أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    رسميا.. الجزائر تنسحب من البطولة العربية لكرة اليد المقامة بالمغرب    المغرب يصدر 2905 تراخيص لزراعة وإنتاج القنب الهندي إلى غاية أبريل الجاري    الوكالة الوطنية للغابات تخرج عن صمتها بخصوص ظهور "القط الأنمر" في إحدى غابات طنجة    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    تظاهرات تدعم غزة تغزو جامعات أمريكية    غدا تنطلق أشغال المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    الفروع ترفع رقم معاملات "اتصالات المغرب"    مطار مراكش المنارة الدولي .. ارتفاع حركة النقل الجوي خلال الربع الأول    ارتفاع أرباح اتصالات المغرب إلى 1.52 مليار درهم (+0.5%) بنهاية الربع الأول 2024    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    المعرض المحلي للكتاب يجذب جمهور العرائش    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    14 ألف مواطن إسباني يقيمون بالمغرب    بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    المغربي إلياس حجري يُتوّج بلقب القارئ العالمي للقرآن    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    مكتب التكوين المهني/شركة "أفريقيا".. الاحتفاء بالفوجين الرابع والخامس ل"تكوين المعل م" بالداخلة    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا وراء اشتعال الحرب الحقوقية بين المغرب و الجزائر؟
نشر في وجدة نيوز يوم 26 - 11 - 2008

الجزائر، مولت قناة فضائية بإسبانيا للانفصاليين، وأسكنتها في قمر صناعي كتلاني، ومن مال دافعي الضرائب الجزائريين
إسبانيا لا زالت تستعمر مدنا وجزرا مغربية، وتحول دون استقلالها عبر مساومات، وابتزازات مختلفة، خدمة للمصالح الجزائرية
جاء في كتاب الفيلسوف الفرنسي ريمون أرون " سلم و حرب بين الأمم" أن كل صراع بين بلدين، له أشكال متعددة ومختلفة، فالنزاع المسلح غالبا ما ينطلق مباشرة بعد فشل المساعي الدبلوماسية، والمفاوضات التي تعكس مواقف متناقضة، وغايات متطرفة للأطراف المتحاربة، فحسب المؤلف المذكور، تتوقف المواجهات العسكرية لعدة أسباب( عدم توفر إمكانيات مواصلة القتال، ونفور الشعوب من محن المعارك، أو لأسباب اقتصادية)، لتفسح المجال أمام سياسة الحوار المباشر، أو الغير المباشر من جديد، إنه أسلوب آخر لاستمرار الصراع بين الأطراف المتناحرة بطرق سلمية، فالأسلحة الدبلوماسية والإعلامية المستعملة في تسيير المفاوضات، لا تقل عنفا و دموية أحيانا من الرصاص والمدفعية والصواريخ، وقد تنهار المواجهة العسكرية أو الدبلوماسية، بفعل تدخل قوة خارجية قوية، قد تكون دولة عظمى أو مجلس الأمن( الفصل السابع)، لتضع حدا للنزاع بدعوى تهديده للاستقرار والسلم العالميين.
إن نظريات ريمون آرون، تتطابق وبشكل عجيب مع الصراع المغربي الجزائري منذ إنشاء" الجمهورية الصحراوية الوهمية" من لا شيء في تندوف سنة 1976، وهكذا عبرت الجزائر في الماضي بالوسائل العسكرية عن رفضها لاسترجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، من خلال حرب ضروس بين الجانبين وبالوكالة، دامت 16 عشرة سنة، حرب ذهب ضحيتها أكثر من 30 ألف جندي مغربي، وما يعادلهم من الجرحى، إضافة إلى 2400 أسير، وهذه إحصائيات شبه رسمية؛ أما الجانب الآخر - الجزائر والبوليساريو- فلم يصرح بخسارته البشرية أو المادية الكبيرة، نظرا لكون الجزائر كانت ولا زالت تدعي دائما أمام العالم أنها طرف مهتم بالنزاع، وليست معنية به، والحقيقة خلاف لذلك، فالجزائر هي دولة مهتمة ومعنية في آن واحد بمستقبل الصحراء، لأسباب متعددة، يغلب عليها هاجس الأمن القومي الجزائري أكثر من رغبتها في تقرير مساندة" مصير الشعب الصحراوي".
بعد وقف إطلاق النار سنة 1991، بفضل جهود ومساع حميدة بين الأطراف المتخاصمة، قامت بها عدة جهات عربية وأجنبية، تم نشر قوات الأمم المتحدة لمراقبة اتفاقية وقف إطلاق النار بين المتناحرين في الحرب؛ التي استطاع فيها المغرب تأمين أكثر من 85 % من تراب إقليم الصحراء عسكريا، أما ما تبقى من الإقليم، فيعتبر منطقة منزوعة السلاح، تخضع للأمم المتحدة، ولقواعد فك الارتباط المحددة في القانون الدولي، قرى صغيرة تحكمها قوة القبعات الزرق، ويشرف عليها مجلس الأمن الدولي عادة في مثل هذه المنازعات.
إن استمرار المواجهة بين الجارين الشقيقين، أخد منحنى دبلوماسيا، وحقوقيا، واقتصاديا، وإعلاميا متصاعدا، ينذر بالعودة إلى حمل السلاح من جديد.. فدبلوماسية الجزائر التي كان ينشطها الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، وزير الخارجية منذ انقلاب المرحوم العقيد بومدين على الرئيس بن بلة سنة 1965، نجحت إلى حد ما في استقطاب العديد من الدول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، بدءا من 1976، من أجل الاعتراف" بالجمهورية الصحراوية الوهمية" المعلنة عن طريق التضليل، وتشويه حقائق وجذور الصراع في المنطقة. فلقد اعتمدت الأطروحة الجزائرية الداعمة للانفصال في الصحراء، على نقطتين حساستين وأساسيتين في القارة السوداء، وفي دول عدم الانحياز- دول خرجت حديثا من مرحلة الاستعمار:
النقطة الأولى، تكمن في اعتماد الجزائر على خطاب إيديولوجي، يسوق لمشروع انفصالي، تحت غطاء محاربة المغرب،" الملكية الرجعية القرن وسطية المتحالفة مع الاستعمار و الامبريالية"، خطاب مسموم وملغوم، ظاهره ثوري وتقدمي، وباطنه يخفي علامات استفهام كثيرة، أفلح في التأثير كثيرا في أغلبية الأنظمة الجمهورية الإفريقية الصغيرة، خاصة تلك التي رفعت شعار الاشتراكية، وطبقت شفويا الأفكار الماركسية.. دعاية، الغرض منها تشويه سمعة دولة شقيقة، دولة كانت تتزعم الجناح اليساري في إفريقيا في الستينات، أو الذي كان يسمى آنذاك بجناح الدار البيضاء. وفي هذا السياق، فإننا لا ننكر أن المشروع الانفصالي المسوق في البداية من طرف الخارجية الجزائرية النشيطة، وجد صدى ونصرة في إفريقيا، أكملتها تداعيات الحرب الباردة، التي كانت تدور بين معسكرين متناقضين ومتضادين سياسيا وفكريا، والأكثر من ذلك كان الخطاب الجزائري يستعمل في بعض الأحيان بعض المصطلحات والتعبيرات المغلوطة، التي تلامس خطاب التمييز العنصري ضد المغرب ملكا وشعبا.
النقطة الثانية في الإستراتيجية الدبلوماسية الجزائرية، تتمثل في الضرب على الوتر الحساس، المخيف، والرهيب عند الأفارقة، وتر يتمثل في عقدة الأفارقة، وتمسكهم بالحدود الوطنية، الموروثة عن عهد الاستعمار، إلى درجة رفعها في نظرهم، وقلوبهم، وأدبياتهم إلى مستوى القدسية، وكأن هذا المبدأ منزل من السماء.. فالدول الإفريقية وحتى اللاتينية كانت عبارة عن قبائل ومجاميع بشرية موحدة قبل الاستعمار، ثم جزأت وقسمت إلى عدة كيانات، أو دويلات مستقلة، غير متجانسة، ومتصارعة حسب خريطة جيو ستراتيجية، تضمنتها الاتفاقيات القديمة المبرمة بين الدول العظمى الاستعمارية في القرن التاسع عشر، فترسيم الحدود في إفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وآسيا، كان عملا استعماريا ذكيا، يرنو إلى حماية مصالح الدول الاستعمارية بعد استقلال هذه الفسيفساء، بغية استغلال هذه الدول المستضعفة عند الحاجة.. ترسيم خلق دولا مشوهة، ومصطنعة، على شكل قنابل موقوتة، تنفجر كل مرة بصفة متتابعة، كما هو الحال في القارة الإفريقية ( الحروب الأهلية: الكونغو الديمقراطية، دول الساحل، نيجيريا، الصومال، إثيوبيا، مالي، روندا، بوراندي، انغولا، الخ..)، وفي هذا النطاق، نجد القبيلة الواحدة مقسمة على أربعة أجزاء، وموزعة على أكثر من دولة( الكامرون، رواندا، نيجريا، ساحل العاج، الخ...)
إضافة إلى تسخير العامل الإيديولوجي الذي وظفته الجزائر بدهاء في علاقاتها الدولية، القائم على التخويف من انفجار الدول الإفريقية، إن هي أقدمت على تعديل حدودها الهشة والمصطنعة والمرسومة. سعت الدبلوماسية الجزائرية بضخ مال ضخم ومساعدات عينية سخية( البترول، الغاز، الأدوية، المواد الغذائية) لشراء ذمم بعض الرؤساء والأحزاب الحاكمة وبعض الزوايا، وبعض المنابر الإعلامية المأجورة في القارات الخمس، لحثها على الاعتراف" بالدولة الصحراوية المزعومة".. وبهذه الأساليب الديماغوجية والرشوة، وفي بعض الأوقات التهديدات بمساندة المعارضة في الدول الإفريقية الفقيرة المعارضة للبوليساريو، استطاعت الجزائر أن تضمن لهذا المخلوق الجديد الغير الشرعي في المنطقة، اعتراف منظمة الوحدة الإفريقية، مما أدى إلى انسحاب المغرب، الذي يعتبر أحد مؤسسيها، وحامل لواء الممانعة ضد الاستعمار في بداية الستينيات، حيث استفادت العديد من الدول الإفريقية ماديا ومعنويا من المغرب أثناء الاستعمار. ( عدة دول إفريقية ولاتينية سحبت اعترافها بعد اكتشافها لحقيقة النزاع).
إن إدخال جبهة البوليساريو" كدولة ذات سيادة" إلى الاتحاد الإفريقي، سمح للدبلوماسية الجزائرية باستعمال هذه المنظمة الإفريقية في صراعها الدبلوماسي مع المغرب، وتفرغت للقارات الأخرى، عبر تسويق أطروحة الانفصال بنفس الأسلوب، وبنفس الآليات، الأمر الذي مكنها من الوصول إلى نتائج نسبية في أمريكا الجنوبية وآسيا.. إستراتيجية أقحمت فيها الأمم المتحدة بدون إرادتها في النزاع، عن طريق إدراج قضية الصحراء في خانة القضايا المتعلقة بتصفية الاستعمار، وليست في خانة استكمال المغرب لوحدته الترابية كعضو سبق له المطالبة بالإقليم في الصحراء منذ 1958.
أما على مستوى المنظمات الجهوية الأخرى، فالأكيد أن الجزائر فشلت فشلا ذريعا في فرض إرادتها، رغم محاولات متعددة لإدخال ربيبتها إلى الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة دول عدم الانحياز، منظمات رأت في الصراع المغربي الجزائري نزاعا إيديولوجيا وحدوديا قديما جدا، ترجع جذوره وتاريخه إلى 1830، تاريخ استعمار الجزائر، وتحويلها إلى أرض فرنسية، فالتناحر السياسي الحالي بين البلدين الشقيقين، أظهر بوضوح طموحات الهيمنة والزعامة، وتطلعات الأمن القومي للجزائر في منطقة شمال إفريقيا. الجزائر تعتبر المنطقة الممتدة من نهر السنغال إلى الإسكندرية، منطقة أمنها القومي، فلا تعبير ولا تبديل دون موافقتها.. تكتيك مفضوح يسعى إلى الالتفاف على الصحراء الشرقية، التي لا زالت تعتبر إشكالا تاريخيا، وجغرافيا، وبشريا بين الدولتين الجارتين، ومنطقة النزاع الأصلي حسب المؤرخين، ومصدر المنافسة بين البلدين.
أما على صعيد أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية، والصين، واليابان، وروسيا، والهند، فالظاهر أن هذه الدول، لم تخضع للضغوطات الجزائرية، سواء كانت اقتصادية، أو إعلامية أو سياسية.. فلم تنجح الخارجية الجزائرية في جر هذه الدول إلى دعم أطروحتها الانفصالية في شمال إفريقيا، رغم استثمار مهندسي الدبلوماسية الجزائرية لأموال كبيرة، لاستمالة المجتمع المدني الأوروبي، والأمريكي، والكندي، والأسترالي، للتأثير عليه في صناعة الرأي العام، من أجل مساندة البوليساريو، ومن أجل الضغط على الحكومات الديمقراطية.
إن استعمال الجمعيات اليسارية، ووسائل الإعلام الموالية لها من لدن الجزائر، غايته التأثير على الشعوب الغربية لمناصرتها في صراعها مع المغرب، الذي دام أكثر من ثلاثين سنة، صراع من أجل الاعتراف بكيان هجين في الصحراء المغربية.
كانت المحطة الأولى في هذا النشاط العدائي الدبلوماسي للوحدة الترابية للمغرب، هي اسبانيا، الدولة المستعمرة لإقليم الصحراء سابقا، دولة لها موروث ثقافي، وتاريخي، وسياسي، وعسكري معقد مع المملكة المغربية، منذ أن أسلم العرب شبه الجزيرة الأيبيرية.. فإسبانيا لا زالت تستعمر مدنا وجزرا مغربية، وتحول دون استقلالها عبر مساومات، وابتزازات مختلفة، خدمة للمصالح الجزائرية. هذا الضغط الجزائري المتزايد على الحكومات المتعاقبة في مدريد، يسارية كانت أو يمينية، يرمي إلى دفع إسبانيا لاتخاذ إجراءات، وقرارات مساندة لجبهة البوليساريو الانفصالية.. فاليسار الإسباني المدعوم جزائريا، أضحى الحليف القوي للجزائر في العالم ضد سيادة المغرب على إقليم الصحراء؛ فالكنفدرالية الإسبانية للعمال، الحزب الشيوعي، المنظمات الانفصالية في الشمال الإسباني، كمنظمة إيتا، وبعض الأحزاب الكتلانية، وجبهة تحرير جزر الكناري، كل هذه التنظيمات التي كانت ممولة، ولاجئة في الجزائر في عهد فرانكو، تحولت في الحقيقة إلى أذرع نشيطة موالية للدبلوماسية الجزائرية في أوروبا، وأمريكا اللاتينية( عامل اللغة)، إضافة إلى هؤلاء، نجد لوبي الغاز و البترول القريب من اليمين، وخاصة الحزب الشعبي الإسباني ذا الميول الاستعمارية والعنصرية.. ولقد وظف هذا الأخير لمعاكسة المغرب من خلال رفضه للحل المغربي المطروح على أنظار مجلس الأمن الدولي، المتعلق بمشروع الحكم الذاتي الواسع في الصحراء، فاليمين الإسباني الذي حارب الشيوعيين والفوضويين في الحرب الأهلية الإسبانية سنة 1936، أصبح ولأول مرة في تاريخ إسبانيا متحالفا وشريكا مع اليسار في تعبئة المجتمع المدني الاسباني، والمجتمعات الأوروبية، والأمريكية الجنوبية بأكملها ضد المغرب، انطلاقا من مدينة ساركوس، التي أصبحت بالمناسبة عاصمة الانفصال في المهجر، مرورا بالبرلمان الأوروبي، والمؤسسات التابعة له، ووصولا إلى القارة الأمريكية الجنوبية. وللتاريخ، ينبغي أن نذكر أن المغاربة لعبوا دورا أساسيا في تاريخ إسبانيا القديم والحديث، فهم الذي أرجعوا الملكية إلى الحكم في إسبانيا، وساهموا في عودة الديمقراطية الحديثة إليها.
أما على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، فلقد حاولت الجزائر، تجنيد واستقطاب العديد من الأحزاب، وجماعات الضغط لصالحها، سواء في الحزب الديمقراطي، أو الحزب الجمهوري داخل الكونغرس، أوفي البيت الأبيض، أو مجلس العموم الكندي، والحكومات المحلية، كالكبيك مثلا. فعلى مستوى الديمقراطيين، استعملت الدبلوماسية الجزائرية خطابا جديدا، يمجد الديمقراطية، ويلمع صورة حقوق الإنسان في الجزائر، ويروج لانتصاراتها على الإرهاب.. خطاب كان يحاول دائما وضع المغرب ظلما وكذبا في قفص الاتهام، بدعوى رفضه تطبيق استفتاء" حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره"، وتحت ذريعة انتهاكه لحقوق الإنسان في إقليم الصحراء. ولقد اتخذت الخارجية الجزائرية من مؤسسة روبرت فرانسيس كيندي، وزير العدل الأمريكي المغتال، وبعض مراكز الأبحاث القريبة من لوبي الغاز والبترول، مراكز أساسية للدعاية والتضليل، وعلامة تجارية تلمع بها أطروحتها المساندة للانفصال. إن هذا الاستثمار السياسي، كلف الجزائر الملايين من الدولارات من ميزانية شعبها المظلوم، أجندة هدفها محاصرة المغرب حقوقيا وإعلاميا في الولايات المتحدة الأمريكية.. وبالمناسبة، إن مركز كيندي المعروف بمواقفه الداعمة لحقوق الإنسان في العالم، يجهل المعطيات الحقيقية للصراع بين المغرب والجزائر، فوقع على ما يبدو أسيرا للمغالطات الجزائرية.
ينبغي التنبيه، أن بعد وقف إطلاق النار سنة 1991 بين الجارين، قامت الجزائر بتسريب خلسة، وفي جنح الظلام، وعبر الأراضي الموريتانية الشاسعة بعض عناصر البوليساريو، وبعض الموريتانيين، وحتى بعض الأفارقة الفقراء المساندين لها، المضطرين بسبب المجاعة في دول الساحل، إلى إقليم الصحراء، الذي كان ينعم بالهدوء، والسكينة، والتنمية، فالجزائر وصنيعتها، استغلا قانون العفو الشامل، المرفوع تحت شعار" إن الوطن غفور رحيم"، المطروح على أبنائه الصحراويين، الذين اختاروا مسارا سياسيا معاكسا، ونجحت نسبيا في محاولة نقل الصراع إلى الداخل المغربي الآمن، فالانفتاح الديمقراطي الذي عرفه المغرب، منََذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم، سنة 1999، والذي توج بإصلاحات إيجابية في ميدان حقوق الإنسان، والحريات العامة في المغرب، كان أهمها قرار إنشاء مؤسسة الإنصاف والمصالحة الخاصة بتعويض المتضررين ماديا ومعنويا في انتهاكات حقوق الإنسان التي عرفتها البلاد، سمح لبعض الأصوات المعارضة القليلة في التعبير عن ولائها للانفصاليين، وذلك بتنظيم بعض الوقفات والتجمهرات، ورمي رجال الأمن بالحجارة في بعض المدن الجامعية، دون احترام القوانين والتشريعات المتعلقة بتأسيس الجمعيات، وحرية التجمعات والمظاهرات.. يبدو أن العاهل المغربي يقارب هذه الظاهرة الدخيلة على أجماع الشعب المغربي، مقاربة رزينة وهادئة، تعتمد الحوار والنقاش، والتوعية واحترام الرأي الآخر. إنه إفراز طبيعي واكب الانتقال الديمقراطي في البلد. إشكالية وجدت حزبا سياسيا مغربيا( النهج الديمقراطي)، يمثلها، ويدعمها محليا ودوليا. فالمغرب يعالجها بوسائل حكيمة، ويحد منها، ويحاصرها عبر إجهاض خطاب الانفصال، والعنف، والتشرذم في الداخل الداعم لها. إنها طريقة اعتمدت على التجربة الفرنسية في ما يخص تدبير المنظمات الكورسيكية، أو التجربة الإسبانية التي تحارب منظمة إيتا الباسكية المسلحة من جهة، - منظمة أدخلت في خانة الإرهاب - وتغض الطرف عن وجهها السياسي المتمثل في منظمة باتاسونا من جهة أخرى.
فبعض تلك العناصر المسماة" بوليساريو الداخل" جلها منحدر من الأقاليم الغير المتنازع عليها، سقطوا في الاستراتيجية الجزائرية عن وعي، أو عن غير وعي، وبات واضحا أنهم سخروا لزعزعة استقرار المغرب من داخله، عبر استفزاز قوات الأمن، و جرها للوقوع في فخ المجابهة والعنف، وتصوير تلك المشاهد المطبوخة والمركبة، قصد تسويقها في الخارج، وكثيرا ما يحدث هذا في مناسبات معينة، كالمؤتمرات الدولية، أو الزيارات الرسمية لبعض الرؤساء الأجانب للمنطقة، أو مبعوثي الأمم المتحدة.. صور توزع في الخارج، وبكل اللغات، وفي كل المواقع والمنابر الإعلامية العالمية، على أساس أن" المغرب دولة مارقة" تنتهك حقوق الإنسان في الصحراء.
لقد انتبه المغاربة إلى هذه الأفخاخ الإعلامية المدروسة، والتي طبخت في الجزائر بعناية، إنها امتداد لهذه الحرب الحقوقية الجزائرية المعلنة ضد المغرب، وفي هذا الباب، كلفت الجزائر عدة منظمات إسبانية بتحويل أموال ضخمة إلى شباب مغاربة في الداخل، قصد التحرش بقوات الأمن ليل نهار، والتشويش عليها، وتصوير كل المواجهات العنيفة، وإرسالها إلى مواقع إعلامية عالمية، منها مواقع يوتوب، وغوغل، والفيس بوك.. إنها مهنة مربحة، وكثيرا ما تكون هذه الصور الملتقطة مزورة ومفبركة، وفي مدن خارجة حتى عن نطاق النزاع، وخارجة عن موضوعه، وعن نصه. في هذا الإطار، ينبغي أن نشير إلى أن الجزائر، مولت قناة فضائية بإسبانيا للانفصاليين، وأسكنتها في قمر صناعي كتلاني، ومن مال دافعي الضرائب الجزائريين.
فإذا عدنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن الحزب الديمقراطي الأمريكي ومنذ عهد جيمي كارتر إلى الآن كان دائما يساند الحقوق السياسية والمدنية في العالم، وقد وقع في شباك الدعاية المغرضة الجزائرية، إلا أن اكتشاف بعض أعضائه البارزين كهيلاري كلينتون، للأطماع الجزائرية في الإقليم، والطبيعة الحقيقية للصراع بين المغرب والجزائر، جعل الديمقراطيين الأمريكيين يغيرون من لهجتهم وموقفهم، خاصة عندما تبين لهم أن البوليساريو ما هو إلا أداة طيعة في هذه المعادلة الجيوستراتيجية بين البلدين الجارين.
على مستوى الحزب الجمهوري، نلاحظ أن الدبلوماسية الجزائرية طيلة عهدتين متتاليتين للرئيس بوش، قامت بضخ أكثر من 30 مليون دولار في اللوبيات البترولية الأمريكية، قصد الضغط على المغرب، إلا أنها لم تستطع تجنيد سوى 15 شيخا ونائبا في الكونغرس الأمريكي لمساندة أطروحة الانفصال في إقليم الصحراء، وبعض الأقلام المأجورة، وبعض وسائل الإعلام التجارية.
أما الدبلوماسية المغربية، فرغم شح الإمكانات، فلحت نسبيا في الصمود ومواجهة هذه الآلة الجزائرية الضخمة والرهيبة، المنتشرة في العالم، بميزانية قدرها مليارا وسبع مئة مليون درهم مغربي(دولار واحد = تسعة دراهم)، مبلغ يساوي النفقات التي تخصصها الجزائر لدبلوماسية " الجمهورية الصحراوية الوهمية"...!! .
خلاصة القول، إن الجزائر التي تروج لانتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء، هي الأولى التي تضرب بتلك الحقوق عرض الحائط يوميا، وببشاعة كبيرة، فالعدالة الدولية لم تفتح بعد ملفات الذبح، والاغتصاب، والاختطاف لمئات الآلاف من الجزائريين والجزائريات، و كان بعضهم من أهلي، نظرا لعدة أسباب( انتظار نتائج المصالحة الوطنية التي كانت عبارة عن مسرحية ( الجبل الذي تمخض فولد فأرا)، فالذاكرة الجماعية الجزائرية، لا تنسى، ولن تسامح المجرمين المتسببين في الحرب الأهلية، وقد عبرت عن ذلك في مناسبات عديدة، وهي مازالت تؤكد دائما أن المحاسبة قادمة بدون شك. وفي هذا المضمار ينبغي أن أشير إلى أن المغرب، لم يستغل لا سياسيا، ولا إعلاميا، ولا حقوقيا، مآسي الشعب الجزائري، ولا سجل الجزائر الأسود في ميدان انتهاك حقوق الإنسان، سواء كان في الجزائر، أو في مخيمات تندوف، ولم يطالب الأمم المتحدة بتطبيق حق تقرير المصير للتوارق معاملة بالمثل، ولم يوجه الرأي العام العالمي نحو إنشاء محاكم مختصة، لمساءلة الدولة الجزائرية في مقتل 500 ألف جزائري وجزائرية، واغتصاب آلاف النساء، واختطاف آلاف الأطفال، ولم يطالب كذلك بإنشاء محكمة جنائية دولية؛ للنظر في طرد 350 ألف مغربي في ثياب النوم، وفي عشية عيد الأضحى سنة 1975، وفي ظروف مأساوية، وبدون تعويض. ولم يرفع شكوى ضد الجزائر بسبب التهجير القسري لآلاف الأطفال الصحراويين المغاربة إلى كوبا.
ما يطالب به المغرب، هو السماح للأمم المتحدة والمنظمات المختصة بزيارة المخيمات الموجودة على الأراضي الجزائرية لتقصي الحقائق، واستفتاء آراء المحتجزين، ومعرفة رأيهم، سواء في البقاء، أو العودة إلى وطنهم الأم، فالمغرب يسعى كذلك مع كل دول العالم المحبة للسلام، إلى إلزام الجزائر بإعطاء تقرير مفصل حول مصير المفقودين الصحراويين، والموريتانيين، والمغاربة، وحتى الجزائريين في مخيمات لحمادة بالجزائر، كما يسعى جاهدا لترميم البيت داخل الأسرة المغاربية، فالذي بيته من زجاج، لا يقذف الجيران بالحجارة.
إن خلق جمعية صداقة جزائرية صحراوية – كدرع أخرى للدبلوماسية الجزائرية في العالم- والتي ما هي في الواقع إلا مصلحة من مصالح الجيش الجزائري، هو استخفاف وتحقير للرأي العام العالمي، وتشويه لحقيقة النزاع، ولحقيقة الوضع في الصحراء، وتغطية عن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في الجزائر وفي مخيمات لحمادة، فانظروا معي كيف قامت هذه الجمعية عفوا الكتيبة بترتيب المظاهرة الموالية للبوليساريو في مدريد، ومسرحية تسلم السيدة المغربية أميناتو حيدر لجائزة حقوق الإنسان من مؤسسة كنيدي، تحت التعليمات المباشرة لضابط الأمن الجزائري المرافق لها. فالسيدة المذكورة، التي تتمتع بحرية الرأي والتعبير في الصحراء المغربية، تتجول في العالم بكل حرية، وبجواز سفر مغربي، وتعود إلى بيتها وهي محملة بالعملة الصعبة، سيدة نحترم آراءها، وميولها، رغم معرفتنا جيدا للدوافع الشخصية والنفسية التي تتخبط فيها، وترجع إلى أولادها بالعيون، بدون خوف أو مساءلة حتى من تهمة التخابر مع دول أجنبية معادية.. فهل توجد مثل هذه الحرية في الجزائر؟ إن ضمان حرية التجول والتعبير لجميع المغاربة، دليل قاطع على احترام المغرب لحقوق الإنسان والتزاماته الدولية، واعترافه بكونية هذه الحقوق، ومحاكمة وتجريم كل شخص يثبت انتهاكه لها، وقد وقع ذلك مرارا وتكرارا.
إن الأحزاب المغربية، وجمعيات المجتمع المدني المغربية في الداخل والخارج، عليها أن تقوم باحتضان، وتوعية، وتحسيس الشباب المغربي المنحدر من الأقاليم الصحراوية، وتحسين وضعيته المادية والمعنوية، وهذا مطلب شعبي، شباب وقع ضحية مغالطات، وتأويلات، وحسابات جيوستراتيجية جزائرية، تشعل النار في الداخل المغربي. فمن الواجب على وسائل الإعلام المغربية كذلك، أن تقوم بدورها في فضح الأبعاد الكارثية للانفصال على بلدنا، وعلى المنطقة، والدور الخطير الذي تلعبه الجزائر في استعمال بعض الطلبة في الجامعات المغربية كأدوات إشهارية في نزاع لا علاقة له بمستقبل الصحراء ولا بسكانه، كما ينبغي مساعدة بعضهم على الخروج من عزلتهم، وإدماجهم بطرق محترمة في وطنهم المغرب. أما الحكام في الجزائر، فعليهم أن يختاروا بين الدمار، والفقر، والإرهاب، والتفكك، والاستبداد، وبين الديمقراطية، والوحدة، والسلام، والتنمية في المغرب العربي. ختاما، أقول لهم بصدق وأمانة، كفى من هذه الحرب العبثية التي تهدر الجهد والمال لمصلحة الغريب، الذي يحضر نفسه للعودة إلى المنطقة، فالشعوب المغاربية، لا تريد تكرار ما جرى من مآسي سنة 1963، ولا إعادة استنساخ ما وقع من فناء متبادل بين العراق و إيران. إلى أين نحن ذاهبون يا إخوة...؟؟
ذ. أحميدان و لد الناجي باحث / مدريد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.