ملايين الزوار في حدث استثنائي: الأمن الوطني يُبهر المغاربة في "أيام الأبواب المفتوحة" بالجديدة    اتفاق على تعزيز دور الاتحاد البرلماني الإفريقي في ختام دورته بالرباط    الدولار يتراجع بفعل مخاوف الدين الأمريكي واليورو والين يصعدان    عزيز الذنيبي مدربا جديدا للنادي المكناسي ومحمد العزيز مساعدا له    قطر تخصص 36.5 مليون دولار جوائز في كأس العرب 2025    ضربة أمنية تسفر عن حجز 107 ألف قرص مخدر    حديقة الحيوانات بالرباط تسجل ولادة 80 حيوانا مهددا بالانقراض    كيوسك الجمعة | المغرب يراهن على الأدوية الجنيسة لتعزيز السيادة الدوائية وتقليص التبعية    المجلس الأعلى للتربية والتكوين يصادق على رأيين بشأن إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي    بريطانيا تدرس فرض الإخصاء الكيميائي الإلزامي لمجرمي الجرائم الجنسية    المغرب يعزز قدراته العسكرية بوحدات خاصة لمواجهة تهديدات الأنفاق باستخدام تقنيات متقدمة    النيجر تعيد رسم خريطة التحالفات في الساحل: تكريم صدام حفتر صفعة جديدة للنظام الجزائري    النساء الاتحاديات يدقن ناقوس الخطر حول معاناة نساء تندوف في مؤتمر الأممية الاشتراكية بإسطنبول    بكين.. الصين وهولندا تعززان شراكتهما الاستراتيجية    نهضة بركان يتجه إلى تقديم شكوى ضد سيمبا التنزاني بعد المعاملة غير اللائقة التي تلقاها في مطار زنجبار    حرارة وزخات رعدية في توقعات طقس الجمعة    انطلاق أيام التراث بمراكش احتفاء بالماء والحدائق    الأزمي: تضارب المصالح ينخر عمل الحكومة وملتمس الرقابة كان ضرورة سياسية ودستورية    بنكيران: الحكومة تعمدت إفشال ملتمس الرقابة عبر التواطؤ مع بعض الأطراف في المعارضة    31 قتيلا و2939 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    صراع المخابز والأفران التقليدية .. التقنين يصطدم بالعدالة الاجتماعية    بطاريات المستقبل تصنع بالقنيطرة .. المغرب يدخل سباق السيارات النظيفة    "الكوديم" يتعاقد مع مومن والذنيبي    مندوبية السجون تقدم روايتها بخصوص وفاة سجين من الحسيمة وعدم اخبار عائلته    رئيس مجلس النواب يستقبل وزراء بجمهورية سلوفاكيا    وزير الشباب والثقافة والتواصل يتوج الفائزات والفائزين بالجوائز في حفل الدورة الثانية لجائزة المغرب للشباب    الحكومة تُطلق دعما مباشرا لحماية القطيع الوطني وبرنامجا لتحسين السلالات    تنزيلا للتوجيهات الملكية الصادرة عن المجلس الوزاري الأخير.. الحكومة تعلن برنامجا لدعم مربي الماشية وإعادة تشكيل القطيع الوطني    ارتفاع أسعار اللحوم بطنجة مع اقتراب عيد الأضحى وسط تهافت على الأضاحي    بايتاس يكشف تفاصيل بخصوص العقوبات البديلة    العلمي يلتقي بوزيرين من سلوفاكيا    استقبال سيء لنهضة بركان بزنجبار    بايتاس: تنزيل العقوبات البديلة يستهدف حماية الحقوق والتخفيف على السجون    منصة الرياضة نحو الغد: المغرب يبني المستقبل برؤية ملكية استراتيجية    استشهاد 52 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة وإنذار بإخلاء 14 حيا في شمال القطاع    المخرجة المغربية راندا معروفي تهدي فيلمها لجرادة وترفع علم فلسطين.. «المينة» يتوج بجائزة أسبوع النقد في مهرجان»كان» السينمائي    غرناطة تسحر الحاضرين في الرباط: عرض سياحي يحتفي بالإرث الأندلسي ويعزز الروابط بين المغرب وإسبانيا    مندوبية التخطيط: الفقر متعدد الأبعاد انخفض بشكل شبه شامل بين سنتي 2014 و2024    احتجاجات دولية بعد إطلاق إسرائيل النار باتجاه دبلوماسيين في الضفة الغربية    الهدهد والطيور الاثنا عشر .. عرض تربوي فني يوقظ وعي أطفال سيدي مومن    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    الكفيف ولذَّة الكفوف    حوار مع سلافوي جيجيك يحذر فيه من "جدران غير مرئية جديدة"    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تطالب بتوضيح رسمي بشأن مشاركة إسرائيل في مناورات "الأسد الإفريقي"    كأس العالم للأندية: فيفا يفتح نافذة انتقالات استثنائية من 1 إلى 10 يونيو    كأس العالم للأندية: مهاجم ريال مدريد اندريك يغيب عن المسابقة بسبب الاصابة    مقتل موظفين بسفارة إسرائيل بواشنطن    من تطوان إلى إشبيلية.. مسيرة فنية تحتفي بجسور الثقافة بين المغرب وإسبانيا    مقتل موظفيْن إسرائيليين في واشنطن    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    باحثون بريطانيون يطورون تقنية جديدة تسرع تشخيص أورام الدماغ    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    تلك الرائحة    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    









رسالة لم تصل للإعلام
نشر في فبراير يوم 02 - 10 - 2014

حين نشر ان الرئيس عبدالفتاح السيسى اعتذر فى نيويورك لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان عن اساءة بعض وسائل الإعلام المصرية إلى أمه أثناء التجاذب الحاصل بين البلدين. فإن رسالته لم تكن موجهة إلى أمير قطر وحده. لأن خطابه وجه فى الوقت ذاته رسالة أخرى إلى الإعلام المصرى. ولئن أشارت صحفنا إلى الرسالة الأولى باعتبارها تمثل سلوكا راقيا ورشيدا، فانها سكتت عن الثانية لانها فى حقيقتها رسالة عتاب ولفت نظر، تدعو بصورة ضمنية إلى الارتفاع إلى مستوى المسئولية فى إدارة الخلاف، والتعالى فوق الاسفاف والهبوط فيه. خصوصا بعدما أصبح الإسفاف وباء انتشر فى وسائل الإعلام بصورة مخجلة، أساءت إلى مقام مصر وجعلت سمعة الإعلام المصرى فى الحضيض.
للأسف فان الإساءات التى تخللت الاختلاف مع قطر تتكرر الآن مع تركيا، خصوصا بعد الخطاب الذى ألقاه فى الأمم المتحدة الرئيس رجب طيب أردوغان، وانتقد فيه النظام المصرى القائم. دون أية إشارة أو إساءة إلى شخص الرئيس المصرى. ورغم اقتناعى بأن تطرق الرئيس التركى إلى هذا الموضوع جانبه التوفيق، وانه كان يمكن ان يناقش فيما ذكره أو يعاتب عليه، إلا أن بعض منابر الإعلام المصرى تركت الموضوع وركزت على تجريح شخص الرئيس أردوغان ونعته بمختلف الأوصاف السلبية، التى يعف لسانى عن ذكرها. وللأسف فان بعض الإعلاميين المصريين التليفزيونيون منهم بوجه أخص تنافسوا فى تجريح الشخص بصورة بدت وكأنها وصلات ردح وبذاءة، وهو ما بدا تعبيرا عن ضحالة الرأى وضعف الحجة. ذلك ان أسهل شىء ان تسب مخالفا وان تلعن والديه وتنعته بأحط الأوصاف وأقذع الشتائم. وهو مما يستطيعه كل أحد حيث لا يتطلب موهبة من أى نوع، باستثناء ارتفاع مخزون الشتائم والسباب. إلى جانب الاستعداد التربوى والأخلاقى بطبعية الحال. أما ما يتطلب جهدا ووعيا ورقيا فهو تقديم الحجة الدامغة التى تهزم الفكرة المقابلة أو تبين فساد الرأى الآخر.
بكلام آخر فان معيار رقى الحوار وجديته وجدواه فى أى خلاف يقاس بمقدار التفرقة بين الشخص والموضوع. وتقاس الكفاءة فى هذه الحالة تبعا للقدرة على الحفاظ على كرامة الشخص، مع هدم فكرته وهزيمتها، وفى حالة أردوغان فان الرجل وقف على منبر الأمم المتحدة وأطلق فكرة أدان فيها النظام المصرى، ولم يشر إلى اسم رئيس مصر ولم يذكره بسوء، وقد علقت الخارجية المصرية عليه ببيان شديد اللهجة نشر فى 30/9، جرح موقف أردوغان وسياساته، لكنه لم يتعرض لشخصه. إلا أن أصداء أخرى فى الإعلام المصرى فعلت العكس تماما، حيث عمدت إلى تجريح الشخص ولم ترد فكرته أو تفندها. كما نسبت إلى الرئيس التركى أنه «تطاول على مصر»، ولم يكن ذلك صحيحا ولكنها الحجة التى تستخدم دائما فى إدانة المخالفين، والتى تختزل مصر الدولة فى شخص رئيسها أو نظامها أو أى جهة أو هيئة نظامية أخرى من ذوات المقام الرفيع فى البلد، بحيث يتهم المرء بإهانة مصر إذا وجه إليها نقدا أو داس لأى منها على طرف.
هذا المشهد يستدعى مشكلتين، احداهما فى الإعلام والثانية فى السياسة، ذلك اننا يجب أن نعترف بان ما سمى بالانفتاح الإعلامى ودخول القطاع الخاص فى ميادينه المختلفة وسع كثيرا من دائرته وجذب إلى المهنة أطرافا لم تكن لها علاقة بها، فى غيبة ضوابط ومؤسسات تحمى المهنة وآدابها والعاملين بها، فان ذلك أدى إلى انفراط العقد وتآكل التقاليد وتغييب المعايير. بحيث أصبحت شروط الالتحاق بالإعلام يحددها صاحب رأس المال وليس الجهة المسئولة عن المهنة. ومن ثم أصبح بوسع أى أحد أن يصبح كاتبا أو صحفيا أو مذيعا أو مقدم برامج أو محللا سياسيا. وصار بمقدوره ان يجمع بين كل تلك الوظائف ويؤديها فى نفس الوقت. ولم يعد مستغربا ان يصبح أيضا مندوبا للإعلانات. أما الشروط الواجب توفرها فى الشخص فهى متروكة لصاحب رأس المال، الذى تظل عيناه على ما يحققه من ورائه من كسب سياسى أو حصيلة إعلانية. وترتب على ذلك ان بند المستوى الثقافى لم يعد مدرجا ضمن شروط الالتحاق بالمهنة.
السياسة دورها أكبر وأخطر. لانها منذ أدركت خطورة التأثير الإعلامى، فإنها قررت ان تتواجد فى ساحته بقوة. وصارت تخوض معاركها بأجهزتها الأمنية الضاربة من ناحية، وبالإعلام من ناحية ثانية. ذلك حاصل فى بلاد الدنيا كلها بدرجة أو أخرى. إلا أن السياسة تلعب دورا أكبر بكثير فى المجتمعات غير الديمقراطية ذلك ان السلطة تتولى توجيه الإعلام بصورة مباشرة أو غير مباشرة. والتوجيه له أساليب عدة يعرفها جيدا المخضرمون فى المهنة كما ان له مصادره التى تتعدد تبعا لتعدد مراكز الربح السياسية. ولست ممن يؤيدون الادعاء أن الشتائم والسباب التى يوجهها الإعلام للمخالفين تمارس من باب حرية التعبير، لان تلك «الحرية» ما كان لها ان تستمر ما لم يكن ذلك موافقا لهوى السلطة ومحلا لرضاها. وقد تابعنا مؤخرا كيف تم ايقاف إحدى المذيعات عند حدها حين أهانت شعب المغرب، ليس لانها تجاوزت حدود اللياقة فى التعبير، ولكن لان المملكة المغربية ليست من الدول المخالفة والمستباحة فى خريطة التعبئة الإعلامية. وبسبب من ذلك فان تجاوزات الإعلام ينبغى ألا يحاسب عليها الإعلام وحده لان السياسة تكمن وراءها دائما، الأمر الذى يدعونى إلى القول بأن الإشكال لن يحل إلا إذا تراجع الدور السياسى من خلال استعادة القيم الديمقراطية وإطلاق الحريات العامة وحين يتحرر الإعلام من قبضة السياسة، فإن ذلك يفتح الباب واسعا لاستعادة كرامته وكبريائه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.