أكد الرئيس الأول لمحكمة النقض، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، اليوم الثلاثاء بالرباط، أن المجلس باشر تنزيل رؤيته الاستراتيجية لتجويد العمل القضائي في المنازعات الإدارية، انطلاقاً من موقعه كشريك مؤسساتي في بناء دولة الحق. جاء ذلك في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمين العام للمجلس، منير المنتصر بالله، خلال الجلسة الافتتاحية للمناظرة الوطنية الأولى حول "تدبير منازعات الدولة والوقاية منها، مدخل لصون المشروعية واستقرار الاستثمار وترشيد النفقات العمومية". شدد عبد النباوي على أهمية التخصص القضائي في المادة الإدارية، عبر دعم تكوين القضاة في هذا المجال الحيوي، وتحقيق النجاعة في معالجة الملفات دون المساس بضمانات المحاكمة العادلة. مشيرا إلى أهمية نشر الاجتهادات القضائية النموذجية لإرساء الأمن القانوني وتوجيه الفاعلين الإداريين نحو أفضل الممارسات. ولفت إلى أن عدم الاستقرار القانوني، وتعدد التأويلات، وطول أمد التقاضي، كلها عوامل تضعف جاذبية المملكة أمام المستثمرين، خاصة في المشاريع الكبرى ذات الأثر الهيكلي. مؤكدا أن مشروع المخطط الاستراتيجي للوكالة القضائية للمملكة (2024-2028) يمثل خطوة جريئة نحو عقلنة تدبير هذه المنازعات، حيث يركز على الاستباق القانوني عبر خلية اليقظة القانونية، وتوحيد الرؤية القانونية بين القطاعات الحكومية، وإحداث قنوات فعالة للتواصل مع القضاء. وثمن عبد النباوي إحداث المنصة الرقمية "مواكبة" ومركز النداء القانوني، باعتبارهما أداتين عمليتين لتوفير الرأي القانوني قبل نشوء النزاع، مما يعكس تحولاً نوعياً من منطق الدفاع إلى منطق الوقاية. وأبرز أن الدولة المغربية طرف في نحو 60,000 قضية سنوياً، تتعلق غالبيتها بمنازعات المسؤولية، العقود الإدارية، والاستثمارات. مشيرا إلى أن ثلثي هذه القضايا لا تصل إلى الوكالة القضائية إلا في مراحل متأخرة، مما يؤدي إلى تحميل الدولة أعباء مالية ثقيلة بلغت 3.5 مليار درهم سنة 2023، كان من الممكن تفادي نسبة كبيرة منها عبر الوقاية القانونية. مؤكدا على أن 70% من المنازعات العقارية والإدارية مرتبطة بعدم التطابق بين القرارات الإدارية والنصوص القانونية. وشدد عبد النباوي على ضرورة الانتقال من التدبير الدفاعي للمنازعات إلى مرحلة جديدة ترتكز على الوقاية، والمواكبة القانونية، وإرساء ثقافة التوقع والتخطيط القانوني. وأكد أن تدبير منازعات الدولة لم يعد ترفاً إدارياً، بل أصبح ضرورة دستورية وإلزاماً مالياً وخياراً استراتيجياً. وعبر عن أمله في أن تسفر المناظرة عن توصيات عملية قابلة للتنزيل، وأن تمثل لحظة وعي جماعي بأهمية إحداث تحول عميق في العلاقة بين الإدارة والمواطن وبين المال العام والمسؤولية القانونية.