انطلاق عملية الانتقاء للخدمة العسكرية ابتداء من فاتح شتنبر    ذكرى ميلاد سمو الأميرة للا مريم.. التزام راسخ من أجل النهوض بحقوق المرأة وحماية الطفولة    انطلاق اللقاءات التشاورية بالدار البيضاء لإعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ارتفاع ليالي المبيت السياحي بالحوز    الاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي يؤكد على دور لجنة القدس برئاسة جلالة الملك محمد السادس    وسط إقبال كبير على اقتناء تذاكر مباراة المغرب-النيجر.. الجامعة تحذر الجماهير المغربية من السوق السوداء    المترجي يعود إلى الوداد بعقد مدته ثلاث سنوات    شاطئ طرفاية يتحول الى لوحة فنية من إبداع علي سالم يارا    "البيجيدي" يسلم الداخلية مذكرته الخاصة بالمنظومة العامة للانتخابات التشريعية لسنة 2026    غزة.. الحصار يرفع حصيلة المجاعة إلى 303 شهداء    الرباط.. مستجدات قضية "زنا المحارم"    حكم يقضي ب1095 ساعة خدمة عامة وغرامة 500 درهم عوض سنة حبس    القطيع الوطني للماشية: إحصاء أزيد من 32,8 مليون رأس (وزارة)        مارسيليا يسعى لتجديد عقد بلال ندير    الاحتقان يرافق الدخول الجامعي بالمغرب .. احتجاجات وإضرابات وطنية    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    حوادث المدن تخلف 27 قتيلا بالمغرب    شاطئ الحسيمة يلفظ جثة في حالة متقدمة من التحلل    موقوف يفارق الحياة بمستشفى فاس    بريطانيا تعزز مكافحة "جرائم الشرف"    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري        المغرب، فاعل رئيسي في صناعة السيارات العالمية (صحيفة إسبانية)    عائلة الشهيدين الدريدي وبلهواري تطالبان الدولة بالكشف عن الحقيقة كاملة في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان    جامعة الأخوين أول عضو دولي في "تحالف LearningWell"    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا        صفقات السلاح .. كيف يوازن المغرب بين تحالفاته الدولية واستقلالية قراره العسكري ؟    المغرب يبحث عن لقبه الثالث في مواجهة نارية مع السنغال    بعد غياب طويل .. 320 ألف متفرج يستقبلون سعد لمجرد    أستراليا تتهم إيران بالوقوف وراء هجمات معادية للسامية وتطرد السفير الإيراني        باكيتا يعود لقائمة المنتخب البرازيلي واستبعاد نيمار وفينسيوس ورودريجو    "الشان".. "الكاف" يعين الجنوب أفريقي شافاني حكما لمباراة المغرب والسنغال    شي جينبينغ يستقبل رئيس مجلس الدوما الروسي ويؤكد على عمق الشراكة الاستراتيجية بين بكين وموسكو    بطولة ألمانيا: دورتموند يمدد عقد مدربه كوفاتش إلى غاية 2027    الصحافي والإعلامي علي حسن في ذمة الله        بولتون ‬رأس ‬حربة ‬اللوبي ‬الانفصالي ‬بواشنطن ‬في ‬ورطة ‬جنائية ‬جديدة ‬تبدد ‬ما ‬تبقى ‬له ‬من ‬تأثير ‬و ‬مصداقية ‬    فرقة الراب "نيكاب" تلغي جولتها الأميركية بسبب محاكمة أحد أعضائها بتهمة دعم حزب الله                جفاف قياسي يضرب أوروبا وحوض المتوسط مطلع غشت الجاري (مرصد)    وفاة الإعلامي علي حسن أحد الوجوه البارزة في التلفزيون والسينما المغربية    رأي : الحسيمة الثقافة والهوية    الإعلامي محمد الوالي (علي حسن) في ذمة الله.. مسار حافل في خدمة التلفزيون والسينما    الإعلامي محمد الوالي الملقب بعلي حسن نجم برنامج "سينما الخميس" في ذمة الله    أمر فرنسي بترحيل ثلاثيني مغربي لقيامه بفعل خطير    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للا عِيشَة: بورتريه سيّدة من دادس
نشر في هسبريس يوم 01 - 09 - 2010

تستيقظ للا عيشة قبل صياح الديك بمدة يسيرة، رغم أنها آخر من ينام في البيت. قدر هذه السيدة المحترمة أن تعيش حياة تعيسة ومليئة بالمعاناة والكثير من الأعمال المنزلية التي لا تنتهي إلا بعد انتصاف الليل، لتبدأ مع الساعات الأولى من الصباح. علف الخرفان والماعز والدجاج وإعداد فطور الأولاد وغسل الأواني وعجن الخبز والاستعداد للخروج إلى الحقول أعمال روتينية ويومية تعودت عليها السيدة منذ كانت طفلة في بيت أبيها "با حمو" الذي أحسن تربيتها رفقة زوجته المرحومة "للا جَّا".
لقد زوجها الأب في سن مبكرة وبدون وثائق بما فيها بطاقة التعريف الرسمية، لكن لا أحد ينكر أنها زوجة المدعو في حياته "با يدير" وأرملته بعد مماته. لقد تكلفت السيدة بتربية الأولاد السبعة وتزويج بناتها الثلاثة ولا أحد يساعدها في إعالة أسرتها.
توفي زوجها قبل سنوات، وترك لها مهمة إتمام تربية الأولاد وفق الأصول والتقاليد المرعية لدى إمازيغن، وهي تفعل ذلك بصرامة الأب أحيانا وبحنان الأم حينا آخر. لقد تعودت اقتناء الملابس لأولادها كل عيد، والكتب والأدوات كل دخول مدرسي. وتدخر لهذه المناسبات ما تقدر عليه. وكثيرا ما لجأت في سبيل إسعاد بناتها وأولادها إلى اقتراض المال.
تفعل المسكينة ذلك في عنفوان وكبرياء دون أن تكل ولا تمل من طلبات الأبناء الكثيرة. وهي التي لم تحظى بملابس جديدة منذ سنوات زواجها الأولى وكل ما تملكه من الملابس رخيصة وبسيطة تحتفظ بها في دولاب قديم كان الزوج قد جلبه معه بعد سفر موفق سنوات الستينيات من "أَزَغَارْ".
لم يدخر "با يدير" فرصة لإسعاد زوجته، ولم تكلفه هي الأخرى فوق إمكانياته. لقد عاشا حياة سعيدة مليئة بلحظات الفرح والسعادة ولحظات الحزن والمعاناة. كان المرحوم مزارعا ورجلا أصيلا تلقى أصول الزراعة عن أبيه الذي تلقاها عن جده. يحرث الأرض ويسقيها ويتفقدها كل صباح على طول السنة. ولا يتردد كلما سنحت الفرصة لتذكير أبنائه بقيمة أرض الأجداد وعدم التفريط في شبر منها.
تعود للا عيشة من الحقول مع الحادية عشرة قبيل الظهيرة وقت الضحى وتقوم بإعداد الشاي المنعنع مع "أَغْرُومْ نْ تْدُونْتْ". وبعد ذلك تقوم بإعداد وجبة الغداء "الدْوَازْ" المكونة من جزر ولفت وبطاطس كانت قد اشترتها عند الرحل الذين يحلون على القرية صبيحة يوم الاثنين من كل أسبوع محملين بكيلوغرامات من "بطاطا دْ ماطيشة دْ أزَلِيمْ". يبيعونها بأثمنة متفاوض عليها.
تعمل للا عيشة في حقول أعيان القرية بأجرة عينية متواضعة، تقطف الورد في الربيع وتجمع التين في الصيف وتقوم بتنقية الحقول من الأعشاب المضرة، وتشتغل في مواسم الحصاد، كما تقوم بنقل التبن من البيدر إلى منازل هؤلاء الأعيان بأجرة زهيدة لا تعادل ساعات العمل الطويلة ولا الأعمال الشاقة التي تقوم بها.
تذهب للا عيشة إلى السوق الأسبوعي كل أربعاء لاقتناء ما تحتاجه من خضر وبعض الفاكهة وقليل من التوابل، ولا تنسى كيلوغراما من اللحم أو الدجاج إضافة إلى الأرز و"الشعرية" وبعض القطاني، وميزانيتها هي التي تحدد سقف الاستهلاك الأسبوعي. يستقبلها ابنها الصغير "سعيد" بعد العودة متمنيا، وهو في انتظارها، أن تفي بوعدها بأن تجلب له "كْرَا إِحْلَانْ" معها من السوق.
تزايد الحاجيات وغلاء فاتورات الكهرباء وفاتورات مياه الشرب، وضيق ذات اليد وكثرة الديون وقدوم العيد والدخول المدرسي وتكاليف ابنها "حسن" الذي يتابع الدراسة في الجامعة في شعبة الرياضيات بالمدينة، عوامل تجعل للا عيشة صارمة في صرف كل درهم من ميزانيتها.
لكن ابنها يحرز نقط جيدة وتفرغه وجديته في التحصيل العلمي مصدر افتخار واعتزاز أمه التي تتمنى أن تشاهد ذلك اليوم الذي يصبح فيه "حسن" أستاذا يلقي دروس الرياضيات بكل ثقة. ويتقاضى أجرة محترمة ويتزوج بنتا جميلة من المنطقة ويشتري سيارة أنيقة ويقتني شقة راقية.
لكنه يخطط بذكاء لمتابعة الدراسات العليا المعمقة خارج الوطن بعد الحصول على الإجازة، مقتديا في ذلك بزميل لخاله من "امْسْمْرِيرْ" الذي حصل على الدكتوراه ويعمل الآن أستاذا محاضرا في جامعة غربية عريقة ومعروفة ويشرف على مركز علمي هناك.
عندما يحل الصيف وتكثر الأعراس تعمل للا عيشة طباخة ماهرة في إعداد "سْكْسُو" إحدى الوجبات الرئيسية في أعراس دادس، وتواجدها يضفي على العرس مزيدا من الفرح، فهي تحفظ الأهازيج وتردد "أحيدوس" وتُفْرِحُ وتُسْعِدُ "إِدْمْ أُوسْمْرِي" كثيرا. والضيوف يعرفون مذاق وجباتها اللذيذ ويكتشفون وجودها بتذوق الكسكس حتى دون رؤيتها.
وأنا أنهي هذا البورتريه الذي لم أستطع إتمامه، اقتنعت أن للا عيشة رمز المرأة الأمازيغية المناضلة والمكافحة وهي ليست حالة استثنائية في دادس. فقد شاهدت في قرى دادس وإمكون وامسمرير وصاغرو نساء كثيرات لا يختلفن عن للا عيشة في أعمالها والتزامها وشجاعتها، ويستحقن جميعا التفاتة خاصة وإعترافا بالجميل. وفي إنتظار بورتريهات أخرى، أقول: تُدْرْتْ إِ تْمَازِيغِينْ.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.