في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والهواجس الجيوسياسية بالمنطقة العربية، باتت مسارات الهجرة القانونية نحو أوروبا، وخاصة عبر الدراسة والعمل والاستثمار، من أبرز ما يشدّ اهتمام الشباب الطامح إلى فرص استقرار آمن ومؤطر قانونيًا. وتسجل بلدان الاتحاد الأوروبي، خلال العام الجاري، إقبالًا لافتًا على برامج الإقامة طويلة الأمد، بفعل تحديثات قانونية طالت تأشيرات الدراسة والبطاقات الزرقاء الأوروبية ومسارات "الفيزا الذهبية"، في مسعى من العواصم الأوروبية إلى جذب الكفاءات ورؤوس الأموال و"الرقميين الرحّل". وفي هذا السياق، أطلقت ألمانيا وهولندا، إلى جانب الدول الإسكندنافية، تسهيلات جديدة تسمح بتحويل تأشيرة الدراسة إلى إقامة عمل دائمة، بعد منح الخريجين الأجانب فترات سماح تتراوح بين 12 و18 شهرًا للعثور على وظيفة. من قاعات الجامعة إلى سوق العمل ويشكل مسار "الدراسة إلى الإقامة" إحدى أكثر القنوات شعبية لدى الفئات الشابة، حيث توفر دول مثل ألمانيا وهولندا وبولندا تأشيرات طالب مرنة، مع إمكانية العمل بدوام جزئي أثناء الدراسة، ثم التحول إلى إقامة دائمة أو بطاقة زرقاء في حال الحصول على عقد عمل مؤهل. وتتطلب هذه المسارات إثبات موارد مالية تتراوح بين 10 و12 ألف يورو سنويًا، إضافة إلى إتقان اللغة بدرجة لا تقل عن B1 عند طلب الإقامة الدائمة. كما بدأت بلدان مثل السويد والدنمارك باحتساب نصف سنوات الدراسة ضمن المدة المؤهلة للحصول على الجنسية، ما اعتبره خبراء الهجرة "نقطة جذب استراتيجية". البطاقة الزرقاء الأوروبية.. جواز الكفاءات العالية بموازاة ذلك، تستقطب "البطاقة الزرقاء الأوروبية" عددًا متزايدًا من المهندسين والأطباء وخبراء تكنولوجيا المعلومات، وتمنحهم إقامة عمل مع حرية التنقل في منطقة شنغن، وحق لمّ الشمل الأسري، والوصول إلى الإقامة الدائمة في أقل من ثلاث سنوات. وتصدر ألمانيا الحصة الكبرى من هذه البطاقات، بأكثر من 50 ألف حالة خلال 2024، وفق بيانات المفوضية الأوروبية، خصوصًا في قطاعات الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة. وتفرض معظم الدول راتبًا سنويًا لا يقل عن 48 ألف يورو، مع تخفيضات للمهن المطلوبة. الإقامة الذهبية.. ملاذ المستثمرين في الجانب الاستثماري، تستمر اليونان والبرتغال في تصدّر برامج "الإقامة الذهبية"، التي تمنح الإقامة في غضون أشهر مقابل استثمار عقاري أو مالي، دون شرط الإقامة الفعلية في البلاد. وأبقت اليونان على عتبة الاستثمار العقاري عند 250 ألف يورو، فيما انتقلت البرتغال إلى خيارات مالية أكثر صرامة، عقب قرار إنهاء مسار العقارات في بعض المناطق. أما مالطا، فتقدم خيارًا مركبًا يجمع بين الإيجار والتبرعات، مقابل إقامة سريعة تشمل الأسرة. ويمنح هذا النوع من الإقامة حرية التنقل في فضاء شنغن، مع إمكانية الحصول على الجنسية بعد 5 إلى 10 سنوات، بحسب الدولة. الرقميون الرحّل والمتقاعدون يجدون موطئ قدم وتفتح دول مثل البرتغال وإسبانيا وإيطاليا أبوابها أمام حاملي "تأشيرات الدخل السلبي" أو "المتقاعدين"، الذين يثبتون دخلًا ثابتًا دون الحاجة إلى ممارسة عمل محلي. وتسمح هذه الفيزا بالإقامة القانونية وتجديد سنوي، تمهيدًا للإقامة الدائمة، وهو ما يجعلها مناسبة لفئة "الرقميين الرحّل" ومتداولي العملات الرقمية والمستثمرين عبر الإنترنت. ريادة الأعمال.. جواز إقامة للمبتكرين من جهة أخرى، وسّعت دول مثل فرنسا وهولندا برامج تأشيرة "الستارت-أب"، التي تمنح إقامة مؤقتة لأصحاب المشاريع التكنولوجية أو الابتكارية، على أن يكون المشروع مدعومًا من حاضنة رسمية، مع احتمال التحول إلى إقامة دائمة بعد سنتين. وتُعد تأشيرة "French Tech Visa" من أبرز هذه البرامج، حيث توفر إقامة قابلة للتجديد لمدّة أربع سنوات، مع امتيازات موازية للبطاقة الزرقاء. مسارات أخرى: الزواج ولم الشمل ويظل الزواج ولمّ الشمل من الطرق التقليدية للحصول على الإقامة، مع اختلاف الشروط حسب الدول. ففي فرنسا، مثلًا، يمكن للزوج الأجنبي الحصول على إقامة قابلة للتجديد بعد عامين، ثم الجنسية بعد عامين إضافيين، بشرط إثبات الاندماج والقدرة المعيشية. أما ألمانيا، فتشترط مستوى A1 في اللغة للحصول على الإقامة الأولى، وسكنًا ملائمًا ودخلًا مستقرًا. هل الجنسية الأوروبية ما تزال هدفًا ممكنًا؟ رغم تشديد بعض القوانين في 2025، لا تزال دول مثل البرتغال، واليونان، ومالطا، تقدم مسارات واقعية للجنسية خلال 5 إلى 7 سنوات. وتبقى اللغة والاندماج ومصدر الدخل الشرعي من أبرز عوامل النجاح. وبحسب مصادر من المفوضية الأوروبية، فإن التوجه العام داخل الاتحاد هو تشجيع الهجرة القانونية المنظّمة، في مقابل تشديد الإجراءات ضد الهجرة غير النظامية.