المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية يدين هجوما مسلحا قرب ثكنة للمينورسو ويحمّل البوليساريو المسؤولية    اعتصام لقوات تابعة لمرتزقة البوليساريو احتجاجًا على التهميش والإهمال الصحي العلم الإلكترونية – متابعة    مجموعة العمران تطلق جولة "Al Omrane Expo – مغاربة العالم 2025" من بروكسيل    ترامب: وقف إطلاق النار في غزة ممكن خلال أسبوع    قناة عبرية: مصدر سوري يكشف عن توقيع إسرائيل وسوريا اتفاقية سلام قبل نهاية العام    إسرائيل تقتل 550 طالبا للمساعدات.. الأمم المتحدة تندّد بنظام "عسكري" لتوزيع المساعدات في غزة    الجيش الأمريكي يقول إن السبب وراء عدم قصف منشأة أصفهان النووية هو موقعها العميق تحت الأرض    مونديال الأندية: مواجهة مرتقبة بين سان جرمان وميسي.. وبايرن يصطدم بفلامنغو    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    توقيف شخصين لإهانة الشرطة وتخريب مرفق عمومي بابن جرير    أزيلال.. انهيار سور ثانوية بتيموليلت يودي بحياة خمسيني وقطيع غنمه    مبادرة في المغرب تستعين بتلاميذ لإقناع متسربين بالعودة الى مقاعد الدراسة    نظام إيران يشيع عسكريين وعلماء    وزارة العدل الأمريكية تضغط لإقالة رئيس جامعة    مصادر طبية تنعى 66 من أطفال غزة    برلماني جزائري يؤكد التلفيق للمغرب    ألونسو: دياز يتمتع بروح تنافسية عالية    انطلاق بيع تذاكر كأس إفريقيا للسيدات بالمغرب    2419 ملعب قرب مبرمج لتعزيز البنية الرياضية بالمغرب    جمال سلامي    أخنوش يدعو النقابات إلى اجتماع لجنة إصلاح التقاعد في يوليوز المقبل    نقاش في جنيف يدين انتهاكات تندوف    تقنين جديد لإنتاج وتسويق الخل بالمغرب    أين اختفى الاتحاد الإفريقي..اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية يوقع في واشنطن    عملية توقف "داعشية" بمدينة الرباط    جريمة قتل أم تستنفر الشرطة بمكناس    منتخبون يرثون حال المحمدية ويُحملون آيت منا مسؤولية ذبول "مدينة الزهور"    مراكش تحتضن المنتدى الدولي للشباب بمشاركة واسعة من دول العالم الإسلامي    المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي: لا الاتحاد ولا أي من دوله الأعضاء يعترف ب"الجمهورية الصحراوية" المزعومة    مونديال الأندية: جماهير غفيرة وأهداف غزيرة في دور المجموعات    المغرب وتركيا يوقعان بإسطنبول على مذكرتي تفاهم حول السلامة الطرقية والممرات البحرية    زلزال بقوة 6,1 درجة يضرب قبالة سواحل جنوب الفلبين    البوليساريو تلقت ردا حاسما بعد استهدافها السمارة    رحيل الإعلامية والممثلة المغربية كوثر بودراجة بعد صراع مرير مع المرض    كرة الطائرة / اتفاقية تعاون بين CAVB و AIPS إفريقيا …    المغرب يرفع وتيرة الاستثمار في قطاعات استراتيجية ذات جاذبية عالمية    بالفيديو.. كاظم الساهر يسحر جمهور موازين في ليلة طربية خالدة    ارتفاع مبيعات الإسمنت بنسبة 9,5%    الذهب يتراجع مع صعود الدولار    المغرب يتصدر موردي الحمضيات للاتحاد الأوروبي بصادرات قياسية        بحضور الأميرة لمياء الصلح.. فوضى تنظيمية خلال حفل كاظم الساهر ومسرح محمد الخامس يتحول إلى "حمام بلدي"    "أولاد يزة 2" يفوز بالجائزة الثانية في مهرجان الإذاعة والتلفزيون بتونس    ضوء خافت يشع من العقل أثناء التفكير.. والعلماء يبحثون التفسير    المغرب يحقق "معجزة صناعية" مع الصين بالجرف الأصفر: مصنع مغربي-صيني يضع المملكة في قلب ثورة البطاريات العالمية    حفل كاظم الساهر في "موازين" .. فوضى تنظيمية تسيء للفن والجماهير    كاظم الساهر في موازين: ليلة اهتز فيها التنظيم قبل الموسيقى -صور خاصة-    أكاديمية المملكة و"غاليمار" يسدلان ستار احتفالية كبرى بآداب إفريقيا    ضجة الاستدلال على الاستبدال        طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    احذر الجفاف في الصيف .. هذه علاماته وطرق الوقاية منه    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب «العوامل الغير اقتصادية للتنمية»
نشر في بيان اليوم يوم 24 - 05 - 2015

كتاب عزيز بلال "العوامل الغير اقتصادية للتنمية" كتاب نفيس يتضمن تحاليل و أفكارا يمكن الاستئناس بها، بل و اعتمادها، لتحليل الواقع الحالي ولفهم مجمل التحولات التي حدثت وتحدث في بلدنا و بناء إستراتيجية للتنمية ملائمة لها.
خمس أطروحات أساسية:
لأجل مقاربة شمولية لإشكالية التخلف يقترح عزيز بلال خمس أطروحات، تعتبر خلاصة أبحاثه في هذا الحقل: -1 اعتبار التخلف مسلسل سوسيو/تاريخي processeurs socio-historique ناتج عن تأثير الاستعمار و الإمبريالية على التشكيلات الاجتماعية الما قبل رأسمالية التي كانت بنيتها وخط تطورها مخالفا لما كانت عليه مجتمعات أوروبا الغربية، وهذا التأثير الاستعماري في البنيات الاقتصادية و الاجتماعية لما قبل رأسمالية précapitaliste الواقعة خارج الموطن الأصلي للرأسمالية (أوروبا الغربية) لم يكن نتيجة صدفة تاريخية، بل ينبغي أن يفهم على أنه من طبيعة تطور النمط الرأسمالي للإنتاج وقوانينه المحركة في مرحلته الامبريالية.
ومن أجل فهم عميق لهذه المسألة يستلزم الأمر نبذ كل تحليل ميكانيكي « أرويي المركز» eurocentrisme من جانب، ومساءلة التاريخ و الحركة السوسيو/ تاريخية الحقيقية أي القيام بقراءة جديدة للتاريخ من جانب آخر... وهنا يقترح عزيز بلال قراءة للتاريخ تميز بين نموذجين من المجتمعات قبل الثورة الصناعة (ق 18):
- تلك التي أدت، في مسار تطورها،إلى ولادة الرأسمالية (أوربا – اليابان).
- تلك التي مرت بمراحل هامة من الحضارة ودخلت لاحقا في سبات وتقهقر... ثمة، إذن خطان من التطور التاريخي مختلفان ومتمايزان طوال المراحل التاريخية لما قبل الثورة الصناعية.
إن هذا التمييز آمر ضروري وقاعدة أساسية لفهم مسلسل تشكل «التخلف» كبنية متميزة ناتجة عن فعل القوانين التاريخية لكلا الخطين التي ينبغي الكشف عنها من أجل إمساك معرفي بالظاهرة وإمكان تجاوزها بالتالي، وهنا تطرح ضرورة معرفة أخرى، هي فهم المكانيزمات التي أدت إلى الانتشار الخارجي للرأسمالية وتحولها إلى الإمبريالية.. إن ميكانيزمات التحول تلك يحكمها القانون الداخلي لتطور النمط الرأسمالي للإنتاج، هذا التطور الذي قاده إلى الانتشار في المناطق الواقعة خارج مواطنه الأصلية، وانتشاره ذاك أدى إلى تخريب البنيات الاقتصادية و+الاجتماعية لما قبل الرأسمالية في هذه المناطق، وهي بنيات مخالفة ومتميزة عن تلك التي سادت وتسود في المواطن الأصلية لنمط الإنتاج الرأسمالي......
فثمة عاملان إذن يفسران تشكل بنية «التخلف» في هذه البلدان المسماة « الدول المتخلفة»:
- طبيعة البنيات الاقتصادية والاجتماعية الماقبل الكولونيالية التي سادت هذه البلدان وخط تطورها التاريخي المتميز.
- التدخل الاستعماري و تحويل مسار تطور هذه البنيات نحو اتجاه آخر غير اتجاهها الأصلي..
أن تداخل هذين العاملين وتلازمهما التاريخي هو ما يسميه بلال بالمسلسل السوسيو/ تاريخي لتشكل بنية التخلف، وهو التفسير التاريخي الذي يقترحه لفهم هذا التشكل.
-1 اختلاف بنيات التخلف من قارة لأخرى ومن بلد لآخر:
ويرى بلال أن ملاحظة هذا الاختلاف ينبغي أن تقود إلى إعادة النظر في قراءة التخلف وعلاقته بالنظام الرأسمالي العالمي و تدقيق أصوله و أشكاله.
فأشكال التخلف انطلاقا من ميلاده يمكن أن تختلف في الزمان (من مرحلة لأخرى) و في المكان (من منطقة لأخرى)، إن هذا الاختلاف يعبر عن اختلافات البنيات الما قبل كولونيالية في هذه البلدان (المسماة متخلفة حاليا) من جانب ، واختلاف أساليب ضم التوابع للنظام الرأسمالي العالمي من جانب آخر.
فالبنيات الاقتصادية و الاجتماعية لما قبل الكولونيالية تختلف عن النظام الفيودالي (الإقطاعي) الأروبي كما تختلف عن بعضها البعض، من بلد لآخر ومن قارة لأخرى...
-2 بنية التخلف هي تركيب سوسيو/ اقتصادي جديد ومتميز:
لقد كانت سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي على التشكيلات الما قبل رأسمالية في البداية عبر علاقة: المتربول/التوابع، ثم بعد الاستقلال السياسي اتجه نحو إدماج هذه التشكيلات في النظام الرأسمالي بتدمير التشكيلات الغير رأسمالية التي غزاها، وتشويهها وجعلها خاضعة لوظيفته، وقد نتج عن ذلك تركيب combinaison متكون من التشكيلات الماقبل رأسمالية المحولة عن طبيعتها والتشكيلات المهيمنة .. هذا التركيب هو كل ديالكتيكي اجتماعي مختلف نوعيا عن الأشكال الما قبل رأسمالية التي كانت سائدة في هذه البلدان من جهة كما هو مختلف عن الأشكال الرأسمالية المتقدمة من جهة أخرى، أي أن التشكيلات الناتجة عن هذا الامتزاج بين تشكيلين مختلفين نوعيا هي تشكيلات متميزة..
هذه النظرية التي يقترحها عزيز بلال، والتي تنظر إلى بنية التخلف ككل تبعدنا عن النظرية التبسيطية «اللازدواجية» ، فليس ثمة ازدواجية قطاعين (تقليدي وعصري) منفصلين عن بعضهما البعض بل كل اجتماعي متميز ومترابط العناصر، وبذلك فهو يرفض الحل الذي تقترحه نظرية الازدواجية لإشكالية التخلف والملخص في عصرنة القطاع التقليدي وإلحاقه بالقطاع العصري (أي الرأسمالي) الأمر الذي يعني أن إستراتيجية التنمية تتم في أفق المشروع الرأسمالي.
-3 كل تشكيلة اقتصادية اجتماعية تشكل كلا في حركة تحكمها علاقة ديالكتيكية بين القاعدة المادية للمجتمع وبنيته الفوقية.
أن فهم طبيعة هذه العلاقة في بلداننا ودورها في استمرار «التخلف» أو العكس خلق قوى قادرة على تنحيته، يعتبر في نظر عزيز بلال مسألة مركزية لم يتم الانتباه إليها إلا من طرف قلة قليلة من الباحثين.. أن لهذه المسألة أهمية إستراتيجية ومركزية اعتبارا لكون المشكل العام للتنمية هو بالأساس مشكل تغيير اجتماعي.
ومنطق عزيز بلال النظري لفهم هذه العلاقة هو منطق مادي تاريخي جدلي، ويقوم بتحديد المفاهيم التي يستعملها لتكون واضحة ودقيقة، فيذكرنا أن القاعدة المادية للمجتمع أوبنيته الاقتصادية تتكون من أنماط الإنتاج الموجودة، والبنية الفوقية له تتكون من العلاقات الاجتماعية والمؤسسات التي تنظمها ومجموع الأفكار التي تمثل الوعي الاجتماعي (الأفكار، الإيديولوجيات إلخ...).
إن فهم العلاقة الموجودة بين البنية التحتية والبنية الفوقية، وهي مسألة تكتسي أهمية إستراتيجية عند عزيز بلال كما سلف الذكر، لا يمكن أن تتم إلا عبر منطق تحليل شمولي لواقع التخلف، أي القيام ب: تحليل سوسيو/ إقتصادي، وتحليل سوسيو/ ثقافي وتحليل سوسيو/ سياسي، وتحليل نفس/ إجتماعي إلخ....
ولا يمكن بناء إستراتيجية شمولية للتنمية إلا انطلاقا من هذا التحليل الشمولي لواقع التخلف في جوانبه الاقتصادية وغير الاقتصادية، وفهم الدور المعقد لهذه الأخيرة، أي الابتعاد عن مقاربة اقتصادية محضة كما يفعل الاقتصاديون البرجوازيون.
هنا يتميز عزيزبلال عن كثير من الباحثين في مجال التخلف والتنمية سواء في أروبا أو العالم الثالث، إنه يجتهد ليكون إمساكه المعرفي بحقائق التخلف أكثر عمقا و شمولية، فهو ينظر لبنية التخلف ككل اجتماعي له مستوى اقتصادي يستلزم تحليلا اقتصاديا، ومستوى ثقافيا إيديولوجيا – نفسيا (غير اقتصادي) يتطلب هو الآخر تحليلا عميقا يستند منهجيا للنظرية المادية التاريخية الجدلية، ويكون بذلك قد تجاوز كثيرا من النظريات المقترحة في هذا الحقل و مقترحا نظرية أكثر علمية وأكثر قدرة على تفسير واقع التخلف بكل مستوياته وجوانبه المكونة.. فإغفال إحدى الجوانب والمستويات المكونة لبنية التخلف يجعلنا أمام قصور معرفي والعجز بالتالي عن استيعاب علمي للإشكالية.. إننا إذن أمام نظرية شمولية متكاملة تعي جيدا حقيقة الواقع في حركيته وتعقده و ترابط مستوياته الجدلي.
-4 كل إستراتيجية للتنمية ترتبط بطبيعة الدولة والبنية الطبقية للمجتمع وكذا المشروع الاجتماعي للطبقة السائدة: ما هو طبيعة هذا المشروع؟ هل يتعلق الأمر بإعادة إنتاج التشكيلة المهيمنة أم بالسير نحو تشكيلة جديدة مخالفة؟ ثم، أين يذهب الفائض الاقتصادي؟ وما درجة المشاركة المباشرة والواعية للمنتجين في قيادة مسلسل التنمية؟
إنها أسئلة أساسية يلزم على كل باحث ودارس لواقع التخلف في بلد معين أن يطرحها على هذا الواقع المحدد الذي تحكمه تناقضات طبقية و مطامح و مصالح طبقية محددة، ففي كل إستراتيجية للتنمية ليس هناك مجال للحديث عن «الصالح العام»، بل مصالح طبقية.. وبالتالي فإن البعد الطبقي والسياسي يكتسي أهمية قصوى عند تحليلنا لإشكالية التخلف و التنمية، إنه البعد المسكوت عنه في أغلب الدراسات في هذا الحقل خصوصا عن الليبراليين الجدد، وهو على النقيض من ذلك، البعد الحاضر بقوة عند عزيز بلال، أنه يعتبر أن عملية التنمية هي عملية تغيير اجتماعي وهي بالتالي عملية صراع طبقي بين طبقات تستفيد من الوضع القائم و أخرى تطمح للتغيير، إنها عملية سياسية في نهاية التحليل....
هذه الأطروحات او الفرضيات الخمس هي المستندات النظرية الأساسية التي يقوم عليها فكر عزيز بلال والموجهة لأبحاثه في مجال التخلف والتنمية حتى قبل صياغتها بدقة في آخر كتاب صدر له «التنمية و العوامل غير اقتصادية» باعتبارها خلاصات أزيد من عشرين سنة من البحث المتخصص.
إن هذه الأطروحات الخمس يعتبرها أيضا نقدا مباشرا أو غير مباشر لكل المنطلقات الأكاديمية التي تعتبر التخلف إما مجرد تأخر تاريخي أو ناتج عن النمو الديمغرافي، أو عن عوامل أخلاقية أو نفسية أو قدرية إلخ.. وهي في نفس الوقت تصور متكامل و شمولي بديل لكل التصورات الجزئية والتي تقنع حقيقة التخلف أكثر مما تكشف عنها لاعتبارات إيديولوجية يكشف عنها بلال بوضوح و يزيح عنها الأقنعة في كثير من أعماله خصوصا في مؤلفه» الاستثمارات في المغرب» و في المؤلف موضوع حديثنا.
العوامل الإيديولوجية و الثقافية و إستراتجية التنمية:
في الجزء الذي يتعلق بهذا الجانب يعمق عزيز بلال أطروحاته المتعلقة بالعوامل الغير اقتصادية للتنمية والتي خصص لها هذا الكتاب، بعد ان قام بتحليل معمق للجوانب الاقتصادية و الذي بدأه بأطروحته لدكتورة الدولة « الاستثمارات في المغرب 1912- 1964 « .....
فهو يشير في هذا الجزء إلى الإهمال وعدم إنتباه الباحثين إلى أهمية العوامل الإيديولوجية و الثقافية سواء في تفسير ظاهرة التخلف او وضع إستراتيجية التنمية، فعزيز بلال يركز على ضرورة و أهمية المنطق الديالكتيكي الشمولي لدراسة الإشكالية إياها وتبيان ليس فقط التناقضات الاقتصادية ( و هي مسألة أساسية ) بل أيضا التناقضات على الصعيد الثقافي و الإيديولوجي.
استحالة إعادة إنتاج النموذج الرأسمالي المتقدم:
إن العراقيل التي تعاني منها مجتمعاتنا المتخلفة ليست فقط من طبيعة سوسيو/ اقتصادية (تحويل عوائد التراكم الرأسمالي للمراكز الإمبريالية، وعدم التحكم الوطني في نمو قوى الإنتاج الخ....) بل إنها تعاني أيضا من عراقيل تتحدد على مستوى البنية الفوقية، عراقيل من طبيعة سياسية وإيديولوجية وثقافية التي تقوي العوائق السوسيو/ اقتصادية.... وفي إطار إستراتجية حقيقية للتنمية فإن تجاوز العوائق السوسيو/ اقتصادية ينبغي أن يترافق بالضرورة مع تجاوز العوائق الإيديولوجية والثقافية التي تعرقل التقدم وفعالية شعوبنا...
إن القوى السائدة تعتمد على زعم «تفوق الحضارة الغربية» وبالتالي وجوب قبولها كما هي من طرف شعوبنا لأجل إعادة إنتاج علاقة الهيمنة الإمبريالية وبأشكال متجددة.
ويقوم عزيز بلال بانتقاد جذري لهذا الزعم الذي تستند إليه الطبقات السائدة في سيادتها الطبقة وفي استمرارية هذه السيادة.... فالحضارة الغربية – يحلل عزيز بلال – تشكل عنصرا عضويا مع طبيعة الحركية الداخلية لنموذج التطور السوسيو/ إقتصادي و الثقافي في تلك المجتمعات، فهي تعبر عن انتصار نمط الإنتاج الرأسمالي عن الأنماط السابقة وعن تنحيتها النهائية لها، وهي تصور خاص للعلاقات الإنسانية ولنمط العيش والاستهلاك والسلوك الخ... وبالتالي فهي تشكل كلا منسجما مع طبيعة التطور الاقتصادي والاجتماعي لتلك المجتمعات وطبيعة نمط الإنتاج الرأسمالي.
هنا أيضا يطرح عزيز بلال أهمية مساءلة التاريخ لأجل فهم أوضح لمشكلات الحاضر، فهو يدعم أطروحته هذه بالرجوع إلى التاريخ ومساءلته، فمنذ عدة قرون، يقول، تشكلت الطبقات الاجتماعية المختلفة و المتصارعة، في أرووبا، من حول الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج (الأرض في العهد العبودي والإقطاعي والرأسمال لاحقا)، أما في المجتمعات الآسيوية والإفريقية والأمريكية الجنوبية فإن التشكل الطبقي تم بشكل آخر ومخالف، فضمن إطار الملكية الجماعية ظهرت مجموعات تسيطر وتستغل.
ونتيجة لهذا الاختلاف، فإن الوعي الاجتماعي لدى المنتجين وغير المنتجين تم بطريقة مختلفة في كلا النموذجين بالطبع، لا على المستوى الإيديولوجي ولا على مستوى الممارسات الإنسانية.
فالحضارة الغربية إذن هي إفراز متميز من التطور الاقتصادي و الاجتماعي يختلف نوعيا عن تطور المجتمعات المسماة الآن متخلفة، كما سبق الذكر، و بالتالي فإنها حضارة ذات أسس تاريخية، تفتقدها المجتمعات التي تطورت تاريخيا بشكل آخر، ومن ثم فإن استعادتها أو إعادة إنتاجها يبدو في نظر عزيز بلال، أمرا مستحيلاّ نظرا للتمايز الآنف الذكر...
تم يتطرق بلال إلى اهم التيارات الفكرية التي تشكل جزءا هاما من الحقل الإيديولوجي/ الثقافي، ويحددها كما يلي:
التيار الماضوي:passéiste ، وهو تيار يدعو إلى الرجوع إلى الأصول و إلى الماضي المثالي، هذا التيار يعبر عن الطبقات الشبه إقطاعية و بعض القطاعات من البرجوازية الوطنية.
التيار التكنوقراطي- العصراني technocrate-moderniste: هذا التيار يسود داخل الأوساط البرجوازية، «البرجوازية المثقفة» ويرتبط بالنمط الرأسمالي.. فهو يعتبران العامل التكنولوجي (التكنولوجية الغربية المستوردة) هو الوحيد الذي له قيمة و يحتقر العوامل الأخرى الإقتصادية و الإيديولوجية و السياسية...
التيار العدمي: nihiliste يبخس كل التراث الثقافي للماضي و يعتبره في مجمله رجعيا و متجاوزا.
عدم انسجام بنيوي:
بعد انتقاده لهذه التيارات التي تنظر إلى الواقع في إحدى جزئياته وتخفي بالتالي حقيقته، يستمر بلال في تعميق تصوره الشمولي للتخلف و الكشف عن حقائقه وتفسيرها.... حقائق ارتبط نشؤها بانتشار نمط الإنتاج الرأسمالي خارج حدوده الأصلية..
إن هذا الانتشار، يحلل بلال، خلق وضعية جديدة مختلفة تميزت بالخصوص بعدم انسجام بنيوي بين المسلسل السوسيو/ تاريخي من طبيعة رأسمالية والمفروض من الخارج و بين الأنماط الحضارية الموجودة في هذه البلدان قبل التدخل الكولونيالي.
إن التدخل الاستعماري بأنماطه الإنتاجية والحضارية في بلدان ذات نمط حضاري مخالف يعتبره بلال بمثابة اصطدام عنيف خلق الشروط لمسلسل «التخلف» الذي عايشته الشعوب المعنية كأزمة مفتوحة:
أزمة سوسيو/ اقتصادية من جانب
أزمة حضارية من جانب آخر
إن الأزمة الحضارية الناتجة عن الاصطدام ذاك، ترجمت عدم التأهيل (impréparation) الاجتماعي والتاريخي لمواكبة الحضارة الدخيلة ، وعدم تقبل الثقافات وأنماط السلوك الموجودة لأشكال الحياة المفروضة من طرف التدخل الرأسمالي، وهي أشكال جاءت في أروبا بعد أن عاشت مجتمعاتها تحولات اجتماعية عامة مهدت لسيادة النمط الرأسمالي للإنتاج...
ويشير عزيز بلال إلى أن المحيط السوسيو/ثقافي في كثير من بلدان العالم الثالث عرف نوعا من الصلابة و لم يكن اقتحامه سهلا من طرف التدخل الكولونيالي، فأغلبية الجماهير اعتبرت القيم الدخيلة بمثابة كارثة، فلم يتم تقبلها إلا من طرف أقلية وبشكل اصطناعي، وهذا ما يعطي صبغة خاصة للرأسمالية المحلية في البلدان المتخلفة.
ينبغي إذن تجاوز الطريقة الميكانيكية التي يتم التعامل بها مع مسألة «الأصالة والمعاصرة» المطروحة على بلداننا من طرف السوسيولوجيين والاقتصاديين الغربيين، كما ينبغي تجاوز اعتبار التخلف بمثابة تأخر، ذلك ان التناقضات الأساسية غير مؤسسة على هذه الأرضية و غير محددة على هذا المستوى... فالأمر لا يتعلق بتناقض أساسي بين التقدم والتأخر او الأصالة والمعاصرة، فمنطلقات كهذه لا يمكن لها إلا أن تخفي الحقائق السياسية ل «التخلف» وتخفي جوهره، أي إخفاء بنية ودينامية العلاقات الطبقية على المستوى الداخلي والخارجي، و هي بنية و دينامية خاصة بالتشكيلات المحيطة (أو التابعة) وما ينتج عن ذلك من شروط لإعادة إنتاج التشكيلة الاجتماعية القائمة.
حول دياليكتكية «الخصوصية والشمولية»
تكتسي مسألة العام والخاص أهمية قصوى في النظرية الاجتماعية الثورية، فهي محور تجددها وتطورها المستمر في إطار ما سماه لينين بحلقة الإدراك الحلزونية.
إنها المسألة التي يتم تغييبها، بوعي أو بدونه، من طرف نقاد النظرية الثورية و من طرف الفكر البرجوازي بمختلف أصنافه، لكونها المسألة التي تؤكد حيوية النظرية وأصالتها و قدرتها على الاستيعاب العلمي لكل واقع عيني أنى كان تحديده الزماني أو المكاني.
إن مفهوم الخصوصية هو من صميم النظرية الاجتماعية الماركسية، لكن ما هو خاص لا تعزله النظرية تلك عما هو عام و الذي يرتبط معه بشكل جدلي غير قابل للفصل «إن الخصوصية تمثل الشكل الملموس الذي يظهر فيه القانون العام دائما».
هذه المسألة لم تغب عن فكر عزيز بلال، فهو يفتح حوارا حول ما إذا كانت مجتمعاتنا ذات خصوصية و إلى أي حد يمكن استخدام المنهجية المادية الجدلية و التاريخية في معرفتها؟
يرى بلال أن مفهوم الخصوصية أصبح غطاء ومعطفا إيديولوجيا ليس فقط للطبقات الرجعية والمحافظة بل أيضا لا إيديولوجية البرجوازية الصغرى التي تأخذ بالتحليل الماركسي عندما يتعلق الأمر بالإمبريالية وهيمنتها الاقتصادية والإيديولوجية، وترفضه عندما يتعلق الأمر بالتركيب الطبقي والتناقضات الطبقية وطبيعة الدولة ودور البروليتاريا الخ... ثم يسأل بلال: فيما تكون مجتمعاتنا ذات خصوصية؟ يجيب أن هنا ما هو عام تشترك في مجتمعاتنا مع مجتمعات أخرى (مثلا مجتمعات طبقية، تعيش صراعا طبقيا و قائمة على الصراع، التبعية للإمبريالية، بعض الأشكال الثقافية....) وأن تحويلها المجتمعي يتطلب، كما هو حال أي مجتمع آخر، تطبيق النظرية الاجتماعية الثورية بشكل خلاق ومبدع يأخذ هذه الخصوصيات بعين الاعتبار... أن هذا ما يسميه بلال «بالخصوصية – الواقع» لكن هناك أيضا، لدى بعض التيارات الفكرية والسياسية ما يسميه ب: الخصوصية/ القيمة spécifité-valeur أي أدلجة الخصوصية الواقعة ( idéologisation) وجعل المجتمعات غير خاضعة للقوانين العامة لتحول المجتمعات الإنسانية....
ولا يفوته أن يشير إلى أن الخصوصية قد تصبح قيمة إيجابية عندما تكون لمصلحة التحرر الوطني وبعيدة عن كل شوفينية متطرفة (مثال الفيتنام)، إن هذا التوجه لا يرفضه عزيز بلال بقدر ما يرفض الخطاب الرجعي والمحافظ حول الخصوصية ليجعلها قيمة إيديولوجية لمحاربة الفكر التقدمي و الثوري باسم الخصوصية...
بيان اليوم بتصرف عن مجلة الاقتصاد والمجتمع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.