باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    عندها الزهر لي كيهرس الحجر.. مرا ربحات 2 مرات فالقمر فقل من 3 شهر    دعوة من بيت الذاكرة لترسيخ التنوع الثقافي من أجل إشاعة قيم السلام    الإنتحار أزمة نفسية أم تنموية    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    الأرشيف المستدام    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    العفو الملكي    شحنة كبيرة من الكوكايين تستنفر أمن طنجة    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    طقس الإثنين.. أجواء حارة وأمطار خفيفة ببعض مناطق المملكة    التضامن يعلو مجددا في طنجة .. مسيرة للتذكير بمأساة غ.زة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    يوسف النصيري دخل تاريخ إشبيلية مع أحسن 10 هدافين دازو عندهم    النصيري يعاقب "غرناطة" بهدف جديد    رئيس جمهورية غامبيا يستقبل المدير العام للإيسيسكو في بانجول    الفيدرالية المغربية لناشري الصحف تنتقد تدبير قطاع الاتصال..وتنبه لوضعية المقاولات الصغرى والجهوية    الزمالك يحدد موعد الوصول إلى بركان    "عكاشة" يكذب محاولة "تصفية سجين"    حسنية أكادير تنفي حصولها على منحة 15 مليون من الرجاء    المغربي اسماعيل الصيباري يتوج بلقب الدوري الهولندي رفقة إيندهوفن    البرتغالي گيريرو غايب على البايرن فماتشها ضد الريال    نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام    نتنياهو يريد بقاء حماس في السلطة، "ودوافعه الخفية كُشفت" – جيروزاليم بوست    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    وزارة الثقافة تسعى لحماية "شباب التيكتوك" من الانحلال الأخلاقي    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط        مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    ڤيديوهات    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نخبة وازنة من المثقفين والفنانين المغاربة يحتفون بالكاتب
نشر في بيان اليوم يوم 08 - 12 - 2013

محمد أديب السلاوي وإصداره الجديد «السياسة الثقافية في المغرب الراهن»
احتضن مسرح محمد الخامس بالرباط، ليلة 25 نونبر الماضي، لقاء حميميا بين الكاتب محمد أديب السلاوي، ونخبة وازنة من المثقفين والأدباء والإعلاميين، حيث تم الاحتفال بإصداره الأخير «السياسة الثقافية في المغرب الراهن»، وقد عرف هدا اللقاء ما يشبه الندوة المفتوحة حول موضوع هذا الكتاب وكاتبه، شارك في تنشيطها الفنانة لطيفة التيجاني، والناشطة الحقوقية الأستاذة خديجة بركات، والباحث محمد السعيدي، والإعلامي الطاهر الطويل والناشر والناشط الثقافي الدكتور عبد اللطيف ندير. وقد أبرزت مداخلات هذه الندوة، الموقع المتميز للكاتب الباحث الأستاذ محمد أديب السلاوي، في الساحة الثقافية الراهنة، إذ يعتبر من بين أكثر الكتاب العرب غزارة في التأليف والإنتاج الأدبي والإعلامي والسياسي نقدا وإبداعيا وتنظيرا، وأجمع كل المتدخلين في هذه الندوة، أن أديب السلاوي ذو تجربة موسوعية موسومة بالتعدد، إذ راكم تجربته منذ بدايات الستينات إلى الآن بين التحرير الإعلامي والمقالة السياسية والتحليل المسرحي والمقاربة التشكيلية والنقد الأدبي شعرا ونثرا، وهو ما ساعده لأن يكون رصيده من الكتب يتعدى الأربعين كتابا وما يزال في جعبته الكثير. وعن كتابه «السياسة الثقافية في المغرب الراهن» موضوع هذا اللقاء، أجمعت المداخلات والشهادات، أنه كتاب المرحلة، يكشف عن حقائقها الثقافية المؤلمة منذ حصول المغرب على استقلاله سنة 1955 حتى اليوم، فكل الإنجازات التي تم تحقيقها على أرض الواقع، في نظر مؤلف هذا الكتاب متواضعة وهشة، بسبب موقع الثقافة في السياسات الحكومية، في الوقت الذي كانت النخبة الثقافية المغربية ولا تزال تعتبر الثقافة من المحفزات والدعامات الأساسية للتنمية، وللتغيير، وللانتقال الحضاري، باعتبارها رهانا تفرضه وتحتمه العولمة ومتطلبات التنمية الشاملة، لذلك يدعو الكاتب محمد أديب السلاوي السلطة السياسية أن تفتح المجال لكل الفاعلين الثقافيين من كل الفئات الثقافية، لخلق إجماع فكري ثقافي مستقل، يحتضن كل التيارات المهتمة بالمسألة الثقافية للتداول في مفاهيم ومتطلبات إستراتيجية الإنقاذ الثقافي. في ختام هذه الندوة الاحتفالية بكتاب «السياسة الثقافية في المغرب الراهن»، تم الإعلان عن مشروع إحداث مؤسسة محمد أديب السلاوي للثقافة والفنون، وهي مؤسسة لرد الاعتبار لرجل أعطى كل حياته للثقافة في بلاده دون أن يأخذ شيئا...
ونظرا لأهمية المداخلات التي قدمها المشاركون في هذا الحفل، تنشر بيان اليوم ملفا يتضمن ما ورد فيها من قراءات وشهادات تعميما للفائدة وتقديرا منها لهذا الكاتب المغربي الجاد الذي يواصل العطاء والبذل في صمت قل مثيله.
مستقبل الثقافة المغربية في الألفية الثالثة :
من خلال «السياسة الثقافة في المغرب الراهن»للكاتب الباحث «محمد أديب السلاوي»
بقلم: محمد السعيدي
تعززت الخزانة الثقافية العربية مؤخرا بإصدار جديدة متميز، يحمل عنوان السياسة الثقافية في المغرب الراهن، لامس خلاله الكاتب الباحث محمد أديب السلاوي إشكالية السياسة الثقافية عندنا، واقعا وآفاقا توزعت مباحثها الكبرى إلى ثلاثة محاور، في قراءتنا لهذا الكتاب الوثيقة العلمية، ذات الأبعاد العميقة والطروحات المستجدة:
أولها: محور فلسفي/معرفي يجيب فيه الكاتب الباحث محمد أديب السلاوي عن ثنائية الإشكالية المطروحة:
هل السياسة تقود الثقافة؟ أم الثقافة تقود السياسة؟
ثانيها: محور يعالج الأزمة الثقافية على امتداد عقود من الزمن الحضاري إلى الألفية الثالثة:
أسبابها/ انعكاساتها /اللغة العربية ومعاناتها / أزمة القراءة ومعوقاتها / التربية التشكيلية ومعاناتها.
ثالثها: محور مشروع محمد أديب السلاوي الإصلاحي للخروج من الأزمة.
المجلس الأعلى للثقافة / الأمن الثقافي / أكاديمية محمد السادس للغة العربية / أجندات الإصلاح النهضوي.
لكن قبل الغوص بإيجاز خلال هذه المحاور وعرض أهم مضامينها مدعمة بآراء كبار المفكرين المحدثين. أتوقف وقفة قصيرة عند المنهج والأسلوب اللذين اعتمدهما أديبنا المبدع في إنجاز مؤلف النفيس.
المنهج والأسلوب:
علمي: اعتمد الكاتب في إبداع أطروحته على المنهج العلمي، مستمدا عناصره من المراجع المتخصصة، والأكاديمية الرصينة.
وصفي/إحصائي: يقرأ المشهد الثقافي عبر عقود من الزمن، قراءة مدعمة بإحصائيات تغني مباحثه، وتجلي حقائقها إجلاء مفصلا دقيقا.
تفكيكي / تركيبي: ثم يعمد بعد هذه العملية التفكيكية إلى تجميع ما تفرق في المشهد من مواقع لتركيبها بغية الوصول إلى خلاصات استنتاجية / لوحات تشكيلية أدبية.
نقدي / إصلاحي: يهدف بعد تشريح عناصر الثقافة عندنا، إلى تقديم مشروع إصلاحي يروم الرقي بها إلى مستوى الدول المتقدمة.
الأسلوب : أدبي تستهويك فيه العبارة، وتأسرك لمتابعة القراءة إلى النهاية، بآليات تشويقية تجتذبك لاستكشاف واقع الحال والتطلع لما يقترحه الكاتب لعلاجه.
قراءة في العنوان:
يعتبر عنوان الإصدار الأخير للكاتب الباحث محمد أديب السلاوي «السياسة الثقافية في المغرب الراهن» عنوانا موحيا بالكثير من الأسئلة، مختزلا لغير قليل من التلميح، ملامح الإشكالية الثقافية في مغرب الألفية الثالثة وأستاذنا معروف في معظم إصداراته بتطلعاته الاستشرافية المستقبلية بعد الآنية بملامسة للتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يعيش في كنفه عالم الألفية الثالثة. فهو يضع مشاريع كتاباته النقدية بمفهومها العميق الواسع الدال شأنا يوميا، يهم النخب بكل أطيافها والساسة بمختلف إيديولوجياتهم، والمدبرين للشأن العام بأجمعهم ، وعلى الأخص منهم أولئك الذين يتحملون مسؤولية هذا القطاع الحيوي.
ثنائية الثقافة والسياسة :
في هذا السياق ركز الكاتب الناقد على العلاقة الجدلية التاريخية لثنائية الثقافة والسياسة، موحيا بتساؤلات غاية في الدفة ومنتهى التركيب: هل السياسة في خدمة الثقافة؟ أم الثقافة في خدمة السياسة؟ هل هما ندان متكاملان؟ أم هما غريمان متضادان!؟ وباختصار شديد، هل تعطى الأولية للسياسي على الثقافي!؟ هل يصبح الفعل الثقافي فعلا سياسيا؟ وأخيرا ما الفرق بين السياسي المثقف والسياسي المكون سياسيا؟ ألم يتساءل بعض مفكرينا من كون الخوف عند الدول المتخلفة من تثقيف المجتمعات، هو نفسه الخوف من دمقرطتها وتحديثها! إن غلبة السياسي على الثقافي تهدد دور المثقف، وتختزل سلطته الثقافية في أدوار إيديولوجية لا تخدم دوره النقدي/ العملي. كما يقول المفكر الفرنسي بونيفاس في آخر إصداراته بعنوان Les intellectuels intégrés «المثقفون النزهاء» .
استقرأ كاتبنا هذه الأسئلة بكل ما تشتمل عليه من معان جسام، وأجوبة دقيقة، متعمقا في مدلولاتها، مستبحرا فيما يكتنفها من رؤى فلسفية وأبعاد أدبية، بآليات المفكر الحصيف والباحث المدقق.
ابتسمولوجية الثقافة /المعرفة :
وقبل ذلك توقف باحثنا عند لفظة الثقافة / المعرفة، ذلك المصطلح العميق في لغات الكون كما وسم به المبحث الأول ص19، مستخلصا أنها «دائرة خلاقة مشبعة بالتراكمات المعرفية والتجارب الميدانية لأنماط السلوك الإنساني، وفي ذات الوقت تتحول إلى صناعة خلاقة وفاعلة لأنماط فكرية» ص 19، واقفا على أغلب التعاريف الواردة ضمن أشهر المعاجم والموسوعات العربية والغربية المصطبغة بألوان العصور وبيئاتها: فقد كانت عند العرب الأقدمين تعني الحذق تجسده عبقرية الإنسان. وعند الإنجليز تجسم التهذيب الحضاري. ولدى عبد الرحمان بن خلدون هي العمران بكل فضاءاته الاجتماعية والمعمارية. وهي عند آخرين تعني الفلسفة بكل مفاهيمها. وعمل باحثنا على تجميع ما تختزله الثقافة بمدلولاتها القديمة والحديثة، ملفتا النظر للسياسة الثقافية كأكبر موضوع للتخطيط المستقبلي الذي يراعي الأولويات والتوازنات ص 27 مركزا كدأبه على ثقافة الألفية الثالثة، يقول في ذلك محللا: «نجد أن الثقافة في عصرنا الحاضر، عصر التكنولوجيا والحضارة الرقمية قد تحولت إلى فضاء شامل للإبداع والابتكار» ص 28، «والنخبة القائدة لها هي ضمير الأمة، لأن قيادة الرأي تقتضي المواقف الصائبة الرامية إلى النهضة التنويرية والتقدم الحضاري المنشود»، مستحضرا الوضع الثقافي خلال مائة سنة الماضية في خضم الاستعمار العسكري، والسياسي والثقافي، مؤكدا أن الثقافة في عالم اليوم تحولت إلى وعي نقدي بمفهومها الكوني متعدد الألسن، متسع الآفاق. وعن تخلفنا الثقافي يرى «أن غياب استراتيجية وطنية واضحة ومجددة لتحديث الثقافة وجعلها في مستوى العصر الديمقراطي، واقع معيش» ص 34.
نهضة الثقافة الإلكترونية:
ورغم هذا الغياب البارز، والانشطارية التي فرضتها ظروف خاصة، ظهرت تفجرات ثقافية تبشر بالتجديد المعرفي التكنولوجي، تسعى إلى نقل الثقافة المغربية إلى مستوى تطلعاتها نحو عصرها الجديد، دون أن تقطع مع التراث في مراتبه وتصنيفاته «ص 36»، بهذا يضع باحثنا أصبعه على الداء منوها بما تضطلع به نخبة مثقفة عبر الأنترنيت، من نهوض بالمشهد الثقافي المغربي، في غيبة استراتيجيات على الآماد القريبة والمتوسطة والبعيدة، وهو يقصد بذلك تلك الطفرات الناهضة، المؤسسة لعالم جديدة للقراءة المتيسرة، سهلة الولوج، ذائعة الصيت، موفورة النشر، المتجلية في إصدارات اتحاد كتاب الأنترنيت الذي يسهم في خلخلة المشهد الثقافي الراكد، وإعطائه نفسا حداثيا بشكل منهجي علمي، بعيدا عن تسخير السياسة للثقافة على ما هو متداول عند غير قليل من مثقفينا. لكن الكاتب الباحث يرى مع ذلك أنه لابد من إرادة سياسية لصياغة هذا المشروع المنشود المتعلق بإبداع استراتيجية ثقافية ناهضة.
مشروع محمد أديب السلاوي الثقافي :
كما يهدف مشروعه بالإضافة إلى هذه الصيحة الصداحة إيلاء السياسة الثقافية ما هي جديرة به من عناية، وما هي قمينة به من ترسيخ لآلياتها المنتجة، فهو لذلك يدعو لإعطائها القيمة المعطاة للتعليم لأنه جزء وظيفي منها، وذلك بتوفير الميزانيات الضرورية لنهوضها من كبواتها، ويلح بشكل صريح لتأسيس المجلس الأعلى للثقافة، على غرار المجلس الأعلى للتعليم، يضم نخبة من رجال الفكر والثقافة بكل أجناسها، دون إهمال أو تبخيس لأي واحد منها، بغية رسم سياسة ثقافية مواكبة لتطورات العصر العلمي، بدلا من أن يظل الشأن بين أيدي مسؤولين سياسيين تطغى عندهم السياسة على الثقافة.
وتطغى لديهم عن قناعة، توجهاتهم الإيديولوجية على العلم الصرف، وبذلك يكون إعداد سياسة ثقافية بين أيدي أهلها، من أكابر رجالاتها، والخروج من الحالة التي هي عليها أجدى وأجدر، فالوزراء الذين تعاقبوا /يتعاقبون على هذا القطاع الخطير، رغم أن بعضهم من كبار المثقفين فإنهم يتغيرون عند كل استحقاقات تشريعية مما يجعل المشروع الثقافي المنشود/والغائب أساسا، يفقد توهجه لإيثارهم الاهتمام بالإداري والسياسي الإديولوجي على حساب الثقافي. وقد لمسنا كيف أن مشروع الأديب الكبير، المرحوم امحمد أبا حنيني طواه النسيان، ولم يتحقق من إنجازه ما يغني مشهدنا الثقافي، بسبب تكوين لجنة وطنية للثقافة عابرة، بدلا من تأسيس مجلس أعلى للثقافة قار ومستمر مهما تغير الوزراء المتعاقبون على تدبير شأن الوزارة المختصة يكون قادرا على إدارة المعركة الثقافية، وعلى بناء استراتيجية قريبة وبعيدة المدى لربح رهاناتها، ص :50 .
قراءة في كتاب « السياسة الثقافية في المغرب الراهن»
غياب الثقافة، أم ثقافة الغياب؟
بقلم: الطاهر الطويل
بعد نصف قرن من استقلال المغرب ما زالت الثقافة غائبة باستثناء جهود محدودة للمثقفين.
يبدو محمد أديب السلاوي في مجمل مؤلفاته مسكونا بهاجس الإصلاح وبهموم الناس، وبالطموح نحو رؤية وطنه يرتقي الدرجات نحو وضع أفضل في شتى المناحي الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية... هذا الكاتب المغربي لا يركب النظريات والأحلام أو «اليوتوبيات»، ولا يعتكف في برج عاجي كما يفعل الكثير من المثقفين؛ بل إنه يمد جسورا رفيعة نحو الواقع المعيش، فينطق بلسان «الأغلبية الصامتة»، ويحلل الواقع بعين الناقد والإعلامي والكاتب، كاشفا عن مكامن الخلل والقصور والفساد؛ مما يجوز لنا أن نطلق على أديبنا وصف «غرامشي»: «المثقف العضوي».
على هذا النهج نفسه، نسج السلاوي كتابه الأخير: «السياسة الثقافية في المغرب الراهن»، فاضحا بجرأة ومرارة واقع الثقافة في المغرب؛ مؤكدا أنها، طيلة أزيد من ربع قرن من استقلال البلاد، وهي تعاني من التهميش والإهمال وعدم المبالاة. أكثر من ذلك، كان التوجه الرسمي للحكومات المتعاقبة يسخّر بعض المظاهر الثقافية لتكريس المسلكيات السلبية ذاتها، ولمحاربة كل طموح نحو التغيير وتجاوز الإحباطات المتتالية في شتى المجالات؛ وذلك عوض أن يجعل الثقافة أداة للتنوير وتنمية الوعي وترسيخ قيم الاعتزاز بالذات الجمْعية المتأصلة في عمقها التراثي المشرق والمنفتحة في الآن نفسه على مستجدات العطاء الإنساني المشترك.
يستقرئ الكاتب مفهوم «السياسة الثقافية»، فيوضح أنها ليست فلسفة، وليست كذلك مجموع مخططات فقط، ولكنها مجموعة تخطيطات تخدم مشروعا يعتمد على فلسفة عامة كبرى تراعي حاجيات المجتمع وخصوصياته. وفي مجتمعنا، لا يمكن أن تكون السياسة الثقافية المأمولة غير ترجمة لتحقيق التغيير، أي أن تحقيق التنمية الحقة التي تتوافق فيها أوراش العمل من أجل دفع الإنسان ليكون فاعلا ومشاركا ومنتجا ومسؤولا في الآن نفسه، وأن يكون مقتنعا بجدوى ما يفعل. وتحقيق التنمية يمر دائما وباستمرار عبر طريق الثقافة، فقبل التخطيط الاقتصادي يجب تهيئة الإنسان وفهمه وتنشيطه وتربيته، إذ إن الإنسان هو الغاية والهدف والوسيلة في الوقت ذاته.
ويكشف السلاوي عن حقيقة مؤلمة، مفادها أن موضوع الثقافة ظل غائبا عن التفكير وعن السياسات الحكومية منذ حصول المغرب على استقلاله (1955)، فكل الإنجازات الثقافية التي تم تحقيقها على أرض الواقع، متواضعة وهشة، تمت بمجهود الأفراد والباحثين والكتاب والفنانين، وبعض جمعيات المجتمع المدني، حسب إمكانياتهم الذاتية وتضحياتهم الخاصة، وهم بذلك حافظوا على بعض ملامح الثقافة المغربية وعلى بعض ملامح تراثها ومكوناتها. ويتابع قوله: إن أدوار المثقفين المغاربة في عقود القرن الماضي، حتى وإن كانت جزءا من وضعية التراجع العامة الحاصلة في الواقع السياسي، إلا أنها فاقت أدوار باقي الفاعلين في المشهد التاريخي، في تنوعه وتعقيداته، ليس بسبب وعي النخبة الثقافية المبكر، ولكن أيضا بسبب إيمان هذه النخبة وإصرارها على التغيير والانتقال إلى مرحلة أحسن.
وجوابا على سؤال عمّا إذا كان إدراك النخبة المغربية واهتمامها بالشأن الثقافي يعكس إحساسها بالاستحقاق الزمني الراهن، يؤكد المؤلف أن الوعي الذي يتحصل لدى النخبة الثقافية المفكرة والمبدعة تجاه هذا الاستحقاق، هو الذي يتيح لها وضع نفسها في علاقة مباشرة مع تراثها الثقافي، ومع تطلعاتها المستقبلية في الآن نفسه؛ فهي تواجه الثقافة الامبريالية والثقافة الصهيونية والثقافة الغازية متعددة الأهداف، بثقافة تواجه موضعيا تحديات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تنطق بلغة الممارسة النضالية الحية، أو بلغة التراث العريق والمتجذر في الهوية والتاريخ، ولكنها تكرس قيم العقلانية والاستنارة والإبداع والخلق وروح النقد والتجديد خارج أي تخطيط أو توجيه أو دعم أو رعاية، وتصر على التحرر الإنساني والتقدم الاجتماعي، وهو ما يترجم إحساسها الزمني بالاستحقاق سالف الذكر.
إن النخبة الثقافية المغربية تعتبر الثقافة من المحفزات والدعامات الأساسية لهذا الاستحقاق، فهي رهان تفرضه وتحتمه العولمة ومتطلبات التنمية الشاملة. غير أن المثقف المغربي، الذي يعمل خارج أية سياسة أو استراتيجية ثقافية كما يلاحظ السلاوي أصبح يعاني سلسلة أزمات لا حد لها، فهو يعرف دوره في المجال، ولكنه ضائع بين ضغط السلطة وبين تزلفه إليها، فهو إما يكون عميلا لهذه السلطة، أو متصارعا معها.
وبأسف شديد، يقول كاتبنا: إن وزارة الثقافة المغربية شملها ما شمل العديد من وزارات الحكومات المغربية المتعاقبة، خلال العقود الأربعة الماضية: الفراغ، الهشاشة، الفساد، الافتقار إلى سياسة أو رؤية أو إستراتيجية واضحة في المجال الثقافي. لقد تعاقب على هذه الوزارة، خلال العقود الأربعة الماضية، العديد من الأسماء «الغليظة»، بعضها يحترف الحديث عن الثقافة، وأغلبها لا علاقة له بتدبير شؤونها، وهو ما راكم فجوات وثقوبا على المشهد الثقافي المغربي. بل وهو ما طبع هذا المشهد بسلوكات التحقير والتهميش أحيانا وبالزبونية والإقصاء والمحسوبية أحيانا أخرى. الأكيد، إذنْ، أنّ غياب سياسة ثقافية من المشهد الحكومي بالمغرب لم يكن غيابا عشوائيا، بل حكمته طوال هذا التاريخ، خلفية إيديولوجية تعادي الثقافة وتجعل منها عدوا للسلطة.
ويمكن قياس السياسة الثقافية بمغرب الألفية الثالثة، أي بعد نصف قرن من حصول المغرب على استقلاله، بما تحمله التقارير الدولية الرسمية عن القراءة والكتابة والنشر، وهي الأدوات الأكثر تعبيرا عن الثقافة والفكر، مثلما يورد محمد أديب السلاوي، مشيرا إلى أن إحصائيات «اليونسكو» و»الألسكو» توضح أن معدل القراءة في مغرب الألفية الثالثة لا يتجاوز ست دقائق في السنة للفرد الواحد، وأن معدل نشر الكتب لا يصل إلى كتاب واحد لكل ربع مليون مواطن.
ويتوقف الكاتب عند المفارقة التالية: في بداية القرن الماضي، كان عدد سكان المغرب لا يتجاوزون عشرة ملايين، ولم تكن فيه سوى جامعة القرويين بفاس وجامعة ابن يوسف بمراكش. وكانت المطابع الحجرية تطبع من بعض الكتب العلمية أو الفقهية عشرات المئات من النسخ في المتوسط. واليوم، وقد تجاوز عدد سكان البلاد الثلاثين مليون نسمة، وتجاوز عدد جامعاتها ومعاهدها ومدارسها العليا العشرين، والكتاب ما زال على حالته، لا تستطيع دور النشر طبع وتوزيع أكثر من ألف أو ألف وخمسمائة نسخة في أحسن الأحوال (حسب تصريحات وبلاغات وإعلانات دور النشر المنتشرة في العديد من المدن المغربية)، وهو ما يشير إلى حالة عياء في الثقافة المغربية المعاصرة، وهي حالة تجد جذورها بطبيعة الحال في الأمية الكاسحة، وفي الانحدار المريع في وضع التربية والتعليم والبحث العلمي، وفي انعدام أي تخطيط أو استراتيجية للتنمية الثقافية... وبالتالي في الإهمال الذي عانت وما زالت تعاني منه الثقافة وشؤونها في السياسات الحكومية المتعاقبة.
وباعتقاد السلاوي، فإن أزمة الكتاب في المغرب تساهم فيها إضافة إلى وزارة الثقافة عدة أطراف، فهي أزمة المؤلفين والمترجمين والطابعين والمصممين والناشرين والموزعين، فضلا عن القراء المستهلكين للكتاب. ويورد المؤلف وجهة نظر الشاعر والناشر محمد بنيس التي تتلخص في أن وضعية الكتاب تحدّ من الحلم بالكتاب الذي يكون وجها لحياة ثانية، ولا تكتمل صورة هذه الوضعية في حقل الكتاب الثقافي الحديث بالعربية في المغرب إلا بإبراز مجموعة من العوامل:
عدم ميل المغاربة إلى القراءة، لا بسبب ارتفاع نسبة الأمية، بل بسبب انعدام الرغبة في القراءة لدى المتعلمين من جميع المستويات التعليمية.
سيادة ثقافة الإعلام والاستهلاك في سائر مجالات الحياة. ويعتبر التلفزيون الوسيلة المفضلة لسيادة هذه الثقافة.
انتشار سريع وسهل لثقافة الإنترنت، لا كمكمل للكتاب أو جسر يؤدي إلى الكتاب، بل كنفي للكتاب واستغناء تام عنه.
اختزال الثقافة المكتوبة بالعربية إلى ثقافة دينية تقليدية.
اتساع حقل الثقافة الفرنكفونية (الشفوية والمكتوبة) في أغلب مناحي الحياة اليومية.
تقلص الطلب على الكتاب في أغلب البلاد العربية.
ومن بين الحلول التي يقترحها الباحثون المتخصصون لهذه الإشكالية: ضرورة دخول المؤسسة التعليمية بقوة وبكل فعالية في تفعيل القراءة، من خلال عقد شراكات تفتح الباب على مصراعيه لحضور الكتاب داخل هذا الوسط الذي يفترض فيه أن يكون أكبر سوق للكتاب من خلال عدد التلاميذ والطلبة والأطر التعليمية.
إن إنجاز إستراتيجية ثقافية لا يعني كلاما عابرا في زمن عابر، إذ لا بد له من أن يخضع لشروطه الموضوعية. لذلك، يدعو محمد أديب السلاوي السلطة السياسية في المغرب إلى أن تفسح المجال لكل الفاعلين الثقافيين، من كل الفئات الثقافية، لخلق إجماع فكري ثقافي مستقل، يحتضن كل التيارات المهتمة بالمسألة الثقافية، للتداول في مفاهيم ومتطلبات هذه الإستراتيجية التي تستدعي جعل الثقافة فضاء للابتكار والإبداع وتأسيس وعي نقدي تسنده قيم الحرية والمساءلة في المجتمعين السياسي والمدني، وجعل الثقافة أيضا إسهاما يوميا لتمكين المواطن من تحصيل المعرفة والتربية والذوق والإحساس الجمالي وتنمية الملكة النقدية.
وبنبرة تمزج بين التهكم والحسرة واليأس من المتنفذين المتسلطين على الشأن الثقافي يقول السلاوي: لا أحد ينتظر من وزارة الثقافة و»أصنامها» الإجابة عن الأسئلة المطروحة على هذا القطاع. ولكن الكل ينتظر أن يتمكن مغرب العهد الجديد (مغرب الألفية الثالثة، مغرب دولة الحق والقانون، مغرب المواطنة) من إدارة الشأن الثقافي وحماية كرامة الجهد الثقافي وكرامة أصحاب هذا الجهد. وفي هذا الإطار، يقترح مؤلف الكتاب إعادة هيكلة الإدارة الثقافية، بما يناسب توسيع دائرة الإنتاج الثقافي، واعتماد سياسة دعم هذا الإنتاج وانتشار تداوله، مع إعادة الاعتبار لقيم التعدد والإبداع، وتمكين المواطنين في المغرب النافع وغير النافع، من الكتاب واللوحة والقطعة الموسيقية والمسرحية، وخلق فضاءات ثقافية جديدة، تسهل اتصال المواطنين بالمعارف الجديدة، وبناء هياكل ثقافية عصرية تغطي حاجيات المغرب في مجالات التراث والفنون والكتاب، وتؤهله لدخول أطوار التنمية الفنية والعلمية والاقتصادية، ودعم الكتاب والمبدعين بما يضمن حياتهم وإنتاجهم الثقافي وحماية عيشهم الكريم من الفقر والتهميش والضياع والموت البطيء..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.