في ظل تراجع معدل المواليد وارتفاع نسب العقم، يجد الأزواج في الصين أن الحصول على علاجات الخصوبة لا يزال مكلفًا وشاقًا، رغم إعلان الحكومة توسيع التغطية التأمينية لتشمل بعض تقنيات التلقيح الاصطناعي (IVF). ونقلت وكالة "بلومبرغ" عن تشين هواشي، صاحبة متجر ملابس تبلغ من العمر 38 عامًا، أنفقت نحو 100 ألف يوان (14 ألف دولار) خلال ست سنوات من المحاولات الفاشلة للإنجاب عبر التلقيح الصناعي. وعندما علمت أن مقاطعتها في شمال شرق الصين بدأت تغطية بعض الإجراءات عبر التأمين الصحي، شعرت بأملٍ سرعان ما تبدّد. فالبرنامج يغطي إجراءات أساسية محدودة، مستثنيًا خدمات باهظة لكنها ضرورية، مثل الأدوية المستوردة والفحوصات الجينية وتجميد الأجنة. "القواعد معقدة، لكن ما هو واضح أنها لن تُحدث فرقًا كبيرًا"، تقول تشين التي خضعت لمحاولتين فاشلتين. "لست متأكدة من قدرتنا على الاستمرار ماليًا". ومع تفاقم التحديات الديموغرافية، سجّلت الصين تراجعًا سكانيًا للعام الثالث على التوالي، بلغ مجموعه نحو خمسة ملايين نسمة منذ عام 2022، في سابقة تعكس عمق التحول السكاني الذي تشهده البلاد، وتهدد بتقليص حجم القوة العاملة مقابل تضخم متسارع في أعداد كبار السن. ولجأت الحكومة الصينية إلى إطلاق سياسات تحفيزية للإنجاب شملت إعانات نقدية، وتسهيلات في الزواج، وإجازات أبوّة وأمومة أطول. وفي عام 2023، أعلنت السلطات أن بعض تقنيات التلقيح الصناعي ستُدرج ضمن التغطية التأمينية الوطنية. لكن بعد عام، لا تزال العلاجات خارج متناول الكثيرين، بسبب محدودية التغطية وارتفاع التكاليف. بحسب اللجنة الوطنية للصحة، تملك الصين 635 عيادة مرخصة لعلاج العقم — بمعدل عيادة واحدة لكل 2.2 مليون نسمة، مقارنة بواحدة لكل 730 ألفًا في الولاياتالمتحدة، وواحدة لكل 200 ألف في اليابان. غالبية هذه العيادات تقع في المدن الكبرى، ما يدفع الأزواج في المناطق الأقل نموًا — حيث تكون الرغبة في الإنجاب عادة أعلى بسبب انخفاض تكاليف المعيشة — إلى السفر لمسافات طويلة. تكلفة دورة واحدة من التلقيح الصناعي في الصين تتراوح بين 30 و50 ألف يوان، وقد تتضاعف في حال الحاجة لفحوصات إضافية. وبالنظر إلى أن نسب النجاح في المحاولة الأولى لا تتجاوز 40% للنساء دون سن ال35، وتنخفض إلى 13% بين سن 40 و41، فغالبية الأزواج يحتاجون إلى أكثر من محاولة واحدة. وتتباين مستويات السداد التأميني بين المقاطعات، من بضع آلاف يوانات إلى نصف التكاليف. في المناطق الأفقر، التغطية أقل وعدد الدورات المسموح بها محدود. علماً أن متوسط الدخل السنوي المتاح في المدن الصينية يبلغ نحو 54 ألف يوان، وأقل من النصف في المناطق الريفية. معدل العقم في الصين ارتفع من 12% في 2007 إلى 18% في 2020، وفقًا لدراسة نشرتها مجلة Lancet. ومع ذلك، تقل نسبة الأزواج الذين يحصلون على العلاج عن 10%، مقارنة ب30% في الولاياتالمتحدة. ويعزو الأطباء هذا الارتفاع في العقم إلى الزواج المتأخر، حيث ارتفع متوسط عمر الزواج الأول إلى 28.7 سنة في 2020، مقارنة ب24.9 قبل عقد. ونظرًا للوصمة الاجتماعية المرتبطة بإنجاب الأطفال خارج إطار الزواج، تبقى فرص الحمل محدودة لمن يتأخرون في تكوين أسرة. دراسة أجريت في مقاطعة غوانغدونغ عام 2024 خلصت إلى أن توسيع التغطية التأمينية لعلاجات العقم قد يسهم في ولادة 65 مليون طفل إضافي حتى عام 2050، مشيرة إلى أن كل يوان يُستثمر في التلقيح الصناعي قد يحقق عائدًا اقتصاديًا قدره 13 يوانًا على المدى الطويل. مع ذلك، يشير الخبراء إلى أن النظام الصحي الصيني يواجه ضغوطًا متزايدة من شيخوخة السكان وارتفاع التكاليف، ما يحد من قدرة الحكومة على توسيع الدعم. ويقترح البعض إنشاء صندوق دعم مستقل لهذه العلاجات، أسوة بتجربة تايوان. تجارب دول شرق آسيا الأخرى تشير إلى أن دعم التلقيح الصناعي وحده لا يكفي لعكس منحى التراجع السكاني. فاليابان وكوريا الجنوبية قدمتا دعمًا ماليًا واسعًا للعلاجات، لكن معدلات المواليد واصلت الانخفاض، رغم ارتفاع نسبة المواليد الناتجة عن تلك العلاجات في بعض المناطق. تقول تشين، التي تنظر الآن في خيار محاولة ثالثة مكلفة أو التخلي عن حلم الأمومة: "مؤلم أن تنفق كل هذا المال ولا تحصل على شيء سوى أدوية تُحقن في جسدك".