فتح منزله للطلبة المغاربة بفرنسا وكان صديقا للفقراء ...وهكذا ... غادرنا الحاج عبد الرحمان بلمحجوب ملبيا نداء ربه وانتقل الى دار البقاء تاركا المجتمع الرياضي في خندق الحزن، ولم يتوقف الحديث عن عبد الرحمان اللاعب الموهوب والمتميز في الهواية والإحتراف، وعن عبد الرحمان الإنسان والفنان المطبوع بالعطف والإحسان، فمن هو هذا الرجل؟ وماذا علمنا بسيرته الذاتية؟ بشخصيته وحضوره الوازن في محيطه الرياضي في المغرب وأوروبا وفي مجتمعه. الذين شاركوا في تشييع جنازة الراحل بلمحجوب وعاينوا حمولة الموكب أدركوا دون شك قيمة الرجل وعلاقاته الإنسانية والاجتماعية وما حققه بالفعل الرياضي، نعم، السي عبد الرحمان بلمحجوب بكاه الجميع وأشاد بخصاله الحميدة كل الذين عايشوه وعرفوه أو سمعوا عن مبادراته. وأكد عبد الرحمان في رحيله أن الرياضة بمؤسساتها التربوية لا تكون الأبطال باكتشاف المواهب ورعايتها بل أبعد من ذلك تحضر الأجيال. الرياضة تعد المواهب والكفاءات في الحاضر وتحضر للمستقبل مواطنين صالحين لهم القدرة على تجاوز الصعاب وتخطي العقبات بإحداث عائلات مؤثرة في المجتمع بما هو إيجابي. عبد الرحمان بلمحجوب «بوعشرين» ولد في الدارالبيضاء واستنشق أولى نفحات الانتماء الى الوطن في المدينة القديمة، حيث بداية كتابة الاحرف الأولى في قصة مسار مبدع كبير. تألق بموهبته وأدواته التقنية في الحي وفي دروب عرصة الزرقطوني -سيدي علال القرواني- سيدي بوسمارة قبل أن يتميز وطنيا ويفتح باب الإحتراف في باريس من خلال نادي الراسينغ ومنه الى نادي نيس ثم مونبوليي والمنتخب الفرنسي ثم الوداد والمنتخب الوطني المغربي لاعبا ومدربا. وفي مساره الحافل بالتألق والتميز بإبداع نادر وفريد لم يغفل الآخرين من الأهل والأصدقاء واختار أن يبقى قريبا منهم، يحس بآلامهم وآمالهم ولم ينسلخ عبد الرحمان بلمحجوب عن البسطاء والفقراء ولم يبتعد عن الأهل والأصدقاء. فتح بيته في فرنسا للطلبة وساعد العديد منهم على مواجهة تكاليف العيش في مسار الدراسة كما دعم العمال المهاجرين واللاعبين المغاربة الملتحقين بالاحتراف، واختار هذا التوجه وساهم فيه في صمت بتواضع وتفان ونكران الذات. لم يكن عبد الرحمان اللاعب الكبير والمبدع الرائع نرجسيا وظل بعيدا عن الأضواء لا يلاحق وسائل الدعاية والإعلام، اعتمد على نفسه وطور مستواه الاجتماعي بالاجتهاد. ولم يغيره نجاحه، ولم يبعده عن محيطه، وبقي وفيا لمسقط رأسه ولم يتنكر للمدينة القديمة بالدارالبيضاء والمدار الذي أنجبه، وكان بذلك نموذج الرياضي المبدع الناجح والمواطن المغربي المعتز بانتمائه لوطنه والمنخرط في قضاياه وهمومه. إنه نموذج رائع وواضح للسائرين على دربه، نموذج في السلوك والأخلاق وفي الفن الرياضي الرفيع. فهو الذي اختار كرة القدم لعبة مفضلة، واحترف في سن مبكر وفرض نفسه في الدوري الفرنسي في منتصف القرن الماضي، كما حمل قميص منتخب فرنسا ودافع عنه بشموخ وكبرياء، ورفض حمل الجنسية الفرنسية والتحق بالمنتخب الوطني عند استقلال المغرب، وفضل إنهاء مسار الحياة في بلده، وبسلوكه الإنساني الراقي ارتبط بمحيطه وأوصى أن يواري جثمانه الثرى بمقبرة الرحمة. إنها رسائل عميقة وهامة تفرض أن يقرأها المجتمع الرياضي جيدا ويستحضرها بعد توديع عبد الرحمان بلمحجوب، الأكيد أننا عابرون في هذا الزمن العابر لكن هناك ما يميز صدى العبور. والرياضة الوطنية حبلى بالمواهب والطاقات، ولنا مجد رياضي ساهم فيه رياضيون احترفوا في ذاك الزمن الجميل وعادوا الى أرض الوطن، لكن وللأسف لم نقرأ ماعادوا به من فكر وثقافة وتجارب وخبرات، والسي عبد الرحمان واحد من هؤلاء السفراء الذين بلغوا قمة الشموخ بالتواضع ونكران الذات، وهي عوامل كونت الإجماع حول شخصه وسار وراء جثمانه خليط من الرياضيين وغيرهم؟ فلنقرأ رسائل «بلمحجوب».