حقق المنتخب الوطني المغربي لأقل من 20 سنة إنجازا تاريخيا وغير مسبوق، بوصوله إلى نهائي كأس العالم للشباب المقامة حاليا في دولة تشيلي، بعد فوز ثمين ومثير على منتخب فرنسا بركلات الترجيح، عقب نهاية الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، في مباراة نصف النهائي التي احتضنها ملعب "إلياس فيغيروا براندر" بمدينة فالبارايسو وسط البلاد، مساء الأربعاء. وعرفت المباراة حضورا جماهيريا محترما من أبناء الجالية المغربية المقيمة بتشيلي، بالإضافة إلى عدد من الأنصار الذين لم يترددوا في قطع آلاف الكيلومترات لمساندة "أشبال الأطلس" في هذه البطولة العالمية، مقابل حضور فرنسي باهت. بداية مغربية قوية وضغط مستمر منذ صافرة البداية التي أطلقها الحكم الأوروغواياني غوستافو تيخيرا، دخل المنتخب الوطني المغربي بعزيمة واضحة، معتمدا على الضغط العالي الذي فرضه المدرب الوطني محمد وهبي، انطلاقا من ثلاثي الهجوم: ياسر الزابيري وعثمان معما وياسين جسيم، إلى جانب حسام الصادق في خط الوسط. وكان الزابيري وراء أول تهديد حقيقي بعد تمريرة دقيقة من جسيم؛ لكنها مرت دون متابعة ناجحة. ورغم بعض المرتدات الفرنسية، فإن الدفاع المغربي أظهر صلابة كبيرة بقيادة إسماعيل باعوف؛ فيما كاد عثمان معما أن يُباغت الحارس الفرنسي بتسديدة قوية علت العارضة بقليل في الدقيقة ال13. بعدها بلحظات، تصدى الحارس المغربي المتألق يانيس بنشاوش لتسديدة قوية من اللاعب ميسم بن نعمة، مؤكدا جاهزيته الكبيرة لهذا الموعد. وحاول المنتخب الفرنسي الاعتماد على الأجنحة؛ من خلال كل من إيلان توريه، لاعب أكاديمية موناكو، وأنطوني برمونت، لاعب لانس، لكن الدفاع المغربي كان بالمرصاد. وشهدت الدقيقة ال27 تدخلات من إلياس زيدان، نجل الأسطورة زين الدين زيدان، الذي أنقذ مرماه في مناسبتين متتاليتين. ونتيجة الضغط المستمر، عاد الحكم إلى تقنية الفيديو (VAR) في الدقيقة ال30، ليحتسب ركلة جزاء لصالح "أشبال الأطلس" بعد شدٍّ واضح من القميص من لدن اللاعب أندريا لو بورن على إسماعيل باعوف داخل منطقة الجزاء. وتكفل ياسر الزابيري، ابن حي سيدي يوسف بن علي بمراكش، بترجمتها إلى هدف في الدقيقة ال31، مُعلنا الهدف الأول للمنتخب المغربي، رغم أن الطاقم التحكيمي فاجأ الجميع باحتساب الهدف "عكسيا"، بدعوى أن حارس المرمى ليساندرو أولميتا هو من أسكن الكرة شباكه بالنيران الصديقة. وفي الدقيقة ال39، أضاع الزابيري فرصة إضافة الهدف الثاني بعد مجهود فردي رائع من عثمان معما، الذي راوغ زيدان ومرر كرة على طبق من ذهب. كما رواغ ياسين جسيم الدفاع الفرنسي ببراعة في الدقيقة ال42، ورفع كرة متقنة كادت تُثمر هدفا آخر. وكاد المنتخب الفرنسي أن يعادل النتيجة في الوقت بدل الضائع؛ لكن الدفاع المغربي تألق مجددا، قبل أن يتدخل الحارس يانيس بنشاوش مرة أخرى وينقذ مرماه من هدف محقق، لينتهي الشوط الأول بتقدم مستحق ل"أشبال الأطلس" بهدف نظيف. استفاقة فرنسية في الشوط الثاني بدأ الشوط الثاني بتبادل للهجمات بين الطرفين، ونجح المنتخب الفرنسي في تعديل النتيجة عن طريق اللاعب لوكاس ميشال، مستغلا تمريرة بينية من زميله البديل مصطفى دابو، الذي شكّل مصدر إزعاج كبير للعناصر الوطنية. وكاد لاعبو المنتخب الفرنسي لأقل من 20 سنة أن يضيفوا الهدف الثاني عن طريق الأسمراني ميشال، موهبة موناكو؛ إلا أن يانيس بنشاوش تدخل بشجاعة كبيرة للتصدي لهذه الهجمة، وهي اللقطة التي تعرض خلالها لإصابة أجبرته على مغادرة الملعب، بعد أن تألق كثيرا، ليعوضه زميله إبراهيم غوميز. واستمر ضغط المنتخب الفرنسي الذي قدّم أفضل مباراة له في البطولة إلى حدود الدقيقة ال70، قبل أن يعود عثمان معما ليتلاعب بالدفاع الفرنسي، ويمرر كرة جميلة داخل منطقة الجزاء؛ لكنها لم تجد من يودعها الشباك. وبعد ذلك مباشرة، رفع المدرب الوطني محمد وهبي البطاقة الخضراء، مطالبا الحكم بالعودة لمراجعة لقطة من ركلة ركنية، بدعوى أن الكرة ارتطمت بيد اللاعب جاستن بورغو؛ غير أن الحكم اعتبرها لمسة يد غير متعمدة، لا تستوجب احتساب ركلة جزاء. وتواصلت الندية بين الطرفين بتبادل للهجمات وسط دفاع محكم من الجانبين، مع تراجع واضح في منسوب اللياقة البدنية لعدد من اللاعبين، في وقت كان عثمان معما قريبا من هز شباك المنتخب الفرنسي في الدقيقة ال90؛ لكن حارس المرمى ليساندرو أولميتا تدخل بنجاح لصد الكرة. وأضاف الحكم غوستافو تيخيرا خمس دقائق كوقت محتسب بدل الضائع دون أن تتغير النتيجة، لينتهي اللقاء بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، ويلجأ الطرفان إلى شوطين إضافيين. التكافؤ عنوان الشوطين الإضافيين وانتظر الطرفان الدقيقة الثانية بعد المائة التي حملت خطورة كبيرة من المهاجم الفرنسي دابو، الذي سدد كرة مؤطرة لم تبتعد كثيرا عن مرمى إبراهيم غوميز، حامي عرين "الأشبال". ثم تلاعب الزابيري بالدفاع الفرنسي؛ لكن تسديدته علت العارضة بقليل. وواصل رفاق زيدان اللقاء بعشرة لاعبين منذ الدقيقة السادسة بعد المائة، بعد طرد اللاعب رابي نزينغولا الذي نزل بديلا في الدقيقة ال87. وظل عثمان معما بمثابة الشبح الذي يُثير القلق في الدفاع الفرنسي، وكان قريبا من هز الشباك في الدقيقة ال112. وأسال المنتخب الفرنسي العرق البارد للعناصر الوطنية بكرة خطيرة جدا في الدقيقة ال117، ليتدخل اللاعب طه مجني في اللحظة الأخيرة ويمنعها من دخول الشباك؛ فيما أجرى محمد وهبي ثلاثة تغييرات دفعة واحدة في الدقائق الأخيرة، إضافة إلى إشراك حارس المرمى عبد الكريم المصباحي تحسبا لركلات الترجيح. ركلات الترجيح تبتسم للمغاربة وتكفل البديل يونس البحراوي بتسجيل الركلة الترجيحية الأولى، وسجل إلياس بومسعودي الركلة الثانية بهدوء كبير، ثم تابع المصباحي ركلة جزاء فرنسية من اللاعب غادي بييوكو ارتطمت بالقائم، لتمنح التفوق للعناصر الوطنية. ونجح ياسر الزابيري في تسجيل الركلة المغربية الثالثة بطريقة "بانينكا" على غرار أشرف حكيمي في مونديال قطر 2022، قبل أن يُسجل إلياس زيدان الركلة الفرنسية الرابعة، ثم أهدر محمد الحموني الركلة المغربية التالية، وسجل سعد الحداد الركلة الخامسة ل"أشبال الأطلس". وسجل نعيم بيار سادس ركلات الترجيح للمنتخب الوطني، قبل أن يتصدى المصباحي لركلة جزاء حاسمة، ليعبد طريق "أشبال الأطلس" نحو النهائي في بطولة تاريخية. يُشار إلى أن المنتخب الأرجنتيني لأقل من 20 سنة سيُلاقي نظيره الكولومبي في نصف النهائي الثاني يوم غد الخميس، لتحديد خصم "الأشبال" في المباراة النهائية.