بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع                مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    السكتيوي: المباراة أمام منتخب الكونغو الديمقراطية حاسمة    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    بالسجادة الحمراء .. ترامب يتيح لبوتين عودة لافتة إلى الساحة الدبلوماسية    شركة غوغل تطرح أداة جديدة لحجز رحلات منخفضة التكلفة بالذكاء الاصطناعي    لفتيت يقضي عطلته بمراكش    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    نادي برشلونة يمدد عقد مدافعه جول كوندي    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    أسعار النفط تسجل خسائر أسبوعية    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    غاب عن جل الأحزاب    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    طلبة الأقسام التحضيرية يلوحون بالاحتجاج رفضا لطريقة توزيع مقاعد مدارس المهندسين    "الغارديان": هل مهد الإعلام الألماني الطريق لقتل الصحفيين الفلسطينيين في غزة؟    فوز مثير لليفربول على بورنموث برباعية في مستهل المشوار بالدوري الإنجليزي    الواحدي يقود جينك للفوز بثنائية في الدوري البلجيكي    النصر يعلن ضم كومان من بايرن ميونخ حتى 2028    هيئة: 105 مظاهرة في 58 مدينة مغربية نصرة لغزة واستنكارا لاستهداف الصحفيين الفلسطينيين    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    صيادلة المغرب يعلنون التصعيد ضد الحكومة    تسويق 6.14 مليار درهم من منتجات الصيد البحري إلى غاية نهاية يوليوز المنصرم    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    الدفاع الحسني الجديدي لكرة القدم يختم موسمه الرياضي بعقد الجمع العام العادي    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    بولمان.. اكتشاف ثلاث أسنان متحجرة لديناصورات عملاقة تعود إلى حقبة الباثونيان    مأساة وادي الحراش في الجزائر... دماء الأبرياء تكشف كلفة سياسات عبثية    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    زيلينسكي يلتقي ترامب في واشنطن    كيوسك السبت | البطاطس المغربية تعود بقوة إلى الأسواق الدولية في 2025    موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    نائبة رئيس محكمة العدل الدولية: الرب يعتمد عليّ للوقوف إلى جانب إسرائيل    كينيدي يخوض معركة جديدة ضد صناعة المكملات الغذائية في أمريكا    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    الحكومة تراهن على "التوازن" بين رعاية الحيوانات الضالة والأمن العام    اختتام المؤتمر العالمي الخامس للتصوف بفاس بإعلان تأسيس "التحالف العالمي لأهل التصوف"    "كارثة طبية" أدت لوفاة العشرات في الأرجنتين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محطات بارزة في تاريخ النخب المغربية
نشر في شعب بريس يوم 24 - 05 - 2011

نحاول في هذا المقال رصد بعض المحطات التي رأينا أنها لعبت دورا هاما ومحددا بارزا في حياة وتاريخ النخب المغربية، وتتراوح هذه المحطات بين الديني والفكري والعسكري والثقافي والسياسي...
فما هي هاته المحطات التاريخية التي وسمت النخب المغربية بميسمها الخاص وكانت بمثابة محطات تاريخية في حياة النخب المغربية؟

جامع القرويين
لعب جامع القرويين منذ إنشاءه (عام 245 ه/859م) بمدينة فاس، أدوارا في تخريج نخب ذات تكوين ديني مالكي المذهب أشعري العقيدة.
أنتجت هذه المؤسسة الدينية التعليمية فئة من العلماء تتداول قضايا الأمة تحت مجهر الشرع، وفي ظل شيوع علوم الدين والآلة من فقه، وشريعة، وأصول فقه ونحو... حيث ازدهرت الحواشي والمختصرات وساد منطق الحفظ والاستشهاد بالنص القرآني والحديثي، وابتعد العقل كل البعد عن العلوم الدنيوية وعن الإبداع العقلي.
وارتبط الدين بحياة النخب و فكرهم في تلك المرحلة إلى حدود الحماية، فكانت النخب التي تتخرج من القرويين وما ماثلها من المؤسسات بالمغرب وعبر تعليم ديني وشرعي هم من يحتلون جل المناصب في كل مناحي وجوانب الحياة.

معركة إيسلي (1844م) وحرب تطوان (1859-1860م)
كان لمعركة إيسلي وقع كبير على النخب المغربية بمختلف تلاوينها، حيث تعد حدثا تاريخيا بارزا باعتباره دشن مرحلة جديدة في تاريخ المغرب الأقصى، حدث تأكد من خلاله الاستعمار الغربي أن المغرب لم يبقى بتلك الصورة المخيفة من القوة والتنظيم التي كان عليها منذ "معركة واد المخازن".
وزكت بعدها "حرب تطوان" هذا الواقع المرير الذي لا نجد أبلغ مما كتبه المؤرخ "أحمد بن خالد الناصري"(ت. 1897) تصويرا له ولوقعه التاريخي على النفوس قائلا "ووقعة تطاوين هذه هي التي أزالت حجاب الهيبة عن بلاد المغرب واستطال النصارى بها وانكسر المسلمون انكسارا لم يعهد لهم مثله وكثرت الحمايات ونشأ عن ذلك ضرر كبير". انضافت إذن"حرب تطوان"، لتشكل مع "هزيمة إيسلي" المنعطف الأكثر تأثيرا في تاريخ المغرب خلال القرن التاسع عشر. وتأكدت معه النخب المغربية بنهاية المغرب القوي وبداية عصر الانحطاط والهزيمة، هزيمة عسكرية أحدثت شرخا في الذات، وخلخلت الثقة القديمة بالنفس، وهزت نفسية المغاربة المطمئنة إلى هدوءها، وكانت الهزيمة العسكرية المباشرة مع الآخر صفعة سياسية وثقافية وحضارية ونفسية بعثرت أوراق النخب المغربية.

دخول المطبعة
لاشك أن دخول المطبعة قد سرع وثيرة العلم والمعرفة بالمغرب، فعبر المطبعة أصبحت وثيرة نسخ الكتب أسرع من سابقتها التي كانت تتم عبر النسخ والتدوين اليدوي.
فالمغرب لم يعرف آلة الطباعة إلا في غضون سنة 1864م، وبالضبط حين أقدم فقيه سوسي، وهو "محمد بن الطيب الروداني" على جلب آلة للطباعة مرفوقا بخبير مصري عرف باسم "القباني". فأصبح بعدها تداول الكتاب ممكنا وسهلا بين أيادي عموم الناس، ليس كسابق العهد حيث كان الكتاب المنسوخ يدويا قليلا ولا يصل إلا إلى أيدي العلماء والباحثين في العلم والمعرفة، فكانت المعرفة حكرا على طبقات السلاطين والعلماء وعلية القوم.
لذلك فيمكن اعتبار دخول أو وصول أو إنشاء المطبعة بالمغرب لحظة من لحظات تطور النخب بالمغرب وتوسيع شريحتها الاجتماعية وتنويعها.

الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م
حقيقي أن الصدمة التي سببها زرع بنيات سياسية "حديثة وعقلانية" مع إقامة الحماية، والطابع الخارجي لهذه المستوردات قد تم إبرازها، لكن بالمقابل فالجهاز المخزني بسبب دينامكيته الداخلية كان قد عرف -حسب البعض- ديناميكته الداخلية ومسلسلا مدهشا للعقلنة تمثل في تطور "ديوان الأصحاب"مرافقوا الملك إلى "كتاب البنيقات"، الموظفون الحقيقيون، تنظيم شروط العمل في عهد "الحسن الأول"، الاختصاص المضطرد، التراتبية المتزايدة داخل هيئة الموظفين...
ولا بد أن هذا التركز العالي لشكل البيروقراطية الذي أدخلته الحماية للمغرب أثر على العلاقات بين الجهاز المركزي والبنية القبلية والإقليمية والثقافية. وأدى إلى ظهور نوع جديد من المثقف، لا ترتبط بطبقة الأسياد، ولا بالبلاط والديوان، بل بقاعدة سوسيو-طبقية أنتجتها التحولات التاريخية الكبرى ستعي مسؤوليتها كفئة وكأفراد. هذه النخب التي أصبح يطلق عليها في السنين الأخيرة مسميات من قبيل "الخبراء" أي تلك الطبقة التي لديها قوة تحليلية مهمة للقضايا المعروضة وللأزمات القائمة، ويتدخلون في صنع القرارات والحسم في الأمور الطارئة.
لكن المشروع السياسي الاستعماري لم يخلخل التركيبة النخبوية المغربية كثيرا لأنه اعتمد على الهاجس الاقتصادي بربط المغرب بالمطربول وبالنظام الرأسمالي العالمي. أما البنية النخبوية والسياسية والإدارية لم يفكر في تطويرها بل بالعكس حاول تزكية طبقاتها خدمة لمصالحه، لاعبا على حبال مصالح تلك الفئات الخاصة مثل (العائلة الحاكمة، الأعيان، التجار الكبار، المحميون...) بل الأكثر من ذلك قوى هذه الطبقات من خلال دعمها اقتصاديا وحمايتها، بل وتكوينها في مدارس الأعيان ومؤسسات التعليم الفرنسي كوسيلة للحفاظ على استمرارية نفس الهياكل ونفس النسيج الطبقي المسيطر والحاكم... وعمل الاستعمار على خلق نخب ذيلية خائنة براغماتية، وبالتالي عمل الاستعمار على خلق فئات نخبوية طفيلية تقليدية وأمية هدامة للمجتمع استمرت تنخر في الوطن حتى بعد الاستقلال بما توفر لها من فائض مادي ومن مكانة اجتماعية. هذه الأخيرة وضعت أيديها مع الأيادي الممدودة إليها من طرف أمثالهم من الحكام والمسئولين الجدد.
وعموما لقد تأكد لهذا الجيل مدى ضعف المغرب مقارنة مع الآخر ومدى ضرورة وحتمية استئناف مشروع الإصلاح والتحديث والتنوير، واتجه المشروع في بدايته على القبول بالحماية كأمر واقع، وتمت التجارب والمحاولات الأولى تحت كنف الحماية أحيانا ورغما عنها أحيانا أخرى.
كما كان لحدث فرض الحماية سنة1912م، وقع على الجيل لما تحمله من دلالات على نهاية المغرب المستقل بعد إخفاق كل محاولات الإنقاذ.

نشأة الأحزاب مابين 1925 و 1935م
هي مرحلة الصياغة الفكرية والإيديولوجية ل "فكر" الحركات الوطنية المغربية؛ حيث تركز هذا الفكر حول مناهضة الطرقية في المغرب رغم ما تبدو عليه المسألة على أنها سابقة وقديمة على الفترة المعنية، لكنها كانت سلفية جديدة بطعم مغربي، مشوبة بالإرهاصات الأولى للعمل الحزبي على الطريقة الغربية الحديثة.

الظهير البربري سنة 1930م
الذي حدث بعد 16 ماي 1930م، هو أن الحركة كانت تعي ذاتها في الأحداث التي تقوم بها أو تعرض لها و تتفاعل سياسيا وثقافيا مع المؤثرات التي تخضع لها باتصالها شرقا وغربا من جهة أولى، ونتيجة لردود الأفعال التي كانت تقوم بها تجاه ما يتخذه المستعمر من مبادرات من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد يمكن القول أن المرور من السلفية إلى الوطنية كان عبر مفصل "الظهير البربري"... يعبر عن ذلك علال الفاسي قائلا "كل هذا وغيره (يقصد المضايقات) كان يسير بنا للعمل السياسي المنتظم، ولكن (16 مايو1930) هو الذي علم نقطة البداية في تاريخ الحركة الوطنية الجديدة." (علال الفاسي، الحركات الاستقلالية..، ص 160).

تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال سنة 1944م
كانت تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال نقلة نوعية في تاريخ الفكر السياسي ومنعطفا حاسما ومحطة مشرقة في مسلسل الكفاح الوطني، الذي خاضه الشعب المغربي، خصوصا بعد انتقاله من المطالبة المتواضعة ب"الإصلاحات"، إلى المطالبة القاطعة والحازمة ب "الاستقلال". ويمكن من أقوى أولى المطالب الوطنية الكبرى التي توحدت حولها النخب المغربية من أجل تحقيقها على أرض الواقع من أجل الوطن والهوية والكرامة المغربية... فكانت مساهما حقيقيا وقويا في بلورة نخب مغربية فاعلة وقوية.

كتاب النقد الذاتي سنة 1949م و بداية تشكل الوعي النظري للنخب المغربية
لم يكن "الحركات الاستقلالية في المغرب العربي" وحده الكتاب الذي أكد فيه علال الفاسي على خطورة غياب البعد والتكوين النظري في العمل السياسي بل كان الكتاب التالي "النقد الذاتي"، إجابة عن هذا الشعور بالنقص النظري لدى الوطنية المغربية وعيا بأخطار العفوية والتلقائية وبمناحي الضعف في العمل السياسي عندما لا يكون مستندا إلى عماد نظري صلب دائم ومتطور باستمرار. وهو ما عبر عنه علال الفاسي بقوله "ومعنى هذا أنه يجب أن نخطو الخطوة الثقافية بحركتنا".
لذا يمكننا اعتبار أن كتاب النقد الذاتي يؤسس لمرحلة جديدة في حياة النخب المغربية، من حيث الوعي النظري والثقافي.

تلك كانت بعضا من المحطات التاريخية التي رأينا خلال دراستنا للتاريخ المغربي، أنها ساهمت في صناعة نخب مغربية على الشكل الذي هي عليه اليوم، وهذا لا يعني أنها هي المحطات الوحيدة، وأننا لم نغفل وجود محطات أخرى ممكنة...
هشام عابد- باحث في الفكر الإصلاحي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.