 متر مربع من الغابات تم إتلافها في الأمازون منذ سنة 1970 إلى الآن،أليس في هذا اعتداء خطير على الثروة الغابوية والحيوانية....؟ وهي مساحة تفوق بكثير مساحة المغرب الذي اختير هذه السنة من ضمن الدول المخلدة لهذه الذكرى وتأتى له ذلك بفضل الترسانة التشريعية التي أضحى يتوفر عليها في المجال البيئي نذكر قانون الماء رقم 95/10علاوة على طرح الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة ... ويأتي المغرب في مقدمة البلدان العربية والقارية التي تولي اهتماما ملحوظا للحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي إيمانا منه بكون أن أية تنمية مستدامة لن تتحقق بمعزل عن تكثيف الجهود لتأهيل القطاع البيئي ليكون في أحسن الأحوال. في نفس الأمسية تدخلت الفنانة أمينة رشيد ودعت عموم المغاربة إلى ضرورة بدل أقصى الجهود للحفاظ على سلامة بيئتنا مركزة على بعض السلوكيات اليومية التي تنم عن غياب وعي بيئي والتي يجب القضاء عليها كرمي الازبال في الأماكن العمومية أو في باب الجيران... وترسيخ سلوكيات أكثر تعبيرا عن مواطنة بيئية فاضلة...سلوكيات تلعب فيها الأسر والمدارس المسئول الرئيس لتثبتها في مخيلة الناشئة. وفي صبيحة اليوم الموالي الأحد 25 ابريل نظمت جمعية ( المرأة، انجازات وقيم ) التي ترأسها البطلة العالمية نزهة بيدوان سباق النصر النسوي السنوي والذي أطلقت فيه الآلاف من النسوة من مختلف الأطياف العمرية سيقانها للريح وكم كان مهولا رؤية منظر العشرات من القنينات المائية الفارغة يتطاير من أيدي بنات حواء قبالة البرلمان المغربي مما حول شارع محمد الخامس إلى مزبلة لساعات قبل أن يتولى عمال النظافة المغلوب على أمرهم تنظيف المكان والغريب في الأمر وقوع هذا أمتارا فقط عن عشرات الشجيرات الكارتونية المثبتة على طول الشارع المذكور تحفيزا للعموم بأهمية المساحات والأشجار الخضراء والوسط البيئي النموذجي الضروري لحياة أفضل، لبيئة سليمة لا بد من سلوك سليم ووعي بأهمية الحفاظ على المحيط والوسط إذ نعيش فيه ونتعايش معه كل يوم وترجمة ذلك على ارض الواقع .وإلا فانه فضلا عن التلوث سيبقى الإنسان اكبر عدو لبيئته بدون منازع. ذ : مصطفى الدهبي 26/04/2010
