حملت ترانيم وتراسيم الربيع الديموقراطي في مجموعة من الدول (تونس،ليبيا،مصر،اليمن ،وسوريا تحت المخاض)،تباشير بزوغ فجر ديمقراطي جديد بارهاصاته المتشنجة ،وعلى الرغم من عسر بناءاته وتشكلاته ثوى في طياته بشرى للشعوب التي رزحت تحت نير الاستبداد والتسلط لردح من الزمن ،حيث مكنت الثورات من احداث تغييرات جذرية على راس السلطة ،بينما اختار المغرب التغيير السلمي من خلال بسط واعتماد دستور جديد /قديم ،حمل معه رهان القطع مع التجارب الدستورية السابقة بمثالبها واختلالتها ،مع اعطاء دفعة جديدة للإصلاح الدستوري التي يمكنها ان تؤسس للبناء الديمقراطي الحقيقي ،ومع استكمال أضلع الوثيقة الدستورية ورسوها في الفضاء السياسي ،دب خطاب سياسي بين مختلف الفاعلين السياسيين وأرخى سدوله واستحكم قبضته على لسان حال السياسة ،فأصبح معطى التنزيل الديمقراطي للدستور يحظى بقصب السبق في متن الخطاب السياسي وفي أدراج كل محفل سياسي لدرجة التغني به ولدرجة التخمة فأينما رحلت الاذن السياسية وارتحلت تتلقف وتعترض مسامعها تركيبة التنزيل الديمقراطي للدستور. فشيء جميل وعظيم أن تحل في ديارنا كلمات تسقى من معين الديمقراطية ونتفاءل بها خيرا في رسم غد افضل ،لكن ان تتحول ساحة الوغى السياسية في المغرب الى اعتماد قاموس وناموس حيواني كلغة تخاطبية بين الفاعلين السياسيين ينم عن وجود اعضالات حقيقية في الفعل السياسي في حد ذاته. بدأ سيل مفردات المعجم الحيواني ينساب الى الخطاب السياسي المغربي مع العبارة الشهيرة لرئيس الحكومة "العفاريت والتماسيح"التي شكلت فاتحة خير للقاموس الحيواني ، فوزير في حكومته يصف زملاءه بالضفادع الصماء، وآخر يطالب برفع الحصانة عن الحلوف (أي الخنزير)، فيما يصف برلماني من المعارضة وزير العدل ب"الغول الجديد"، أما أحد قادة اليسار فإنه وصف قياديي حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة ب"الحيوانات السياسية الأليفة" فهل استعمال هذا القاموس الحيواني يؤشر على ان الفاعل السياسي في المغرب منضبط لتميمة "ارسطو"التي تقول " إن الانسان حيوان سياسي بطبعه"،مما يجعل الفاعل السياسي في المغرب يعبر عن ذاته ويحن الى فطرته ويكون مشدودا اكثر في النطق والتكلم بما يعبر عن مكنونه السياسي،او بمعنى ان الفاعل في الفضاء السياسي المغربي هو سياسي بالفطرة والسليقة ولا يمكن أن ينزع عنه هذا اللبوس ويركب موجة جديدة حديثة تقطع مع هذه الصنعة السياسية الفطرية والمكتسبة ذات الحمولة السلبية والمعتلة. إن استعمال القاموس الحيواني يعبر عن وجود أزمة حقيقية في الخطاب السياسي ،وعن حالة من البداوة السياسية، وعن عدم نضج الفاعل السياسي ،وعن محدودية تفكيره وافتقاده لعنصر ي الابتكار والإبداع، وعوز الاحترافية التي يمكن أن تعينه في بلورة خطاب سياسي تشخيصي وتقويمي ينضبط للعقلانية والحكامة في متنه وطريقة تصريفه في الفضاء السياسي. فالقاموس الحيواني يعج بأسماء الحيوانات الاليفة التي تعبر عن ثقافة الرضوخ والخضوع في إطار علاقات السلطة ،وأيضا بالحيوانات المتوحشة والمفترسة التي تأتي على الاخضر واليابس وتشكل متاريس مانعة لأي تغيير حقيقي وتزداد في الافتراس أكثر كلما أحست بالخطر يتهدد عرينها. فاستعمال هذا القاموس يعبر على أن المجال السياسي في المغرب مازال يخضع لمنطق قانون الغاب ويفتقد الى أبسط شروط العقلانية والموضوعية، وتعوزه أيضا أدوات الضبط ،حيث الواقع يعبر على نفسه من خلال حدوث أزمة حقيقية في القيم المؤطرة للعمل السياسي بصفة عامة ،والفاعل السياسي في تبنيه لهذا النوع من الخطاب السياسي وتقديمه للرأي العام بشكل مكشوف يزيد من مساحات الاحباط السياسي ،وتكريس عدم الثقة في السياسة والسياسيين والتي ما فتئ أن انبعثت شيئا ما مع دستور 2011،لكنها عادت ادراجها بفعل هذه العبثية التي ابطالها اسماء حيوانات بريئة زج بها لتؤثث فضاء الخطاب السياسي المغربي . إن التلابز بالقاموس الحيواني في المجال السياسي يزيد من ضبابية وغموض المشهد السياسي والاستغراق في الرمزية وانحصار أفق التغيير الديموقراطي الحقيقي مادام أن الاكراهات والمعوقات لصيقة بفاعل حيواني قد يكون معلوما او غير معلوم ،وهي مسالة تجهد عقل الجمهور الذي يتوه بين اقترافات الفاعل السياسي وخرافاته,ومادامت المسؤولية منوطة بحيوانات لا ذنب لها في معادلات الاصلاح والتغيير ،فالتشبيه هنا ليس في محله ما دامت الحيوانات حريصة على تنظيم مدينتها الفاضلة وفق القانون الذي تنتظم وفقه. فاستحضار التماسيح مثلا بحكم قوتها وقدرتها العالية على افتراس ضحيتها كناية على استعصاء التغيير في مختلف المجالات ،في ظل تخاذل الحكومة وعدم قدرتها على ترويضها وعدم توفرها على الارادة في المجابهة والمواجهة لحصرها وتقزيم مجال صيدها الذي تمرح وترمح فيه دون ردع وكبح. فهل يعتبر التنزيل الديمقراطي للدستور مجرد زلة لسان ،حيث القصد كان هو التنزيل الحيواني كتقليعة جديدة في موضا الخطاب السياسي الذي ابتدعه الفاعل السياسي المغربي لنمضي في عوالم العته السياسي ،وبالتالي تفويت فرص الاقلاع الحقيقي في الديمقراطية بخطابها وفعلها وممارساتها. فمتى ترفع الحيوانات مقتها وغضبها عن التنزيل الديمقراطي للدستور وتعود الى رشدها وتسلك الطريق القويم في درب الديمقراطية وتعمل على التنزيل الديمقراطي السليم للمقتضى الدستوري بعيدا عن منطقي التسويف والمراوغة والاعتماد على المسوغات الواهية للمماطلة ولإطالة امد الوضع القائم.