بنين تفوز على بوتسوانا بهدف نظيف        ألوان العلم الجزائري تزين ملعب مولاي عبد الله بالرباط وتختصر موقف المغرب    رئيس مقاطعة بفاس يقدم استقالته بسبب تضرر تجارته    تنديد واسع باعتراف إسرائيل بإقليم انفصالي في الصومال    المحامون يلتمسون تدخل الاتحاد الدولي للمحامين لمراجعة مشروع قانون تنظيم المهنة        أمطار رعدية وثلوج مرتقبة بعدد من مناطق المغرب    إقليم الجديدة .. تعبئة شاملة وإجراءات استباقية لمواجهة تداعيات التساقطات المطرية    نشرة إنذارية جديدة بالمغرب    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    الركراكي: "علينا ضغط كبير.. ومن الأفضل أن تتوقف سلسة الانتصارات أمام مالي"    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. التشجيع بنون النسوة يعيد تشكيل المدرجات    المسيحيون المغاربة يقيمون صلوات لدوام الاستقرار وتألق "أسود الأطلس"    النيجر تتصدى للتهديدات بنص قانوني    للمرة السادسة.. الناشطة سعيدة العلمي تدخل في إضراب مفتوح عن الطعام    نظام الكابرانات يتمسك باحتجاز جثمان شاب مغربي    تارودانت .. تعليق الدراسة اليوم السبت بسبب سوء الأحوال الجوية    مطالب برلمانية لترميم قصبة مهدية وحماية سلامة المواطنين بالقنيطرة    انطلاق فعاليات مهرجان نسائم التراث في نسخته الثانية بالحسيمة    أوامر بمغادرة الاتحاد الأوروبي تطال 6670 مغربياً خلال الربع الثالث من السنة    فيضانات آسفي تكشف وضعية الهشاشة التي تعيشها النساء وسط مطالب بإدماج مقاربة النوع في تدبير الكوارث    ترامب يرفض اعتراف إسرائيل ب"أرض الصومال" وسط إدانة عربية وإسلامية واسعة    كوريا الشمالية تبعث "تهنئة دموية" إلى روسيا    قمة نيجيريا وتونس تتصدر مباريات اليوم في كأس إفريقيا    الاتحاد المصري يفخر ب"كان المغرب"    نسور قرطاج في اختبار قوي أمام نيجيريا بفاس    نسبة الملء 83% بسد وادي المخازن    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    كيوسك السبت | المغرب الأفضل عربيا وإفريقيا في تصنيف البلدان الأكثر جاذبية    مقتل إسرائيليين في هجوم شمال إسرائيل والجيش يستعد لعملية في الضفة الغربية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    من جلد الحيوان إلى قميص الفريق: كرة القدم بوصفها طوطمية ناعمة    تعادل المغرب ومالي يثير موجة انتقادات لأداء "أسود الأطلس" وخيارات الركراكي    قرار رسمي بحظر جمع وتسويق الصدفيات بسواحل تطوان وشفشاون    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    جبهة دعم فلسطين تطالب شركة "ميرسك" بوقف استخدام موانئ المغرب في نقل مواد عسكرية لإسرائيل    ارتفاع حصيلة قتلى المسجد في سوريا    الأمطار تعزز مخزون السدود ومنشآت صغرى تصل إلى الامتلاء الكامل    انعقاد مجلس إدارة مؤسسة دار الصانع: قطاع الصناعة التقليدية يواصل ديناميته الإيجابية        لا أخْلِط في الكُرة بين الشَّعْب والعُشْب !    التواصل ليس تناقل للمعلومات بل بناء للمعنى    «كتابة المحو» عند محمد بنيس ميتافيزيقيا النص وتجربة المحو: من السؤال إلى الشظيّة    الشاعر «محمد عنيبة الحمري»: ظل وقبس    تريليون يوان..حصاد الابتكار الصناعي في الصين    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    إلى ساكنة الحوز في هذا الصقيع القاسي .. إلى ذلك الربع المنسي المكلوم من مغربنا    الحق في المعلومة حق في القدسية!    روسيا تنمع استيراد جزء من الطماطم المغربية بعد رصد فيروسين نباتيين    أسعار الفضة تتجاوز 75 دولاراً للمرة الأولى    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    كيف يمكنني تسلية طفلي في الإجازة بدون أعباء مالية إضافية؟    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نَحْنُ والمَلَكية: تأملات في الدرس الياباني
نشر في هسبريس يوم 19 - 08 - 2017

كان وضعُ المغرب، في نهاية التسعينيات، يُنذر بانهيار مُحتمل. وهو ما عبر عنه حينها الملك الحسن الثاني ب"السكتة القلبية".
لم يكن كلام الملك وقتئذ مجرد انطباع، وإنما كان خلاصةً لتقرير خاص رفعته إليه المؤسسات النقدية الدولية. ورغم أن التقرير كان خاصا فإن الملك اختار أن يعلن تلك الخلاصة من داخل المؤسسة التشريعية التي تمثل، دستورياً، الأمة المغربية التي تملك السيادة طبقاً للدستور؛ وهو ما كان يعني أن على الجميع أن يتحمل مسؤوليته. وكان ذلك الإعلان حاسماً في اتخاذ أحزاب الكتلة الديمقراطية موقفا أكثر مرونة من موضوع التناوب التوافقي. وتأسست حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، وبعد تأسيسها بما يناهز سنة ونصف سنة تقريبا توفي الملك، واجتاز المغرب مرحلة حرجة بفضل التوافق الذي حصل عندها بين المؤسسة الملكية والأحزاب الوطنية والديمقراطية.
واليوم، يقف المغرب مرة أخرى أمام تحديات مصيرية لا تقل، هي الأخرى، عن تلك السكتة القلبية التي كانت تهدد البلاد في نهاية التسعينيات. ولعل الفارق الأساسي بين ما نعيشه اليوم وما حدث في نهاية التسعينيات هو أن المواطنين أصبحوا، بفعل ارتفاع الوعي بالحريات والحقوق وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أساساً، أكثر حركية على مستوى الشارع. أضف إلى هذا فارقا آخر هو أن الملك، بدوره، يحتج على ما يحدث ويدين فشل النخبة السياسية في معظمها ويعلن أن البلاد قد دخلت مرحلة جديدة عنوانها تفعيل المبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة. لكنْ، وبالمقابل، ينتشر على مستوى الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي خطابٌ آخر يبدو أكثر راديكالية ويدعو، بوعي أو بدونه، صراحة أو ضمنيا، إلى التغيير الجذري ويُحمل المسؤولية في الوضع الراهن لما يسميه "النظام". و"النظام" (وينبغي أن نقول ذلك بصراحة) تُقصد به الملكية. ويجد هذا الخطاب كثيرا من الصدى لدى مواطنين تخلت عنهم الأحزاب السياسية، والنقابات، وجمعيات المجتمع المدني، وتركتهم دون تأطير، أي عرضة لكل أنواع الزكام الأيديولوجي.
طبعا، لا يُمكن أن يكون حق هؤلاء المواطنين في التعبير عن آرائهم موضوع نقاش. لكن ممارسة حرية الرأي من أحد الأطراف داخل المجتمع لا تكتمل إلا بممارسة حرية النقد من قبل باقي الأطراف. ومن حقنا، بالنتيجة، كمواطنين نمتلك الحق نفسه أن نناقش إخواننا هؤلاء ونفحص رأيهم ومدى صلابة المنطلقات التي يبنون عليها استنتاجاتهم أو ما يبدو أنه استنتاجات. ومن خلال متابعتي لكثير من النقاشات والتعاليق في وسائط التواصل الاجتماعي، ومواقع أخرى، لاحظت أن المنطلق الأول الذي يتأسس عليه رأي هؤلاء المواطنين هو أن الوضع في المغرب بلغ درجة من التردي لم تعُد تسمح بإصلاحه داخل النظام نفسه، أي في إطار الملكية.
فالسلطات في نظرهم مجمعة ومتمركزة في يد الملك، وإمارة المؤمنين تعطي للملك سلطة دينية لا تتماشى مع روح العصر، ولا يمكن بالتالي تحقيق أي انتقال ديمقراطي حقيقي إلا بتجاوز النظام نفسه، أي بتغييره.
وبالطبع فهناك تنظيمات، منها ما هو يساري وما هو إسلامي بالخصوص، تتبنى في العمق التصور نفسه وتنتظر "القَوْمَة" أو "الثورة"؛ أي أنها هي الأخرى تنتظر الفرصة لتغيير النظام.
لقد أكدت، وأؤكد مرة أخرى، على حق هؤلاء وأولئك في قول ما يقولون؛ وبالتالي فهم سيسمحون لي أيضا بممارسة الحق نفسه؛ ولن يجادلوا، بالتأكيد، في كون اليابان تمثل اليوم قوة عالمية ونموذجا أسال كثيرا من الحبر. وعليه، هلا سألوا أنفسهم عن النظام الذي كان يحكم اليابان عام 1945 حينما هوت القنبلتان الذريتان على هيروشيما وناكازاكي واحتلت القوات الأمريكية البلاد؟ ولن ننتظر الجواب منهم لأن التاريخ يقول إن النظام الياباني حينها كان نظاماً إمبراطوريا يعتبر فيه الإمبراطور، لا فقط أميراً للمؤمنين، وإنما إلهاً، وينحدر من سلالة الآلهة لا فقط من سلالة النبي. فهل وضع المغرب اليوم أسوأ من وضع بلد تم قصفه بالقنابل الذرية ووقع تحت الاحتلال؟
لا أظن عاقلا يقول بذلك.
لكنْ، بدل أن يثور اليابانيون ضد الإمبراطور ويغيروا النظام الذي جلب للبلاد قصفا نووياً واحتلالاً، وجعل المواطنين في مناطق كثيرة ينتحرون حتى لا يستسلموا للقوات المحتلة، فقد كان لهم اختيارٌ آخر. لقد تنازل إمبراطور اليابان عن طبيعته الإلهية دون (وأرجو الانتباه إلى هذا) أن يتنازل عن نسبه الإلهي، أي إن إمبراطور اليابان إلى يومنا هذا يُعتبر من سلالة الآلهة. وظل الإمبراطور أيضا محافظا على سلطته الدينية وبإمكان من يشاء أن يتأكد بنفسه من عدد الطقوس الدينية الرسمية التي يُحييها الإمبراطور الياباني سنوياً.
هناك حكمة قديمة تقول إن السيف هو الذي صنع اليابان، في إشارة إلى مُقاتلي الساموراي وما يُنسب إليهم من خوارق خرافية. لكننا اليوم، ونحن نتأمل وضع ذلك الأرخبيل الباهر، نستطيع أن نقول إن الجُرح هو الذي صنع اليابان. وأي جرح أكبر من الكارثة التي خلفتها قنبلتا هيروشيما وناكازاكي!
نعم، صحيحٌ أن الوضع الاجتماعي في المغرب الراهن كارثي بكل المقاييس، لكنه لا يصل إلى حجم الكارثة النووية التي ضربت اليابان. وصحيحٌ أن تقاليد الحكم في المغرب بعد مجيء الإسلام ظلت تنسب الأسر الحاكمة (إلا في حالات نادرة) إلى النبي وإلى آل البيت منذ عهد الأدارسة، لكن الأمر لا يصل إلى حد اعتبار الملك منحدرا من سلالة إلهية كما هو الأمر في اليابان. وملك المغرب، بصفته أميرا للمؤمنين، يترأس بعض المحافل الدينية القليلة التي تعد على رؤوس الأصابع سنويا، ولا تصل حتى إلى نصف المحافل الدينية التي يقيمها إمبراطور اليابان. والأكيد أن وضعنا الاقتصادي لا يمكن أن يٌقارن بالوضع الاقتصادي في اليابان بعد قصف هيروشيما وناكازاكي، أي أننا، بكلمة واحدة، في وضع أفضل من وضع اليابان سنة 1945.
لماذا إذن لا ننجح في ما نجحت فيه اليابان التي حافظت على نظامها، وتاريخها، وتراثها، وصارت ما هي عليه، ونحن نملك من الثروات ما لم تكن تملكه اليابان آنذاك؟.
الإجابة عن هذا السؤال تتم عادة وفق ما يسمى نظرية المؤامرة؛ فالمستعمر، والبورجوازية المحلية المرتبطة به، و"الحُكم الجبري"، هي التي تفسر تخلفنا. لكن هذه الإجابة تهتز عند أول مساءلة منطقية: هل تم استعمارُنا لأننا كنا متخلفين؟ أم نحن متخلفون لأننا تعرضنا للاستعمار؟ والجواب طبعا هو أنه لا يمكن أبداً أن تُستعمر دولة قوية ومتقدمة. ومَنْ يقول بالعكس فعليه أن يحاول احتلال الولايات المتحدة الأميركية. فالتخلف هو الذي جلب الاستعمار وليس العكس، وفي تفاعل الأول مع الثاني أنتجا بورجوازية كولونيالية تابعة للرأسمال العالمي ومتخلفة هي الأخرى، وما يسميه البعض "الحكم الجبري" لا يعني موضوعيا سوى عدم نضج الممارسة الديمقراطية بما يكفي. وعليه، فالمشكل الأساسي لا يكمن في البنية المؤسساتية للنظام المغربي بقدر ما يكمن في الأساس المادي، الاجتماعي، والتاريخي، والثقافي، الذي ينهض عليه نظام الدولة. ولا أحد يُمكنه أن ينكر أن في اقتصادنا، ومجتمعنا، وثقافتنا، كثيرا من عوامل التخلف البنيوي التي لا تسمح للمؤسسات الموجودة بتحقيق أهدافها، وهو ما يعني أن المطلوب تغييره، بالفعل، ليس شكل النظام وإنما ذاك الأساس المادي، والاجتماعي، والتاريخي، والثقافي، أي إن التغيير المطلوب بنيوي وليس شكليا. بعبارة أخرى فما ينبغي تغييره هو البنية الاجتماعية العامة التي تعيد إنتاج التخلف، وليس الشكل السياسي للنظام.
وهذا بالضبط ما نجحت فيه اليابان وما لم نجد له سبيلا حتى الآن. ولعل السر في نظري (وأشدد على أنها وجهة نظر فقط) يكمن في الإنسان وإرادته وعمله. لقد أراد اليابانيون أن يخلقوا أساسا ماديا لنهضة بلادهم فأقاموا الصناعات وحققوا اختراقات صناعية وتكنولوجية مذهلة. وأرادوا خلق مجتمع جديد فوسعوا مجال الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وأنشؤوا نظاما تعليميا جيدا وأنظمة متقدمة للحماية الاجتماعية وغير ذلك. وأرادوا المحافظة على تاريخهم ورمزيته فحصل التوافق حول الوضع الجديد للملكية اليابانية بعد هزيمة 1945. وأرادوا تحديث ثقافتهم وإدماجها في روح العصر فغزوا العالم بفنونهم القتالية وحدها بعد أن جردوها من طابعها الدموي العنيف وحولوها إلى رسالة سلام وتسامح. كيف فعلوا ذلك؟ الجواب كلمة واحدة: العمل. ففي اليابان، وكما يعرف الجميع، ظهر مرضٌ خاص، وجديد، لم تعرفه البشرية من قبل، بسبب الإفراط في العمل. أما نحن فقد أبدعنا حكمة عجيبة تقول: "النوم والكسل أحلى من العسل". وحينما يستيقظ بعض أولئك "النائمين في العسل" من سباتهم يدخلون الشبكات الاجتماعية ويتحولون إلى خُطباء و"دعاة" و"محللين" قبل أن يعودوا إلى حلاوة "العسل" من جديد. وبين هذا وذاك يدعون إلى "الثورة". وكثيرٌ منهم يقارن هو الآخر بين المغرب واليابان. لكنْ، دون أن يعرف شيئا لا عن المغرب ولا عن اليابان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.