تنظيم "داعش" يعطب أمنيين في تركيا    حريق يخلف قتلى في دار للمسنين بإندونيسيا    رياض محرز يتصدر ترتيب الهدافين في كأس الأمم الأفريقية 2025    أجواء ممطرة وباردة في توقعات اليوم الإثنين بالمغرب    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما    جيش الصين يبدأ مناورات حول تايوان    أمريكا تتعهد بتمويل مساعدات أممية    الإحصائيات تعترف للركراكي بالتميز    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"    الكاميرون تتعادل مع كوت ديفوار        كرة القدم نص مفتوح على احتمالات متعددة    اليوم بمجمع الأمير مولاي عبد الله .. المنتخب الوطني مطالب بالفوز على زامبيا للبقاء في الرباط وتبديد المخاوف    السودان تحقق فوزا مهما على غينيا الاستوائية في كأس إفريقيا    صندوق النقد الدولي يدعو المغرب إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية دون المساس بشبكات الحماية الاجتماعية. ..أوصى بضرورة تعزيز المنافسة ورفع الإنتاجية والاستثمار في الرأسمال البشري    من واد غيس إلى الجماعات الهشة : عبد الحق أمغار يضع فلاحة الحسيمة تحت مجهر المساءلة البرلمانية    جبال خنيفرة تلبس "الرداء الأبيض"    روسيا ‬وجمهورية ‬الوهم ‬‮:‬علامة ‬تشوير جيوسياسي‮ ‬للقارة‮!‬    الأقمار الصناعية تكشف تفاصيل جديدة عن البنية المعدنية الخفية في الأطلس الصغير    بوصوف: المخطوطات "رأسمال سيادي"    المهدي النائر.. ريشة تحيي الجدران وتحول الأسطح إلى لوحات تنبض بالجمال    عبد الكبير الركاكنة يتوج بجائزة النجم المغربي 2025    السينما والأدب: الخصوصية.. والحوار الممكن    أخبار الساحة    أمن العروي يطيح بسائق سيارة أجرة وبحوزته قرابة 5000 قرص طبي مهرب    ميناء طنجة المتوسط يخطط لتوسعة كبرى لمحطة المسافرين استعدادًا لمونديال 2030    تأخر الإشهاد ونقص السيولة يرجئان صرف منحة "الريادة" إلى مطلع 2026    نشرة إنذارية.. زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية وهبات رياح أحيانا قوية يومي الأحد والاثنين    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    فيضانات تجتاح جنوب إسبانيا بعد تساقطات ليلية كثيفة    سلطات آسفي تدقق في لوائح المتضررين من الفيضانات لتفادي الإقصاء    بنسليمان.. انتخاب أحمد بلفاطمي كاتبا إقليميا لاتحاد المقاولات والمهن بإجماع المهنيين    تحسن نسبي مرتقب في الأحوال الجوية بالمغرب بعد أيام من الاضطراب الجوي    مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو تتجاوز 300 مليون دولار خلال موسم واحد        عاصمة الرباط تنتظرها بطولات أكبر ..    بورما تجري أول انتخابات عامة منذ الانقلاب العسكري عام 2021    الحلم المغاربي حاضر في الرياضة غائب في السياسة    قرار حكومي يوسّع الاستفادة من منحة "مؤسسات الريادة" ويعدّل منظومة التحفيز    مدفوعة ب"كان 2025″ وانتعاش السوقين المحلية والأوروبية.. أكادير تقترب من استقبال 1.5 مليون سائح مع نهاية السنة    بعد خمس سنوات من التطبيع.. تقرير يكشف تغلغل إسرائيل في المغرب من الفلاحة إلى الأمن والتعليم والطاقة    شتاء غزة.. الأمطار تُغرق ما تبقى من خيام والبرد ينهش أجساد النازحين    غموض الموقف المغربي والإماراتي يلفّ رفضاً عربياً وإسلامياً واسعاً لاعتراف إسرائيل ب"أرض الصومال"    "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" ترفض مشروع القانون المتعلق بتنظيم المهنة وتدعو إلى جمع عام استثنائي    الصين تفرض حد أقصى إلزامي لاستهلاك الطاقة للسيارات الكهربائية    كأس إفريقيا .. نيجيريا تفوز على تونس و تعبر إلى دور الثمن    الخدمة العسكرية .. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    من جلد الحيوان إلى قميص الفريق: كرة القدم بوصفها طوطمية ناعمة    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرية الفردية عند رئيس حزب العدالة والتنمية( )
نشر في لكم يوم 23 - 07 - 2011

عرضت مواقع الكترونية مقطعا مطولا من خطبة للسيد عبد الإله بنكيران رئيس حزب العدالة والتنمية تحدث فيها بالصوت والصورة عن تهافت مناضلي الحزب على الترشيح. ولم يتحرج من ذكر الحافز المادي: "ثلاثين ألف درهم ..الله إيكون فْلعوان"، قال. ثم دعاهم إلى العمل في سبيل الله، وانتظار الفرصة (النوبة). وفي سياق الدعوة إلى العمل في سبيل الله وهو يتطلب الرجال، كما قال ذكر الشذوذ الجنسي (هكذا، فجأة وبدون مقدمات)، ولم يقف عند هذا الحد، بل ربطه بالحرية الفردية ربطا يدعو إلى التساؤل. وللأمانة حتى لا نتهم بالتقويل أو التعسف في التأويل نورد كلامه بالحرف:
"دابا، هادوك اللي تيقولوا الشذوذ الجنسي، الحرية الفردية، تتعرفْ دبا؟ إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بها من سلطان! الحرية الفردية! آشنو هي الحرية الفردية؟! الشذوذ الجنسي، مثلا، آشنو هو المشكل ديال الشذوذ الجنسي؟!".
مشكل الشذوذ الجنسي عند بنكيران هو مشكل الستر والعلن، "المغاربة تيبغوا الستر"! وذكر بعد ذلك تزويج الرجال للرجال والنساء للنساء باعتباره من تبعات الحرية الفردية ولوازمها! وهذا الخروج إلى الشذوذ الجنسي والمثلية وأكل رمضان صار لازمة سيئة من لوازم هذا الزعيم ونظرائه كلما تعلق الأمر بالحداثة والحرية، وزاد توسعا بمناسبة هجومه على حركة 20 فبراير، وهي المعنية بهذه الالتفاتة الفجة. ولو أنصفَ لاعترف بفضل هذه الحركة عليه أكثر من غيره...
لا يخلو خطاب الرجل من أحد عيبين: علمي أو أخلاقي، أو هما معا؟ إما أن الرجل يجهل ما تعنيه عبارة "الحرية الفردية" في السياق الفلسفي والحقوقي الحديث، وهذا مستبعد على الإجمال، وإما أنه يُدلِّس ويستغل ما يتخيله من جهل المستمعين. وأنا على يقين تام من أن هناك بين المنتمين لحزبه من يُدرك هذا التدليس ويستنكره في سره، ثم يغض عنه الطرف معتبرا ذلك من تجاوزات الرجل التي كثرت حتى لم تعد تثير اهتماما. وقد يكون هناك من يتواطأ معه على هذا الخلط مبررا الوسيلة بالغاية المتوخاة، وهي التعبئة والتهييج ضد فكر الحداثة بصفة عامة، هذا الفكر الذي يُحل الإنسان والحرية محل قطب الرحى الذي لا تدور بدونه، وهو أيضا فكر الخصوم التاريخين.
هذا الموقف السلبي من الحرية الفردية يطرح سؤالا سياسيا:
لماذا يُصر الأصوليون جميعا على تشويه مفهوم الحرية الفردية بهذه الطريقة ثم يَقبلون، بعد ذلك، دخولَ المواطن "فردا" إلى "معزل" الاستفتاء والانتخاب ليصوت ويقرر مفردا، وبمحض حريته (الفردية)؟ فهذه ممارسة "للحرية الفردية"! هذا تناقض!!
فكيف نتحامل على الحرية الفردية ونعمل كل ما في وسعنا لتوسيخها ثم نتبناها في تقرير مصير الأمة؟
هناك شيء غير عادي في المسألة! فلا يمكن استعمال فكرة غير مقبولة إلا إذا كانت لدى مستعملها نية التخلص منها، والانقلاب عليها بعد تحقيق غرض آخر، أي نقبل التصويت الفردي موقتا كما نقبل شرب جرعة من الخمر لإزالة غصة، ثم نكف ونستغفر الله! هذا التفسير مناسب لحال بنكيران الذي صرح بأنه لن يقبل الملكية البرلمانية (وهي تُعطي الكلمة للشعب)، لماذا؟
لأنها تتناقض، حسب قوله، مع مفهوم الإمامة التي يؤمن بها. الأصوليون يعتقدون أنه يمكن الاحتفاظ بالإمامة كموقع حتى ولو لم تتوفر شروطها، يمكن ادخارها اليوم في جبة صيغة "إمارة المؤمنين" كإطار في انتظار توفر شروطها كما تحدث عنها الريسوني في خرجته التي سببت له سخط الدكتور الخطيب. وهذا يندرج في مخطط عام له خلفيات في أدبيات الإخوان المسلمين: تأخير تطبيق الشريعة إلى حين بناء الدولة الإسلامية، والقيام بالعملية التربوية، أي تبليغ الدعوة من جديد. وبعد ذلك يمكن تشغيل البرنامج الإسلامي اعتمادا على ظاهر النص بعيدا عن الحديث التاكتيكي عن المقاصد. هناك أحكام كثيرة موقوفة: قطع يد السارق، ورجم الزانية في الساحة العمومية، وضرب المرأة الناشز، وجرها إلى بيت الطاعة، والجلد بدل السجن، وفي نهاية المسلسل يعاد تنظيم مجتمع الموالي وما ملكت أيمانكم ...الخ
هكذا تشتغل أوهام الأصوليين المعتدلين داخل جماجمهم، أما السلفيون فيرفضون هذا القناع ويذهبون إلى الهدف مباشرة، الشريعة اليوم وليس غدا (الفزازي والمغراوي نموذجا). الجهاديون هم أطفال الحركة الأصوليون؛ تختلط عندهم أحلام اليقظة والمنام.
من المعلوم بالتجربة قبل النظر أن لكل ممارسة إنسانية جوانبَ إيجابيةً وعوارضَ سلبيةً، ومنها ممارسة الحرية، بل هي أعقدها: أين تبدأ وأين تنتهي. يجتهد الناس في تنمية الجوانب الإيجابية ومحاصرة الجوانب السلبية، وتقليل أثرها، ولكنهم لا ينبذون الممارسة على الإطلاق، إلا من أعمى الله بصيرته. وهذه المرونة/النسبية الإنسانية تُتعبُ الأصوليين! بل أتعبتهم عبر التاريخ، لبداوتهم وجفاء طباعهم، أو مكيافلية بعضهم. فمن أعطاب الفكر الأصولي التطرفُ، أي ميله إلى البساطة: أبيض أو أسود. والتطرف بهذا المعنى هو التمسك بطرف واحد من الإشكالية الإنسانية، وعدم القدرة على إدخال كل أطرافها في حوار يكشف عن تعقد السلوك الإنساني وتسهيل تصريفه. وهذه التبسيطية هي أخص خصائص الخطاب الشعبوي التحريضي، ولكنها تناقض سنن الكون والحياة، فتؤدي إلى الكوارث والمذابح. من تطبيقات هذه الرؤية التبسيطية ما يسميه الحرْفيون السطحيون من الفقهاء: سد الذرائع. أي ترك كل ما من شأنه أن يترتب عنه أمر غير مرغوب فيه. من الأمثلة الصارخة لذلك في العصر الحديث إفتاء شيوخ الوهابية بعدم جواز سياقة المرأة للسيارة. فسد الذرائع هو الترجمة الحرفية للعجز عن تدبير الحرية الإنسانية.
وبذلك قد يتبادر إلى الذهن أن فحوى كلام بنكيران هو: إذا كانت الحرية الفردية ستوصلنا إلى تشريع الشذوذ وتزويج الرجال للرجال والنساء للنساء فلا كانت هذه الحرية. ورغم أن موقفي الشخصي مؤسساتي ومحافظ في هذا المجال، وقد يكون مثل موقف بنكيران، فإني لا يمكن أن أقايض حريتي (الفردية) بأي مقابل أو بديل، لأنها مسألة وجود وعدم. الحرية الفردية لدي مقدسة، والباقي له حلول. إذا لم يكن لدي غير خيارين: إما أن أفقد حريتي (وأصير، بالتالي، عبدا للغير يشيئني، المخزن مثلا)، أو أن يفعل الآخرون بأجسامهم ما يحلو لهم مما لا يعجبني، بعيدا عني، فسأختار حريتي، ذلك أهون الضررين. والحال أن المسألة ليست بهذه الحدة، فالشذوذ سيبقى شذوذا.
أما بعد، فكل ما ذكرناه، لحد الآن، لا يعدو المستوى السطحي التاكتيكي للمسألة، أما البعد العميق الاستراتيجي لهذا "القصف التاكتيكي" الذي باشره الرجل، ويباشره في كل خطبه، فيكمن في أن الحرية الفردية مرفوضة عند الأصوليين جميعا من أساسها، لأنها تؤدي في مقام أعلى إلى المطالبة بحرية المعتقد، إلى اعتبار الدين شأنا فرديا، بين العبد وخالقه، وتؤدي في المقام الأدنى إلى المطالبة بحرية التأويل. وهما أمران مرفوضان صراحة عند السلفيين الجهاديين، لا يلُفُّون فيهما ولا يدورون حولهما، كما يلف البرلمانيون.
السلفيون يغلبون حديثَ: "من بدل دينه فاقتلوه"، أو "...فاضربوا عنقه"، على جميع الآيات القرآنية المتحدثة عن حرية المعتقد، فيرفضون أي حديث في الموضوع. ويرون أن الله قضى في كل الأمور وأجاب القرآن عن كل الأسئلة دقيقها وعظيمها، بدون استثناء. ونظرا لأنهم حسب وهمهم يفهمون القرآن الفهم الصحيح والنهائي الوحيد الممكن فلا مكان للحديث عن شيء اسمه حرية التأويل. وهم بذلك يضربون كل الجهود التي بذلها علماء الكلام من معتزلة وغيرهم، كما يضربون كل جهود الفلاسفة من ابن سينا إلى ابن رشد، عرض الحائط، بل يعتبرون كلامهم تنطعا وزندقة. بل لقد هاجموا بشراسة وعنف حتى المفكرين الإسلاميين المعاصرين الذين فتحوا نافذة صغيرة للعقل بشكل ما. لقد استنكروا حتى تنويه بعضهم بالفكر الاعتزالي. كما فعل سليمان بن صالح الخراشي في نقده لمحمد عمارة في كتاب بعنوان: محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة. (موجود على النيت).
هذا شأن السلفيين في معاداة العقل والحرية، أما السياسوي الإسلامي (البرلماني) فهو يقيم صلحا، في ذاته، بين المنظِّر الإسلامي "المفكر" (عمارة والقرضاوي مثلا) والسلفي الانتحاري المكفر (الفزازي والمغراوي مثلا). يُبرز الشخصية الأولى، شخصية "المفكر"، في المواقف الرسمية حين يتحدث في السياسة مع الأنداد والحكام (المخزن مثلا)، ثم يَغلبه الطبع فيبرز الشخصية الثانية كلما تعلق الأمر بمواجهة الحداثة والحداثيين في شؤون الحياة والفكر (الحرية والمساواة بين الجنسين مثلا). ولذلك يفتح السياسوي الإسلامي صفحات جرائده (التجديد مثلا) "للمفكر" والمكفر معا، ويقوم بواجب "النصرة" للطرفين. وربما يفتح لهم لوائح ترشيحه في الانتخابات المقبلة، كما توقع بعض الصحفيين...
يقول المغاربة: "اللي فْراس جْمل فْراس الجَمَّال"، ويقول المصريون: "لا يصح غير الصحيح". ستظل الثقة منعدمة بين الأصوليين والفرقاء السياسيين الطبيعيين في غياب الحسم في الاختيار، وستظل مراهنة الإسلاميين على الطغاة والمستبدين والأحزاب المصطنعة مصدرا لخيباتهم. فَلْيتحفَّظوا ما شاءوا على هذا الفصل أو ذاك من حقوق الإنسان، ولْيتشبثوا ما شاءوا بهذه العبارة أو تلك من الدستور، التاريخ لا يرحم، ولو كان في منطقه أن يعود إلى الوراء يوما لما تجاوزنا عصر الالتقاط وركوب الدواب.
محمد العمري.باحث في البلاغة وتحليل الخطاب www.medelomari.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.