بوركينافاسو تشيد بالمبادرة الأطلسية الإفريقية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس    استئناف مرتقب لجولة المحادثات بالقاهرة حول الهدنة في غز    أكثر من 70 ألف شخص غادروا منازلهم بسبب الفيضانات في البرازيل وأكثر من مليون مسكن بات بلا مياه    البطولة الإفريقية ال18 للجمباز الفني بمراكش: المغرب يحتل المرتبة الثانية في ترتيب الفرق في فئة الذكور    بطولة السعودية.. ثلاثية ال "دون" تخرق بريق الصدارة الهلالية    "أسود القاعة" يتعرفون على منافسيهم في مونديال "أوزبكستان 2024" نهاية ماي    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني        مالك الصفريوي صهر أخنوش الجديد يشتري منزلا فخما بمساحة شاسعة بمنتجع ميامي بيتش بأزيد من 15 مليون دولار (صور)    قيادي بحماس: ما نقبلو حتى هدنة بلا وقف دائم للحرب فغزة    فيتنام تسجل درجات حرارة قياسية فأبريل    رئيس أساقفة القدس المطران عطا الله حنا يوجه رسالة إلى مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي الدكالي    قاتل والده بدوار الغضبان يحاول الانتحار بسجن سيدي موسى بالجديدة    لشكر ينتقد "عقلية العنف" لنظام الجزائر ويطالب الحكومة بالعناية بجهة درعة    بطولة انجلترا: إيبسويتش تاون يعود للدوري الممتاز بعد 22 عاما    جائزة ميامي للفورمولا واحد : فيرستابن يفوز بسباق السرعة    السعودية حكمات بالحبس 11 العام على مناهل العتيبي غير حيت دعمات حقوق المرا.. و"امنيستي" كتطالب بإطلاق سراحها    اللعابا د فريق هولندي تبرعو بصاليراتهم لإنقاذ الفرقة ديالهم    من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟    رئيس بلدية لندن العمّالي صادق خان ربح ولاية ثالثة تاريخية    توقعات أحوال الطقس ليوم الأحد    أخبار سارة لنهضة بركان قبل مواجهة الزمالك المصري    طنجة .. لقاء يبرز أهمية المنظومة القانونية للصحافة في تحصين المهنة والمهنيين    إدارة المغرب التطواني تناشد الجمهور بالعودة للمدرجات    موريتانيا حذرات مالي بعدما تعاودات الإعتداءات على مواطنيها.. ودارت مناورات عسكرية على الحدود    قمة منظمة التعاون الإسلامي.. الملك يدعو إلى دعم الدول الإفريقية الأقل نموا    أسواق أضاحي العيد ملتهبة والمغاربة أمام تغول "الشناقة"    لمجرد يقطع صمته الطويل..قائلا "أريد العودة إلى المغرب"    طنجة.. محاميون وخبراء يناقشون رهانات وتحديات مكافحة جرائم غسل الأموال    التوقيع على ثلاث اتفاقيات للتنمية المجالية لإقليمي تنغير وورزازات    القضاء يدين سائحا خليجيا بالحبس النافذ    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    افتتاح معرض يوسف سعدون "موج أزرق" بمدينة طنجة    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الداخلة    مادة سامة تنهي حياة أربعيني في تزنيت    "دعم السكن" ومشاريع 2030 تفتح صنابير التمويل البنكي للمنعشين العقاريين    تعيينات جديدة فال"هاكا".. وعسلون بقى فمنصب المدير العام للاتصال    الوكالة الحضرية لتطوان تواصل جهود تسوية البنايات غير القانونية    هل تبخر وعد الحكومة بإحداث مليون منصب شغل؟    صناديق الإيداع والتدبير بالمغرب وفرنسا وإيطاليا وتونس تعزز تعاونها لمواجهة تحديات "المتوسط"    بطل "سامحيني" يتجول في أزقة شفشاون    مهرجان الدراما التلفزية يفتتح فعاليات دورته ال13 بتكريم خويي والناجي (فيديو)    صندوق الإيداع يشارك في اجتماع بإيطاليا    انتهى الموضوع.. طبيب التجميل التازي يغادر سجن عكاشة    بمشاركة مجموعة من الفنانين.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البهجة للموسيقى    إلغاء الزيادات الجمركية في موريتانيا: تأثيرات متوقعة على الأسواق المغربية    كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    الأمثال العامية بتطوان... (589)    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقفة إعزاز أمام نجدة فتحي صفوة
نشر في مغارب كم يوم 26 - 12 - 2013

قليل هم الدبلوماسيون الذين يمتلكون القدرة والموهبة التي تجعل منهم كتابا قادرين على إبلاغ الآخرين عن «المجتمع الدبلوماسي» الذي يعتبر مجتمعا على نمط غير المجتمعات التي نعرفها: يخلق علاقة حميمة خاصة بين أفراده، حيث نرى الإنسان الأفريقي من تخوم القارة يصادق الإنسان الصيني ويأنس به ويعرف عن عاداته، ونرى الإنسان الأوروبي يجتمع إلى زميله في الأوقيانوس لينسجا معا صداقة حميمة على الرغم من بعد المسافات... ذلك هو «المجتمع الدبلوماسي» الذي عشناه، وهو مجتمع يحتاج إلى الدراسة بما يحمله من طرائف ونوادر، ومن آثار كذلك على العلاقات الدولية.
وقد استطاع صديقنا الدبلوماسي المحنك نجدة فتحي صفوة أن يقدم لنا هذا «المجتمع» في تأليفه الجيد: «خطابات دبلوماسية» الذي طبع أكثر من مرة، مما يدل على رغبة الناس في التعرف على ذلك «المجتمع» الغريب العجيب الذي يصادق فيه السفير من المغرب زميله من المشرق، وتبادل زوجة كل من الزميلين الحب مع زميلتها، وهكذا الأطفال أيضا، حتى لتكاد القول بأن هناك - كما قلنا - مجتمعا لا يخضع لاعتبارات إقليمية وسياسية بقدر ما يخضع لاعتبارات إنسانية قد تفوق أحيانا الاتصالات العائلية!
ولقد كنت سعيدا أن يكون في صدر من تعرفت عليهم في العراق هذا الصديق العزيز الذي كنت أجد في بيته ملاذا لي وأنا أزاول مهمتي في بغداد سفيرا لبلادي، في فترتين اثنتين، كان من عيون الموظفين في وزارة الخارجية ونحن كسفراء في حاجة إلى التقرب أكثر إلى الخارجية التي هي الوسيلة الوحيدة بين السفير والدولة..!
وكان بلباقته ولياقته وبعد نظره يستطيع أن يؤدي دوره في ربط الصلات وإحكام المودات بما عرف به من فتح بيته أمام معارفه، تسنده في ذلك زوجته السيدة الفضلى...
كان يهديني سائر كتبه بخطه وكنت أجد المتعة في قراءتها باعتبارها دليلا صادقا للدبلوماسي كيفما كان موقعه.
وإلى جانب «حكايات دبلوماسية» اهتم بتقديم جوانب من الإصدارات الهامة مثل «اليهود والصهيونية في علاقات الدول الكبرى»، وهو موضوع يحتاج إليه الدبلوماسي، كما قرأنا له: «العرب في الاتحاد السوفيتي» و«دراسات أخرى في العلاقات التاريخية والثقافية بين العرب والروس»، و«خواطر وأحاديث في العلاقات التاريخية والثقافية بين العرب والروس»، و«خواطر وأحاديث في التاريخ»، وتأليفه: «نافذة السفارة العربية في ضوء الوثائق البريطانية والجزيرة العربية»، و«العراق في مذكرات الدبلوماسيين الأجانب»، و«العراق في الوثائق البريطانية»...
وأخيرا وليس آخرا كنا نتتبعه في زاويته المشوقة ب«الشرق الأوسط» بعنوان: «هذا اليوم في التاريخ»، حيث كان يحركنا إلى استحضار الماضي بأسلوبه الأنيق الرقيق!
وكنت أرجع إليه ليس فقط كموظف سام في الخارجية ولكن كأديب متضلع من الأدب الفارسي، وكم أفادني في فهم عبارات «مثنوي» لمولانا جلال الدين الرومي، وكم شغلته وشغلني برباعيات الخيام!
عندما كنت أودع زملائي في بغداد أفرادا وجمعيات قام بإصدار مقال مسهب في جريدة يشرف عليها إخوة أكراد... عنونه هكذا «السفير الناجح» وقدمه إليّ - أكرم الله مثواه - كان المقال وثيقة تاريخية قبل أن يكون تحية مجاملة بما ضمنه من معلومات عن مهمة السفير في المصطلح الأوروبي ولا سيما في فرنسا...
لكن ما لا أنساه أبدا أننا دعوناه للمغرب لمساعدتنا في عمل ثقافي... فحضر إلينا وأدى المهمة أحسن أداء. لم ننسَ له هذه الأريحية والألمعية، وعبرنا له عن تقديرنا!!
كان الرجل حصيفا ذا خلق أثيل أصيل... كان آخر خطاب وجهته إليه يتضمن هذه العبارات:
«أهنئك أخي نجدة بصلابة عودك وقوة إرادتك في مواجهة الحياة ووراءك السيدة الفضلى زوجتك، فلم تهن ولم تضع كما ضاع العشرات من أصدقائنا وأحبابنا، إنك بانشغالك بالكتابة تخدم العلم، وتلك رسالة العلماء، وتخدم تاريخ المنطقة وهي منطقتنا، وأرجو أن أقترح عليكم وأنتم تهتمون برجالات الأردن أن تفكروا في كتابة مقدمة مقتضبة عن مآثر البلاد بما فيها من أطلال أهل الكهف وبما فيها من الآثار التي ذكرها الرحالة الكبير ابن بطوطة، وليساعدك الله على ما أنت بصدده وليجمع الشمل على ما يريد وهو خير مريد!»
أكبرت فيه - ولا أنسى ذلك - أنه فاجأني قبل نحو من سنتين وأنا بعمان الأردن في أحد لقاءات «أكاديمية آل البيت»، فاجأني وأنا في «إنتركونتيننتال» ليصل الرحم بي بعد أن سمع عن وجودي هناك، كان تأثري عظيما بوفاء الرجل الذي أصبح يعتمد على عصاه كقدم ثالثة بينما أصبحت بدوري أعتمد على حفيدي أحمد الذي كان لي بمثابة الرجل الثالثة!!
سألته عن مستجداته فكان يتحدث إليّ حديث العارف العميق وكأنه لا يزال في عنفوان الشباب على نحو ما عرفته في بغداد، كان يتحدث لي عن رجالات الأردن...
كان رحمه الله متعة في مجالسه، نظيفا في سلوكه، طيب اللسان في ذكرياته، وافترقنا على موعد في المغرب لكنه فارق الحياة كما سنفارقها، وكما قال شيخنا أبو العلاء المعري:
نمضي ونترك البلاد عريضة
والصبح أنور والنجوم زواهر!
"الشرق الاوسط"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.