منظمة التعاون الإسلامي تبرز جهود صاحب الجلالة لفائدة القارة الإفريقية    "مازي" يتراجع في بورصة البيضاء    وزير الخارجية الأمريكي: أي رد من إيران سيكون أكبر خطأ على الإطلاق    تجدد المطالب للدولة بالخروج من صمتها إزاء "العربدة" الصهيونية وإسقاط التطبيع    تميم يجري اتصالا مع السعودية والإمارات    تشكيلة الوداد ضد يوفنتوس الإيطالي    حادثة دهس طفلة بشاطئ سيدي رحال تثير الرأي العام    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    الكلام عن الشعر بالشعر مقاربة لديوان « في معنى أن تصرخ» لفاطمة فركال    مهرجان مشرع بلقصيري الوطني 16 للقصة القصيرة (دورة أبو يوسف طه)    البرلمان الإيراني يوافق على إغلاق مضيق هرمز رداً على الهجمات الأمريكية    بيت هيغسيث: ترامب "يسعى إلى السلام"    مجموعة بريد المغرب تصدر دفتر طوابع بريدية لصيقة تكريماً للمهن ذات المعارف العريقة    الشرقاوي: اتحاد طنجة ليس للبيع.. ومن يختبئون وراء "التعليمات" لا يمثلون المدينة    شكل جديد للوحات تسجيل السيارات المتجهة إلى الخارج    مشروع لتشييد عدد من السدود التلية باقليم الحسيمة    استمرار موجة الحر وأمطار رعدية مرتقبة في الريف ومناطق أخرى    تفاصيل توقيف المتورط في دهس الطفلة غيتة بشاطئ سيدي رحال    مفتشو التعليم يعلّقون "برنامجا نضاليا"    بنكيران يعلن دعمه لإيران ضد إسرائيل: "هذا موقف لوجه الله"    الإمارات تحذر من التصعيد بعد ضرب إيران    جائزتان لفيلم «سامية» في مهرجان الداخلة السينمائي بالمغرب    تأهب دول عربية تزامنا مع الضربة الأمريكية لإيران    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    الركراكي يشارك في مؤتمر للمدربين نظمه الاتحاد الملكي الإسباني لكرة القدم    بين سبورت: حادث مأساوي في ليلة تتويج مولودية الجزائر بلقب الدوري الجزائري    تراجع في كميات الأسماك المفرغة بميناء الحسيمة خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025    مهرجان كناوة بالصويرة يختتم دورته ال26 بعروض عالمية    حالة هستيرية تصيب لاعبا في مونديال الأندية    التجارة تقود نشاط المقاولات الجديدة في كلميم-واد نون    في مسيرة غزة ضد العدوان..السريتي: المغاربة مع فلسطين ومع المقاومة الباسلة    حبل حول عنق ينهي حياة ثلاثيني في جماعة لغدير بإقليم شفشاون    البطل المغربي أيوب الخضراوي يحقق فوزه الأول في منظمة وان تشامبيونشيب لرياضة المواي طاي الاحترافية في تايلاند"    كأس العالم للأندية: دورتموند يحبط انتفاضة صن دوانز وصحوة متأخرة تنقذ إنتر    أوزين: الحكومة دعمت "كسّاب" رومانيا    موجة حر تمتد إلى الأربعاء القادم بعدد من مناطق المملكة    مطالب برلمانية لوزير الفلاحة بتوضيحات حول تهديد سكن طلبة معهد الزراعة والبيطرة بالهدم دون إشعار أو بدائل    أزمة انقطاع الماء الصالح للشرب بمدينة سطات تثير استنكار الساكنة    الرجاء يواجه ناديين أوروبيين بالصيف    الفوتوغرافيا المغربية تقتحم ملتقيات آرل    "ها وليدي" تقود جايلان إلى الصدارة    باحثون يوصون بمناقشة "الحق في الموت" والمساعدة الطبية على الإنجاب    سعيد حجي .. اهتمامٌ متزايد يبعث فكر "رائد الصحافة الوطنية المغربية"    لحسن السعدي: الشباب يحتلون مكانة مهمة في حزب "التجمع" وأخنوش نموذج ملهم    الحكم على الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي !!    عضة كلب شرس ترسل فتاة في مقتبل العمر إلى قسم المستعجلات بالعرائش وسط غياب مقلق لمصل السعار        روبي تشعل منصة موازين بالرباط بأغانيها الشبابية    اتصالات المغرب تستثمر 370 مليار لتطوير الأنترنت في مالي وتشاد        وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    حرب الماء آتية    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‏ قمة المستقبل
نشر في هسبريس يوم 24 - 09 - 2024

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 22 سبتمبر 2024 في الجلسة الافتتاحية لقمة المستقبل الوثيقة الختامية الصادرة عن هذه القمة والمعروفة بميثاق المستقبل وملحقيه المتعلقين بالميثاق الرقمي العالمي وميثاق من أجل الأجيال المقبلة. وتعتبر هذه القمة فرصة تاريخية كونها لا تتكرر إلا مرة كل جيل، ولذلك تعقد عليها آمال عريضة لتعزيز تعددية الأطراف على الساحة الدولية ولإصلاح الأمم المتحدة ومؤسساتها بما يضمن مستقبلاً آمناً ومزدهراً للبشرية ولكوكب الأرض. وقد جاء انعقاد هذه القمة في لحظة تاريخية يشهد فيها العالم انقسامات متصاعدة بين الدول الكبرى ومجموعة من التحديات العالمية التي تتطلب، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، حلولاً عالمية لا يمكن حلها من خلال مجموعات صغيرة من الدول أو تحالفات الراغبين.
وسأحاول في هذه المقالة القيام بقراءة سريعة في مضامين ميثاق المستقبل، وخاصة في الجزء المتعلق بالسلم والأمن الدوليين، وذلك من منطلق أن باقي الأمور الأخرى مرتبطة بتوافر السلام والأمن والاستقرار وتتوقف عليه؛ فلا تنمية مستدامة في ظل الحروب وانعدام الاستقرار، كما أنه من الصعب أيضاً ضمان الاستقرار والأمن في غياب تنمية مستدامة.
تضمن ميثاق المستقبل نحو 56 إجراءً وأكثر من 80 بنداً، تتعهد الدول بتنفيذها خلال الخمس سنوات القادمة، وسوف تعرض نتائج ذلك على الدورة 83 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وتندرج تلك البنود والإجراءات ضمن خمسة فصول تتعلق بالتنمية المستدامة، وتمويل التنمية، والسلام والأمن الدوليين، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار والتعاون الرقمي، والشباب والأجيال المقبلة، والحوكمة العالمية. وقد جاء في ديباجة ميثاق المستقبل أن الهدف هو السعي إلى عالم آمن وسلمي وعادل ومتساوٍ وشامل ومستدام ومزدهر يكفل الرفاه والأمن والكرامة وكوكباً صحياً للبشرية جمعاء. وأن ذلك يتطلب إعادة الالتزام بالتعاون الدولي القائم على احترام القانون الدولي، مع التأكيد على الثقة والتضامن وتعددية الأطراف، وفي القلب منها الأمم المتحدة وميثاقها، التي يجب تعزيزها لمواكبة عالم متغير.
وقد خصص الميثاق محوراً كاملاً تحت عنوان "السلام والأمن الدوليان"، ووضعه في المرتبة الثانية بعد البند الخاص بالتنمية المستدامة. ويؤكد على أن المشهد الأمني العالمي يمر بتحول عميق، وأن هناك تهديدات متزايدة ومتنوعة للسلام والأمن الدوليين ومخاطر متزايدة لاندلاع حرب نووية يمكن أن تشكل تهديداً وجودياً للإنسانية. وفي هذا الإطار، يعيد ميثاق المستقبل التأكيد على مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وأن الأمم المتحدة تضطلع بدور لا غنى عنه في صون السلم والأمن الدوليين، ودعم الجهود الرامية للتصدي بشكل عاجل للتهديدات المتراكمة للسلام والأمن الدوليين.
وفي هذا الصدد، يؤكد ميثاق المستقبل كذلك على تجديد الالتزام الثابت بالعمل وفقاً للقانون الدولي، بما في ذلك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. ويعيد التأكيد على ما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة فيما يخص حماية الأجيال القادمة من ويلات الحروب والعمل على الاستفادة الكاملة من جميع أدوات وآليات ميثاق الأمم المتحدة، وعلى تكثيف استخدام الدبلوماسية والحلول السلمية للنزاعات الدولية، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، أو العدوان، وعلى احترام السيادة والسلامة الإقليمية للدول واستقلالها السياسي، وتعزيز المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب.
ومن بين الإجراءات التي تضمنها ميثاق المستقبل فيما يخص هذا المحور ما يلي:
– مضاعفة الجهود لبناء مجتمعات سلمية وشاملة وعادلة ومستدامة، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراعات، والتأكيد في هذا الإطار على الترابط بين السلام والأمن الدوليين وأهمية سيادة القانون وتعزيز القدرة على الصمود، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع المسلح وعدم الاستقرار.
– توفير فرص متساوية للوصول للعدالة، ودعم حقوق الإنسان، وتعزيز الثقافة والسلام والتسامح والتعايش السلمي، ومكافحة التمييز، وضمان عدم إضرار الإنفاق العسكري بالاستثمار في التنمية المستدامة.
– حماية جميع المدنيين في النزاعات المسلحة.
– ضمان الدعم للأشخاص المتضررين من حالات الطوارئ الإنسانية.
– زيادة الدعم بشكل كبير للبلدان والمجتمعات التي تواجه حالة الطوارئ الإنسانية.
– الوفاء بالالتزامات بشأن الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية.
– تعزيز التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء ونزع فتيل التوترات.
– بناء السلام واستدامته، والتأكيد في هذا الإطار على مكافحة العنصرية والقضاء على أشكال العنف والتمييز.
– تسريع تنفيذ الالتزامات بشأن المرأة والسلامة والأمن.
– تسريع تنفيذ الالتزامات بشأن الشباب والسلام والأمن.
– النظر في التأثيرات السلبية المحتملة لتغيير المناخ على الجهود الرامية إلى استدامة السلام.
– العمل على تكييف عمليات السلام للاستجابة بشكل أفضل للتحديات القائمة والحقائق الجديدة.
– معالجة التأثير الخطير للتهديدات التي يتعرض لها الأمن والسلامة البحرية.
– السعي إلى مستقبل خالٍ من الإرهاب.
– العمل على منع ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
– العمل على تعزيز هدف عالم خالٍ من الأسلحة النووية.
– المحافظة على الالتزامات والتعهدات الدولية في مجال نزع السلاح.
– اغتنام الفرصة المرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة والناشئة ومعالجة المخاطر التي يفرضها إساءة استخدامها.
– تناول المخاطر المحتملة التي يفرضها إساءة استخدام التكنولوجيا الرقمية، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي.
من الواضح أن ميثاق المستقبل ليس بديلاً لميثاق الأمم المتحدة، وإنما يؤكد عليه وعلى دعم هذه المنظمة وتعزيزها لمواكبة التغيرات الدولية، وتمكين مؤسساتها من تحقيق مستقبل أفضل للناس والكوكب. وهذا ينم عن إدراك المجتمع الدولي لتراجع دور المنظمة الدولية وعدم قدرتها على الاستجابة للتحديات المتزايدة في العالم، وقد عبّر عن ذلك الأمين العام للأمم المتحدة بوضوح حينما قال إن المؤسسات والأطر العالمية اليوم غير كافية تماماً للتعامل مع هذه التحديات المعقدة وحتى الوجودية. مضيفاً أن هذه المؤسسات وُلدت في عصر مضى لعالم مضى.
وكما هو معلوم، فإن مجلس الأمن هو الجهاز المنوط به حفظ السلم والأمن الدوليين، غير أن المجلس يصبح عاجزاً عن أداء وظيفته بسبب استخدام الأعضاء الدائمين للفيتو. هذا الحق أو الامتياز أصبح يشكل عائقاً حقيقياً أمام تمرير قرارات المجلس، وبالتالي تكون النتيجة هي عدم قدرة الأمم المتحدة على وقف العدوان أو منع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، كما نص على ذلك ميثاقها، مما يعني عجزها عن القيام بالمهمة الأساسية التي أُنشئت من أجلها في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وفي ظل التحولات الدولية العميقة التي يشهدها عالم اليوم، والتحديات الخطيرة والمستمرة للسلم والأمن الدوليين، والفشل المتكرر لمجلس الأمن في مهمته في هذا الشأن، يمكن القول إن قمة المستقبل انعقدت في توقيت دقيق، وبالتالي من شأنها أن تضع الأساس لعمل دولي منسق حول إصلاح الأمم المتحدة وأجهزتها. وتحقيق أي اختراق على هذا الصعيد لن يتحقق بدون إصلاح حقيقي لجهازها الأقوى، وهو مجلس الأمن، خاصة فيما يتعلق بالعضوية الدائمة، ولا سيما الفيتو وحالات استخدامه.
معلوم أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة، لكنها تعبر عن الضمير العالمي. ومن هذا المنطلق تكون "قمة المستقبل" قد حرّكت المياه الراكدة منذ عقود في الأمم المتحدة، وفتحت الباب واسعاً حول عملية الإصلاح التي باتت ضرورية لمواكبة التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة في العالم. ومن شأن مواصلة المشاورات الدولية خلال الخمس سنوات القادمة أن تتيح الفرصة لمزيد من العمل في هذا الإطار، بشرط توافر الإرادة اللازمة لدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وخاصة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، لتقديم تنازلات وانفتاح حقيقي على مقترحات مختلف المجموعات الجغرافية بشأن تعديل ميثاق الأمم المتحدة حتى يواكب تغيرات العصر.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن ميثاق 1945 ينص في المادة 108 منه المتعلقة بتعديل الميثاق على ضرورة موافقة أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة وكل أعضاء الأمم المتحدة، ومن بينهم جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وتصديقها على التعديلات وفقاً للأوضاع الدستورية لكل دولة. ومن هنا، لابد أن يشمل أي تعديل للميثاق هذه المادة أيضاً بما يجعل عملية تعديل الميثاق مرنة وأقل صعوبة.
الملاحظ أن ميثاق المستقبل تضمّن بنوده التعبير عن هواجس وشواغل مختلف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والأطراف ذات المصلحة، مع إضافة قضايا التنمية المستدامة، والبيئة، والتحديات المستحدثة التي فرضتها الثورة التكنولوجية المعاصرة. ومع أهمية كل ذلك، إلا أن الأهم هو الإقدام على عملية إصلاح حقيقية لمجلس الأمن، تمكنه من أداء واجبه في صون السلام والأمن الدوليين. وأية محاولة أخرى غير ذلك لا تعدو أن تكون دوراناً في حلقة مفرغة لن يؤدي إلى نتائج مختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.