"التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    بعد "بولميك" الجزائر.. إقبال كبير على أقمصة نهضة بركان    رسميا.. عادل رمزي مدربا للمنتخب الهولندي أقل من 18 سنة    الأنفاس مقبوطة فالحركة الشعبية...والسبب: انتظار جلسة النطق بالحكم ضد انتخاب محمد أوزين أمينا عاما    ترحيب واسع من المنظمات والجمعيات المهنية باتفاق زيادة الأجور    وزير الفلاحة يكشف الأسباب الحقيقية وراء غلاء اللحوم الحمراء    محتجون يغلقون "السوربون" بسبب غزة    بوريطة يستقبل وزير الخارجية الغامبي حاملا رسالة خطية إلى الملك محمد السادس من رئيس غامبيا    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى السيد نزار بركة بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما لحزب الاستقلال    إدانة صاحبا أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن النافذ    تفاصيل حصرية على كيفاش تشد المجرم اللي قتل تلميذة بطريقة بشعة فصفرو: سبق ليه دوّز 5 سنوات نافذة ديال السجن بسبب تكوين عصابة إجرامية (صورة)    شنو هي قصة مرات سانشيث؟ وشنو المبررات اللي خلات سانشيث يبقى فمنصبو؟    لمكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي.. البوليس والوكالة الوطنية للمياه والغابات دارو اليوم اليد فاليوم    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    بتنسيق مع "ديستي".. الحرس المدني يحجز زهاء طنين من الحشيش بسواحل إسبانيا (صور)    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام        الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحج إلى القذافي
نشر في هسبريس يوم 20 - 07 - 2010


"الحج الى القذافي"لدانيال كوازتشنسكي
دراسة في تحولات الزعيم الليبي والبحث في عوامل النجاة والتغير في الفكر والمواقف
ليبيا اليوم علامة مهمة في الصحافة البريطانية لا يكاد يختفي اسمها من عناوينها، فإن لم يتم الحديث عن مصير عبد الباسط المقرحي الذي افرج عنه قبل عام من سجن اسكتلندي، يتم الحديث عن شركة البترول البريطانية (بي بي) ودورها في اطلاق سراحه، وان نسيالموضوع يفتح موضوع علاقة توني بلير، رئيس الوزراء السابق، بليبيا وصداقته الشخصية مع الزعيم الليبي معمر القذافي، وان نسينا كل هذا جاء الحديث عن التعويضات التي يجب ان تدفعها ليبيا لعائلات ضحايا ماتوا بسبب هجمات الجيش الايرلندي الحر اثناء حملاته في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي والتي تلقّى مقاتلوها دعما من ليبيا، اسلحة واموالا. وعلى الرغم من عودة العلاقات الليبية البريطانية بعد زيارة توني بلير لطرابلس الغرب الا ان هناك رغبة دائم في العودة إلى الملفات القديمة وشكاوى من ليبيا وزعيمها الذي يحكم ليبيا منذ اكثر من اربعة عقود، والتاريخ المعقد الذي تحمله هذه العقود ليس على صعيد العلاقات الاوروبية الليبية ولكن الليبية والعربية والافريقية. وفي داخل هذا الحديث دائما الاشارة الى عامل النفط الذي يدفع الكثير من العلاقات بين الدول هذه والحكومة الليبية وقصة معمر القذافي نفسه وليبيا المعاصرة حيث يتداخل شخص الزعيم الليبي مع كل مرحلة ومفصل من مفاصل الدولة التي تخلص فيها شبان متحمسون، قادهم شاب متحمس ذو جاذبية، من ملك عجوز غير فاعل لم يكن يريد المُلك بقدر ما كان يبحث عن خليفة له لم يأت.
الصورة والنمط
والحديث عن الرئيس معمر القذافي يجلب اليه صورة الرئيس التي تكرست في الذهنية العامة حول طريقة حياته وتصريحاته وحروبه الكلامية في المؤتمرات القمم العربية تحديدا، ورحلاته للخارج، ولقاءاته في الجامعات او دعوته للاسلام، ونظرته الفكرية للعالم. فالقذافي لديه مشاركات ونظرات في قضايا العالم، والعولمة وسبب انتشار الايدز واخيرا مونديال جنوب افريقيا. والحديث عن القذافي يرتبط دائما برؤيته لتاريخ بلاده ودورها في العالم وهو ما دفعه في مرحلة ما إلى المشاركة ودعم اية قضية يؤمن بعدالتها او يرى ان هناك ضرورة لدعمها، فسجل دعمه حافل ولا توجد اية قضية في العالم الثالث بل والاول لم يدعمها من الالوية الحمراء وبادرماينهوف الى الجيش الايرلندي ومن حركات تحرير مورو في الفلبين الى حركات التحرر في امريكا اللاتينية. ولعل اهم انجازاته دعمه الكبير لحركة التحرر الافريقي من التمييز العنصري في جنوب افريقيا ودعمه للقضية الفلسطينية، وفي الاخيرة يدور نقاش حول ماهية الدعم ورؤيته للحل، حيث يدعو الزعيم الى دولة واحدة هي اسراطين تشمل فلسطين واسرائيل. وتحولات الزعيم الفكرية والسياسية هي جزء من تكيف الزعيم مع الواقع وتعامله مع الزمن، فمن عدو لأمريكا، يهاجم رئيسها مدن ليبيا ويقصفها ويحاول قتل الرئيس الى صديق للغرب. ومن مهندس للثورة الليبية الى مرشد يعترف بالاخطاء ويحاول تصحيح السجل.
تعدد مجالات الصورة والتفسير
معمر القذافي- الرئيس ومرشد الثورة الليبية وداعي الوحدة العربية والداعية للاسلام، وزعيم حكماء افريقيا - البدوي الخالص والمفكر والصوفي والداعي الى نظرية عالمية ثالثة في ظل الحرب الباردة تحقق للانسان كرامته وزعيم امة لا يزيد تعدادها عن ستة ملايين نسمة، يمثل لكل شخص رؤية وفكرة ويعيد اليه تجربة، فبالنسبة إلى المعارضين لنظامه ممن يعيشون في الشتات نظام القذافي ديكتاتوري وشمولي وبالنسبة إلى الساسة الذين تعاملوا معه سياسي متقلب يدعو إلى الوحدة مع الزعماء ويحرض الجماهير على زعمائهم. وبالنسبة إلى المسؤولين الغربيين الذين التقوه ويحاولون نيل رضاه من اجل نفط بلاده يبدون مجبرين على لقائه، وبالنسبة إلى من يؤمنون بنظرياته هو شخصية ذات عمق ورؤية تحمل على كتفها هم الانسان وصادقة في الحديث عن التغيير، وبالنسبة إلى الرأي العام الغربي فهو شخصية بعيدة غالباً ما تشوش حياتهم اليومية بسبب مطالب حاشيته واصراره على نصب خيمته ومواصلة حياته كما هي في الصحراء حتى اثناء زيارته لبلد اجنبي. ومن هنا فنحن امام شخصية متعددة الوجوه، كل يرى فيها قذافيه الخاص. تتراوح صورة القذافي من النمطية العادية الى التطرف، ومن الاعجاب الى الكره والشجب، وتثير طريقة ادارته لصورته وتعامله معها الكثير من التساؤلات، عن الذي يدفع الرئيس الليبي الى اتباع طريقة مسرحية كهذه - في الزي المتغير والمسرح - الخيمة والفريق المساند حارسات والنص المتغير بحسب المكان والزمان نقد ومعارك مع حكام عرب تمزيق ميثاق الامم المتحدة - محاضرات ولقاءات مع طلاب جامعات وشباب في القاهرة وباريس وايطاليا واليابان - هل هو الاعجاب الزائد بالنفس ام البحث الدائم عن مكان له في التاريخ؟ من المعروف ان القذافي هو ابن الثورة الليبية ضد الاستعمار الايطالي، ولا توجد امة على وجه الارض لم تعان مثل ما عاناه الليبيون من الاستعمار وجراحه معسكرات اعتقال - قتل عشوائي ملاحقة وتدمير- اغتصاب نساء، وفي ذاكرة الليبييين حفر الجنرال غرزياني صورته واسمه في كتب التاريخ الليبي، كما حفر غزاة آخرون، وليس بعيدا تأثر القذافي بذكريات الثورة التي شارك فيها جده واستشهد فيها، وان يكون عمر المختار الشهيد واحدا من رموزه الاولى التي تأثر بها. يظل القذافي كصورة ورمز عصياً على الامساك والقولبة في قالب واحد فهو ثوري مع الثوريين، وانقلابي يريد تركيب المجتمع وهندسته ومفكر له رؤيته في الدين والحياة والاصلاح. وهو كل ما يريد الباحث شخصية اشكالية جدلية يمكن قراءتها من أية زاوية.
السياسة والثورة
وتظل معرفتنا بالقذافي مرتبطة بسياساته وتصريحاته وطريقة ادارته للدولة والثورة والنفط اي الثروة وعلاقته بالجوار والعالم التي يحسن استغلالها لصالحه فهو صديق الجميع وعدو للعديدين. بدأ القذافي الشاب الوسيم ثورته ضد نظام رجعي لم يحسن البناء على تقاليد الحركة السنوسية التي قلبت المجتمع الليبي وغيّرته من مجتمع بدوي لا يعرف دينه الى مجتمع دعوي مجاهد ينشر الاسلام في قلب افريقيا ويصل الى جبهات لم يصلها الفاتحون المسلمون، كان القذافي وظل وحدويا - يعتمد على طبيعة الوحدة اقترح خطط وحدة مع كل الدول العربية وعمرت وحدته مع المغرب اكثر مما توقع الكثيرون - اي كانت انجح تجربة وحدة نفذها القذافي مع كيان عربي. وعندما لم يجد من العرب من يدعم وحدته تحول الى الجوار الافريقي فكرّمه واصبح حكيم حكماء افريقيا، ونصب بطريقة طقوسية. ما الذي يدفعنا إلى الحديث عن الزعيم القذافي؟ قد يقول قائل: نعرف كل ما قلت وما عليك الا ان تطبع كلمة قذافي في غوغول وتجد ضالتك عن ليبيا المعاصرة والزعيم، وقد تزور الموقع الرسمي للرئيس وتقرأ شيئا عن افكاره ومقالاته وخطاباته والكتاب الاخضر.
البحث عن القذافي
وهذه اسئلة مشروعة، لكن الداعي للحديث عن القذافي هو الكتاب الصادر حديثا عن دار نشر بريطانية ومن اعداد دانيال كوازتشنسكي، نائب برلماني عن دائرة شروزبري اند اتشام - عن حزب المحافظين ورئيس اللجنة البرلمانية لكل الاحزاب حول ليبيا. والكتاب يحمل عنوان البحث عن القذافي او يمكن الحج للقذافي وفيه يحاول الكاتب قراءة السياسة البريطانية الجديدة تجاه ليبيا وهو محاولة لوضع بعض الملامح التاريخية حول حكم الزعيم الليبي وقراءة في سياساته وتبدو لهجة مقدم الكتاب مايكل غوف الذي يتحدث بطريقة حادة عن الزعيم بعد ان يقول ان ليبيا هي بلد تتلاقى فيه القوى التي شكلت العالم الحديث وهي وان كانت واحدة من ايتام الامبراطورية شكلت صورتها التاريخ الامبريالي وحكم الايطاليين، لتتحول الى محضن فحص للماركسية، وامة طليعة في القتال ضد الغرب، وحاضنة لولادة الراديكالية الاسلامية. وبعيدا عن كل هذا تظل ليبيا بلداً منتجاً للنفط، وبلداً يأتي على مفترق الطرق بين افريقيا والعالم العربي وغير بعيدة عن اوروبا. وعلى الرغم من ان ليبيا تخلت عن مشاريعها في مجال اسلحة الدمار الشامل الانجاز الوحيد لكل من جورج بوش وتوني بلير - الا انها تدعم انظمة ابادة كالسودان وزيمبابوي في وقت تحاول فيه مواجهة الارهاب الاسلامي. وتعكس المقدمة تناقضا في حالة ليبيا فدورها في لوكربي التي تعتبر جريمة لم تعاقب عليها بطريقة مناسبة كما يقول، والتناقض يبدو في محاولة ليبيا تبني الليبرالية والرأسمالية الا انها تواصل ادارة البلاد بطريقة شمولية تقوم على الولاء القبلي اكثر من تطبيق نظام يشبه على الاقل الديمقراطية. وفي قلب كل هذه التناقضات يقول غوف شخصية القذافي الغامضة التي يشبه البحث عنها ملاحقة سراب في رمال متحركة.
الموقع في التاريخ
ويرى ان المؤلف كوازنسكي يبذل قصارى جهده لتقديم صورة صادقة ومخلصة عن البلد واهله وثرواته وازماته. فهو، اي كوازنسكي، يرى ان سيرة القذافي الفكرية والسياسية تقوم على هدفين رئيسيين هما ان يحتفظ بموقعه الخاص في تاريخ ليبيا كأحد مؤسسي فكرتها وبُناتها اما الثاني فأن يتذكره المؤرخون والكتاب في العالم كمفكر ورجل دولة لعب دورا مؤثرا في تاريخ العالم في العقود الاخيرة من القرن العشرين والقرن الحالي، ويعتقد الكاتب ان كل شيء قام به القذافي منذ وصوله إلى السلطة كان لخدمة هذين الهدفين ونجح في تحقيق الاول اما الثاني فمحل للجدل. على الرغم من تخلي القذافي عن مهامه كمسؤول مباشر عن شؤون الدولة وتحوله إلى رمز الا ان الكاتب يرى ان الرئيس متمسك بالسلطة ويبني هذا الموقف على مشاهداته في المدن الليبية لصور الزعيم وكلماته. الفكرة المحورية للكتاب تقوم على دور بريطانيا في اخراج القذافي من عزلته الدولية جلبه من الحرب الباردة وان كانت بريطانيا توني بلير قد ساهما بمد عمر نظامه، فالقذافي يعتبر اخر الناجين من الزمن الوحدوي العربي من الذين حملوا حلم نصر وآماله ونهرو وسوكارنو ونكروما في مرحلة ما بعد الاستعمار. ويقول الكاتب ان الاستفادة من الفرص الاقتصادية والثروات النفطية والاستفادة من المعلومات التي قدمتها ليبيا حول القاعدة شيء واستمرار الرقابة ومطالبة النظام بتحسين أدائه شيء آخر، فهو وان لم يعارض سياسة بلير بفتح الباب مع ليبيا، واعادة العلاقات معها، الا انه ليس مقتنعا من ان كلا من غوردون براون ووزير خارجيته، ديفيد ميليباند كانا حاسمين مع ليبيا من اجل ملاحقة قتلة الشرطية ايفون فليتشر 1983 او متابعة مطالب عائلات تضررت من عمليات الجيش الايرلندي الحر. ومن هنا فالفكرة الرئيسية التي يواجهها قارئ هذا الكتاب ان بلير وضع السياسة البريطانية في الطريق الصحيح من ناحية التعامل مع النظام الليبي. فهو يرى ان التعاون القائم على مبادئ سياسية خير من عدم التعاون. فالاول يمنح بريطانيا الفرصة كي تنقل لليبيين القضايا المثيرة للقلق، وتعطي البريطانيين والليبيين الفرصة للتعاون وتبادل الخبرات. وما يهم في هذا المدخل انه يضع بريطانيا في مركز جيد للتعاون مع القوى التي عملت مع القذافي مدة طويلة والاستفادة من خبراتها في مرحلة ما بعد القذافي. ولتحقيق هذا المفهوم يأخذنا الكاتب في رحلة مع تاريخ ليبيا منذ الطموح الاستعماري والتدافع عليها وتجربة ايطاليا ، وطفولة القذافي الذي ولد في خيمة لعائلة من قبيلة القذافيين وتميزه عن بقية ابناء قبيلته من ناحية التعليم ومشاكله مع المدرسين نظرا لمواقفه السياسية.
الخيمة
ويعتقد الكاتب ان الخيمة التي ظلت اساسا لتأكيد اصالته تتناقض مع صورته كرجل مسرحي. ولكن ما يميز طفولته وشبابه هو قسوة الحياة التي عاناها فقد كان افقر طالب في المدرسة، ومنحتهالصحراء شيئا اكبر من الفقر، وهو القدرة على الخطابة، حتى يقال ان ابناء مدرسته كانوا يحملون معهم كرسيا صغيرا في حال اراد الطالب معمر القاء خطاب امام زملائه. ويشير الكاتب إلى ان القذافي كان شخصية جذابة وقيادية إلى درجة ان احد ابناء قبيلته لم يندهش لما وصل اليه قائلا ان القذافي ولد قائدا. ويسرد الكاتب دراسة القذافي في اكاديمية بنغازي العسكرية ونشاطه السياسي وانشائه لجنة سرية اسمها اللجنة المركزية للضباط الاحرار وزيارته عام 1966 لبريطانيا للتدريب في المدرسة الملكية لسلاح الاشارة، حيث تعلم الانكليزية في بيكونزفيلد. وقد شعر بعدم الراحة اثناء زيارته هذه من العنصرية المنتشرة في البلاد ومن الفساد الاخلاقي.
عملية القدس
الكاتب وان اطلع على معظم المصادر حول حياة وسيرة القذافي الا انه اضاف مقابلات ومصاد اولية خاصة في الفصول الاخيرة من الكتاب، فعن انقلاب عملية القدس ايلول (سبتمبر) 1969 ينقل عن معارض للنظام يعمل في بريطانيا ويقيم فيها قوله ان الجميع في ليبيا كان يتوقع انقلابا وان اسماء في حينه طرحت من مثل عبدالعزيز الشلحي، الذي كان من الشخصيات القوية داخل النظام الملكي، ومن هنا جاء انقلاب القذافي ورفاقه مفاجئا. في السنوات الاولى من حكمه يرى الكاتب ان القذافي قدم صورة شعبية وكاريزماتية محبوبة، وقام بسياسات شعبية مثل محاربة النفوذ الغربي، وتأميم النفط واخراج الامريكيين والبريطانيين من القاعدتين العسكريتين لكن خطاب وزارة عام 1973 اظهر تحولا في نظرة القذافي إلى ليبيا وطريقة تشكيلها فقد علم الخطاب محاولة منه لوضع ليبيا على طريق مختلف وجذري، اي بداية التجريب، خطاب سبهة عام 1977 واللجان الشعبية والكتاب الاخضر والجماهيرية العظمى. ويربط الكاتب بين موقف القذافي من غياب دور الحكومة وحكم الجماهير بجذور الزعيم البدوية.
الجماهيرية والكتاب الاخضر
ومن هنا يرى الكاتب ان قصة ولادة الجماهيرية هي صورة عن ولادة الكتاب الاخضر ورؤية القذافي من دور العلماء في المجال السياسي ومعها يرى ولادة اجهزة امنية. ويمكن قراءة التحولات في مواقف وسياسات القذافي منذ تلك الفترة وحتى اليوم، فالقذافي اليوم هو قطعا مختلف عنه في السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي، ويرى الكاتب ان الزعيم يكتفي فعلا بالتوجيه ويترك لوزرائه حرية تنفيذ السياسات. ومن هنا فمع بداية الثمانينيات من القرن الماضي بدأت افكار الزعيم تتغير نحو البحث عن مكان له في عالم السياسة الدولية ومرجعيته في هذا السياق كانت الكتاب الاخضر وعالمية افكاره والتي يرى الكاتب انها لم تمنح ليبيا بالمقابل الكثير خاصة في دعمها لكل حركات التحرر العالمية او حركات الارهاب بالمفهوم الغربي، ففي فصل المال والسلاح يقدم الكاتب قصة ليبيا مع حركات التحرر هذه وتلك المعارضة للامبريالية العالمية، وفي كل هذه المبادرات يرى الكاتب ان ليبيا لم تستفد الكثير على الرغم من ان يدها كانت مثل يد الاتحاد السوفييتي السابق وامريكا. ونفس الامر يقال عن دور ليبيا في افريقيا ومبادرات الوحدة مع دول العالم العربي، التي يرى الكاتب انها جاءت متعجلة ولم تتم متابعتها من قبل ليبيا او لتراجع دول عقدت معها ليبيا هذه المبادرات مثل مصر وسورية والجزائر والمغرب وانتهت الكثير منها بخلافات مرة مثل المبادرة مع مصر وخلافاته مع انور السادات، لانه لم يشرك القذافي في التحضير لحرب عام 1973 ولسقوط الطائرة الليبية بعد قصفها من اسرائيل واتفاق كامب ديفيد. ويشير الكاتب إلى ان مبادرات الوحدة في افريقيا والعالم العربي - كانت مدفوعة بعدة عوامل منها تصدير النموذج الليبي ونشر الاسلام والعمل من اجل الوحدة العربية واستعادة الحقوق الفلسطينية ومقاومة الاستعمار. ولكن الجهود كلها لم تثمر الكثير. وفي هذا السياق يشير الكاتب الى عدد من السياسات الاخرى مثل الحرب مع تشاد والنزاع حول شريط اوزو والذي انتهى بقبول ليبيا بقرار المحكمة الدولية، وبدء العلاقات مع الجيش الايرلندي الحر التي كان من عوامل تطورها في الثمانينيات غضب القذافي من مواقف تاتشر. ويخصص فصلا طويلا لقراءة ظروف مقتل الشرطية ايفون فليتشر عام 1984 وانقطاع العلاقات بين البلدين لمدة تزيد عن العشرين عاما ويرى الكاتب ان الملف لم يغلق بعد.
القذافي وريغان وما بعد
وفي السياق نفسه يقرأ تراجع العلاقات الامريكية الليبية التي لم تعمل ادارة كارتر الكثير لتحسينها، وساءت مع وصول رونالد ريغان إلى السلطة الذي اتخذ من تزايد تدخل ليبيا في الشؤون الافريقية وتهديده مصالح امريكا بدعم الجماعات الارهابية وعلاقته الوثيقة مع السوفييت وتمظهر العداء بين ريغان ضد القذافي بضرب ليبيا عام 1986 ويربط الكاتب هجوم امريكا على ليبيا بمصالح امريكا في الخارج وصورتها المهتزة كدولة عظمى وخسارتها حلفائها شاه ايران وانتصار ثوار السانديستا وفضيحة ايران كونترا وشك امريكا ، حسب بوب وودورد في تقرير له عام 1981 من أن النظام الليبي خطط لاغتيال ريغان نفسه وذلك بناء على معلومات عميل اثيوبي عن اجتماع عقد في اديس ابابا مع منغستو هيلا مريام، تحدث فيه الاخير وقادته عن خطة القذافي في هذا الاتجاه. ويبدو ان النظام الليبي كان يرد على دعم واشنطن لجماعات المعارضة التي حاولت الانقلاب عليه. وفي هذا الفصل ينقل الكاتب عن عدد من المسؤولين والمعارضين الليبين حيث يقول واحد ان الهجوم على باب العزيزية ادى الى حالة من الفوضى في البلاد. في مرحلة لاحقة يحلل الكاتب ان القصف الامريكي على ليبيا كان بداية او لحظة بدأ فيها النظام الليبي بتحسين علاقاته مع العالم خاصة الغرب، ولم يحدث هذا الا بعد انهاء ملف لوكربي واقتناع الزعيم الليبي عام 1998 بمحاكمة للمشتبه بعلاقتهم بلوكربي في بلد محايد - ثالث ثم جاءت هجمات ايلول (سبتمبر) حيث وضعت ليبيا على قاعدة واحدة مع امريكا وبريطانيا لمواجهة الخطر الجديد الذي تمثله القاعدة.
القذافي في الزمن الجديد
ويقرأ الكاتب التحولات الجديدة على صعيد شخصية القذافي فلم يعد الاقليمي الباحث عن وحدة ولكنبحسب روبرت فيسك تحول من المقاطع دوليا الى صانع السلام وهو الدور الذي حقق فيه بعض النجاح النسبي على الاقل في افريقيا. يقدم الكاتب تحليلا للحياة في ليبيا، التعليم والمجتمع ودور المرأة التي يقول انها لا تزال تلعب دورا ثانويا على الرغم من تصريحات القائد من ان المرأة الليبية هي من اكثر القطاعات قوة من بين المجتمعات العربية. ويقرأ في النهاية القوى اللاعبة في الشأن الليبي والتي يمكن ان تؤثر على المستقبل، مشيرا الى ان الزعيم الليبي لا يحبذ الحديث عن وراثات لكن الكاتب يقرأ في الجيل الذي ينتمي الى عائلة الزعيم خاصة الدور الذي يضطلع به نجل الزعيم سيف الاسلام ودوره في المجال العام وبقية ابناء الزعيم، وهناك اسئلة حول الجيش والحرس القديم للثورة وبالتأكيد يرى الكاتب ان الاسلام السياسي سيكون له دور يلعبه في مستقبل السياسة الليبية ولكن هذا الدور يعتمد على فهم المؤسسة الدينية من الواقع خاصة ان المجتمع العام يرفض العنف فيما تمر فيه الحركة الجهادية في مرحلة من القراءة واعادة ترتيب الاوراق.
القذافي في المستقبل
في الوقت الحالي يبدو القذافي غير معني بمسألة من سيخلفه، ولكن قصة ليبيا المعاصرة ستظل متجادلة مع قصة الصبي الذي ولد في خيمة وذاق طعم الفقر وصعد سلم السلطة وعرف كيفية النجاة في وجه التحديات. وعلى الرغم من كل ما قدمه الكاتب من تحليلات حول سياسة النظام وادواته من قمع المعارضين والخوف من نقد النظام الا انه يرى ان اهم انجاز للقذافي اضافة لحاسة النجاة يظل في الحفاظ على ليبيا مستقرة والمحافظة على تدفق النفط، هبة الله للبلاد، إلى الخارج وعوائده إلى الداخل. تظل قراءة كوازتشنسكي ذات اطار وهدف نحو مساعدة السياسة والسياسيين على فهم اللغز الليبي. وقد يتفق القارئ او يختلف مع القراءة الا انها جديرة بالانتباه. في النهاية ملاحظة عن دور ليبيا في نشر الاسلام في الخارج يشير الى ان دعاة من ليبيا ارسلتهم الدولة للدعوة في ماليزيا وقاموا بنشر التشدد وحاولوا ضرب النساء الماليزيات من اجل اجبارهن على ترك الزي التقليدي ولبس الزي العربي، والكاتب اخذ المعلومة من رسالة كتبها قارئ لمجلة فار إيسترن ايكونوميك ريفيو.
Seeking Gaddafi
By: Daniel Kawczynski
Dialogue/2010
-ناقد من اسرة "القدس العربي"
** منشور في صحيفة "القدس العربي" في 19 يوليوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.