هلال: "فصام سياسي" ينخر الجزائر ويحوّلها إلى مرتع للجماعات الإرهابية والنزعات الانفصالية    "صحراويون من أجل السلام" ترد على ادعاءات البوليساريو: قرار انضمامنا للاشتراكية الدولية نهائي ولا رجعة فيه    المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة يحتضن مراسم الاحتفاء بالشرطيات والشرطيين الموشحين بالأوسمة الملكية    عمر حجيرة يترأس ندوة علمية لرابطة المحامين الاستقلاليين بوجدة    أوجار: جو الأمان يدعم الديمقراطية ببلادنا وإنجازات الحكومة تجعلها الأنجح في تاريخ المغرب    أسوشيتد برس: قادة في جيش إسرائيل يأمرون باستخدام فلسطينيين دروعا بشرية    فيضانات أستراليا تخلف خمسة قتلى وآلاف المنازل المتضررة    غارة إسرائيلية تقتل 9 أبناء لزوجين طبيبين بخان يونس جنوب قطاع غزة    مدرب نهضة بركان يشدد على أهمية الحفاظ على التركيز أمام سيمبا التنزاني    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    توضيحات حول واقعة وفاة طفل داخل حافلة مدرسية بإقليم تاونات    تفائل كبير بمدينة الجديدة بعد تقديم الأسطول الجديد لشركة النظافة للسنوات السبع القادمة    فيدرالية الأحياء السكنية ومتطوعون ينظمون ورشا بيئيا بشاطئ الجديدة    باحثة ترصد تأثير تحولات الأسرة المغربية على السلوك الغذائي للأطفال    طنجة.. توقيف خمس فتيات من جنسية إيفوارية حوّلن شقة مفروشة إلى وكر للدعارة    الملك يستقبل الولاة والعمال الجدد بالقصر الملكي بالرباط    الإيراني جعفر بناهي يظفر ب"السعفة الذهبية" في مهرجان كان    ثنائية المجد.. جوينت تكتب التاريخ في ملاعب الرباط    المغاربة بعد الجزائريين أكثر المهاجرين في فرنسا    استمرار تأخر تعويضات تصحيح وحراسة الامتحانات يغضب رجال التعليم    الإكوادور تفتح سفارة بالرباط قريبًا بعد مباحثات بين بوريطة ونظيرته    الملك يستقبل الولاة والعمال الجدد المعينين بالإدارة الترابية والمركزية    بركان يختتم التحضير لمواجهة سيمبا    تعادل ثمين لبيراميدز أمام صن داونز    البطولة: السوالم يقترب من ضمان البقاء عقب انتصاره على أولمبيك الدشيرة    "ماطا" تبعث برسائل السلم والتآخي والتعايش بين الأديان    خبيرة من منظمة التعاون الاقتصادي تحذر من مخاطر حوادث الذكاء الاصطناعي    مصب واد درعة بطانطان: مناورات عسكرية مغربية أمريكية واسعة النطاق في ختام تمرين "الأسد الإفريقي2025"    عزيز كي يوقع عقد الالتحاق بالوداد    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الارتفاع    انخراط المغرب في الدينامية الأطلسية سيساهم في إعادة التوازن إلى خارطة الاقتصاد العالمي (ولعلو)    انقطاع واسع للكهرباء في جنوب شرق فرنسا بسبب حريق مشبوه    عطل عالمي يضرب منصة "إكس"    تصرف مفاجئ من لامين يامال تجاه النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي    كأس العرب 2025 ومونديال أقل من 17 عاما.. إجراء القرعة غدا الأحد بالدوحة    هونغ كونغ ترحب ب"الطلاب الممنوعين" في أمريكا    ارتفاع تهديدات اختطاف الأطفال من وإلى هولندا.. والمغرب في دائرة الاتهام    لكريني يرفض إساءة الجزائري بخوش    الفنان عبد الرحمان بورحيم في ذمة الله    السغروشني: تموقع بلدنا غير بارز كفاية على مستوى الترتيب العالمي المرتبط بالذكاء الاصطناعي    "استدامة الموارد المائية والأمن الغذائي" شعار المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين بسوس ماسة    تداولات بورصة الدار البيضاء تتجاوز 2 مليار درهم في أسبوع    المعهد الموريتاني يحذر: صيد الأخطبوط في هذه الفترة يهدد تجدد المخزون البيولوجي    مدينة العرائش تحتضن الدورة الثانية من ملكة جمال الفراولة    الجناح المغربي يتألق في مهرجان كان السينمائي    "Art du Caftan"يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    الاستثمار الصيني في المغرب: بطاريات المستقبل تنبض من طنجة نحو أسواق العالم    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    تتويج الفائزين بجائزة المغرب للشباب 2025    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    وزارة الأوقاف: حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    يهم حجاج الناظور.. وزارة الأوقاف تدعو إلى الإحرام في الطائرات    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليالي رمضان
نشر في شبكة طنجة الإخبارية يوم 15 - 09 - 2009


أمة تجيد العبادة لكنها لا تجيد العمل.
الليل للراحة والاسترخاء، وليس للمعاش، ومع ذلك يبقى جميلاً ورائعاً ومؤنساً وأخاذاًَ عند الشعراء والعشاق سواء هم قتلوه بالنوم أو أحيوه بالسهر حيث الأحلام الجميلة تولد خلال لحظاته أثناء تمدد الجسم واسترخائه.
وقد قال الشاعر:
"يا ليل طل أو لا تطل لابد لي أن أسهرك".
وسهر الليالي يمكن يكون موحشا مؤلما مع المرض والعلل. وقد نجح الشاعر في تصوير الحمى التي لا تنشط إلا ليلا حين قال:
"وزائرتي كأن بها حياء فليس تزوز إلا في الظلام".
المغاربة أكثر الناس احتفاظا على التقاليد وتمسكا بالعادات، ويظهر ذلك جليا خلال شهر رمضان وخاصة في لياليه المؤنسة والرائعة والتي ٍتتعدد خلالها الطقوس والعادات وتختلف التقاليد والأعراف، وتنصهر جميعها لتفرز نكهة خاصة تميز المغرب عن غيره من بقية البلدان العربية والإسلامية، وتمنحه فرادة وخصوصية تؤشر على عراقته وتجذره في عمق الحضارة والتاريخ الإسلاميين في كل مجالات حياة الناس ومعيشهم، أماكن العبادة التي تصبح لها خلال هذه الليالي مكانة خاصة حيث تزين فضاءاتها جمالاً وقداسة لاستقبال شهر الغفران بما يليق به من تبجيل وتعظيم. وأسواقهم التي تختنق بالسلع المتنوعة: وشوارعها التي تضيق بالمارة والمتسوقين، وفي داخل بيوتهم ومنتدياتهم التي تعرف حركة غير عادية من تسارع الناس إلى الاجتماع والالتقاء لتبادل الزيارات وأطراف الحديث.
فما أن يقترب قرص الشمس من المغيب، حتى تبدأ رحلة الجميع نحو منازلهم للتحلق حول موائد الإفطار، والتهام ما زخرت به من صنوف الأطعمة والمأكولات. وبعد زوال كل أثر لضياء الشمس و انمحائه من الكون، يعم الليل البهيم الذي لا يبدد ظلامه الدامس سوى كثافة أعمدة الإنارة المزروعة في كل الشوارع والميادين و الدروب، ولا يحرك سكونه غير هذا العدد الكبير من الناس والسيارات الفارهة والعادية التي تجوب شوارع مدينة تسودها أجواء ليلية ٍعامر بالحركة، مكتظة بنشاطات كثيرة اعتاد النهار الإنفراد بها، لم يدرك أو لم يتمكن المرء من إنجازها خلال نهارات رمضان، إلا مع إطلالة ليل جميل ومثير من ليالي هذا الشهر الفضيل التي تتحول عند المغاربة إلى نهارات تتسع لكل ما هو أثير وجميل وأنيس مما يحبه الإنسان ويهواه ويلهو به عن كل ما يشعره بالضيق أو عدم الراحة خلال نهاره.
ليالي الصيف الرمضانية، ليال مؤنسة وساحرة جعلنا عاجزين عن مقاومة إغواء السهر. فبعد أداء صلاة العشاء و التراويح تمتلئ الحياة الليلية بالحركة والنشاط، القادرة على إنجاز ما لم يتم إنجازه في النهار، فالناس يتسامرونه لإشباع النفس بما حال العمل دون تحقيقه في النهار، أو شغلهم عنه الصوم وأبعدتهم عنه مشاغل التنسك والتعبد.
فيهربون إلى المقاهي لكي يقضوا شطراً من اليل الجميل على كراسيها الوثيرة المؤثثة لشوارع المدينة، بعيداً عن الروتين والهموم وما اعتاد عليها الكثير من الصائمين الذين لا يحبون شرب فنجان القهوة بعد الإفطار وصلاة التراويح إلا بتلك المقاهي العموميةٍ الراقية المنتشرة في المدينة حيث الهواء النقي والمنعش والعليل، وحيث الشوارع تبدو في كامل زينتها بما يلهم الشعراء وأهل الطرب والعشاق، الذين يستمتعون بالاحتساء الذي تتخلله ثرثرة شيقة تحرض العقل على التفكير والنقد كما يحرض فنجان القهوة المعتقة على الانتباه واليقظة. وسواء كانت الثرثرة حول مسألة سياسية أو دينية أو اجتماعية أو عاطفية أو رياضية. فإني أحب أن أحتسي فنجان قهوتي الليلية في مقهى بعينه من مقاهي الأحياء الشعبية لفاس حيث متعة الحديث إلى الأصدقاء القدامى يطربني، ونبرة ثرثرة المتحاورين يشدني، لاسيما إذا كان موضوع الجلسة كرويا بامتياز، فإنه لا شك مما يضفي على فنجان القهوة طعما مميزا لا أجده في مقهى آخر، خاصة إذا كان موضوع النقاش يهم ال"واف"waf فريق الحي؛ فإن الإثارة تبلغ مداها بين رافض لهذا اللاعب وبين مؤيد وباحث عن زلة ذاك، ومتربص بعثرات مدرب أو مسير، وبين مادح ومشيد بما كان ويكون وما سوف ويجب أن يكون. هذا ديدنهم كلما طرح موضوع فريق حي "فاس الجديد" ومشاكله. والأطرف في ذلك هو حين يتساءل أحد المتحاورين عن دور أعضاء المجلس الجماعي للحي في الشأن الرياضي وانعكاس اهتماماتهم على مساره، فتقوم قائمتهم جميعا ضده ومستشاريه وأدائهم العكسي على مسيرة الثقافة والرياضة في الحي لاسيما لعبة كرة القدم، وهكذا ومن غير مقدمات تجدهم يتحسرون على زمن الرئيس الفلاني والمستشار العلاني الذين حقق الفريق في زمانهم اكبر الإنجازات، وتبوأ أعلى المراتب بفضل ما كانوا يقدمون للفريق من دعم حاتمي.
ومهما بلغت درجة حدة جدل أصدقائي القدامى واشتدت حرارته، فإنه لا يتجاوز حدود اللباقة المعهودة فيهم ما يضفي على سهراتهم الرمضانية عذوبة وحميمية، وهي صورة رائعة.
إن السهر الرمضاني عادة حميدة ظلت تتناقل عبر الأجيال إلى أن تأصلت في الناس، وأصبحت الكثير من المدن المغربية تقيم الحفلات والسهرات العمومية في العديد من الشوارع والساحات العمومية ويستمر هذا السهر طويلا حتى وقت السحور، ما يجعل نشاط الصائمين يتأثر بانقلاب وتيرة الحياة اليومية وتغير مواعيد العمل رأسا على عقب عند الكثيرين، فيؤثر السهر الطويل على الأداء العام، وتقل ساعات العمل، ويزداد تأخر الموظفين، وتنتاب معظم المؤسسات حالة من التأجيل والتسويف للأعمالها الضرورية والحساسة، وتطغى على أحاديث الناس وتصرفاتهم وبقوة مقولة " اللهم إني صائم" ويؤجل بعدها كل شيء إلى ما بعد عيد الفطر. حتى أضحى للكسل قيمة سلبية مرتبطة بالكثير من المناسبات الدينية الأخرى لدى المغاربة ومعظم الشعوب العربية والإسلامية رغم أن الإسلام يحض على الإخلاص في كل شيء لله سواء أكان عبادة أم عملاً، ويحث صراحة على أن يُحسن المرء عمله وأن يؤديه على الوجه الأكمل.
ورغم أنه كثيرا ما سمعنا و قرأنا أن رمضان ليس مجرد شهر للصيام و العبادة فقط، بل هو شهر للجد و العمل و الإنتاج أيضا كما ورد في الأثر النبوي: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم العمل فليتقنه" رواية الطبراني. إلا أن هذا الجانب "العملي" في الدين لا يلتفت إليه أحد في غمرة الاهتمام بالمظهر والشكل فقط. حتى تحول المغرب مثله مثل كثير من البلدان العربية إلى بلد يرتفع فيه الاستهلاك بنسبة تزيد عن 30% مقارنة بباقي أشهر العام. دون أن يرافقه ارتفاع في حركة معدلات الإنتاجية، ما يجعلها تنزل إلى أضعف مستوياتها خلال شهر رمضان، و هي الهزيلة أصلا في باقي شهور السنة مقارنة مع باقي إنتاجية الدول المتقدمة. كل ذلك بسبب العادات المشينة المكتسبة في هذا الشهر، من قبيل التأخر في الوصول إلى مقرات العمل، ما يعني تراكم العمل، والخروج قبل المواعيد المقررة، بدعوى عدم كفاية الوقت الفاصل بين الخروج من العمل وموعد الإفطار.
حتماً أن معظم الناس لا يقصدون هذا الانشقاق بين "الصوم" و"العمل"، لكن ذلك مدعاة للتمييز المهم المطلوب بين حالاتٍ ثلاث: فحالة الصيام الصادق حتى لو لم يقترن بعمل صالح هو خير وأفضل من حالة الإمتناع عن الصوم. لكن الحالة المثلى طبعاً هي في الجمع بين الصوم وصلاح العمل.
أمام هذه السلوكيات غير اللائق بحرمة هذا الشهر الذي نزل فيه القرآن، يتحتم على المؤسسات الحكومية والإعلامية والدعوية ومنظمات المجتمع مدني تحسيس الأمة بمدى أهمية العمل، وزيادة مساحة التوعية الخاصة باجادته وإتقانه في هذا الشهر الكريم، وأن الإخلاص فيه يزيد من ثواب المسلم لأن الإنسان الذي يصوم و يعمل بجد و إخلاص هو مواطن صالح ومتدين مثالي يجمع بين الدين و الدنيا. نحن أمة تجيد العبادة لكنها لا تجيد العمل وتجيد الكلام لكنها لا تعرف كيف تطبقه وأكثر من ذلك نحن أمة تحسن كل شيء لكن بالكلام.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.