لا بد في البداية من وضع بناء مفاهيمي دقيق يحدد منطق إقدامي على اختيارعنوان إشكالي، يحايث النظرية الاتصالية، في جانب العلاقة التي تجمع بين نسق الحكامة الترابية وسؤال التأويل في براديجم العالم المتحضر أو المديني. غالبا ما يكون ربط معطيات الرأسمال الترابي للشعوب بمدى جاهزية صيروراتها الزمنية والبشرية لاستعادة المبادرة والمراهنة على تكريس البدائل وتحقيق حد أدنى للتنمية، من منطلق تشميل كل قواعد النهضة بالطفرات، ثقافية كانت أو اقتصادية او اجتماعية أو بيئية. لهذا فالكيان النمطي لهذه التحيزات يبتكر سلطة انوجاده ضمن سياقات تاريخية وثقافية ومجالية عميقة التأثير في نجاعة تلمس وظيفة مثلى لمعنى أن تدبر القاعدة الرأسمالية للمجال الترابي بقوة حكامة التسويق، انطلاقا من خضوعها لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وفي تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور. الحكامة الترابية ليست مجرد عملية اندماج وتدبير قانوني بأدوات ديمقراطية. وليست أيضا فكرا داعما لتوجهات رسمية خاصة بتفعيل مواثيق عمومية تعنى بشؤون تصريف الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية والأجهزة العمومية، من مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية،وهيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، بل إنها تجسد في العمق صفة من صفات استراتيجية النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة، وضلعا من مخها التعاقدي القائم أساسا على التدليل والمواكبة والمراقبة والتنظيم والتسيير والمراكمة. وبهذا التقعيد الابستمولوجي يمكن القول إن تدبير إشكالية الحكامة في نسق الرأسمال الترابي يقوم أساسا على استعادة مدن المعرفة الناجحة في الألفية الجدديدة لمقومات النهوض الحضاري، انطلاقا من طفرات التخطيط الحضري والإقليمي والعمارة والبيئة، حيث تبزع المجالية الناشئة ضمن استراتيجية تنافسية ترفع من قيمة الوعي العام بمدى راهنية التنمية القائمة على المعرفة كقوة دافعة. إن ضبط مفهوم الحكامة كما تختزله تقارير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقارير البنك الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية، والتي جعلت منها مفهوما مشدودا بقوة الى مفهوم التنمية المستدامة. وهي تفيد الرقابة والتوصية والتدبير الرشيد للمدخلات المجالية والطبيعية البشرية كمدخل لتحقيق التوازن والاستدامة في السيرورة التنموية، يحيل بالضرورة إلى تجاوز حالة اللاتوازن الناتج عن أحادية صنع القرار دون مراعاة المنطق العلمي المؤسس على عناصر المشاركة في مختلف مراحل إعداد المشروع من التشخيص الى البرمجة والتنفيذ ثم التقييم والمحاسبة في إطار سيرورة تمتاز بالشفافية والعقلانية. علاقة تؤسس لمبدأ التقارب وإدارة المعرفة في حدود تشكل نظرية للنمو الاقتصادي تدور على مفرقين مادي ولا مادي، ومن خلالهما يقف الرأسمال البشري على القابلية المؤدية إلى إحداث القدرة على الفصل والحسم. فلا حدود لقيم الحكامة مادامت تتأسس على الإرادة السياسية القطعية التي تجعل من إدارة موارد الدولة الاقتصادية منها والاجتماعية هدفا استراتيجيا لتحقيق التنمية. ولا قيمة لأي مشروع مهما كانت وظيفته التنموية وراهنيته دون فهم مبدأ القرب الخدماتي للجماعات الترابية كوحدات إدارية تقوم بتدبير مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية الترابية. ولا جدل في أن المتتبع للشأن الترابي المغربي يعي بالقياس مع مستويات تلقي فعاليات التنمية المرصودة بإزاء الفروق المحدثة في علاقة البناء الفوقي للحكامة بما هو تنظيمي وتأطيري، ومدى ملاءمة أسس هذه الحكامة المنشودة بمبادئ الشفافية والإنصاف، واختزال العديد من قرارات الشأن المحلي بمخططات لا تفي بالغرض ولا تطمح لتأسيس رؤية أو مقاربة تنموية قائمة على أساسات متينة واستراتيجية محكمة، يتردد لديه جانب مهم من صورة تسويق هذه الحكامة، ومدى قوتها في تشكيل طفرة انتقالية، يكون فيها النظرعن علمية ناجزة وخبرة ودراسة مستفيضين عنوانا لتأهيل الكفايات وتعزيزها وتجويدها، من أجل تحقيق مناهج للضبط والربط، وعدم الانشداد لطرود الأخطاء السابقة وهوامشها. وفي الاعتقاد أن أولى خطوات هذه الممارسة الواعية بسياقاتها التاريخية والثقافية والتنظيمية التي تؤهلنا لاستحقاقات التقدم الاستراتيجي المندمج المتناغم مع التوجهات والاختيارات المبنية أساسا على الديمقراطية التشاركية والالتزام بالحقوق الإنسانية القائمة على الكرامة الاجتماعية وحرية التعبير والعدل، أولى هذه الخطوات إحداث بنك للمعلومات التنموية الترابية، يكون اختصاصه نافذا في تسطير جملة مهام على رأسها التدقيق في الاستراتيجيات التنموية عبر تقديم الأفكار وعمليات تداول الخيارات الأكثر فعالية ونجاعة مع تقليل هامش المخاطر والانزلاقات ومراجعة ديناميكيات الأصول التي تتداول عليها قبل الاستثمار. ثم تسطير وصناعة برامج تنموية ذات منافع مباشرة قوية ودقيقة،تكون فيها الأجرأة وتنفيذ المساطر جزءا من جودة التنزيل والمواكبة والاستدلال، وعنصرا واقعيا ضمن سلة اختيارات تقنية وفنية تكمل الأولويات الموضوعاتية وتجعلها جوهرا للتمكين والحكامة. إن التقييم الحقيقي للحكامة لن يكون نصا خارج إطار الفعل الترابي، ولن تكون تداولياته المنظومة تحت سقف الاستهلاك والإفراغ في ظل نذرة الموارد المتاحة ومحدودية تطور الإبداع والثقافة الفنية وقلة عدد المبادرات غير العامة, بل حكامة قائمة على استراتيجية تقاربية تضعنا أمام انخراط في صلب تحديث وهيكلة الرأسمال الترابي، بدافعية أكثر حركية وقدرة على اجتذاب مشاريع جديدة وتجسيد أدوار عميقة لما يسميه علماء المدينة تضمين المعرفة داخل الخدمات والمنتجات، حيث "تصبح كل الأصول غير الملموسة قناة تتحول فيها الأصول الملموسة إلى رأسمال، مما يزيد إنتاجيتها ويحافظ على استدامة كفاءتها"1 جزء من مداخلتي المشاركة في الندوة العلمية الوطنية "الرأسمال الترابي بين التدبير والتجديد وسؤال التنمية" المنظمة بمراكش السبت 8 ابريل 2017* 1 "مدن المعرفة : المداخل والرؤى والخبرات" فرانشيسكو خافيير كاريللو، ترجمة خالد علي يوسف عالم المعرفة ع 381 ، ص 163 [email protected] https://www.facebook.com/ghalmane.mustapha